بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
محو الأمية الخطوة الأولى للارتقاء:
محو الأمية في الشعوب كلها هو الخطوة الأولى بالمضي نحو الحضارة والارتقاء ،فإن شعبا تعم أفراده الأمية هو شعب لا رسالة له في الوجود، شعب لا يستطيع أن يصل إلى ما تصل إليه الشعوب الأخرى خصوصا إذا كان هذا الشعب منتسبا إلى الإسلام الذي أرادنا أن نكون شهداء على الناس، أن نكون أمة وسطا، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(1) والله تعالى قد رشحنا لهذه المهمة، ونحن لا نستطيع أن نكون شهداء على شعوب تقرأ ونحن لا نقرأ، شهداء على شعوب يتقن الناس فيها فنونا ويعلمون آدابا وفكرا، ونحن جالسون إلى الأرض نتغنى فقط بأننا كنا في التاريخ كذا وكذا.
البعض لا يهتم بتلك المشكلة
وبعض الناس لا يهتم بهذه الأعمال من محو الأمية ونحوها ، رغم أن مسألة الأمية أضحت هي المقياس والمعيار لجميع الشعوب في الأرض فكما أن هناك مقاييس للدخل الفردي للإنتاج، فإن مستوى التنمية البشرية يقاس دائما بعدد الذي يستطيعون أن يقرؤوا ويكتبوا.
وقد أشارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "أليكسو" إلى وصول عدد الأميين في العالم العربي إلى سبعين مليون شخصا في تلك الفترة، محذرة من أن هذه النسبة تقارب ضعف المتوسط العالمي(2).
أول من أدرك أهمية تعليم الأميين هو النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جميعا مدعوون إلى إدراك أهمية هذه القضية، وأول من أدركها هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يبني أمة، وكانت هناك أشياء يمكن أن يبدأ بها لكن من أهم الأشياء التي بدأ بها ترقية الإنسان.
فقد انتقل صلى الله عليه وسلم من مكة شرفها الله إلى المدينة النبوية، وكان أهل مكة يقرؤون ويكتبون لأنهم كانوا تجارا، ويعرفون ذلك لأجل تجارتهم، لكن أهل المدينة كانوا يشتغلون بالفلاحة وكان الذين يكتبون في المدينة أقل من الذين يكتبون من أهل مكة.
وحين وقع أسرى من أهل مكة بعد انتصار غزوة بدر الكبرى، جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء الواحد منهم أن يعلم عشرة من أهل المدينة الكتابة والقراءة، لأنه حين يخرج أحد الناس الآخر من الأمية والجهل يكون قد حرره، فيستحق هو أيضا أن يتحرر، فالحرية بالحرية، فالذي يعلم الناس يحررهم، والذي يستبقيهم في الجهل يتركهم في مكان لا يليق بهم وبإنسانيتهم، ثم إن هؤلاء الذين أرادوا أن يتحرروا بسهولة وبسرعة، عليهم أن يعلموا الناس بأيسر السبل وأحسنها، واستخدام أفضل الوسائل في التعليم، لأنه كلما طال العمل، كلما طال الأسر.
فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس وحسنه شعيب الأرناؤوط أنه: " كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة"(3).
بل دلت الشواهد والآثار كذلك على أن زيدا بن ثابت رضي الله عنه كان ممن تعلموا القراءة والكتابة على يد أسارى بدر(4).
وهكذا رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطرد الأمية من حياة المسلمين، لأن المسلم تنتظره أشياء كبيرة، وهذه الأمية تقيده وتمنعه أن ينهض بواجباته، والمشروع الحقيقي للتغيير هو الذي يبدأ من الإنسان،وأن المشروع الإسلامي ركز منذ فجره على بناء الإنسان علما وفقها.
ولقد كان الإسلام أول دين حارب الأمية والجهل، ودعا إلى التعليم ورفع مكانة العلم وأهله، فكانت أول الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشادة بالقراءة والقلم، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(5) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(6)
حلول مقترحة لحل مشكلة الأمية:
وتوجد حلول كثيرة ومبتكرة لمحاولة علاج تلك المعضلة الكبرى، بعد الإفادة من المنهج الإسلامي والهدي النبوي في فداء الأسرى، وكذلك إضافة المزيد من الاقتراحات لتتحول لمشروع قومي.
ومن تلك الحلول المقترحة: محاربة التسرب الدراسي بإلزام كل من بلغ السن الدراسي بالانتظام في المدارس، مع تخفيف الأعباء المادية لتكاليف الدراسة عن كاهل بعض الأسر التي لا تستطيع تحملها.
كذلك يمكن إلزام كل طالب جامعي كشرط لنيل شهادته الجامعية أن يتكفل بتعليم بعضا من جنسه –ذكورا للبنين أو إناثا للبنات- القراءة والكتابة على أن يظل هذا المطلب أثناء سني حياته الدراسية كمشروع لتخرجه يؤديه في أي وقت منه ولا ينال شهادة تخرجه إلا بعد أدائه.
كذلك يمكن الاستعاضة عن بعض الغرامات المالية التي تفرضها بعض المؤسسات الحكومية بسبب بعض الأخطاء بتعليم البعض القراءة والكتابة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
وكتبه دكتور محمد أحمد قنديل قسم الفلسفة الإسلامية جامعة القاهرة
المصادر:
1. سورة البقرة : آية 144
2. جمعة حجازي ، الأمية : تفاقم المشكلة وتعثر الحلول ص 17
3. مسند الإمام أحمد ، مسند عبد الله بن عباس
4. السهيلي ، الروض الأنف ، 5/ 167 ، ط الرسالة
5. سورة العلق (1- 5)
6. سنن ابن ماجة باب فضل العلماء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد