الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

هذا تقرير موجز تناولت فيه اتجاهًا من اتجاهات المفسرين، وهو الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم ؛ إذ يعد أول اتجاه اهتم به المفسرون في تفاسيرهم، إذ إن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، ومن ثم قمت بجمع المادة العلمية من مظانها ورتبتها وعلقت أحيانًا عليها، والله أسأله التوفيق والسداد، وجزاكم الله خير الجزاء.

أولا: تعريف الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم:

هو بيان معاني القرآن بما ورد في لغة العرب. أما الشق الأول من التعريف، وهو بيان معاني القرآن: فإنه عام يشمل كل مصادر البيان في التفسير؛ كالقرآن، والسنة، وأسباب النزول، وغيرها. وأما الشق الثاني منه، وهو بما ورد في لغة العرب: فإنه قيد واصف لنوع البيان الذي وقع لتفسير القرآن، وهو ما كان طريق بيانه عن لغة العرب. وبهذا النوع من البيان يخرج ما عداه من أنواع البيان؛ كالبيان الكائن بأسباب النزول وقصص الآية، أو غيرها مما ليس طريق معرفته اللغة. كما يخرج بهذا القيد ما كان طريق بيانه بغير لغة العرب، كمن يفسر بمدلولات لا تعرف عند العرب؛ كالمصطلحات الحادثة. والمراد بما ورد في لغة العرب: ألفاظها وأساليبها التي نزل بها القرآن.

وقد أشار إلى هذا الشاطبي (ت:790)، فقال: «فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب، وإنه عربي، وإنه لا عجمة فيه، فيعني أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، وظاهر ويراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره... »

ثانيا: مكانة الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم:

اختار الله سبحانه نبيه الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عربيا، وكان من السنن أن يكون كتابه بلسان قومه، جريا على سنة الله في إرسال الرسل عليهم السلام؛ كما قال تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم}[إبراهيم: 4].

وقد جاء النص على عربية القرآن في غير ما آية، منها:

1 - قوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}[يوسف: 2].

2 - وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا}[طه: 113].

3 - وقوله تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}[الزمر: 28].

4 - وقوله تعالى : {ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين}[الأحقاف: 12].

5 - وقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}[الزخرف: 3]، وغير هذه الآيات التي نصت على عربية القرآن.

ولما كان الأمر كذلك، فإنه لا يمكن العدول عن هذه اللغة التي نزل بها القرآن إلى غيرها إذا أريد تفسير الكتاب الذي نزل بها؛ لأن معرفة معاني ألفاظه لا تؤخذ إلا منها.  قال ابن فارس (ت:395): «إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدا».

ثالثا: نشأة علم الاتجاه اللغوي في التفسير:

الناظر إلى الذين فسروا القرآن، سيجد أن أول المفسرين هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}[النحل: 44].ثم جاء بعده الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين نزل القرآن بلغتهم، وشهدوا التنزيل، وعرفوا أحوال من نزل فيهم الخطاب من المشركين وأهل الكتاب، فتصدى بعضهم لعلم التفسير، حتى صار مبرزا فيه كعبد الله بن مسعود الهذلي (ت:35)، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب (ت:68). ثم لحق بالصحابة أعلام التابعين ممن تتلمذ عليهم، وبرز في علم التفسير؛ كسعيد بن جبير (ت:94)، ومجاهد بن جبر (ت:104)، وقتادة بن دعامة السدوسي (ت:117)، وغيرهم. ثم حمله في جيل أتباع التابعين بعض أعلام المفسرين؛ كإسماعيل السدي الكوفي (ت:128)، وعبد الملك ابن جريج المكي (ت:150)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدني (ت:182)، ويحيى بن سلام البصري (ت:200).

وهذه الطبقات الثلاث (أي: الصحابة والتابعون وأتباعهم) هي التي اعتمد النقل عنها علماء التفسير ومن كتب فيه من المتقدمين؛ كعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت:210)، وعبد بن حميد الكشي (ت:249)، ومحمد بن جرير الطبري (ت:310)، وعبد الرحمن بن أبي حاتم (ت:327) وغيرهم.

وإذا أطلق مصطلح السلف في علم التفسير، فإن المراد به علماء هذه الطبقات الثلاث؛ لأن أصحابها أول علماء المسلمين الذين تعرضوا لبيان القرآن، وكان لهم فيه اجتهاد بارز، وقل أن تجد في علماء الطبقة التي تليهم من كان مشهورا بالتفسير والاجتهاد فيه، بل كان الغالب على عمل من جاء بعدهم في علم التفسير نقل أقوال علماء التفسير في هذه الطبقات الثلاث أو التخير منها والترجيح بينها؛ كما فعل الإمام محمد بن جرير الطبري (ت:310). ويلاحظ أنه قد ظهر في جيل أتباع التابعين غيرهم ممن شارك في علم التفسير، وهم صنفان:

الصنف الأول: جمع من اللغويين شاركوا في علم التفسير، وكتبوا فيه؛ كالكسائي (ت:183)، وتلميذه الفراء (ت:207). وقد كان بعض هؤلاء اللغويين الذين شاركوا في علم التفسير من المعتزلة؛ كمحمد بن المستنير (قطرب) (ت:206)، وأبي الحسن سعيد بن مسعدة (الأخفش) (ت:215).

الصنف الثاني: بعض متكلمي المعتزلة الذين شاركوا في علم التفسير؛ كأبي بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم (ت:201)، ويوسف بن عبد الله الشحام (ت:233)، وغيرهم.

رابعا: أسلوب الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم:

أما عن أسلوب أصحاب هذا الاتجاه فهو كالآتي: أن يكون اللفظ المفسر مطابقا للفظ المفسر، مع الاستشهاد عليه ـ أحيانًا ـ من لغة العرب شعرا أو نثرا. ولقد كان لهذا الأسلوب مكانه في تفسير السلف، ومن خلال استقراء تفسيرهم في تفسير الطبري (ت:310) وغيره، وجدت أن لهم في البيان اللغوي للقرآن ـ على هذا الأسلوب ـ طريقين:

الأول: أن يذكروا معنى اللفظة في اللغة دون أن ينصوا على ما يدل عليها من شعر أو نثر.

الثاني: أن ينصوا على الاستدلال بلغة العرب في تفسير اللفظة، وهو قسمان:

القسم الأول: أن يستشهدوا بالشعر.

القسم الثاني: أن يستشهدوا بالنثر، وهو نوعان:

النوع الأول: أن ينصوا على لغة القبيلة التي نزل القرآن بلفظها.

النوع الثاني: أن يرجعوا إلى منثور كلامهم دون أن ينصوا على لغة قبيلة بعينها.

خامسا: مصادر الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم:

1 - غريب القرآن، لأبان بن تغلب الجريري، القارئ، النحوي، اللغوي (ت:141).

2 - معاني القرآن، لمحمد بن الحسن الرؤاسي، الكوفي، المقرئ، النحوي، اللغوي (ت:170). 

3 - معاني القرآن، ليونس بن حبيب، البصري، النحوي (ت:182).

4 - معاني القرآن، لعلي بن حمزة الكسائي، الكوفي، النحوي، اللغوي، أحد القراء السبعة (ت:183 وقيل غيرها).

5 - غريب القرآن، لمؤرج بن عمرو السدوسي، البصري، النحوي، اللغوي (ت:195).

6 - غريب القرآن، لأبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، البصري، اللغوي (ت:202).

7 - غريب القرآن، للنضر بن شميل، البصري، اللغوي (ت:203).

8 - مشكل القرآن، لمحمد بن المستنير (قطرب) البصري، النحوي، اللغوي (ت:206).

9 - معاني القرآن، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، الكوفي، النحوي، اللغوي (ت:207).

10 - مجاز القرآن، لأبي عبيدة معمر بن المثنى، البصري، اللغوي (ت:210).

11 - معاني القرآن، لأبي الحسن سعيد بن مسعدة (الأخفش)، النحوي، البصري (ت:215).

12 - غريب القرآن، للأخفش (ت:215).

13 - معاني القرآن، لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري، النحوي، اللغوي، البصري (ت:215).

14 - معاني القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، اللغوي (ت:224).

15 - غريب القرآن، لأبي عبد الله محمد بن سلام الجمحي، الأديب، البصري (ت:231).

16 - غريب القرآن، لأبي عبد الرحمن عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي (ت:237).

17 - غريب القرآن، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، البصري، اللغوي، الأديب (ت:276).

18 - تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة (ت:276).

19 - معاني القرآن، لأبي العباس محمد بن يزيد (المبرد)، النحوي، اللغوي، الأديب (ت:285).

20 - ضياء القلوب في معاني القرآن، للمفضل بن سلمة، الكوفي، النحوي، اللغوي (ت:290 تقريبا).

21 - معاني القرآن، لأبي العباس أحمد بن يحيى (ثعلب) الكوفي، النحوي، اللغوي (ت:291).

22 - معاني القرآن، لمحمد بن أحمد بن كيسان، النحوي، اللغوي (ت:209).

سادسا: طريقة الاتجاه اللغوي في تفسير القرآن الكريم في المصادر السابقة:

أما عن طريقة أصحاب هذا الاتجاه تجاه تفسير القرآن الكريم، فهي:

أولا: كثرة مباحث الصرف والاشتقاق.             

 ثانيا: كثرة المباحث النحوية.

ثالثا: كثرة الاستشهاد من لغة العرب.          

 رابعا: بيان الأساليب العربية الواردة في القرآن.

مصادر التقرير:

1ـ التفسير والمفسرون، الدكتور محمد السيد حسين الذهبي (المتوفى: 1398هـ)، مكتبة وهبة، القاهرة، د.ت.

2ـ التفسير اللغوي للقرآن الكريم، د مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، دار ابن الجوزي، السعودية، الطبعة: الأولى، 1432هـ.

3ـ سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م.

4ـ الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ)، الناشر: محمد علي بيضون، الطبعة الأولى، 1418هـ-1997م.

5ـ طبقات المفسرين، أحمد بن محمد الأدنه وي من علماء القرن الحادي عشر (المتوفى: ق 11هـ)، المحقق: سليمان بن صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، السعودية،الطبعة الأولى، 1417هـ- 1997م.

6ـ الفوز الكبير في أصول التفسير، الإمام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ «ولي الله الدهلوي» (المتوفى: 1176هـ)، عربه من الفارسية: سلمان الحسيني الندوي، دار الصحوة، القاهرة، الطبعة الثانية - 1407 هـ - 1986 م.

7ـ مقدمة في أصول التفسير، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، الطبعة: 1490هـ/ 1980م.

8ـ مناهج المفسرين، منيع بن عبد الحليم محمود (المتوفى: 1430هـ)، دار الكتاب المصرى - القاهرة، دار الكتاب اللبنانى بيروت، 1421 هـ - 2000 م.

9ـ الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790هـ)، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.

10ـ معانى القرآن للأخفش، أبو الحسن المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، المعروف بالأخفش الأوسط (المتوفى: 215هـ)، تحقيق: الدكتورة هدى محمود قراعة، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1990 م.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply