يا طلاب العلم! أين ذهبتم؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

يا لعلي أمهّد للمشكلة بما يدل على قدم شأنها، بذكر بعض المأثور عن الأئمة.

فعن ابن سيرين قال: "أدركت بالكوفة أربعة آلاف شاب يطلبون العلم".

وقال شعيب بن حرب: "كنا نطلب الحديث أربعة آلاف فما أنجب منا إلا أربعة".

وقال أبوداود الطيالسي: "كنت يوما بباب شعبة وكان المسجد ملآن، فخرج شعبة فاتكأ عليّ وقال: يا سليمان! ترى هؤلاء كلهم يخرجون محدّثين؟ قلت: لا! قال: صدقت، ولا خمسة! قلت: خمسة؟! قال: نعم! يكتب أحدهم في صغره ثم إذا كبر تركه، ويكتب أحدهم في صغره ثم إذا كبر يشتغل بالفساد!

قال: فجعل يردّد عليّ!

قال أبو داود: ثم نظرت بعدُ فما خرج منهم خمسة!

وقال الفريابي: قال لي سفيان الثوري يومًا وقد اجتمع الناس عليه: "يا محمد! ترى هؤلاء ما أكثرهم! ثلثٌ يموتون، وثلث يتركون هذا الذي تسمعونه، ومن الثلث الآخر ما أقل من ينجب"!

وقال إسرائيل: "كثر من يطلب الحديث في زمن الأعمش فقيل له: يا أبا محمد! ما ترى ما أكثرهم! قال: لا تنظروا إلى كثرتهم! ثلثهم يموتون، وثلثهم يلحقون بالأعمال، وثلثهم من كل مائة يفلح واحد"!

ما المشكلة؟!

هناك تزاحم على وضع موطئ قدم في نيل مجد سريع وفائت!

جماعة ممن كانوا يعدون في زمرة طلاب العلم صارت غاية همتهم جمع الشهادات والتسابق لنيل المناصب ثم ترك العلم ومعه العمل وراءهم ظهريا!

يهرعون بأعداد كبيرة لحفظ العلم ودراسته.. لكن انقطع أمرهم عند مرحلة من مراحل التمكّن والتخصص الحقيقي المهيئ لمشروع العالم الراسخ!

قد تتخطفهم الأضواء وشدة التطلع والتزاحم على الرئاسة والظهور، فهذا رئيس أو مدير، قد رضيت همته بهذا المسمّى، وهذا يأخذ صورة تذكارية مع وجيه أو خطير، وذاك يستلم درعا تكريميا أو ظهر خبره وصورته في صحيفة..

وفي الحاصل: كلها أمور أريد بها الجاه السريع الذي سينتهي بمنصب أوعمل دون العمل المنتج للعالم الراسخ..

من يكبح هذا التزاحم والتسابق وقد طغت المادية وحب الدنيا على القلوب؟ وصارت ثقافة مجتمعٍ، حتى غزت المجالس الخاصة ببعض طلاب العلم؟!

دعك من كل ما سبق واستمع بعيدا عن الضوضاء:

أتنشد مجدا لم يقم به أحدٌ قبلك إلا رفع الله شأنه في الدنيا والآخرة؟

عليك بالجد في طلب العلم، ثم الدعوة إلى هذا المنهج الراسخ.

فليس عمل أشرف من ذا العمل: «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين»..

لا بأس بشهادة أو منصب تستعين بهما على إكمال ما بدأته، لا أن يكونا سببا في قتل همتك في مهدها!

ستجد لتحقيق الكمال أو ما يقاربه في هذا العمل مشقة شديدة؛ فإن التفرّغ الروحي والبدني له يتطلّب كثيرا من التخلي عما انشغل الناس به وترفهوا به.

ثم ستجد نفسك غريبا أيضا بين أقرب الناس إليك همة، فأنت تطلب كمالا وهو مكتف بالدون!

أنت تنظر لمستقبل بعيد، وهو ينظر لحاضر قريب!

أنت تنتظر حصادا كبيرا قد نضج واستوى وهو يستعجله بثمر عاجل..

ليس نيل ذاك الأمر مستحيلا، لكنه يحتاج نية وهمة وصبرا..

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply