بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لا أنفع للقلب من أطايب الحكم وروائع المواقف، مما يزيل الغبش ويجلو البصيرة ويفتح الشهية للطاعات، ولقد كان في هذه الأمة فضلاء يعجز المداد عن حصرهم وسرد روائعهم، إلا أن اللبيب تكفيه الإشارة، والفطن من ينتفع بالعبارة، ولن تنفع الكثرة إذا لم تؤثر العِبرة، فاللهم انفعنا بكل خير، وزدنا من كل فضل، أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير
** روى أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: لَقَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ تَرْغَبُونَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزْهَدُ فِيهِ، أَصْبَحْتُمْ تَرْغَبُونَ فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزْهَدُ فِيهَا، وَاللَّهِ مَا أَتَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةٌ مِنْ دَهْرِهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا لَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْلِف
[رجاله ثقات عدا يحيى بن إسحاق وهو صدوق، وصححه الألباني]
وفي رواية عن عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلنَّاسِ مَا أَبْعَدَ هَدْيَكُمْ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّا هُوَ فَأَزْهَدُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَرْغَبُ النَّاسِ فِيهَا .
[إسناده صحيح على شرط مسلم]
** ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية أن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك حج ذات مرة، وبينما هو يطوف بالبيت رأى سالما بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ونعله مقطعة في يده، وعليه ملابس لا تساوي درهمين.
فاقترب منه وسلم عليه ثم قال له: يا سالم ألك إليّ حاجة؟!
فنظر إليه سالم مستغربًا وغاضبًا، ثم قال له: أما تستحي ونحن في بيت الله، وتريد مني أن أرفع حاجتي إلى غير الله؟
فظهر على وجه الخليفة الإحراج والخجل الشديدين وترك سالم وأكمل طوافه وأخذ يراقبه فلما رآه خارجًا من الحرم لحقه وقال له: يا سالم أبيتَ أن تعرض علي حاجتك في الحرم، فاسألني الآن وأنت خارجه.
فقال له سالم: هل أرفع إليك حاجة من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟
فقال الخليفة: يا سالم من حوائج الدنيا، فإن حوائج الآخرة فلا يُسأل فيها إلا الله.
فقال سالم: يا هشام والله ما طلبت حاجة من حوائج الدنيا ممن يملك الدنيا، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟
عندها دمعت عينا الخليفة هشام بن عبد الملك، وقال مقولته الشهيرة: "ليتني مثل سالم بملكي كله"
** قال عبد الله بن وهب: نذرتُ أني كلَّما اغتبتُ إنسانًا أن أصومَ يومًا.. فأجهدَني ذلك، فكنت أغتاب وأصوم!!
فنويتُ أني كلَّما اغتبتُ إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حُبِّ الدراهمِ تركتُ الغيبة.
علّق الذهبيُّ فقال: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرةُ العلمِ النافعِ.
** روى البخاري عن أَبي بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لِأَبِيكَ؟
قَالَ: قُلْتُ لَا. قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لِأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ وَجِهَادُنَا مَعَهُ وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ بَرَدَ لَنَا [ثبت لنا ودام] وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا [لا ثواب ولا عقاب] رَأْسًا بِرَأْسٍ؟
فَقَالَ أَبِي: لَا وَاللَّهِ قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ.
فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي.
أراد أبو بردة أن عمر خير من أبي موسى، وأراد من الحيثية المذكورة، وإلا فمن المقرر أن عمر أفضل من أبي موسى عند جميع الطوائف، لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة، ومع هذا فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضا أفضل من أبي موسى لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير ما في كل ما يريد من الخير، وإنما قال عمر ذلك هضما لنفسه وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر.
** كان الحسن البصريُّ يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطلابه فوصف شعره وعينيه ويديه ولباسه حتى وصل إلى نعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسكت ثم قال بحزن: "كان له نعلٌ نعلو بذكره".
فقال له أحد طلابه: كيف نعلو بذكر النعل يا إمام؟
فقال: نعلٌ لم يؤمَر صاحبه بخلعه في السموات العلا ليلة المعراج، بينما أُمِرَ موسى بخلعه وهو على الأرض.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد