بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في الساعة الواحدة صباحًا من يوم السبت ٢٦ /٢ استيقظت مختنقا كعادتي، لأن رئتي فاضت بالماء، بفعل فشل يزحف بكل ضراوة إلى أجزاء القلب، جلست قليلا على فراشي أرمق الظلام، ثم انسللت منه إلى مركبتي وقد جثم عليّ غم شديد، تعزز لعجز الأطباء التام عن فعل شيء تجاهي، ثم إن برنامج زراعة القلب لا يظفر به كل من هب ودب، فهناك اشتراطات عدة، وخطورة حاضرة، والمسار غير معبد.
في الطريق على غير هدى لمختلف مستشفيات الرياض التي تعرفني وأعرفها، وتألفني ولا أألفها، احترت أأتجه إلى مستشفى الحمادي بحكم تأميني، أم إلى المستشفى الذي بدأت بمراجعته مؤخرا طمعا في حل مشكلتي المعقدة، ولأنني أعرف إجراءات التعامل مع المشكلة، أيقنت أن الحمادي سيدخلني فورا للعناية المركزة، ويستدعي أي طبيب قلب مناوب ممن حفظ وجهي وتضاريسي وتاريخي المرضي، بل وأسماء جيراني! سيصرف المياه بالمدرات لبضعة أيام، ثم ينقلني للجناح الفخم فأخرج بإجازة، وأعود للمنزل كي تغرق رئتي ثانية.
تكرر هذا الأمر مع المستشفى وغيره أكثر من مرة، كان الأفق مسدودًا، وتنظيرات الأطباء تفلق الرأس، والكل مجمع على خطورة فتح القلب للمرة الثالثة.
اقترح أحدهم أمريكا وأنا لا أحب المقامرة في الغربة!
وبما أن الدروب متشابهة، فاسلك الأقرب منها، وكان الأقرب منها تلك الليلة، مستسفى الملك فيصل التخصصي، كانت الطواريء شبه فارغة إلا من بضعة مبتلين، من مكسور ومشطوب ومحموم، يتم فرزهم حسب الحالات وطبيعة المشكلة.
ولأن مشكلتي متراكمة ومعقدة والوضع متأزم عقب فرز الممرضة، حضر الطبيب واستنطقني عن التاريخ المرضي كالعادة.
مع أنني زودت المستشفى بتقارير سابقة عندما بدأت بالمراجعة، لكنه كان يرمم ثغرات الحكاية التي بدأت قبل عقود في مستشفى الشميسي للأطفال، تحديدا عندما دخل جهيمان الحرم وكنت على السرير أستمع لامرأة وهي تروي لجارتها عن مجموعة أشخاص دخلوا الحرم المكي واحتلوه، مرورا بمستشفى الملك خالد فمستشفى القوات المسلحة، ثم شبكة أخرى من المستشفيات الحكومية والخاصة.وانتهاء بمستشفى الملك فيصل، ولكل مستشفى قصة تستحق أن تروى لولا ضيق المساحة، وبغضي للثرثرة، واستحكام ظاهرة الاختصار في زمن السرعة، بعيدا عن الحشو وتزويق العبارات.
اتخذ الطبيب قراره بسرعة، أدخلوه بسرعة، ولأنني حفظت الإجراءات لم أحفل كثيرا بالدخول، لتفرع المشكلة ولأنني كنت أبحث عن حل غير جراحي، بمعنى أبحث عن حل شبه جراحي! كقسطرة تنهي المعناة بدلا من فتح القلب للمرة الثالثة.
فُتحت محاضر التحقيق للتاريخ المرضي وهو أمر مضنٍ للمريض، الذي يكرره دائمًا وأبدًا ويتلوه كورده على كل طبيب يسأله لماذا وكيف ومتى؟ مع أخذ العينات والسبر والتصوير بالإضافة لمنظار تحت تخدير كلي، وهو أمر يخيفني لمضاعفات التخدير، وقسطرة تسبق القرار النهائي الذي توصل له الفريق الطبي وبشكل عاجل، لا بد من الجراحة!
عندما يخبرك الطبيب بوجوب الجراحة، فهو بمثابة الحكم عليك بالإعدام مالم تحدث معجزة ما! فعملية القلب الأولى تختلف عن الثالثة، وكلما زادت تقصلت فرص النجاة!
ذكروا لي اسم جراح لا أعرفه، أجريت عنه عملية بحث واستقصاء، ولم أشفي غليلي من المعرفة عن حاله، سوى بضعة تزكيات يتيمة لا تقطع لك بشيء.ونجاح الجراحات في عالم الطب بعد توفيق الله تعالى، مناطة بالمكان وإمكانياته، وسرعة اتخاذ القرار الذي أجلته وهربت منه لعقد كامل.
بالإضافة لبراعة الجراح وقراءته للمخاطر الظاهرة، مع وجود فريق محترف داخل غرفة العمليات، على رأسهم طبيب التخدير، والأخصائيين والفنيين إلخ.
كانت لدي طقوس شخصية أجريها قبيل كل عملية قلب، أقف عند النافذة ليلا وأسرح بخيالي تجاه اللاشيء وأنا أودع عالمي الذي أعرفه، إلى الغد المجهول.
كانت لدي لزمة خوف من التخدير أولا، فهو مرحلة غريبة لا تستطيع وصفها، تغيب عن وعيك وتصحو وقد فقدت الإحساس بالزمان والمكان بل وحتى المشاعر.
وقد حدث لي في جراحتي الأولى شيء غريب لم أنسه منذ عقود، فعند تخديري سمعت غير واهم صوت منشار صغير وهو يمزق عظمة القص بصدري، صوت ضئيل وقصير لم أنسه لليوم!
في عمليتي الثانية لم أسمع شيئًا، أما في الثالثة والتي قبلها في عملية المنظار كنت أستمع للطبيب الباكستاني وهو يوجه الطاقم بكلمات غير مفهومة، وأشعر بهم يقلبونني، ربما كان تخديرا بسيطا لا يحتمل ذلك العمق وتلك الأبعاد.
وأما في عملية القلب الثالثة فلكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا أنني شعرت بألم تمزيق الصدر على يد الجراح الآلي، وصوت الدكتور فراس خليل يأتي عميقا هادئا غير مفهوم، كان ألما غريبا لم يستمر لثانية أو أكثر، وكنت أدرك أنني أتألم لكنني عاجز عن فعل شيء للألم، فكأنني أذعنت لواقعي الذي لم يتجاوز الثانية أو أكثر!
ولأنني متطفل على المعرفة، وبعض الجهل نعمة، قرأت موضوعات فيما مضى عن إحساس
بعض المرضى بالألم وهم تحت التخدير الكامل! لم أحقق تلك المعلومة لكنني أحسست بها.
وتتفاوت عمليات الإحساس ما بين سطحية، وعميقة، ومؤقتة مع العجز التام عن فعل أي شيء!
والتخدير فيما أعلم من شقين، مخدر يسري في الوريد، يعززه غاز مخدر
قيل لي إن ذلك الغاز يجعل أنسجة الجسد أكثر ارتخاء لمبضع الجراح.
غير أن للتخدير رهبته التي تصيبني بالرعب، بأنني سأنام عليه وأصحو في قبري وقد أحاط بي منكر ونكير، هذه اللزمة تسكنني عند كل عملية تخدير مهما كانت قصيرة، فما بالك بعملية ٨ ساعات كاملة؟! ولقد وقفت على حالات تم تخديرها في عمليات سهلة، ولم تستيقظ حتى الساعة، أو أصيبت بمضاعافات، وقيل لي:إن تخصص التخدير يهرب منه أكثر الأطباء إلى غيره ولم أحقق المعلومة أيضا.قال لي استشاري تخدير يوما:التخدير هو فن الجراحة، وأي خطأ بسيط فيه
له تبعاته على المريض والمستشفى والطبيب.ودون الإغراق في التفاصيل الطبية التي أجهل أكثرها لعدم التخصص، أخبروني:تم تغيير الجراح وسيتولى العملية الدكتور فراس خليل ولم أكن أعرفه، ولم يزد ذلك إلا في توتري، فالرعب من التخدير أولا، ثم من مضاعفات العملية ثانيا.
طلبت مهلة شهر لترتيب بعض الأمور، ولرغبتي في الصوم والدعاء أكثر، ولعله يكون آخر رمضان لي على هذه الأرض، فكانت حجتهم أقوى، بأننا سنضطر لإعادة الإجراءات ثانية والوقت ليس في صالحك! لم ينجحوا في طمأنتي على الرغم من قولهم إنها جراحة روبوتية، وأن فتحاتها أصغر ولن نضطر أن نفتح صدرك لخطورة ذلك عليك! أجريت عملية بحث عن ذلك الروبوت الذي يخضع لأنامل الجراح فكان اسمه دافنشي، وصورته بجوجل تختلف عن هيبته المرعبة في غرفة العمليات الواسعة.استخرت الله تعالى مرة واحدة، وكنت من قبل في عملياتي السابقة أستخير على مدى أيام، ربما لأنهم باغتوني هذه المرة وكان القرار سريعا!
ثم طلبت الدعاء ممن أعرف وممن لا أعرف، لانقطاعك عن أسباب الدنيا، إلى الله وحده لا شريك له.وكنت وما زلت وسأظل أعتقد أن الدعاء هو الأصل، ، وما دونه سبب.شيعت عالمي الذي أعرفه بنظرة أخيرة ونمت في خوف وقلق، صليت الفجر بلا وعي حاضر، وعدت للنوم أهرب إليه
وأنا أتمنى التأجيل أو معجزة أو أمر خارق، حتى أيقظتني جلبة التمريض، وهنا وقع قلبي بين قدمي وزاغ بصري، لقد حانت لحظة الحقيقة، ومهما تجلدت فالخوف مرسوم على سحنتك، وكلما تقدمت بالسن تشبثت بالحياة أكثر، تمسك تمسك بخيط النجاة بقوة، فأنت تقاد إلى المجهول بكل احتمالاته."فحاجة من عاش لا تنقضي"
طاقم التمريض مختلط بين من تعرف، ومن لا تعرف من شريحة تنتمي لغرف العمليات، تتميز بالطول الفارع وزي أزرق اللون.كانت القبعة التي وضعت على رأسي ملونة بشيء يشع بهجة وفرحا لا يتسق مع خطورة ما ستقبل عليه، وعلى الرغم من ذلك ينصرف العقل إلى أمور سخيفة تغرق في تفاصيل لون القبعة
وأنها إلى الاحتفال أقرب من الجراحة! لماذا لم يكن لونها موحدا محايدا كالأخضر مثلا، لون قبعات عمليات مستشفى القوات المسلحة بالرياض يبدأ الطريق لغرفة العمليات من لحظة خروجك من الغرفة، مرورا بمحطة التمريض التي تقف عندها قليلا لسحب ملفك، وكلما دارت العجلة غاص قلبك في محيط خوفك
وازداد يأسك لإدراكك بخطورة ما أنت مقبل عليه، وأن فرص النجاح تقل بزيادة العمليات، والعكس صحيح.صحيح.لم يشيعني الطاقم ولو بكلمة وداع، فالمشاعر الإنسانية مكبوتة لضمان جودة العمل، ولو سمح الممارس الصحي لعاطفته أن تنساب تجاه مريض، لما استطاع مزاولة المهنة.
ولذا يبتعد الممارس الصحي عن الاجراءات الطبية تجاه الأقارب والأصدقاء في الغالب.
مع كل باب كهربائي يفتح أو يقفل، تختنق أكثر حتى تصل إلى المنطقة المحظورة وهناك دعت أسرتي وسلمتهم هاتفي الذي ما توقفت من خلاله عن إرسال طلبات الدعاء إلى الأصدقاء والأقارب لآخر لحظة.
استقبلني هناك طاقم آخر، يكتسب جدية في التعامل، ملابسه زرقاء، وطائفة أخرى تضع فوق ذلك اللون رداء بلاستيكا أزرق اللون كذلك، خمنت على الفور أنهم يحمون أنفسهم من الدم الذي قد يتطاير! ولأن غرف العمليات تشبه صالات الجزارة! إلا أنها أكثر تقدما وحداثة.والخطأ الذي أعتقد أن الطاقم وقع فيه، إدخالي لغرفة العمليات وأنا في كامل وعيي، ولأول مرة في حياتي ألج غرفة عمليات بهذه الضخامة! كانت هائلة الحجم، بها شاشات غريبة لم أقف على مثلها في حياتي!
وشاشات حديثة وأجهزة معقدة أعرف بعضها وأجهل أكثرها.كانت أغلب الأجهزة مغطاة برداء أزرق كي لا يخاف المريض، والغرفة باردة أو أن خوفي أصابني بالبرد الشديد.وضع فراشي المتنقل قرب طاولة العمليات، وطلبت مني إحدى الحاضرات أن أنتقل بهدوء إلى فراش العمليات، وأن أحذر السقوط! وكنت أطيع الأوامر بتلقائية وبلا وعي وأنا خائف وبشدة من الغرفة الهائلة ذات التقنيات المعقدة، والتي تشبه معامل الأبحاث المتقدمة في أفلام الخيال العلمي.أما الطاقم الجراحي فكان يسرح ويدور، كل لاه عنك في عمله! لماذا لم يخدروني قبيل الدخول للغرفة!هذا ما كان يقوم به المستشفى العسكري، مع حرصه على تزويدك بدواء شبه مخدر، حتى تسكن نفسك لهول ما أنت مقبل عليه، لكنك لست هناك، أنت هنا ولوحدك الآن!
عقب الانتقال لطاولة العمليات، ولبرودة الغرفة واستحكام الخوف من المجهول بدأت أرتجف لتلك العوامل مجتمعة، حتى أصبحت طاولتي تصدر صوتا قويا لم تفلح الطمأنة المختلفة في كبحها.
التفت قدرا...فرأيت جهاز التروية القلبية، الذي يقوم مقام القلب والرئة في العمليات الكبرى، لم يغطوه ...وهنا لثانتين أو أكثر تحولت لجنبي الأيسر شبه جالس استعدادا للهروب والمغادرة، سيطرت علي فكرة محمومة أن أهرب وألغي الجراحة وأصبت بدوار شديد.ولعل ذلك الدوار هو الذي فت في عضدي وأجبرني على الإذعان! لثانيتين كدت أن ألغي العملية وأخرج، لكن الله سلم.
فالمصير محتوم بلا عملية ما لم تتداركني رحمة الله بكرامة، ومن توفيقه أن جعل تلك العملية سببا من أسباب النجاة.
خارت جميع القوى، وسقطت حصون المقاومة وكان التخدير الذي لم أصحو من مفعوله إلا بعد بضعة أيام خلا لحظات استيقاظ بائسة لا أذكر منها غير شدة العطش والألم، وتفاوت درجات الحرارة ما بين حمى، وشدة برودة.
كنت أستخدم القلم لأكتب حرفا واحدا لأنام ثانية، وكنت أطلب الماء المستحيل بسبب أنبوب التنفس، أو تدفئتي بالهواء الساخن إذا سيطر علي البرد، أو تبريدي بالماء إذا ارتفعت حرارتي.
ما بعد العملية فدخلت في حالات حرجة قطعها اتصال هاتفي لإجراء جراحة عاجلة أخرى لتركيب مضخة بالقلب، وقعت ابنتي الطبيبة على الموافقة، ثم ندمت عقب العودة للمنزل ورغبت في تمزيق أوراق الموافقة.
مرورا بانفجار للسوائل المتراكمة أسفل الجلد في مختلف أنحاء جسدي، الذي أصيب بتسلخات تفوق ألم الاحتراق بالنار!
إلى ضعف في الرئة فغسيل كلى لبضعة أسابيع.
وكنت أخشى أن أفقد كليتي، واعتراني لذلك هم شديد وكرب هائل.
فبعد فرحي بالاستيقاظ من التخدير، وأنني ما زلت على وجه البسيطة، كنت أجهل تبعات العملية وما جرى فيها وسيجري لاحقا.
وكان طبيب الكلى الذي يزورني، يستحق أن يعمل في مشرحة الأموات أو حفار قبور، لا طبيبا يواسي أو يداوي، إذ سألته يوما عن وضعها، فقال في برود:لا تعمل!
ثم قالت له ابنتي عندما خرج:قل له شيئا إيجابيا! فقال:لا أرى أي إيجابية! ينفع يمثل أدوار توفيق الدقن في مسلسلات الأشرار!
علاني كرب شديد، أبعد مشكلة القلب أغسل كليتي ما تبقى لي من عمر؟ وكم تبقى فيه أصلا؟
ولبضعة أسابيع كانت الكلى لا تطرح شيئا حتى مع المدرات، فوطنت نفسي بأنه لا مفر من الغسيل وما يترتب عليه من بلاء! ولكن الله سلم سبحانه وبحمده.
فهناك من دعا، وهناك من تصدق وهناك من أطعم وسقى بالنية عني، وفوق هذا رحمة الله وسعت كل شيء سبحانه وبحمده.
في العناية بقيت لشهر ونصف، الأسابيع الأولى كنت أُقلب من قبل الطاقم وأغسل وأُطعم وأُسقى لا أقوى على الحركة، بالإضافة إلى الكوابيس المرعبة التي رافقتني لأسابيع، وكانت الأقسى والأشد.ثم إن الطبيب لما فك جهاز التنفس عن رئتي وقام بسحبه من جوفي عقب ثلاثة أيام، لم أقوى على التنفس لضعف الرئة والجسم، لا أذكر شيئا ربما غبت عن الوعي أو تم تخديري، كنت أختنق وقد أزرقت أطرافي لنقص الأوكسجين، فأعادوه وأنا مخدر لبضعة أيام أخرى.
وقال استشاري العناية لابنتي:
قد نفتح له في القصبة الهوائية مجرى للتنفس خارجي إذا فشل في التقاط أنفاسه! بعد بضعة أيام سحب الأنبوب ثانية بحضور مجموعة من الأطباء والطاقم الذين ازدحموا في غرفتي، وتمكنت من التنفس بصعوبة، ومع مساعدة مضخة هواء قوية لعدة أيام، تمكنت من التنفس بعد رحمة الله.
كنت أسمع أصواتا غريبة وكنت أتوهم أن القارئ خليفة الطنيجي يقرأ في أذني! وكنت اكره صوته وأنا على تلك الحالة، اشتكيت لابنتي من الصوت، فدخلت جميع غرف العناية وقالت جميع أجهزة التلفاز مغلقة!
لم يختف الصوت إلا عقب أسابيع، وبعد استعانتي بسماعة أذن تعزل الأصوات الخارجية التي أسمعها، أو توهمت سماعها.
لم يمس الماء جسدي لشهر ونصف، كانوا يمسحون جلدي بالمناديل المبللة، وكانوا يحرصون على أن لا يمسوا المناطق المتسلخة في الجسم.
ثم بدأ العلاج الطبيعي، وكأنني طفل أدرج على الطريق لأول مرة، بدأت أتعلم الوقوف، فبضعة خطوات رفقة أنبوب التنفس وأربعة أشخاص، بدأوا يتناقصون لاحقا مع تحسن المشي الذي صاحبه دوار شديد وعدم اتزان، وضيق تنفس، وسرعة نبض.كنت كالجنين الخديج الذي ينمو برفق حتى استوى على سوقه.بعد شهر ونصف خرجت من العناية المشددة إلى العناية المتوسطة، ثم إلى غرفة عادية أمشي على القدمين وبلا مساعدة.
ما زلت أعاني من عدم اتزان حركة ساتغلب عليها مع الأيام بإذن الله تعالى.الإجراء الجراحي اقتضى كذلك سحب أسلاك منظم ضربات قلب من الداخل، والتي تحولت بفعل عقدين من الزمن إلى جزء من نسيج القلب، وهنا يكمن الخطر، تخلصت منها بحمد الله ثم ببراعة فرق الجراحة المختلفة.
غيرت صمامًا ثالثًا، وما زلت أحيا حتى اللحظة بفضل من الله وحده!
أشكر الله اولًا وأحمده قبل كل شيء، ثم أشكر أسرتي التي دعمتني، وبنياتي أخصائية العناية القلبية، وابنتي الطبيبة.
أشكر جميع من دعا لي بظهر الغيب وزارني واتصل، كل باسمه.
أشكر ذلك الفريق الطبي الرائع، على رأسهم جميع المسؤولين عن هذا الصرح الإنساني الجميل.
الحمد لله أولًا وآخرًا.
كانت هذه الخاطرة من باب التذكير بنعم الله على الجميع، ووجوب إحسان الظن بالله تعالى مع حقيقة التوكل عليه، ثم بذل الأسباب في البحث عن العلاج المناسب.
وأخيرا للتنفيس عن نفسي، ومحاولة التخلص من ذيول تلك الأحداث المريرة.
ما زالت هناك بضعة تحديات، وما زال الأمل في الله وحده لا شريك له.
خرجت من هذه الأزمة وفي ذهني شطر حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
" تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة"!
أخجل أن أقول إنني لم أتعرف على الله تعالى كما أراد الله سبحانه وبحمده، وأسأله العفو عني والمغفرة لذنبي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد