بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قد صنف علماء الإسلام قديمًا وحديثًا في شتى مباحث القرآن الكريم وعلومه وفنونه، فمنهم: من أفرد ذلك في كتبٍ مستقلة، ومنهم من تناول ذلك في عدد من مصنفاته، وممن تكلم كثيرًا عن القرآن الكريم في عدد من مصنفاته: العلامة ابن القيم رحمه الله، وقد يسر الله الكريم فجمعت بعضًا مما ذكره، أسأل الله أن ينفعني والجميع به.
• القرآن الكريم الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية:
**القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحدٍ يُؤهل ولا يُوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا
**فاتحة الكتاب...الشفاء التام والدواء النافع...ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
** كتاب الله هو الشفاء النافع وهو أعظم الشفاء، وما أقل المُستشفين به! بل لا يزيد الطبائع الرديئة إلا رداءةً ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا. وكذلك ذكرُ الله والإقبالُ عليه والإنابةُ إليه والفزعُ إلى الصلاة، كم قد شُفي به من عليل! وكم قد عُوفي به من مريض! وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريبًا من مبلغه في الشفاء! وأنت ترى كثيرًا من الناس بل أكثرهم لا نصيب لهم من الشفاء بذلك
** الحمد لله الذي جعل كتابه كافيًا من كلِّ ما سواه، شافيًا من كلِّ داء، هاديًا إلى كل خير،...فآيات القرآن تحيي القلوب كما تحيى الأرضُ بالماء، وتُحرقُ خبثها وشبهاتها وشهواتها وسخائمها كما تُحرقُ النارُ ما يلقى فيها، وتميز زَبَدَها من زُبَدِها كما تميز النار الخبث من الذهب والفضة والنحاس ونحو منه.
[مفتاح دار السعادة]
** أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء، فقال تعالى: ﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ [الإسراء:82] فالقرآن كله شفاء...فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب، فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعظم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن.
** لو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء. ومكثتُ بمكة مدةُ تعترني أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواء، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكى ألمًا وكان كثير منهم يبرأ سريعًا.
[الداء والدواء]
تبارك من جعل كلامه شفاء لصدور المؤمنين، وحياةً لقلوبهم، ونورًا لبصائرهم، وغذاءً لقلوبهم، ودواءً لأسقامهم، وقرةً لعيونهم، وفتح به منهم أعينًا عُمينًا، وآذانًا صُمًا وقلوبًا غلفًا،...فأشرقت به الوجوه، واستنارت به القلوب.
[الكلام على مسألة السماع]
** كتابه...شفاء الصدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، ورياض القلوب، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح، حيَّ على الفلاح.
** قد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أمورًا عجيبة، ولا سيما مدة المقام بمكة أعزَّها الله تعالى. فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة، بحيث تكاد تقطع الحركة مني، وذلك أثناء الطواف وغيره، فأبادر إلى قراءة الفاتحة، وأمسح بها محل الألم، فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مرارًا عديدة. وكنت آخذ قدحًا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مرارًا وأشربه، فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء. والأمر أعظم من ذلك، ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين. والله المستعان.
[مدارج السالكين في منازل السائرين]
• قراءة آيات السكينة:
قال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سمعته يقول في واقعة عظيمةٍ جرت له في مرضه، تعجز العقول والقوى عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة – قال: فلما اشتد عليَّ الأمر قلت لأقاربي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال.
ولقد جرَّبتُ أنا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه، فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطُمأنينته. [مدارج السالكين في منازل السائرين]
• غذاء القلوب بسماع القرآن:
السماع الشرعي...أصلح الأغذية وأطيبها وأنفعها للعارفين، وهو غذاء قلوبهم الذي لا يشبع منه، كما قال إمام أهل هذا السماع عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله" وفي صفة القرآن "لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء " فهو قوت القلب وغذاؤه، ودواؤه من أسقامه وشفاؤه، وأما السماع الشعري الشيطاني فهو سُحت وقلب تغذي بالسُّحت بعيد من الله، غير الله أولى به [الكلام على مسألة السماع]
• القرآن الكريم كتاب حياة وهداية:
كتاب لم ينزل من السماء كتابٌ أهدى منه، خضعت له الرقاب، وسجدت له عقول ذوي الألباب، وشهدت العقول والفِطَرُ بأن مثله ليس من كلام البشر، وأن فضله على كل كلام كفضل المتكلم به على الأنام، وأنه نور البصائر من عماها، وجلاء القلوب من صداها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها، فهو حياتها الذي به حباها، ونورها الذي انقشعت به عنها ظلماؤها، وغذاؤها الذي به قوام قوتها، ودواؤها الذي حفظ به صحتها، وهو البرهان الذي زاد على برهان الشمس ضياء ونورًا، فلوِ ﴿... اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
[الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]
• تلاوة القرآن ربيع للقلوب وشفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للأرواح:
ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة ربيع القلب، وشفاء الصدور، ونور البصائر، وحياة الأرواح، وهو كلام رب العالمين، فيحل به فيما شاء من روضات مونقات، وحدائق معجبات، زاهية أزهارها، مونقة ثمارها، قد ذُلِّلت قطوفها تذليلًا، وسُهلت لمتناولها تسهيلًا، فهو يجتني من تلك الثمار خيرًا يُؤمر به، وشرًّا يُنهى عنه، وحكمة وموعظة، وتبصرة وتذكرة، وعبرة . وإزالة لشبهة، وجوابًا عن مسألة، وإيضاحًا لمشكل، وترغيبًا في أسباب فلاح وسعادة، وتحذيرًا من أسباب خسران وشقاوة، ودعوة إلى هدًى.
[شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم]
• ذوق حلاوة القرآن بتدبر قراءته:
** وبالجملة، فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه...يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والإنابةَ والتوكلَ والرضا والتفويض والشكرَ والصبرَ وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكمالهُ، وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.
** لو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لا شتغلوا بها عن كلِّ ما سواها،...فقراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهم خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبرٍ وتفهمٍ، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوقِ حلاوة القرآن.
[مفتاح دار السعادة]
• القرآن لا يجد حلاوته ولا يذوق طعمه إلا القلب المطهر من الأنجاس:
قوله تعالى: ﴿ إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسُّهُ إلا المُطهرُون ﴾ [الواقعة:77-79] فحقيقة هذا أنه لا يمسُّ محله إلا المطهر، وإشارته أنه لا يجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائقه إلا القلب المطهر من الأنجاس والأدناس، وإلى هذا أشار البخاري في صحيحه، فهذه من أصح الإشارات.
[الكلام على مسألة السماع]
• أسرار القرآن الكريم:
* أسرار كلام الله أجلُّ وأعظمُ من أن تدركها عقول البشر، وإنما غاية أولى العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه، وإن بادية إلى الخافي يسير.
* الأسرار في القرآن لا يرقي إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبدًا في كتابه.
* تبارك من أودع كلامه من الحكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنه كلام الله! وأن مخلوقًا لا يمكن أن يصدر منه مثل هذا الكلام.
* انظر إلى أسرار الكتاب وعجائبه وموارد ألفاظه، جمعًا وإفرادًا، وتقديمًا وتأخيرًا، إلى غير ذلك من أسراره، فلله الحمد والمنة لا يُحصي أحد من خلقه ثناء عليه.
* ليس في القرآن حرف زائد، وتكلمنا على كل ما ذكر في ذلك، وبينا أن كل لفظةٍ لها فائدة متجددة زائدة على أصل التركيب.[بدائع الفوائد]
• أسباب الانتفاع بالقرآن:
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حُضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله. قال تعالى: ﴿ إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ [ق:37] قوله: ﴿ لمن كان له قلب﴾ المراد به القلب الحيُّ، الذي يعقلُ عن الله وقوله: ﴿ أو ألقى السمع﴾ أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام وقوله ﴿وهو شهيد﴾ أي: شاهد القلب حاضر غيرُ غائب
فإذا حصل المؤثِّرُ وهو القرآنُ، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاءُ، وانتفع المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيءٍ آخر، حَصَل الأثرُ وهو الانتفاع والتذكر.[الفوائد]
• هجر القرآن:
هجر القرآن أنواع :
احدها: هجرُ سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
الثاني: هجرُ العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرآه وآمن به.
الثالث: هجرُ تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.
الرابع: هجرُ تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
الخامس: هجرُ الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها.[الفوائد]
• أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة استماع القرآن:
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، إذا اجتمعوا واشتاقوا إلى حادٍ يحدُو بهم ليطيب لهم السيرُ، ومُحركٍ يحرك قلوبهم إلى محبوبهم، أمروا واحدًا منهم يقرأ والباقون يستمعون، فتطمئن قلوبهم، وتفيض عيونهم، يجدون من حلاوة الإيمان أضعاف ما يجده السماعاتيه من حلاوة السماع، وكان عمر بن الخطاب إذا جلس عنده أبو موسى يقول: يا أبا موسى ذكِّرنا ربنا، فيأخذ أبو موسى في القراءة، وتعمل تلك الأقوال في قلوب القوم عملها، وكان عثمان بن عفان يقول: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله. وإي والله! كيف تشبع من كلام محبوبهم وفيه نهاية مطلوبهم ؟ وكيف تشبع من القرآن وإنما فتحت به لا بالغناء والألحان ؟
إذا مرضينا تداوينا بذكـركم فإن تركناه زاد السُّقم والمرضُ
[الكلام على مسألة السماع]
• الإقبال على القرآن الكريم وتفهمه وتدبره:
حقيق بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية ويخلص به من الخسران المبين وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبَّره واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه وصرف العناية إليه والعكوف بالهمة عليه، فإنه الكفيل بمصالح العباد في العباد والمعاش والمعاد، والموصل لهم إلى سبيل الرشاد.
[مدارج السالكين في منازل السائرين]
• تيسير الله عز وجل كتابه للذكر:
لا تجد كلامًا أحسن تفسيرًا، ولا أتم بيانًا من كلام الله سبحانه؛ ولهذا سماه سبحانه (بيانًا)، وأخبر أنه يسَّره للذكر، وتيسيره للذكر يتضمَّن أنواعًا من التيسير:
إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفَهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال.
[الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]
• التأمل في القرآن الكريم:
التأمُّل في القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقُّله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا تفهم ولا تدبر، قال تعالى: ﴿ كتاب أنزلناه إليك مُبارك ليدبروا آياته وليتذكر أُولُوا الألباب ﴾ [ص:29] فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمُّل له، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما. وتتُلُّ في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبيت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنياته وتوطد أركانه وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه وتُحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله، وما يحبُّه، وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول إليه والقدوم عليه، وقواطع الطريق، وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم...ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرفه الربَّ المدعو إليه وطريق الوصول إليه، وماله من الكرامة إذا قدم عليه
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان والطريق الموصلة إليه وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.[مدارج السالكين]
• صوت القرآن وصوت الغناء:
صوت القرآن يُسكِّن النفوس ويُطمئنها ويُوقرها، وصوت الغناء يستفزها ويُزعجها ويُهيجها. [الكلام على مسألة السماع].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد