القواعد الثلاثة في مزاولة أمور الدين والدنيا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه قواعد ينبغي استحضارها، والعمل بها في كل أمر من أمور الدين والدنيا، واللهَ أسأل أن يتقبَّلَها وأن ينفع بها.

القاعدة الأولى: الدعاء:

وذلك بأن تدعوَ الله في كل أمر من أمور الدين والدنيا، في تيسيره وتسهيله؛ فإن الدعاء عبادة وقُرْبَةٌ واستعانة بالله الذي بيده الأمر كله؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما].

وعلى العبد أن يسأل ربه في كل صغيرة وكبيرة من خَيْرَي الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث: ((لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ))؛ [رواه الترمذي وغيره].

يقول الإمام ابن رجب في [جامع العلوم والحكم (1/ 225)]: "وكان بعض السلف يسأل الله في صلاته كل حوائجه، حتى مِلْح عجينه وعلف شاته، وفي الإسرائيليات: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب، إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحيي أن أسألك، قال: سَلْني حتى ملح عجينك، وعلف حمارك".

فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله، فقد أظهر حاجته فيه وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله، وكان بعض السلف يستحيي من الله أن يسأله شيئًا من مصالح الدنيا، والاقتداءُ بالسنة أَوْلَى.

 

القاعدة الثانية: التوكل:

التوكل على الله تعالى في كل أمر من أمور الدين والدنيا، والاستعانة به سبحانه في تيسير ذلك وتسهيله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ حسبه: أي: كافيه.

ومن أجمع التعاريف للتوكل ما ذكره العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "هو صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضارِّ، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها"؛ [مجموع الفتاوى والرسائل (1/ 106)].

فالعبد المؤمن يعتمد على الله، ويتعلق قلبه بالله في كل صغيرة وكبيرة؛ لأنه يرى الأشياء كلها من الله وبمشيئته وتحت أمره.

 

القاعدة الثالثة: فعل الأسباب:

لا بد من الأخذ بالأسباب الجالبة للخير والمانعة من الشر، وهذا لا ينافي التوكل، وقد كان سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية؛ فكان يُعَوِّذُ نفسه بالأذكار، وعند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحرب، وحَفَرَ الخندق في غزوة الأحزاب، وغير ذلك مما كان منه صلى الله عليه وسلم، وهو القدوة.

وفي أهمية بذل السبب - حتى ولو كان هذا السبب ضعيفًا - قد ذكر الله من أمر مريم عليها السلام، وهي المرأة الضعيفة النُّفَسَاء بهزِّ جذع النخلة الذي يثقل على الرجال؛ ليعلم الناس أهمية الأخذ بالأسباب؛ قال تعالى: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]؛ قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: "والله جل وعلا قادر على أن يُسْقِطَ لها الرطب من غير هزِّ الجذع، ولكنه أمرها بالتسبب في إسقاطه بهز الجذع، وقد قال بعضهم في ذلك:

ألم تَرَ أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذعَ يسَّاقط الرُّطبْ ولو شاء أن تجنيه من غير هزة جَنَتْهُ ولكن كلُّ شيء له سببْ ]أضواء البيان (183/4)[.

 

الخاتمة:

إن الدعاء فيه استعانة بالله القوي الذي لا يُعْجِزُهُ شيء، والتوكل فيه تعلق القلب بالله الذي بيده كل شيء، والأخذ بالأسباب فيه الأخذ بكل ما أمر الله به من الأسباب الشرعية والقدرية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply