بابٌ في رصيد الروح


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من بلاء النبلاء أن يكون حسن الرأي لغيره، مسدد المشورة، موفق التدبير، بينما يكون غير مستوفٍ لحظ نفسه في ما يمسه من شؤون ومصالح.

يستنزفه الناس بالشكوى، ويحمل مع كل صاحب هم همًا، يسير مثقلًا حتى إذا كان محتاجًا -في شأن نفسه- للانطلاق لم يجد في روحه خفة تسعفه.

وهكذا النبيل؛ نفسه منه في عناء، والناس منه في عافية.

جاء في ترجمة الفقيه المحدّث أحمد بن سعيد الهمذاني، المعروف بابن الهندي، أبو عمر القرطبي:

" ويرده الناس في مهماتهم فيستريحون معه، ويشاورونه فيما عنّ لهم.

وكان وسيمًا، حسن الخلْق والخلُق، وكان إذا حدّث بيّن وأصاب القول فيه، وشرحه بأدب صحيح، ولسان فصيح.

وخاصم يومًا عند صاحب الشرطة والصلاة إبراهيم بن محمد الشرفي، فنكل وعجز عن حجته .

فقال له الشرفي: ما أعجب أمرك أبا عمر !

أنت ذكي لغيرك، بكي [1] في أمرك .

قال : كذلك يبين الله آياته للناس، وأنشد متمثلًا:

صرت كأني ذبالة [2] نُصبت

تضيء للناس وهي تحترقُ"[3]

 

وفي هذا أستحسن معنى للشاعر الشعبي فهد الصعيري؛ يقول:

كم كنت أوقّف لخلق الله براس الطويل

‏واحسب اني لهم آخر حدود الفضا

 

‏أثر البشر تعتبرني مثل ماي السبيل

‏كل من شرب منه راح إلين جوفي فضى

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

————

[1] البكيء: قليل الكلام، غير المنطلق فيه.

[2] ذبالة: فتيلٌ يشعل ليضيء

[3] خبر أبي عمر في الصلة لابن بشكوال (1/ 42-43)

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply