مواساة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تخيل أن بيتك أصابه حريق ولديك مصابين ومفقودين وأنت في غاية من الرعب والألم والذهول والحزن، والدفاع المدني يطفئ الحريق وأنت معهم تبحث عن أبناءك وأهلك، ثم يأتيك أحد جيرانك ويقول لك: عد إلى الله وتب فما أصابك من حريق إنما هو بسبب ذنوبك..!

بالله أي غصة ستصاب بها وأي حرقة وألم سيزيد مصابك؟

 هل من المناسب أن نتداول الحديث والرسائل التي تظهر أن الزلازل عقوبة من الله وعذاب في حق من وقع عليهم بسبب الذنوب؟

أم أن الواجب أن نخفف من مصاب إخواننا ولو بالكلمة الطيبة؟

تخيل نفسك في ذات الموقف أترضى أن يقال في حقك مثل ذلك؟

أتحب أن تسمعه أو تقرأه؟

اتتقبله نفسك؟

ما أقسى قلوب البعض وأبعدها عن جبر المصاب وجبر الخواطر!

عجيب فقه بعض العقول التي لا تجيد الحديث المناسب ولا الطرح المناسب ولا متى وأين ولمن!

إن لم تستطع أن تكون بلسمًا فلا تكن علقمًا.

أعوذ بالله من قلوب ترى المأساة والمشاهد المروعة التي تحبس الأنفاس وتبكي الحجر وتبصر الخطب جلل، ثم لا تحسن إلا التبكيت والزجر والتخويف وحشد آيات وأحاديث العذاب وأحيانا بخطاب متعال سمج.

أهذا مقام التبكيت أم مقام المواساة؟

أهذا مقام النقد أم مقام البذل والمعونة؟

أهذا مقام العتاب أم مقام التخفيف؟

أين الذوق إن لم توجد رحمة؟

أين الإنسانية إن لم تتحرك أخوة الدين؟

لست أنا ولا أنت من يحكم أنها عقوبة أو انتقام أو عذاب، بل لعلها رفعة لهم واختيار وليتخذ الله منهم شهداء وأولياء و"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة". كما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

الناس هناك تحتاج إلى تذكير بسعة رحمة الله وعفوه وأن على الإنسان أن يتذكر حين وقوع هذه الآيات ضعفه وعجزه وذله وافتقاره بين يدي الله تعالى، فيلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع والاستكانة لعل الله يكشف هذا البلاء العظيم عن عموم الناس.

المصاب جلل يحتاج إلى مواساة ومعونة وتصبير ووقفة إنسانية فضلًا عن أن تكون وقفة أخوية فهل يليق وهم في هذه الحال أن نرسل لهم رسائل التبكيت وأن ذلك بسبب ذنوبهم ومعاصيهم.

ثم من يتابع المشاهد سيرى عجبا من المواقف والمشاهد التي تظهر تدين الناس مما يستصغر الواحد فينا نفسه حيث ذكر الله وحمده لا يفارق ألسنتهم، وهول المصاب لم يغير ثوابتهم وقيمهم.

خذ ثلاثة أمثلة:

الأول من تركيا لامرأة ترفض الخروج من الأنقاض وتطلب أن يعطوها غطاء الرأس حتى لا تخرج بغير حجاب أمام الناس.

الثاني: مشرف على دار أيتام يقوم بإخراج طلابه من الدار ثم يسقط عليه الدار فينقذ كل طلابه ويقضي هو تحت الدمار.

الثالث: لرجل مسن في سوريا لم يستطيعوا إخراجه من تحت الأنقاض يطلب الماء من الموجودين للوضوء حتى ‏لا تفوته الصلاة.

وعشرات ومئات المواقف والمشاهد مثل ذلك.

اللهم إن عبادك قد أعيتهم الحيل وضاقت بهم السبل وأظهروا عجزهم وبان ضعفهم، ‏فاللهم لطفك بهم ورحمتك بهم يا معين أعنهم ويا مغيث أغثهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply