خلق الإيثار معاني وأسرار


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الثانية من شهر ربيع الثاني ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء.

1- فضائل وثمرات الإيثار.

2- أقسام الناس في الإيثار.

3- الوسائل المعينة على الإيثار.

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بهذا الخلق العظيم، والتربية على محبة الخير للآخرين، وعدم الأنانية وحب الذات؛ خصوصًا في هذه الأوقات التي تكثر فيها الأزمات.

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، (الإيثار معاني وأسرار) ، هذا هو عنوان موعظتنا بإذن الله تعالى؛ نحاول أن نلقي الضوء على هذا الخلق العظيم من أخلاق الإسلام، ونستكشف معانيه وأسراره، ونطالع أخبار وأحوال من سبقونا وطبقوا هذا الخلق واقعا عملا في تعاملاتهم مع غيرهم.

أولًا: ما هو الإيثار؟

قال الجرجاني: أن يقدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة.

والمعنى: أن يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته، برغم احتياجه لما يبذله، فقد يجوع ليشبع غيره، ويعطش ليروي سواه.

والخلاصة: فالإيثار هو عكس الأنانية، وحب النفس، والطمع، والجشع، والاستحواذ، وغيرها من رذائل ودنايا الأخلاق.

 

فضائل وثمرات الإيثار:

فقد أثنى الله تعالى على أهل الإيثار، وجعلهم في عداد المفلحين الأخيار.

فقال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية عدة أسباب ذكرها أهل العلم منها:

ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا)) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}

الإيثار أعلى مراتب العطاء والبذل، ونوع من أنواع الصدقات؛ بل أفضل وأعظم أنواع الصدقات.

قال الله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}

في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: ((أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ))

وروى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ))

وفي الحديث: ((أفضل الصَّدقة: جهد المقل)) [رواه أبو داود وصححه الألباني].

الإيثار سبب لحلول الخيرات والبركات في كل مجالات الحياة.

فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ))

ولذلك لما شكا الصحابة من عدم كفاية الطعام أرشدهم إلى الاجتماع على الطعام.

كما في الحديث الصحيح، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع !! قال: ))فلعلكم تفترقون((؟ قالوا: نعم. قال: ((فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه)) [رواه أبو داود]

الإيثار صورة من صور التكافل الاجتماعي وترابط المجتمع المسلم.

في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الأَشْعَرِيِّين إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))

الإيثار علامة من علامات محبة الخير للآخَرين، وتطهير للنفس من الأنانية والكراهية والشحناء.

في الصحيحين عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))

▪️فمن لليتيم إذا فشت الأنانية وحب الذات في المجتمع؟

▪️ومن للأرملة المسكينة؟

▪️ومن للفقير الجائع؟

▪️من لهؤلاء إذا أصبح الكل يقول نفسي نفسي، ولا يهمه إلا مصالحه ومآربُه.

 

الوقفة الثانية: أقسام الناس في الإيثار ومحبة الخير للآخرين:

فإن الناس في الإيثار ومحبة الخير للآخرين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يحب لأخيه أفضل ما يحب لنفسه؛ وهذه هي درجة الإيثار.

وهذه المرتبة العالية فعلها الصحابة من الأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين؛ فقد ضربوا أروع الأمثلة في محبة الخير للآخرين وإيثارهم على أنفسهم.

فقد قال الله تعالى في شأنهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ.

وفي رواية: إنِّي أكثر الأنصار مالًا فأقسمُ مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي فأطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوَّجها.

وفعله الصحابة يوم اليرموك؛ فضربوا أروع الأمثلة؛ بل الأساطير في الإيثار ومحبة الخير للآخرين.

روى البيهقي في شعب الإيمان عن حذيفة العدوي قال: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِيَ، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، أَوْ إِنَاءٍ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَعُ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَأَشَارَ: أَيْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: آهٍ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِيَ أَنْ أَنْطَلِقَ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرٍو، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَسَمِعَ آخَرَ فَقَالَ: آهٍ، فَأَشَارَ هِشَامٌ: أَنْ أَنْطَلِقَ بِهِ إِلَيْهِ، فَجئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِيَ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.

وتأمل هذه النماذج الرائعة للإيثار:

روى البيهقي في شعب الإيمان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي فُلانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا، قَالَ: فَبَعَثَه إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهَا سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الأَوَّلِ، وَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

وبهذا المعنى يعبر الربيع بن خثيم عندما اشتهى حلواء، فلما صُنعت دعا بالفقراء فأكلوا، فقال أهله: أتعبتنا ولم تأكل؟! فقال: وهل أكل غيري؟!

قال عباس بن دهقان: ما خرج أحد من الدنيا كما دخلها إلا بشر بن الحارث، فإنه أتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة، فنزع قميصه وأعطاه إياه، واستعار ثوبا فمات فيه.

عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون نفسا ولهم أرغفة معدودة لم تُشبع جميعهم، فكسروا الأرغفة وأطفئوا السراج وجلسوا للطعام، فلما رفع فإذا الطعام بحاله، ولم يأكل أحد منه شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه.

القسم الثاني: يحب لأخيه ما يحب لنفسه

فهذا أبو سليمان الداراني: يعبر لنا عن هذا المعنى من الإيثار والسخاء، ومحبة الخير للآخرين؛ فقال: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له.

السدي: مكث يستغفر الله ثلاثون عاما من قوله: الحمد لله؛ وذلك لما شب حريق في أحد أسواق بغداد، وكان له حانوت في هذا السوق، فلما علم بالحريق، قال: ما فعل حانوتي؟ فقيل له: لم تصبه النار، فقال: الحمد لله، ثم قال: أسأل عن حانوتي ولا أسأل عن جيراني؛ فمكث يستغفر الله على ذلك ثلاثون عاما.

 

القسم الثالث: يحب لأخيه ما لا يحب لنفسه؛ فإما يحب أن يكونوا دونه، أو يحب لهم الضرر.

وهذا من أسوأ الخلق؛ فتراه يكره الخير للآخرين، ويحسدهم ، وتراه يدلس عليهم ويغش في البيع والشراء، ولا يريد إلا مصلحته ولو على حساب الآخرين.

فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يعبر لنا عن هذا الصنف من الناس بقوله: أتى علينا زمان وما يرى أحد منا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، وإنا في زمان الدينار والدرهم أحب إلينا من أخينا المسلم.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يؤثرون على أنفسهم، وأن يهدينا إلى أحسن الأخلاق.

 

الخطبة الثانية: مع الوقفة الثالثة: الوسائل المعينة على خلق الإيثار:

أولًا: فمن الأسباب المعينة على الإيثار؛ الإيمان بالله تعالى، والسعي إلى مرضاته سبحانه وتعالى وتقديمها على مرضاة غيره.

وقد ذكر لنا القرآن قصة سَحَرة فرعون كنموذج رائع في الإيثار بعد أن تأكَّد لهم صدقُ موسى عليه السلام، ودخل الإيمان في قلوبهم؛ فآثروا ما عند الله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

ثانيًا: ومن الأسباب المعينة على الإيثار الإكثار من ذكر الموت والدار الآخرة، وأن دار الدنيا إلى زوال، وأن الآخرة هي خير وأبقى.

كما قال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

فمن عظمت في عينه الدار الآخرة هانت عليه الدنيا، وعلم أن ما يؤثر به إخوانه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أفضل وأعظم.

ثالثًا: ومن الأسباب المعينة على الإيثار أن تعلم فضل وثواب الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ والذي هو ثمرة من ثمرات الإيثار.

ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن تصدَّق بعدل تمرة من كسْبٍ طيِّب، ولا يقبل الله إلاَّ الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه؛ حتى تكون مثل الجبل))

وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول العبد: مالي، مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكَل فأفنَى، أو لبِس فأبْلَى، أو أعطى فاقتنَى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس))

وروى الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خَفِيًّا تُطفِئ غضب الربِّ، وصِلة الرحم تزيد في العُمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأوَّل مَن يدخل الجنة أهل المعروف))

وفي صحيح مسلم عن أبى أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضْل خير لك، وإن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تلام على كَفَاف، وابدأ بِمَن تعول، واليد العُليا خير من اليد السفلى))

رابعًا: ومن الأسباب المعينة على الإيثار؛ رغبة العبد فيما عند الله تعالى من خير وعطاء، والطمع في الفوز والفلاح يوم القيامة.

قال الله تعالى في وصف عباده الأبرار الذين تخلقوا بخلق الإيثار: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا}

نسأل الله العظيم أن يصلح أحوال المسلمين إلى أحسن حال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

١-الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

٢-إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

-        إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

        -وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply