بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1- هذه سلسلة تغريدات تحت عنوان: (في علم الكلام المسيحي: معضلة التشبيه والتنـزيه!*).
2- الديانة المسيحيَّة، مثلها مثل الديانة السماويَّة التي قبلها: اليهوديَّة، مرت بعدة مراحل من التطور تَبَعًا لمؤثراتٍ عديدة، داخليَّة ذاتية وأجنبيَّة خارجيَّة.
3- ومن أبرز المعضلات التي واجهتها الديانات السماويَّة هي معضلة فهم النص الإلهي، هل المُراد به الظاهر أم المجاز؟ وخصوصًا في باب الصفات الإلهيَّة.
4- فالنصوص الدينية المقدسة قد جاء فيها من الصفاتِ الإلهيَّةِ الواضحةِ الظاهرة التي جعلت البعض بزعم أنَّها تدل على التشبيه والتجسيم، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه الظواهر –ولا بد- غير مقصودة التبة، وإنما هو مجازات يجب أن تُحمل عليها تلك الصفات؛ حتى لا يُظنَّ أنَّها تثبت التجسيم لصفات الباري.
5- ومن أهم العوامل التي لَعِبَتْ دورًا حاسمًا في حركة التأويل في فهم وتفسير نصوص الديانة المسيحيَّة، ومن قبلها الديانة اليهوديَّة، ظهور جيل متعلم في الأوساط الدينية المسيحيَّة منذ نهاية القرن الأول وبدايات من القرن الثاني الميلادي.
6- ذلك الجيل الذي أتى معظمه –كما يُنَصُّ على ذلك في تاريخ التدوين المسيحي المبكر- من خلفيات وثنيَّة يونانية، قد نَجَحَ في مهمته تلك.
7- حيث إنَّه قد أَسَّسَ علمًا جديدًا عُرِفَ في الأوساط الدينية المسيحيَّة باسم (apologetics) أي=علم الدفاع عن العقائد المسيحية وتزييف العقائد المخالفة، أو إن شئتَ قلتَ: علم الكلام المسيحيِّ.
8- وترى الباحثة الغربية فرانسيس يونغ (2005م)، أنَّ الدافع الأساس لهؤلاء المدافعين المسيحيين الأوائل، الذين كانوا قد تربوا في وسطٍ وثني وتسلحوا بعلم وحجاج الفلسفة اليونانية، هو رفضهم قبول تعاليم الآباء الكلاسيكيَّة الذي أتوا منها.
9- فرانسيس يونغ وهي قسيسة وعالمة لاهوت بريطانية، تعتنق مذهب الميثوديست، وكانت تعمل أستاذة فخرية في جامعة برمنغهام.
10- ولعل أبرز نقطة اتفق عليها المدافعون المسيحيون هؤلاء (علماء الكلام المسيحي)، هو أنَّ ما جاء في النصوص المقدسة من تشبيهات لا علاقة له بالتشبيهات الوثنية ولا بالتجسيم (anthropomorphism).
11- فالله في المسيحيَّة –كما يعتقدون- مختلف كليةً عن أي شيء مادي أو عن أي شيءٍ يُمكن أن تتصوره العقول. ومن هذا الموقف الحاسم نشأ التوجه التعطيلي، أو ما يُعرف باسم اللاهوت التنـزيهي (apophatic theology) أو اللاهوت السلبي (negative theology).
12- وكان من أعظم المؤثرات الفلسفيَّة على هذا الجيل ما يُعرف في تاريخ الفلسفة اليونانية والمسيحيَّة باسم الأفلاطونية الوسطى (Middle Platonism).
13- والتي تبلورت منذ انشقاق أنطيوخس العسقلاني (Antiochus of Ascalon)، تلميذ فيلو لاريسا (Philo of Larissa) الفيلسوف المعروف، في القرن الأول عن الأكاديمية المحدثة ورفض شكوكها، مُرورًا بالعديد من كبار الفلاسفة المعروفين من أمثال:
14- فيلون السكندري المؤول اليهودي المعروف، وبلوتارخ (Plutarch)، حتى تنتهي بالفيلسوف المشهور وصاحب أكبر أثر في الديانات، أي أفلوطين (Plotinus)، صاحب الأفلاطونية المحدثة.
15- ويؤكد الباحث الغربي الدكتور بالمر (Palmer) أنَّ المدافعين المسيحيين اليونان في القرن الثاني الميلادي استخدموا بشكل واضح وصريح ومهم اللاهوت التنـزيهي اليوناني، الذي أخذوه من مصادر مختلفة.
16- وأنَّ أعظم مصدر استقوا منه هذا اللاهوت التنـزيهي بلا نزاع هو الأفلاطونية الوسطى. وأنَّ هذا المصدر أحيانًا - وفي بعض الحالات- وصلهم عن طريق اليهوديَّة الهلنستيَّة (Hellenistic Judaism).
17- وكان غرضهم الرئيس –كما يؤكد الدكتور بالمر- هو دحض العقائد الوثنيَّة الرومانية وغيرها باستخدام المناهج اليونانية التنـزيهيَّة، إلى درجة أنَّ المسيحيين قد اتهموا بسبب ذلك المنهج التعطيلي السلبي بأنهم ملاحدة!
18- وأخذت تظهر تبعًا لذلك تقييدات عديدة من قبل رواد وقادة هذا الجيل وتلاميذتهم حين الحديث عن الله أو عن وصفه.
19- فعلى سبيل المثال: أرستيذس الفيلسوف والمتكلم الأثيني (كان حيًّا في الفترة من: 124م- 126م)، الذي قال: "ليس لأحدٍ أن يُطلقَ أسماءً على اللهِ غيرِ الموصوف".
20- وقال أيضًا: "الله لا اسم له، لأنَّ كل ما له اسمٌ فهو مخلوقٌ من غيره. ولا لون ولا شكل له. لأن من له هذه الخواص يُعد ويُحد. ولا يمتد تحت السموات لأنه أعلى منها وليست السماء أكبر منه لأن السماء وكل الخلائق محوطة به"
21- وقال: "ولا يتحرك ولا يُحصى ولا يُعبر عنه لأنه لا يوجد مكان يتحرك فيه أو إليه. وبما أنَّه لا يُعد فهو لا يُحد ولا يحيط به شيء. لا سخط عنده ولا غيظ لأنه لا انفعال عنده، بل هو عقلي"
22- وكذلك يوستينوس (100م- 165م)، الفيلسوف المتكلم (المُدافِع)، الذي قال في وصف الله: "الإله الواحد غير المحدود، وغير المنظور، الذي لا يستوعبه عقل، الذي يُهم من خلال التفكير العقلاني والمنطق".
23- *هذه مقتطفات يسيرة من بحثٍ أكاديميٍ للباحث بعنوان: (التشبيه والتنـزيه في اليهوديَّة والمسيحيَّة). والله الموفق.
24- في علم الكلام المسيحي: معضلة التشبيه والتنـزيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد