بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أضع مداخلتي الفقهيّة التي ستتناول المقاربة الدينية في الإسلام لمحاربة العنف ضد المرأة بشكلٍ عام بين أيديكم، سائلة المولى ﷻ أن يفيدكم أجمعين، فقد بذلت فيه مجهودات من أجل الفائدة العلمية راجية أن تكون هذه الورقة في سبيل الله وخالصة لوجهه الكريم وأن يتفاعل معها المسلمون أجمعين وغير المسلمين. والله من وراء القصد.
لا يمكننا الحديث عن العنف دون استحضار طرفين هما: المعنِّف والمعنّف، وتفسير ما المراد بالعنف.
حيث فالمعنّف هو اسم فاعل وهو من يمارس أفعالًا قهرية تشكل خطرًا على المعنَّف، وتطعن بكرامته، وتحرمه الحرية،ونقصد بها هنا المرأة.
وما يهمنا في هذا المقالة هو كيفية بناء نسيج أسري قوي عبر مكافحة العنف المسلط على المرأة من وجهة نظر الإسلام أساسا لنبين مدى فاعليتها في القضاء على شتى أنواع التعنيف التي تتعرض له.
ما من شيء يدل على حرص الدين الإسلامي على إيلاء المكانة اللائقة للمرأة و الرفع من شأنها والإعلاء من قيمتها وحفظ مكانتها وكرامتها مثل ذكرها في كتاب الله الذي سيبقى يتلى إلى قيام الساعة، وقد وصفها ربنا ﷻ بالسكن والمودة والرحمة في قوله:﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون﴾[1]
ألا نفتخر نحن معشر النساء إلى يومنا هذا بأن: أول من دخل في الإسلام كانت إمرأة وهي خديجة؟ وأن أول شهيدة في الإسلام كانت امرأة؟ وأن ماء زمزم أول ما تفجر و استقر في جوف إنسان كان جوف هاجر عليها السلام؟
إن علاقة المرأة بالرجل التي أراد الإسلام ترسيخها هي علاقة بعيدة كل البعد عن العنف بل قوامها مودة ، تفاهم ، رحمة واحترام وتكامل مؤد بالضرورة إلى تقاسم المسؤولية و وليس تصادما أو تضادا.
أنواع العنف :
سواء أكان هذا العنف المادي أو نفسيا أو معنويا أو....أو....
وليس ثمة أكثر ما يحطم روح المرأة من الكلمات العنيفة والألفاظ النابية فهي الأشد إيلاما والأسوأ إيغالا وأقوى أثرا في النفس من اللكمات نفسها والإهانات التي تجرحها وتخدش حياءها وتمس كرامتها سيما إذا تتالت وتكررت وهي لا تنم إلا عن عدم تقدير المتفوه بها لها كإنسانة ذات مشاعر، فربما أحزنتها مجرد كلمة فذرفت بعدها الدمعات ، وأسعدتها ولو مجرد ابتسامة ففتحت بها سبلا للسعادة لا تنبض.
من حقوق المرأة :
نفقة لقد دعا رسولنا الكريم... إلى نفقة الرجل على المرأة ولا أدل على ذلك من قوله "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"".[2]
تثار في كثير من الأحيان مخاوف حول وضع المرأة في الشريعة الإسلامية وما هي في حقيقة الأمر إلا فزاعات أمسى الكثيرون الغربيون أنفسهم قبل المسلمين يكتشفون زيفها يوما بعد يوم و زيف مطلقي هذه التحريفات ومستخدميها المتمعشين منها.وفي هذا المجال نستحضر قولة لأحد المستشرقين أنفسهم: من أراد أن يتحقق من عناية محمد بالمرأة فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء.[3]
على كل مسلم حق مدرك لدينه أن يفند بكل ما أوتي من قوة فكرة أن الإسلام معادي للنساء،عبر مواجهة الخطابات الشائعة المعادية للإسلام فيما يتعلق بالمرأة عبر مقارعة الحجة بالحجة ومناقشة الفكرة بالفكرة.
لقد سبق الإسلام العالم أجمع في نظرة التقدير والاحترام للمرأة، فلا يغرننا اليوم شنآن قوم يحتفلون بهذا اليوم العالمي الذي اختير ملفا للعدد الذي ما جاء إلا لينقذ المرأة مما كانت تقاسيه وتتجرعه من ضروب الحيف والظلم في الجاهلية.هذا العصر الذي كانت فيه توأد البنات بسبب الخوف من العار والفقر.وهو عصر انتشر فيه البغاء وصاحبات الرايات الحمر وسُبِيت وبيعت النساء كما العبيد من الرجال.
ونظرة موضوعية بسيطة لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد تمكن من استقراء البون الكبير بين تعاليم ديننا التي جاءت لتنقذ النساء من أصناف العذاب التي ذقنه أشكالا وألوانا حيث كانت المرأة مثلا تجبر على البغاء فشرعت لها خير أسلوب لنكاحها والتعامل معها في طهر وعفاف وجعلتها منيعة الجانب ومكنتها من أن ترث بعد أن كانت تورث ضمن المتاع والسلع مخلصة إياها من حمأة جميع أنواع الفساد والجور.
الزوجة:
فكما أقر ديننا المسؤولية للجميع -فنراه مثلا حمل الحاكم مسؤولية رعيته ليحاسب عليها في الدار الآخرة وكما مكن الرجل من أن يكون مسئولا على أهله فيأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصيته قائما عليهم بما لهم من الحق، مؤتمن وحافظ لهم ومسؤول على ذلك في الآخرة ومثلما حمل العبد أمانة مال سيده جعل المرأة راعية على بيت زوجها بما يحفظه وكذلك على الأولاد، لتتحمل مسؤوليتها عن كل ذلك يوم الحساب.
وما تحميل هذه المسؤولية غلا تدليل على المساواة في الثواب والعقاب بينها وبين الرجل.
فعن ابن عمر-رضي الله عنهما-،قال:سمعت رسول اللهﷺ قال:"كلكم رَاعٍ, وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ:والأمير رَاعٍ, والرجل رَاعٍ على أهل بيته, والمرأة رَاعِيَةٌ على بيت زوجها وولده, فكلكم راَعٍ, وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ".[4]
ولا أدل على ذلك أيضا من دخول العديدين في الإسلام بعد اكتشاف حقيقته كدين موجه للبشرية جمعاء ومحافظته على حقوق المرأة.والحديث في هذا المجال يطول ويحتاج على مقال مفصل قائم الذات.
فإذا كانت المرأة مصدر قوة للرجل فعلينا أن نعتني بها وفي هذا المجال نستحضر قول أحد الشعراء:
وإنه لولا النساء اصطبرن لما صمد رجل يوم عسرة
باعتبار من تربي ابنة عبارة على أنها ربت أمة بأسرها لأن الأجيال من ذكور وإناث ستتربى وتترعرع في أحضان تلك الابنة التي ستصبح يوما ما أما وكلنا نعرف فضل تربية البنات من دخول للجنة وفوز الجنة بتلك الأرملة التي سبقت الرسول ﷺ إلى باب الجنة. ومن منا ينسى وصايا رسولنا الكريم بالنساء خيرا؟
ففي أي إطار أتت هذه التوصيات؟ وماذا يترتب عنها في حال فقدتها المرأة؟
إن استمرار هذا الكم الهائل من جميع ضروب العنف ضد المرأة مرده ليس عدم نجاعة المقاربة الدينية وإنما عدم فهمها واستيعابها وعدم تطبيقها والتعريف بها في كل بقاع البسيطة وخاصة عند غير المسلمين الذين يظنون أنهم أبدعوا عندما ناموا فاستقضوا وأصدروا بيانات اعتقدوا فيها أنهم سباقون والحال أن كل باحث موضوعي يدرك عراقة الإسلام وقدمه وما جاء به في خصوص هذا الموضوع.
لقد ورد في ما أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة ما يلي: فعل عنيف تَدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه ، أو من المحتمل أن يترتب عليه ، أذىً أو معاناةٌ من الناحية الجسمانية أو النفسية أو الجنسية ، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ، سواءٌ حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة[5]
لقد أقر الإسلام عقوبات وحدودا لحماية المرأة من مثل ممارسات العنف والتعنيف المسلط إزاءها وذلك لحماية المجتمع برمته بصفة عامة.... فقد شرّع الإسلام من الأحكام ما حمى به المرأة من التعنيف، حيث أعطاها الحق في طلب الطلاق مثلا .
من حقوق المرأة:حق طلب الطلاق لرابطة الزواج في الإسلام الذي يقر لكل من الزوجين حقوقا كما واجبات أهمية بالغة فلا غرو إذن أن يكون الطلاق حلالا بالرغم كرهه[6] وذلك إذا اختل ركن من أركانه استحال في ظله مواصلة المشوار ورغم الدعوة إلى تجنب الطلاق في الشريعة الإسلامية إذ اعتبره العض أبغض الحلال لما فيه من التفرقة بين الرجل وأهله.
أو ليس طلب المرأة حقها في الطلاق حماية لها؟ نعم لها الحق في طلب الطلاق إذا أحدث لها زوجها ضررا ما قد يتشكل في مظاهر عديدة .
بيد أن الطلاق لا ينبغي أن يكون أول ما تسارع إليه الزوجة إلا بعد تعذر جميع سبل الإصلاح وإثر توسط الأقارب أو غيرهم من الصالحين ليصلحوا بينها وبين زوجها.
ومن أهم هذه الصور أهمها:
منعها كليا من زيارة أبويها وإحساسها بالكره الشديد لها والرغبة في الابتعاد عنه وعدم قدرته على المعاشرة الزوجية بسبب مرض لا يرجى من البرء وقد استحكم كالقدرة على الوطء أو بسبب العقم أو بسبب التضرر بعد سجن زوجها فترات طويلة.
الهجر أنواع مثل: هجر المعاشرة أو الهجر المكاني للمنزل بمعنى التغيب بسبب السفر أو قصدا بدون عذر أو اتفاق مسبق مع الزوجة ، أو هجر الكلام في حد ذاته.
من الأسباب الشرعية المباحة في الإسلام للمرأة لطلب الطلاق الضرر الأول من الهجران المذكور أعلاه المتعلق بالمعاشرة فلا يجوز امتناع الرجل عن معاشرة زوجته بدون عذر.ولئن اختلف الفقهاء في المدة إلا أنه وجب التأكيد على أن هذا المعنى قد جاء في القرآن الكريم وسمي بالإيلاء في قوله أعز من قائل:﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [7]
كما يمكن للزوجة طلب الطلاق في الإسلام بسبب سفر الزوج مدة تزيد عن ستة أشهر وذلك لئلا يفتنها في دينها. وفي هذا الصدد سئل أحمد ابن حنبل رحمه الله: كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر. [8]
وعجز الزوج عن إعطاء حقوق الزوجة و توفير السكن ونحوها، وجملته أن الرجل إذا منع امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه، فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه. [9] فضلا عن عدم النفقة وبخله وتقتيره الكبير على الزوجة مع قدرته عليها بحيث يحرمها من أبسط مستلزماتها الحياتية. بالإضافة إلى إهانته لها عبر فجوره وفسقه واستباحته لشتى أنواع الموبقات بل حتى جراء التفوه بعبارات الشتم واللعن والقذف لها أو لأحد لوالديها ولو صار هذا ولو مرة واحدة يجوز لها طلب الطلاق.
ويجوز لها طلب الطلاق للضرر المسلط عليها جراء مقاطعته لها حتى بالتكلم الذي يسبب لها التألم ، فهل هناك نجاعة في محاربة العنف ضد المرأة تكثر من هذه المقاربة الإسلامية؟ والشواهد على ذلك كثيرة ومنها:وَلَهَاالتَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ... وَمِنْ الضَّرَرِ قَطْعُ كَلَامِهِ عَنْهَا، وَتَحْوِيلُ وَجْهِهِ عَنْهَا." [10]
تصحيح مفهوم الضرب للزوجة:
اختلف الفقهاء بين كراهية الضرب للزوجة وبين مشروعيته باعتبار تعارضه مع حسن العشرة إذ أنه من أوثق العلاقات الإنسانية هي العلاقة الزوجية.
إن معنى الضرب في الإسلام للزوجة قد أصبح مشوها.فمن الغريب أن يصبح ضرب الزوج لزوجته اليوم بؤرة النقاش بين المسلمين المعاصرين.
واعلم أنه ليس من حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه بالكلام وتهجره الواحدة منهن بالليل."[11]
المراحل التي تسبق الضرب:
الوعظ:والمقصود به كلاما طيبا.
الهجر في المضجع لعلها تحس بفقد بعلها فتحن له.
اعتبارا لأن أحكام الدين الإسلامي وتعاليمه أقرها الشارع الحكيم انطلاقا من أن المسلمين الذين سيتبعونها ذوو عقول رصينة ووجلون من المولى سبحانه وتعالى وهم أصحاب الوازع الديني القوي في كل تعاملاتهم.
كثر في أيامنا هذه الأخذ والرد من بعض دعاة الفتن والممارسات الشاذة لبعض أبناء الإسلام الذين أساءوا فهم بعض النصوص الدينية، وتطبيقها.و تغاضى هؤلاء عن قول المولى جل جلاله:﴿فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ [12] فعنفوا زوجاتهم زوجاتهم واكتفوا بقول سبحانه وتعالى:﴿اضربوهن﴾ والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى ضمن حلقة متكاملة مترابطة من محاولات التعايش والإصلاحات وهي:
تبدأ بالدعوة والإرشاد وتنتهي بالضرب، وقد فسر المفسرون الضرب بأن المقصود به غير الشاق أي أنه ضرب غير مبرح وغير شديد، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفًا وبآلة خفيفة، كالسواك وغيره.
و الدول الغربية ليس بوسعها وصغ أمني على كل زوجة فبمجرد أن تشتكي الزوجة من تعنيف زوجها تعاقبه السلطات ولكن بمجرد انتهاء عقوبته السجنية ينتقم منها ويصل الانتقام في أحايين كثيرة على القتل مع محاولاته طمس جريمته ولذلك كثرت الجرائم التعنيفية للنساء.ولا سبيل لمعالجة هذه الظاهرة إلا بتغيير العقليات وبقناعات دينية راسخة.
ومن آداب الضرب الخفيف الذي شرع للعتاب اتقاء الوجه والمقاتل وفي هذا روى حكيم بن معاوية عن أبيه رضي الله عنه قال: قالت: يا رسول الله ! ما حق زوج أحدنا عليه ؟ قال:"تطعمها إذا أكلت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " [13]
ولا يجوز للزوج أن يضربها وهو غاضب حتى لا يتحول التأديب إلى نوع من التشهي وإلى جور وانتقام ولا يمكن أن تضرب بحضرة أبنائها حتى لا يحقدون على أبائهم وتفقد هي هيبتها.
ومن العادات البالية وصاية الأولياء للابن المقدم على الزواج وصايا لا تمت للإسلام بصلة كإظهار الغلظة حتى تتعود عليها المرأة وقد تسبب ذلك في خراب البيوت والنسب الهامة من الطلاق.
وحتى وإن كان مباحا فمن الأفضل الابتعاد عن الضرب لان نبينا الكريم قد نفر الرسول من الضرب: فقال"لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في أخر اليوم"[14] ولنتأسى به"ما ضرب رسول الله..شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله"[15]
ضرب الخادمة:
ومن الأدلة على كراهيته للضرب حتى للخادمة ما روي عن معاوية بن الحكم السلمي عندما غضب من جاريته فضربها فأمره الرسول ﷺ أن يعتقها،فلماذا لا يستغرب البعض من ضرب الأم أو الأب لابنته ومن ضرب المعلمة لتلميذتها عند تقصيرها في أحد واجباتها؟
تصحيح مفهوم القوامة:
وعلى عكس ما يساء فهمه عن آية القوامة أبين هنا أته هذه الآية الكريمة لم تنزل إلا على العكس من ذلك تماما فقد جاءت لإنهاء شتى أنواع العنف في الأسرة ولتضع حدا للتعامل السيئ مع الزوجة والقضاء عليه.
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾[16]
ولئن كان الضرب غير المبرح - و الذي أقر لا للانتقام ولا للتشفي كما يعتقد بعض العلمانيين والمطلقون على أنفسهم حداثيين وإنما للتأديب فهو يكون في حالات استثنائية و كآخر ملاذ.
- في صورة نشوز المرأة - جائزا فإنّه من الأفضل للمسلم الحق أن يتجنبه بل لا يجوز في الإسلام أصلا لامرئ مسلم أن يضرب حتى أمته أو خادمته.حيث روي عنه ﷺ " لا تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ " [17] وقال أيضا:"ولا تضربوهن ولا تقبحوهن " [18].
الأم:
والآيات التي تحث على رعاية الأم كثيرة جدا وجب مزيد تفسيرها والتعريف بها وترجمتها الى جميع لغات العالم مثل:
﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[19] و ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[20]
لكننا للأسف اليوم نجد الكثيرين يضربون أمهاتهم ويلقون بهم في دار العجز إرضاء لزوجاتهم والعياذ بالله.
الاقتداء بهدي الرسول:
كان نبينا عليه الصلاة والسلام يمازح زوجاته وقد تسابق مع عائشة،وكان مراعيا احتياجات لكل منهن ولنفسيتها ومعنوياتها فأسكن زوجته ماريا مثلا في العوالي أين يوجد الاخضرار تأسيا بيئتها المصرية.
ومن بين الحوادث التي يمكن استحضارها نذكر عندما كان في سفر صحبة غلامه المسمى *أنجشة* وهو حداء يقود الإبل بصوت جميل فخشي على النساء الراكبات وهن الصاحبات الجليلات الوقوع من إسراع الإبل بهن، وكلمات شعرية ( كأنه يغنى) فكانت الإبل تسرع وتهتز طربًا عند سماعه.
فلنا في معاملة الرسول لزوجاته الأسوة الحسنة، فقد كان خير الناس لأهله ضحاكًا في بيته يخدمهم عبر حلب شاته وخصف نعله إذ قال: ﷺ "شر الناس الضيق على أهله" ، قالوا: "يا رسول الله، وكيف يكون ضيقًا على أهله"؟، قال: "الرجل إذا دخل بيته خشعت امرأته، وهرب ولده، وفر عبده، فإذا خرج ضحكت امرأته، واستأنس أهل بيته".[21]
توصية الرسول بالنساء:
إن خطبة الوداع تعتبر من أهم الوثائق في تاريخ ديننا الحنيف. وقد جاء فيها :"اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله".[22]
ولم يكن النبي ﷺ لينطق في آخر ما وصي به بحقوق المرأة قبيل وفاته حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه، وفق عبارة صاحب كتاب *الأدب الثاني* إلا لعظم ما كرسه لها الإسلام ومحورية دورها الذي لا يمكن الاستغناء عنه البتة. فهي الركن الركين الذي يرتكز عليه المجتمع المسلم بطم طميمه باعتبار أنها نصف المجتمع وأم للنصف الآخر الذي يتربى في أحضانها إذا صلحت صلح باقي المجتمع، فهي ، ليست شيئًا هامشيًا، بل مرتكزًا أساسيًا،
فقد روي عن رسول الله ﷺ في أسلوب بلاغي غاية في الروعة...: "ويحك يا أنجشة رويدك بالقوارير"[23].
ومن أهم التوصيات التي يمكن أن نتقدم بها هي ما يقع على كاهل المؤسسات الدينية والقانونية العمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة الخاصة بالعنف الموجّه ضد النساء، فعلى أي مؤسسة دينية أن تصحح المغالطات وتفسر المفاهيم وتعطيها حق قدرها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] - سورة الروم: 30/21.
[2] - مسلم ،صحيح مسلم.....
[3] - اندريه سرفيه ، الإسلام ونفسية المسلمين.
3- صحيح البخاري, تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري, تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر, دار طوق النجاة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط 1422هـ
[5] - إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة وذلك في قرارها 48/104 المؤرخ في 20 كانون الأول 1993.
[6] - سنن أبي داود ، 2178.
[7] - سورة البقرة: 2/226.
[8] - ابن قدامة ،المغني.
[9] - م.ن.
[10] - الخرشي ، شرح مختصر خليل.
[11] - الإمام الغزالي "إحياء علوم الدين.
[12] - سورة البقرة : 2/229.
[13] - رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه
[14] - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى: 256هـ) ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ،تحقيق : د. مصطفى ديب البغا، مؤلف الشرح: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني......باب لا تركبن طبقا على طبق –الانشقاق :19-ح ر 4678.
[15] - أخرجه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (4/ 94)، رقم: 3149.
[16] - سورة النساء: 4/34.
[17] - سنن الدارمي 2122 ، مدرج تحت "الفصل حول حظر ضرب النساء.
[18] - م.ن.
[19] - سورة الأحقاف: 46/15.
[20] - سورة الإسراء: 17/23.
[21] - مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد - باب الميم - تفرد به : محمد بن عبد العزيز .
[22] - تفسير الطبري ،الراوي : جابر بن عبد الله ، المحدث : ابن جرير الطبري ، الصفحة و الرقم3/2/392
[23] - صحيح البخاري- كتاب الأدب - باب: المعاريض مندوحة عن الكذب، ح ر 5857.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد