ذاكرة حيّة عبدالرحمن بن صالح الشثري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تعود علاقتي بالأستاذ عبدالرحمن بن صالح بن محمد الشثري إلى أيام الدراسة في معهد الرياض العلمي منذ عام 1379هـ واستمرت علاقتنا حتى الآن، وكنا مع بعض الزملاء بالمعهد على تواصل. أذكر منهم محمد العجيان –رحمه الله– وصالح الصويان، ومحمد الطيار، وعبدالعزيز العميري، ومسفر المسفر، والدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع وهو الوحيد الذي أكمل دراسته العليا وأصبح وكيلًا لجامعة الإمام فيما بعد، والبقية أخذهم العمل وهواية الصحافة.

ولد الأستاذ عبدالرحمن الشثري عام 1363هـ 1944م بحوطة بني تميم، وتوفي والده قبل أن يبلغ الخامسة من عمره، وتوفيت والدته فاطمة بنت عبدالرحمن الشثري في حادث سير على طريق الحجاز، عندما كان عمره 18 عامًا. وتوفي كل أخوته قبل ولادته.

نشأ يتيمًا في سنين حياته الأولى بين أخواله وأعمامه ومنهم الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب وأخيه الشيخ عبدالرحمن بن محمد الشثري، وتلقى تعليمه العام الابتدائي في حوطة بني تميم، ثم انتقل للدراسة في المعهد العلمي بالرياض إلى أن حصل على الشهادة الثانوية.

عند صدور جريدة الجزيرة الأسبوعية في 20 صفر 1384هـ 30 يونيه 1964م بدأت علاقته بها مراسلًا، فنجده من العدد الأول ينقل للقراء وصفًا تفصيليًا لانتخاب أعضاء المجلس البلدي لأول مرة بالرياض، في الصفحة الثانية تحت عنوان: (من وقائع انتخابات المجلس البلدي) وبعد استعراض العملية الانتخابية وعلى مدى يومين 17-18/2/1384هـ وهو يتنقل بين الدوائر الانتخابية ويصف باستعراض إقبال الناخبين والمنافسة بين المرشحين من دوائر (الوسيطاء، وسلام، ودخنة، والعود، بهو الأمانة، والمربع)... إلخ.

وقد وصف إقبال الناخبين وانتظامهم بهدوء، وذكر أسماء الفائزين، وقال في ختام وصفه: «...  ومما يلفت النظر أن سمو أمير الرياض ومدير الشرطة كانا يقومان بجولات على الدوائر الانتخابية للاطمئنان على سير الانتخابات. وقصارى القول أنه رغم أن هذه ولأول مرة تشهد فيها مدينة الرياض عملية الانتخابات إلا أن النجاح سيكون حليفها إن شاء الله بفضل الوعي والإدراك من قبل المواطنين.. ولنا أكبر الأمل في أن نرى مجلسنا البلدي وهو يزاول نشاطه في الأيام القليلة القادمة.. ».

وفي موضع آخر ينشر تحت عنوان: سمو أمير الرياض ينتخب.. شوهد سمو أمير منطقة الرياض، وقد حضر بنفسه في قاعة الانتخابات لمنطقة المربع يوم السبت 17/2/1384هـ ليدلي بصوته مع المواطنين في انتخاب العشرة المرشحين للمجلس البلدي، وسمو الأمير بعمله هذا يضرب أروع مثل في التجاوب.. وتأدية الواجب.

علمت فيما بعد أنه انتقل من جريدة الجزيرة إلى جريدة الرياض بعد صدورها مطلع عام 1385هـ وكان اهتمامه ومشاركاته الصحفية بالشأن المحلي من خبر إلى تحقيقٍ ومقال.

التحق بالعمل الرسمي برئاسة الحرس الوطني سكرتيرًا للعلاقات العامة، ثم مديرًا للعلاقات العامة ورئيسًا لتحرير مجلة الحرس الوطني منذ صدورها منتصف عام 1400هـ، وبالاطلاع على كلمة العدد نجدها تبدأ بـ « بسم الله.. وعلى بركة الله.. نبدأ مسيرتنا في موكب الصحافة العسكرية والحمدلله أن وفقنا إلى إخراج هذا العمل الثقافي الفكري إلى حيز الوجود مشاركة من الحرس الوطني في معركة بناء الإنسان التي يخوضها وطننا الغالي...  ولا يزال ماثلًا أمامي توجيه كريم تلقيته شفهيًا من سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حين قال: (هذه المجلة إما أن تصدر قوية وعلى أرقى المستويات وإما ألا تصدر أبدًا)، ولقد شعرت بثقل المسؤولية بعد هذا التوجيه الكريم».

واختتم كلمته أن المجلة لن تنجح ما لم يتفاعل معها القارئ وينير لها الدرب..

وبعد مرور (100) عدد من المجلة الصادر لشهر جمادى الآخرة 1411هـ يناير 1991م، نجد أن رئيس التحرير – الشثري – يكتب حديث الشهر بعنوان: الحرس الوطني عتبة المئة الثانية.. رحلة المائة عدد الماضية.. أثبتت لنا نجاح المنهاج الذي سارت عليه المجلة في التوازن بين العلوم العسكرية المتخصصة والموضوعات الأدبية والفكرية والإبداعية الأخرى.

وعلى مدى أربع صفحات استعرض فيها مسيرة المجلة، ومما قاله: «.. لقد كانت لغاية أسمى وأكثر عمقًا.. فقد كانت من قناعة راسخة بأهمية الكلمة في البناء.. وأهمية الفكر والتوعية في أي مشروع للتطور والرقي.. والمطبوعات بما فيها الكتب والمجلات وكل الدوريات ستظل هي الوعاء الأكثر بقاء في حمل الكلمة والفكر.. وستظل هي المنبر الأقوى تأثيرًا وتواصلًا للإبداع وللثقافة والمعرفة (... .) وهكذا صدرت الموافقة السامية على إصدار المجلة في عهد الملك فيصل – رحمه الله – ثم صدر العدد الأول منها في 1/7/1400هـ في عهد الملك خالد – طيب الله ثراه – حيث صدرت فصلية كل ثلاثة أشهر.. ثم صدر أمر سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بأن تصدر شهرية ابتداء من العدد السابع عشر من المجلة في 1/7/1404هـ...  ثم استمرت المجلة تؤدي دورها الذي رسم لها، منبرًا إعلاميًا ثقافيًا، يسهم بفعالية مع المنابر المحلية والعربية الأخرى، في ترسيخ القيم الثقافية والإبداعية للفكر العربي المعاصر.. ونشر الثقافة الجادة، وبلورة الفكر العسكري العربي... ».

وبعد أن استعرض بعض آراء علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، ومعالي الدكتور غازي القصيبي، والدكتور فهد العرابي الحارثي، وغيرهم، قال: ».. لكن ووفق معيار المجلات الثقافية والمتخصصة فإننا نقول بكل ثقة أننا حققنا جزءًا كبيرًا من أهدافنا، ولا يزال طموحنا أكبر مما حققنا.. ولا تزال آمالنا لا مساحة لها ولا حدود ».

وكان معالي الدكتور غازي القصيبي قد افتتح القسم الثقافي [ المفكرة الثقافية] متابعات في الأدب والفنون والإبداع. تحت عنوان: ( الحرس الوطني.. والثقافة!) جاء فيه «وما أسرع ما تمر الأيام نلبث خلفها الشهور حتى تصبح حادثة درجت عليها أعوام وكأنها لم تحدث إلا البارحة.

والحادثة التي في ذهني حصلت يوم أن زارني أخي الصديق القديم عبدالرحمن الشثري يستطلع رأيي في مجلة الحرس الوطني، التي كانت على وشك الصدور .وأبديت يومها رأيًا دافعت عنه بحماس، إلا أن هذا الرأي لم يلق القبول، بفضل الله وحده، ولو بقي القبول لندمت على إبدائه... وكان رأيه أن تركز المجلة على شؤون الحرس الوطني العسكرية. دون سواها..

..» فوجئت بعد الحادثة – والمحادثة – بشهور بمجلة الحرس الوطني تظهر جامعة شاملة تحوي بالإضافة إلى ما يهم العسكريين ما يهم المدنيين، وبالإضافة إلى المفكرات التاريخية والاستراتيجية، مفكرة ثقافية كانت – ولا زالت – القسم المفضل من المجلة عندي.

هل يسمح لي صديقي رئيس التحرير بعد مرور 100 عدد أن أقلب نصيحتي رأسًا على عقب، فأرجو منه أن يوسع صفحات المفكرة الثقافية على حساب المواد التخصصية.والرجوع إلى الحق خير من التمادي في رأي غير صائب. »..

استمر يرأس تحرير المجلة على مدى أربعة عشر عامًا، من 1400 حتى 1414هـ. وكأي شاب متحمس يهتم بمسقط رأسه حوطة بني تميم، وقد شهد له الجميع بمبادرات في مطالباته المسؤولين بتطوير المدينة، فمنذ مطلع شبابه وهو يُعنى بنماء وتطور محافظة الحوطة وقد سبق غيره في افتتاح أول مكتبة لبيع الكتب، وافتتاح المكتبة العامة، واهتم بتعليم البنات وافتتاح مكاتب أحوال وجنسية وجوازات، وكتابة عدل، ومركز غسيل الكلى، وإنشاء المستشفى .وقد ألقى كلمة الأهالي أمام لجنة الوكلاء في الحوطة ومطالبته علانية بافتتاح مدارس للبنات، ودعوته إلى إنشاء مقر لنادي الأنوار الرياضي، وغير ذلك.

أصيب أبو هشام بالفشل الكلوي عام 1417هـ وكان قصور وظائف الكلى قد بدأ قبلها بسنوات حتى وصل الفشل الكلوي والغسيل في العام 1417هـ. وبعد عام من هذا التاريخ أجريت له عملية زراعة كلية في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني بالرياض.

كتب بعد ذلك مقالين صحفيين، وشارك في برنامج تلفزيوني للحديث عن الفشل الكلوي ومعاناة من يصابون به، فبدأت فكرة تأسيس جمعية خيرية تعنى بمرضى الفشل الكلوي، وحصل على موافقة سمو أمير منطقة الرياض آنذاك (الملك سلمان بن عبدالعزيز)، وبدأت الجمعية بجهوده الشخصية ومؤازرة من سمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، فبدأ بتلمس أصحاب الحاجة والأماكن المناسبة لتأسيس وتجهيز أماكن لغسيل الكلى والتي زادت عن ثلاثين مركزًا في أغلب مدن وقرى المملكة.

اعتاد على الالتقاء بزملائه وأقاربه بمجلس أسبوعي بمنزله، ثم تحول اللقاء بعد مغرب كل يوم وعلى مدى عشرين عامًا، وقد دعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية بعد تقاعده، للتسجيل معه ضمن برنامج التاريخ الشفوي للمملكة، ولكنه اعتذر من باب التواضع، وكررت دعوته ولم يستجب.

كنت أزوره بين حين وآخر، وسمعت بتعرضه لوعكة صحية أدخلته المستشفى لبعض الوقت، ثم اعتزل جلساءه.. ولكن الأمل بالله كبير في عودته لما عهدناه عنه.

وعرفت مؤخرًا أنه يستقبلهم عندما يحس بتحسن حالته الصحية. متعه الله بالصحة والعافية.

تزوج ابنة عمه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الشثري، ورزق منها بتسعة أولاد من البنين هشام وفيصل وسعود وماجد وطلال، ومن البنات أربع هن مشاعل وفوزية وحورية والجوهرة.

لا ننسى ما يتمتع به من صفات حميدة، من صلة لرحمه وزيارتهم، وحبه لنفع الناس، ودعوة زملائه للالتقاء بهم بين وقت وآخر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply