مسائل في تربية القطط


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يجوز اتخاذ الهرة في المنزل ولا حرج لأن الهرة ليست مؤذية، ولا نجسة.

أما كونها ليست مؤذية: فهذا معلوم لا يمارى فيه بل هي مفيدة بأكلها الحيات والجرذ والحشرات وغيرها التي قد تكون في المنازل أو ساحاتها. وأما كونها غير نجسة: فلحديث كبشة بنت كعب بن مالك:

فعَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ [وفي رواية:والد زوجها]- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ"[أبو داود].

وعَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إلى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتِ الْهِرَّةُ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا"[أبو داود].

وقوله (الطوافين) تشبيها بالخدم، فهي مع الناس في منازلهم وعند أوانيهم وأمتعتهم، لا يمكن أن يحترزوا منها.

مع أننا ننبه هنا إلى خطأ ما يفعله كثير من الناس، ممن يعتنون باقتناء القطط ونحوها من الحيوانات، خطئهم في المبالغة بشرائها بأثمان باهظة، ثم التكلف الشديد في العناية بها، وطعامها، وعلاجها...، مما يخرج بالأمر عن حد التوسط والاعتدال، والنفقة اليسيرة المعقولة، إلى التكلف والإسراف والتبذير فيما ليس فيه كبير فائدة، وإضاعة المال في وجوه الباطل، والمباهاة والتفاخر، والعبث الباطل.

الحرج في حبس القطة الأنثى عن الذكور:

إذا اعتنيت بالهرة من جهة المطعم والمشرب والعلاج، فلا حرج عليك في حبسها في بيتك وعدم السماح لها بالخروج منه إلا تحت ناظريك، سواء كان غرضك حجبها عن الذكور أم لا، إذ لا يجب على من يستأنس الحيوان الأليف أن يوفر له التزاوج من جنسه، وليس ذلك من المثلة ولا من التعذيب.

ويمكن أن يستدل على الجواز بحديث أَنَسٍ رضي الله عنه مرفوعا:"يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ،رواه البخاري ومسلم والنُّغَير:نوع من الطير.فدل الحديث على جواز حبسه، كما قال القاضي عياض رحمه الله.

فيه جواز لعب الصبى بالطير الصغير، ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه له، وتلهيته بحبسه، لا بتعذيبه والعبث به* انتهى من *إكمال المعلم بفوائد مسلم.

ولازم الحبس حبسه عن التكاثر والتزاوج أيضا، فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم بل وإقراره، يدل على أن الحبس مع العناية بالطعام والشراب والعلاج ليس إثما ولا معصية، وإن أدى إلى قطع الحيوان عن جنسه.

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: يجوز حبس الهر وإطعامه، ولا نظر لما في الحبس من العقوبة ؛ لأنها يسيرة محتملة، وكذا الطائر، وفي شرح التعجيز لابن يونس: أن القفص للطائر، كالإصطبل للدابة.

ودليل جواز حبسهما خبر البخاري وغيره:"أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"؛ فأفهم أنها لو حبستها وأطعمتها: جاز، ولم تدخل النار بسببها.

وخبره أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل دار خادمه أنس بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه لزيارة أمه رضي الله عنها يقول لولدها الصغير: يا أبا عمير ما فعل النغير" يمازحه عن طير كان يلعب به ويحبسه عنده *انتهى من* الفتاوى الفقهية الكبرى.

فظاهر حديث (الهرة) عدم اعتبار جانب التكاثر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا الطعام.

ولا شك أن الأمر في حبس الإناث عن الذكور، ومنعها من التزاوج: أهون بكثير من تعقيمها، أو خصائها، والرخصة فيه أسهل وأقرب.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"[البخاري ومسلم] خشاش الأرض:حشرات الأرض وهوامها كالفأرة.

فهذا الحديث لم ينكر على المرأة أنها اتخذت هرة ولكنه بين أن إثم المرأة كونها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض.

وما سمي الصحابي الجليل أبو هريرة بهذا إلا لأنه كان يعطف على الهرر ويقتنيها، حتى اشتهر بهذه الكنية ونسي الناس اسمه حتى اختلف العلماء باسمه إلى قرابة ثلاثين قولًا. قال ابن عبد البر في «الاستيعاب»: والراجح أن اسمه عبد الرحمن بن صخر ولم يختلف أحد منهم أنه أبو هريرة.

بيع القطط:

الذي عليه عامة العلماء – ومنهم المذاهب الأربعة – إباحة شراء القطط الأليفة وبيعها.

قال الإمام النووي في المجموع:*بَيْعُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ: جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا... وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ... وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، والحكم، وحمَّاد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، واسحق، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ*.

وقال أيضا:*فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَعُ، وَبَاعَهُ: صَحَّ الْبَيْعُ، وَكَانَ ثَمَنُهُ حَلَالًا. هَذَا مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ العلماء كافة*. إلا ما حكى ابن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ:"أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ".[شرح صحيح مسلم].

واستدلوا للجواز بما روى مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا، أَوْ هِرٍّ، رَبَطَتْهَا؛ فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا".

قالوا: الأصل في اللام أنها للملك، أي قوله:"هرة لها"، وما كان مملوكا منتفعا به، جاز بيعه.[كشاف القناع].

وذهب الظاهرية وبعض العلماء إلى تحريم بيع الهر أو شرائه، فلا يحل بيعها وشراؤها ولكن توهب هبة، وتعطى عطية.واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق مَعْقِل عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ:"زَجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ".

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْر"ِ. [أبو داود وصححه الألباني].

وجزم ابن القيم بتحريم بيعه في*زاد المعاد*وقال:وبذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه، وهو مذهب طاووس ومجاهد وجابر بن زيد، وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد.

وهو الصواب، لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه؛ فوجب القول به.

وقال ابن المنذر:*إن ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن بيعه: فبيعه باطل، وإلا ؛ فجائز*.

وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة* لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وزجر عنه ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك*.

وقد أجاب جمهور العلماء عن هذا الحديث بثلاثة أجوبة:

الأول: أن الذي ثبت هو تحريم بيع الكلب، وأما لفظ *السنور* الوارد في الحديث فهي زيادة ضعيفة.

قال ابن رجب:*وهذا إنّما يُعرف عن ابن لهيعة عن أبي الزبير، وقد استنكر الإمامُ أحمد روآيات مَعْقِلٍ عن أبي الزبير، وقال: هي تشبه أحاديثَ ابنِ لهيعة، وقد تُتُبِّعِ ذلك، فوُجِدَ كما قاله أحمد رحمه الله*.[جامع العلوم والحكم]

قال الترمذي:* هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، وَلاَ يَصِحُّ فِي ثَمَنِ السِّنَّوْرِ*. [سنن الترمذي].

وقال أبو عوانة:*فِي الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَهي عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ: فِيهَا نَظَرٌ فِي صِحَّتِهَا وَتَوْهِينِهَا*.

وقال ابن عبد البر:*كل ما أبيح اتخاذه والانتفاع به وفيه منفعة: فثمنه جائز في النظر؛ إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له، مما لا معارض له فيه، وليس في السنور شيء صحيح، وهو على أصل الإباحة*.

لكن قال النووي في «المجموع»:*وأما ما ذكره الخطابي وابن المنذر أن الحديث ضعيف فغلط منهما، لأن الحديث في صحيح مسلم بإسناد صحيح*.

الثاني: أن المراد بالحديث:*السنور الوحشي*، وليس القطط الأليفة.

قال الخطابي:*إنما كُره... لأنه كالوحشي الذي لا يُملك قياده، ولا يصح التسليم فيه، وذلك لأنه ينتاب الناس في دورهم ويطوف عليهم فيها، ثم يكاد ينقطع عنهم، وليس كالدواب التي تربط على الأوادي، ولا كالطير الذي يحبس في الأقفاص، وقد يتوحش بعد الأنوسة ويتأبد حتى لا يقرب ولا يقدر عليه. فإن صار المشتري له إلى أن يحبسه في بيته أو يشده في خيط أو سلسلة لم ينتفع به*.[معالم السنن].

وقال الشيخ ابن عثيمين:*اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أجازه، وحمل الحديث الذي فيه النهي على هرٍّ لا فائدة منه؛ لأن أكثر الهررة معتدٍ، لكن إذا وجدنا هرًّا مربى ينتفع به فالقول بجواز بيعه ظاهر؛ لأن فيه نفعًا*. [الشرح الممتع].

لكن البيهقي في «السنن» ردًا على الجمهور أيضًا:*وقد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكومًا بنجاسته، ثم حين صار محكومًا بطهارة سؤره حل ثمنه، وليس على واحد من هذين القولين دلالة بينة*.

الثالث: أن النهي للكراهة؛ لأن الشرع أراد أن يتسامح الناس في بذل القطط دون بيعها.

قال الدميري في*حياة الحيوان* وقيل: هو نهي تنزيه حتى يعتاد الناس هبته وإعارته كما هو الغالب.

وقال ابن رجب رحمه الله:*ومنهم من حمل النهي على ما لا نفع فيه كالبري ونحوه، ومنهم من قال: إنما نهى عن بيعها لأنه دناءة وقلة مروءة، لأنها متيسرة الوجود والحاجة إليها داعية، فهي مرافق الناس التي لا ضرر عليهم في بذل فضلها، فالشحُّ بذلك من أقبح الأخلاق الذميمة، فلذلك زجر عن أخد ثمنها*.

لكن قال الشوكاني في «نيل الأوطار» ردًا على الجمهور الذين حملوا النهي في الحديث على كراهة التنزيه، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق والمروءات، فقال:*ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضٍ*.

والحاصل: أن هناك شكًّا في صحة الحديث الوارد في النهي عن بيع السنور، ولو صح، فإنه يُحمل على المحامل التي ذكرها الجمهور، ومنها التنزيه، فكأن الشارع أراد أن يتسامح الناس في بذل القطط دون بيع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply