المضامين التاريخية في رسائل محمد بن عبدالوهاب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

يلحظ قارئ تاريخ نجد ودعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب فيها في الدراسات المعاصرة؛ تكرار عبارة، وهي:لما انتقل الشيخ إلى الدرعية أخذ يكاتب العلماء ورؤساء البلدان.

وأودّ التنبيه على أنّ العبارة لا تقصد نفي كتابة الشيخ رسائل قبل انتقاله إلى الدرعية، فإننا إذا تتبّعنا رسائل المجدد؛ وجدنا بعضها بدأ بقول الناقل: (كتبها الشيخ وهو في العيينة)، كما فعل ابن غنام لما نقل رسالة المجدد إلى أهل الرياض ومنفوحة، ورسالة المجدد إلى علماء الدرعية.

وبعض الرسائل يُستدل بعبارة فيها على أنه كتبها قبل انتقاله إلى الدرعية؛ كقوله في رسالته إلى الشيخين عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب: (يزورنا عبد الوهاب يومين وإلا ثلاثة)، وكرسالته إلى عالم الدرعية ابن عيسى ساكن الدرعية التي ذكر فيها مكاتيب سمح عالم الدرعية حينها بقراءتها.على العامة في مساجد الدرعية، وطلب ـ في ذات الوقت ـ شيئًا من الحجج التي فيها.فلو كان المجدد في الدرعية حينها لما قُرئت على العامة، واو قُئت لسمعها، وما احتاج إلى شيء مما فيها.

إذا قرأنا رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبل انتقاله إلى الدرعية قراءة تحليليّة؛ فسنقف على حوادث جرت على الدعوة وأتباعها في الفترة قبل الدرعية متصلة من جهة الأسباب والبواعث بحوادث جرت على الدعوة وأتباعها وحماتها في فترة الدرعية.

لهذا استخرجت أهم المضامين التاريخية في رسائل المجدد قبل انتقاله، وكتبتها في مقال علمي، وسأعيد نشر المقال لصلة هذا المقال بذاك.

(لا تقرأ تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من المنتصف):

تهيمن على أذهان كثير من قراء تاريخ الدعوة حادثة انتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية، وحماية الإمام ابن سعود، ثم اعتداء الرياض على الدرعية، وتحالف بلدان متباعدة مع الرياض، ثم انتصار واستيلاء ابن سعود على بلدان المعتدين، ولا يتصوّرون حراكًا سابقًا للدعوة ومعارضتها ولا انقسامًا للنجديين في شأنها لما كان المجدد في حريملاء، والسبب -فيما يظهر لي- إهمالُ كثير من الدراسات المعاصرة رصدَ ذلكم الحراك، ومكابرةُ بعضها، وتغافل بعض آخر عن تمييز المسألة المتنازع عليها، وعن أثر العلماء الذين هم رأس المنازعين وأعدل الكتب والدراسات التاريخية من يُطلعك مؤلفها على الخبر ووقت حصوله ومحلّه وسببه؛ كابن غنام الذي ذكبر خبر ظهور دعوة إلى الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة غيره، وأكد على معارضة بعض العلماء لها، وأن النجديين انقسموا فيها في عدد من البلدان، وكل ذلك لما كان المجدد في حريملاء، وكلامه عن الحراك قبل انتقال المجدد إلى العيينة متوافق مع مضمون تاريخي لرسالة كتبها المجدد وهو في العيينة مخاطبًا عالم الرياض: (كتبت ورقة من سنتين، وقرأها موسى بن سليم في منفوحة والدرعية وعندنا، ثم راح بها للقبلة) أهـ، فقوله: (وعندنا) بعد (الدرعية)؛ يدل على أنه كتبها وهو في العيينة.
ومتوافق أيضًا مع مضمون رسالة أخرى كتبها المجدد وهو في العيينة مخاطبًا عالمًا في الدرعية: (فعلت كذا وكذا قبل خمس سنين).

فقوله هنا: (قبل خمس سنين)، توفي الرسالة السابقة (من سنتين)؛ يُثبت وجود حراك قبل انتقاله إلى العيينة.

وإذا تتبّعناه في الرسالتين وغيرهما؛ خرجنا بفوائد، منها:

أولًا: أن المعارضة توجّهت آنذاك إلى قضيّة الكفر بالطاغوت كشمسان وإدريس وأولادهما، فإنّ هذا ما لقّنه المجدد وسعى في نقضه عالم خارج حريملاء كما في رسالته الى عالم الدرعية، وهو مضمون الورقة التي كتبها المجدد وطيف بها بلدان العارض كما في رسالته الى عالم الرياض.

وبنظرة سريعة في المصادر قبل ابن غنام؛ نجد أن الطواغيت كانوا يأمرون الناس بالتوجه إليهم بالدعاء والنذر، وينكرون على من زعم أن ذلك شركًا، قاله المجدد في بعض رسائله، وصرح بأن بعض العلماء نازع في تكفيرهم مع ما اشتهر من أفعالهم، وأن بعض المدّعين للعلم إذا جاءته الشدّة؛ استغاث بهم.

بل طُلب من المجدد آنذاك كتابة أدلة للردّ على الطواغيت الذين ينكرون أنّ عبادتهم شركًا، ولأجل إرسالها إلى بعض علماء نجد والأحساء؛ فأجاب بأنّه كتب قبلُ لأولئك العلماء، لكنهم استكبروا وعاندوا.

وجاء في رسالة ابن سحيم للأمصار شكواه من المجدد أنّه يكفر الطواغيت لأجل أخذهم النّذور.

ثانيًا: أنّ معارضة بعض العلماء ومنازعتهم في دعوة الشيخ المجدد إلى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة غيره؛ مستفيضة عند النجديين رجالًا ونساءً، وصرّح بذلك المجدد في رسالتيه إلى عالمي الرياض والدرعية المتقدمتين، وصرّح أيضًا أنّ عالم الرياض كان أقرّ بصحّة الدعوة ثم انقلب عليها.

ثالثًا: أنّ أعلامًا خدموا الدعوة مبكرًا بعد اعتناقهم لها، وقاموا بها مع الشيخ المجدد، وسمّاهم الشيخ سليمان بن سحيم في رسالته إلى الأمصار (سنة 1155هـ تقريبًا): (دعاة)، ومنهم صالح بن سليم (في نسخة: آل صالح بن سليم) الذي وصل إلى الدرعية، وموسى بن سليم الذي طاف البلدان العارضيّة، وهنا يحسن نقل كلام الشيخ محمد بن عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن صالح بن سليم عن جدّيه عبدالله وصالح، حيث أفاد أنهما قاما مع الشيخ المجدد، وأن آل صالح بن سليم تناسبوا مع آل موسى بن سليم.

وأفاد أيضًا أنّ حمد والد صالح؛ نجا من حبس شريف مكة سنة 1162هـ. (معجم أسر بريدة) للعبودي.

رابعًا: إذا تتبعنا بلدان العلماء النجديين المعارضين؛ وجدناها متنافرة سياسيًا، فكل منها تحت أمير مستقل!

بل إذا تأملنا كتب الردود الأولى من غير النجديين؛ وجدناها صادرة من بلدان متنافرة سياسيًا، فبعضها من بلدان تابعة للدولة العثمانية، وبعضها من دولة الأحساء التي طردت العثمانيين!

النتيجة التاريخية التي نخلص إليها:

أن الأمير محمد بن سعود سارع إلى مجد تخلّف عنه غيره، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: (قام المجدد يدعو أهل نجد إلى التوحيد، وترك عبادة غير الله من قبر أو طاغوت أو شجر، فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك، وأغروهم بعداوته، ونُفي من العيينة؛ فتلقاه محمد بن سعود وأولاده وإخوته وتابعه أكثر أهل بلده وقبيلته على قلّةٍ منهم وضعف، فصبروا على مخالفة النّاس والملوك ممّن حولهم والبعيد عنهم... فسبحان من قوّى جأش هذا الرجل) يعني الإمام عضد الملّة محمد بن سعود. (المقامات) ت: المطوّع.

إذا كنّا نريد قراءة تاريخ الدعوة في نجد قراءة صحيحة؛ فلتبدأ عقولنا كتاب الدعوة من أوّله، وإلا تخلّفت عن مُسلّمات فإن العلماء أتباع الدعوة يؤرّخون لظهورها كما المؤرخ الأمين ابن غنام في روضة الأفكار، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في المقامات، ومن سار على نهج أمانتهما التاريخية، بل إنّ المعارضين للدعوة يؤرّخون لظهورها كما عند ابن غنام وابن حسن، فإن المؤرخ ابن عبد الشكور (ت:1257هـ) ذكر في تاريخه أنّ دعوة الشيخ المجدد ظهرت في نجد سنة 1143هـ، ونقله عنه أحمد زيني دحلان (ت:1304هـ)، وعنه الزهاوي (ت:1354هـ).

اللهم اغفر لي واهدني وسدّدني.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply