بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأولى: أن الخلاف في هذا الباب الفقهي قديم منذ القرن الأول وإلى قرننا الخامس عشر، فلا يظن ظانٌ أنه سيرفع الخلاف بفتوى، أو منشور.. بل سيبقى الخلاف شائعًا، وقد علم كل أناس مشربهم.
الثانية: حفظ مقامات أهل العلم، وتجنب الغمز لهم والحط من أقدارهم، بتصوير القائلين بإخراج زكاة الفطر نقدًا.. أنهم مخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم معارضون لسنته بآرائهم.. فليس هذا من حسن الظن بآحاد المسلمين فضلًا عن العلماء الربانيين.. بل هو من قصور الأدب.
الثالثة: أن الإمام أبا حنفية رحمه الله تعالى غير منفرد بالقول بإخراج الزكاة نقدًا، بل هو مسبوق بالخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، والإمام الحسن البصري، والإمام سفيان الثوري وغيرهم.. ووافقه جماعة من أهل العلم قديمًا وحديثًا.. رحم الله الجميع.
فمن ظن أن أبا حنفية وحده في هذا الباب الفقهي فإنما ينادي على نفسه بقصور الفقه.
الرابعة: أن القائلين بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًا أعملوا مقصد الشريعة فيها.. وهي إغناء الفقراء وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.. فهل الصاع من الزبيب أو التمر أو الشعير، أو الأقط.. في عصرنا كالصاع من البر، أو الأرز؟
ولذلك جاء في بعض ألفاظ الحديث:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من طعام" وجاء لفظ:"طعمة للمساكين"؛ ليوسع دائرة جنس صدقة الفطر، ولا يحصر بالتمر، أو الزبيب، أو الأقط؛ لأن المقصود إغناء الفقير بأي نوع كان، فالشريعة حية وصالحة لكل زمان ومكان.
الخامسة: مراعاة اختلاف مسمى الفقير زمانًا ومكانًا.. فقد كان الفقير فيما مضى من لا يجد قوتًا يأكله هو وعياله.. ولا زال هذا مسمى الفقير في بعض البلدان لا سيما في البادية..
أما في المدن فقد تغير مسمى الفقير.
ولذلك فهل الذي لا يجد إيجار المسكن، وسداد فاتورة الماء والكهرباء، ورسوم المدرسة لأبنائه، وكسوة عيدهم.. هل هؤلاء فقراء أم أغنياء..
فلو أعطيناهم أقداحًا من الحبوب هل سيرفع عنهم وصف الفقر.. وهم لا يجدون إيجار مساكنهم وكثيرًا من ضروريات حياتهم؟!
أليس من إعمال مقاصد الشريعة.. إغناؤهم وسد حاجتهم.. وجبر خواطرهم أن تنكسر حين يرون الأغنياء وهم يرفلون في ثياب النعمة ورخاء المعيشة.. في حين أنهم يكابدون مرارة الفقر في ضروريات حياتهم..
السادسة: لا حرج أن تأخذ بقول أكثر أهل العلم في إخراج زكاة الفطر طعامًا.. لكن لا تهاجم قول المخالف وترميه بالجلاميد.. قدحًا، ونطحًا، وتسفيهًا، وفراسة بالليزر.. فإن وافقت.. فبعلمٍ.. وإن خالفت.. فبحلمٍ وأدب وسكينة.
قال الإمام سفيان الثوري:*إذا رأيتَ الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلف فيه وأنتَ ترى غيره فلا تنهه*.
وقال الإمام أحمد بن حنبل:*لا ينبغي للفقيه أن يَحمل الناس على مذهبه، ولا يشدد عليهم*.
وقال أيضًا:*لا أُعنِّف مَن قال شيئًا له وجهٌ.. وإن خالفناه*.
سدد الله الخطى.. ومنح الجميع الإنصاف والتقوى.. وسلك بنا سبيل العلماء الحلماء.. وجنبنا جميعًا القراءة العوراء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد