بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قديما وحديثا وطوال التاريخ والشيعة يشوهون في سيرة سيدنا معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقد استطاعوا جذب الليبراليين والعلمانيين وكل ناعق. هذا الملك العظيم الذي قاد الأمة الإسلامية عشرين عاما، وحكم ثلث الأرض ودانت له القلوب المؤمنة، بخلاف النفوس الحاقدة التي تتميز غيظا منه لحسن سيرته وسياسته.
** الصحابي الجليل الذي شملته بركة حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ"[البخاري].
** كاتب الوحي رضي الله عنه، ومؤسس دولة بني أمية، ودوما مؤسس أي دولة يكون شخصية متميزة حادة الذكاء، فلقد حكم معاوية رضي الله عنه الشام ٤٠ سنة، وكان محبوب جدًا، وكان رجل داهية سياسية.
** قال الذهبي: كان رجلًا طويلًا، أبيض، جميلًا، مهيبًا. أجلح [أصلع بجانبيْ رأسه].
** ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم في عام (7هـ) وأخفى إسلامه حتى فتح مكة (8هـ) خوفًا من أبيه، ولم يظهره إلا في فتح مكة، ولذلك ظن كثير من المؤرخين أنه من مسلمة الفتح.
** روي عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية، ولكن كتمت إسلامي من أبي، ثم علم بذلك فقال لي: هذا أخوك يزيد وهو خير منك على دين قومه، فقلت له: لم آل نفسي جهدا.
قال معاوية: ولقد دخل علي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته فرحب بي، وكتبت بين يديه.
** قال الواقدي: وشهد معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب، وزنها بلال، وشهد اليمامة.
** لم يُعرف عنه قبل الإسلام أذىً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بيد، ولا بلسان.
** وهو من مشاهير الصحابة وفضلائهم رضي الله عنهم جميعًا دعا له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:"اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ".[الترمذي وصححه الألباني].
** أخرج البخاري في التاريخ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمعاوية رضي الله عنه:"اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب".
** وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهده بالرحمة. فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أوَّلُ هَذَا الْأمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً" .السلسلة الصحيحة 3270.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكانت إمارة معاوية ملكًا ورحمةً.
** وقد ثبت في صحيح مسلم: من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل: سماك بن الوليد، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ:" كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إلى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أم حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ نَعَمْ [لكن الرواة مجمعون على وهم راوي الحديث عكرمة بن عمار وأن المقصود عزة بنت أبي سفيان وأن الرسول قال:"إن ذلك لا يحل لي"لأن عنده أختها أم حبيبة بنت أبي سفيان التي زوجها النجاشي من رسول الله سنة ست بالحبشة] قَالَ وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ نَعَمْ".
** روى مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً [صفعني على رقبتي] وَقَالَ:"اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ" قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ هُوَ يَأْكُلُ قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ" قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ هُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ:"لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ".
وروى مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
** ومن الأحاديث الدالة على فضله ما رواه البخاري رحمه الله عن أم حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا [فعلوا فعلًا وجبت لهم به الجنة] قَالَتْ أم حَرَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ قَالَ أَنْتِ فِيهِمْ [وكان ذلك جيش معاوية وبقيادته لفتح قبرص في خلافة عثمان رضي الله عنهما] ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ [القسطنطينية] مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا".
وفي رواية للبخاري عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أم حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أم حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:(نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ [ظهر هذا البحر ووسطه] مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) [يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم] قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: (أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ) فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ".
** ومعاوية خال المؤمنين أخو أم المؤمنين أم حَبيبة رَمْلة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، ولذلك قال الإمام أحمد: أقول: معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين
وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد ابن حنبل: أليس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كُلّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلّا صِهْرِي وَنَسَبِي؟" قال: بلى! قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهرٌ ونسبٌ.
** وروى الطبراني عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: لما كان يوم أم حبيبة من النبي دق الباب داق فقال النبي أنظروا من هذا قالوا معاوية فقال ائذنوا له ودخل وعلى أذنه قلم له يخط به فقال:"ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: أعددته لله ولرسوله. قال:جزاك الله عن نبيك خيرا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله عز وجل، وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله عز وجل، كيف بك لو قد قمصك الله قميصا" يعني الخلافة فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه، فقالت: يا رسول الله، وإن الله مقمص أخي قميصا؟ قال:"نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات" فقالت يا رسول الله فادع له فقال:"اللهم أهده بالهدى وجنبه الردى واغفر له في الآخرة والأولى".
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن هشام إلا عبد الله بن يحيى تفرد به السري.
** ولاه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض عمله فكان يكتب له، ولما بعث أبو بكر الجيوش سار إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبى سفيان حتى مات يزيد.
** كان معاوية محاربا في موقعة اليرموك وفتح الشام، ثم ولاه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فتح قيسارية، وكتب إليه: أما بعد فقد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير.
فسار إليها فحاصرها، وزاحفه أهلها مرات عديدة، وكان آخرها وقعة أن قاتلوا قتالا عظيما، وصمم عليهم معاوية، واجتهد في القتال حتى فتح الله عليه، فما انفصل الحال حتى قتل منهم نحوا من ثمانين ألفا، وكمل المائة الألف من الذين انهزموا عن المعركة، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه... وكان عمر معاوية وقتها 33سنة، وكانت سنة 15هـ.
** قال ابن كثير: انعقدت الكلمة على معاوية، وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين، فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية. والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو.
لكن لابد أن نتفطن للكثير من الروآيات التي فيها محاذير كثيرة ووقفات في طياتها عديدة حتى ولو كانت في مجملها تحمل ثناء لمعاوية رضي الله عنه، فمن أشهرها:
** بعد طاعون عَمَواس وموت كثير من القادة وعظماء الصحابة ولى عمر معاوية الشام، يقول أهل التاريخ: لما ولى عمر يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام، خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيت صار ابنك تابعا لابني؟ [كان يزيد ولد أبي سفيان من غير هند] فقالت: إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني، فلما مات يزيد بن أبي سفيان سنة بضع عشرة، وجاء البريد إلى عمر بموته، رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد، ثم عزى أبا سفيان في ابنه يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين من وليت مكانه؟ قال أخوه معاوية، قال: وصلت رحما يا أمير المؤمنين.
ووصته أمه هند بقولها: والله يا بني إنه قل أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت.
وقال له أبوه: يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة. وصرنا أتباعا، وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك.
فلم يزل معاوية نائبا على الشام في الدولة العمرية والعثمانية مدة خلافة عثمان، وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص وسكنها المسلمون قريبا من ستين سنة في أيامه ومن بعده، ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها.
لكن هذه الرواية فيها شكوك كثيرة لما فيها من طعن في أبي سفيان رضي الله عنه حيث يظهره بمظهر الحريص على الزعامة وأن حزنه لتأخره في الإسلام كان من أجل الدنيا، وأنه يحث ابنه على المنافسة في هذه الزعامة، وتحريضه على توريث الحكم.
** لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم كثيف، فاجتاز بعمر وهو وعبد الرحمن بن عوف راكبان على حمار، ولم يشعر بهما، فقيل له: إنك جاوزت أمير المؤمنين، فرجع، فلما رأى عمر ترجل، فلما دنا من عمر قال له عمر: أنت صاحب الموكب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: هذا حالك مع ما بلغني من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: هو ما بلغك من ذلك.
قال: ولم تفعل هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافيا إلى بلاد الحجاز، قال: يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ويرهبهم به، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت.
فقال له عمر: يا معاوية ما سألتك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس [جمع راجبة: وهي ما بين عقد الأصابع من داخل أي: أضيق ما يكون]، لئن كان ما قلت حقا إنه لرأي أريب وإن كان باطلا إنه لخدعة أديب.
قال: فمرني يا أمير المؤمنين بما شئت، قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه؟! فقال عمر: لحسن موارده ومصادره جشمناه ما جشمناه.
ولكن:
فهل كان معاوية رضي الله عنه مشغولًا عن رعيته بالطعام والشراب؟!، وهل يعقل ألا يثق عمر في كلام معاوية رضي الله عنهما فيقول له: «لئن كان ما قلت حقًا، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلًا إنه لخديعة أديب»؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد