بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مقترح خطبة الجمعة الثالثة من شهر صفر ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:
1- ضوابط وشروط وأحكام الصيد.
2- تنبيهات مهمة حول الصيد، والذكاة الشرعية.
الهدف من الخطبة: التذكير ببعض المسائل والتنبيهات المهمة، والتي تتعلق بأحكام الصيد، والذكاة الشرعية.
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، فإن من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده: أن أباح لهم لحم الصيد طيرًا، أو غيره فضلًا منه ومنًّا؛ وسُمَّيَ صيدًا لأنه متوحش لا يألف الإنس؛ بل يفر منهم، ويختفي عن أنظارهم، وقد جعل الله تعالى لكل نوع من الصيد سلاحًا يتقي به: فمنها ما جعل الله تعالى سلاحها الاختباء في جحور الأرض، ومنها ما جعل سلاحها جناحًا يطير به فيبتعد عمن أراد صيده، ومنها ما جعل سلاحها سرعه عدوٍ فيفر ممن أراد صيده.
والله سبحانه وتعالى أباح للعباد صيد هذه الحيوانات والطيور، والانتفاع بلحمها والتلذذ به، وهذا من فضل الله تعالى على العباد؛ لكن يكون ذلك بضوابط وشروط وأحكام، نتعرف عليها من خلال هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: تعريف الصيد شرعًا، وحكمه:
أما تعريف الصيد:
فالصيد شرعًا: [اقتناص حيوانٍ حلالٍ متوحِّش طبعًا، وغير مملوكٍ لأحدٍ ولا مقدورٍ عليه.] (والوَحْشُ: هو كل حيوان غير مستأنس من دواب البر).
وأما حكم الصيد:
فالصيد مما أباحه الله تعالى لنا؛ ودليل إباحته ومشروعيته.
قول الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}.
وقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}.
وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
والصيد معروف حتى عند الأنبياء، كما في قصة إسماعيل عليه السلام.
فصيد البحر مباح دائمًا، أما صيد البر فالأصل فيه الإباحة إلا لأمر عارض، فيحرم؛ كصيد الحرم، وحال الإحرام.
ويأخذ الصيد حكم الإباحة إذا كان لحاجة المسلم، أمّا إذا كان لغير حاجة، أو للعبٍ واللهوٍ فهذا مكروهٌ، لكونه مجرد عبثٍ، وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم، عن جعل البهائم غرضًا للرمي.
الوقفة الثانية: الحذر من الصيد لمجرد اللهو واللعب؛ كمن يجعلها هدفًا لا للصيد، وإنما للرماية، أو قتل ما لم يُؤذن بقتله شرعًا.
فيجب على من يصيد أن يتجنب قتل ما لا يريد أكله من الحيوانات والطيور، وما لا يحل قتله؛ ويكون التحريم أشد إذا جعلها هدفًا للرماية.
ففي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا".أي: هدفًا يُرمَى إليه.
وَفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا."
وفي الصحيحين عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "مَرَّ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا"
الوقفة الثالثة: الحذر من الغفلة:
فإن كثرة الاشتغال بالصيد من أسباب الغفلة عن ذكر الله، فيبتعد المشغول بالصيد عن الجمع والجماعات، ويفرط في بعض الواجبات، فنجد بعض من تعلق قلبه بالصيد ربما يترك الزمان الفاضل بحثًا عن الصيد، فيذهب مثلًا في يوم الجمعة بحثًا عن الصيد، وفعله هذا جائز لكنه خلاف الأولى؛ لأنه يفوت على نفسه خيرًا كثيرًا؛ فيفوز هو بالصيد، وغيره يفوز بالأجور؛ وقد جاء النهي عن كثرة الاشتغال بالصيد؛ لأنه يؤدي إلى الغفلة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سَكن الباديةَ جَفا ومَن اتَّبع الصَّيد غَفَلَ ومَن أتَى السُّلطانَ افتُتِنَ"[رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وصححه الألباني].
أَيْ من لَازَمَ اِتِّبَاعَ الصَّيْدِ وَالِاشْتِغَالَ بِهِ: غَفَلَ؛ أَيْ عَنْ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمْعَةِ. ولذلك تجد الصيادين أكثر الناس غفلة حتى إنهم إذا رأوا الصيد الطائر يغفلون حتى عن الواجبات.
والصحابة رضي الله عنهم كانوا يصطادون أحيانًا وكان صيدُهُم يتميز بأمرين:
• الأول: أن صيد الصحابة يكون أحيانًا حينما يعرض لهم الصيد في السفر.
• والثاني: أن صيدهم غالبًا للحاجة لا للترفيه، فلم يكن الصيد هو همهم.
فينبغي على من يصيد، أو يشتغل بالصيد أن يؤدي العبادات في وقتها كالصلاة، ولا يؤخرها عن وقتها.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.
وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
ويحرص المسلم على المحافظة على صلاة الجماعة، والأذان للصلاة إذا دخل وقتها.
فعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثَلَاثَةٍ في قَرْيَةٍ ولا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قد اسْتَحْوَذَ عليهم الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ القاصية"[رواه أبو داود بإِسناد حسن].
وَفي الصحيحين عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ".
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فإذا كُنْتَ في غَنَمِكَ وبادِيَتِكَ، فأذَّنْتَ بالصَّلاةِ، فارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّداءِ، فإنَّه لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيءٌ إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيامَةِ".
ويحذر المسلم من تضييع الجُمَع. ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ".
وعن أبي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ"[رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وصححه الألباني في: صحيح الجامع].
ويحرص المسلم على المحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية.
فقد رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ".
وكذلك من النصائح المتعلقة بهذه المسألة: اختيار الرفقة الصالحة في رحلات الصيد.
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ"[رواه أبو داود، والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه].
الوقفة الرابعة: التأدب بآداب حمل السلاح:
لأن هذه الأنواع من أدوات الصيد الحديثة في هذا الزمان خطرها عظيم؛ فيُمنع المسلم من اللعب، واللهو، وكثرة المزاح بها.
ففي الصحيحين عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، عنْ رَسُولِ اللَّه قَال: "لاَ يشِرْ أحَدُكُمْ إلى أخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ".
وفي رِوَايةٍ: "مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلائِكةَ تَلْعنُهُ حتَّى يَنْزِعَ، وإنْ كَان أخَاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ".
بوَّب الإمام مسلم في صحيحه: [بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالسِّلَاحِ]، وبوَّب الإمام النووي رحمه الله، في كتاب رياض الصالحين، كتاب الأمور المنهي عنها: [بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشَارَةِ إلى مُسلِمٍ بسِلَاحٍ ونَحوِهِ، سَوَاءٌ كان جَادًّا أو مَازِحًا]
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، وقَالَ: "إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، ولَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، ولَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وتَفْقَأُ الْعَيْنَ".
نسأل الله العظيم أن يرزقنا من فضله، وأن يرزقنا الحلال وأن يبارك لنا فيه.
الخطبة الثانية: مع الوقفة الخامسة: تعلم أحكام وشروط الصيد:
أيها المسلمون عباد الله، فإنه يشترط لحل الصيد وإباحته شروط لابد منها، وذلك في الصائد، والمصيد، وآلة الصيد.
• أولًا: شُروطُ الصَائِد:
1- لابد أن يكون أهلًا للذكاة، وذلك بأن يكون مميزًا؛ فلا يَحِلُّ صيدُ غير المميز، ولا السكران؛ لانعدام النية منهما، ولأن الصائد بمنزلة المذكي.
2- أن يكون الصائد قاصدًا للصيد؛ لأن الرمي بالآلة وإرسال الجارحة جُعِل بمنزلة الذبح، فاشتُرِطَ له القصد.
3- أن لا يكون الصائدُ مُحرِمًا.
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ..}.
وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}.
• ثانيُا: شُروطُ المَصِيد:
1- أن لا يكون مقدورًا على ذكاته؛ كالحيوانات، والطيور الأليفة، فلا يَحِلَّ صيدُها.
2- أن لا يكون مملوكًا لآخرين، وإلا فعليه غُرمُهُ.
3- أن لا يكون مِن صيد الحرم، وإلا ففيه الفدية.
عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَّةَ: "إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ".
4- أن يموت بحدِّ الجارح لا بثُقلِهِ، وإلا فيكون حكمه حكم الوقِيذ.
ففي صحيح البخاري عَنْ عَدِيٍّ بن حاتم رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: "إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ، فَقُتِلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلَا تَأْكُلْ".
5- أن يكون مما يباح أكله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بعض الأنواع من الطيور والحيوانات.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ."
وفي راوية: "كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ؛ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ".
وكُلُّ ما أُمِرنا بقتلها في الحل والحرم؛ فلا يجوز صيدها، ولا أكلها.
ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وفي رواية لمسلم: "يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ...".
• الغراب الأبقع؛ وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض.
• والكلب العقور؛ وهو ما يُعقِر؛ أي: يعَض ويؤذي الناس بلا سبب.
• والحَدَأَة التي تختطف الطيور.
وكُلُّ ما نُهِينا عن قتلها من الدواب؛ فلا يجوز صيدها، ولا أكلها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "نهى عن قتلِ أربعٍ من الدوابِّ؛ النملةِ، والنحلةِ، والهدهدِ، والصّردِ"[أبو داود، وابن ماجه، وأحمد].
ومنها الحيوانات التي تتغذى على النجاسات.
فعَنْ ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ، وَأَلْبَانِهَا"[رواه الترمذي، وصححه الألباني].
والجلَّالة: هي الحيوان الذي يتغذى على النجاسات، ويظهر أثر النجاسة عليه، فلا يجوز في هذه الحال أكل لحمه ولا بيضه ولا شرب لبنه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: *الْجَلَّالَةُ: مَا أَكَلَتِ الْعَذِرَةَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ.*
• ثالثًا: شُروطُ آلةُ الصيدِ؛ وهي كل ما له حَدٌّ يجرح؛ كالسيف والسكين والسهم:
1- فهذه يُشترط فيها: ما يشترط في آلة الذبح بأن ينهر الدم، ويكون غير سن وظفر، وأن يجرح الصيد بحده لا بثقله.
ففي الصحيحين عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا أُنْهِرَ الدَّمُ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الْحَبَشِ".
وفي الحديث: "إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ، فَقُتِلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلَا تَأْكُلْ".
وفي معنى المعراض: الحجارة، والعصا، والفخ، وقطع الحديد، ونحوه مما ليس محددًا، إلا الرصاص الذي يُستعمل اليوم في البنادق، فإنه حلالٌ صيدُهُ؛ لأن به قوة دفع تخزق، وتنهر الدم.
2- كذلك من الشروط: التسمية عند رمي الصيد، أو إرسال الجارحة.
بأن يقول: بسم الله؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}.
وفي الصحيحين عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّه، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قُتِلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا قَتَلَهُ، وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا، فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ".
وفي لفظ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عليه، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ" قُلْتُ له: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا". قُلْتُ له: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فَقَالَ: "إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَرَقَ: فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِه: فَلا تَأْكُلْهُ".
قال العلماء: *وحكمة التسمية عند الذبح له سرٌ لطيف: فإن هذه الحيوانات تشترك مع الإنسان في إنها مخلوقة لله تعالى، وأنها كائنات حية ذات روح؛ فلماذا يتسلط الإنسان عليها ويزهق أرواحها إلا أن يكون ذلك بإذن من خالقه وخالقها، فذكر اسم الله هنا هو إعلان بهذا الإذن الإلهي فباسم الله اذبح، وباسم الله أصيد، وباسم الله آكل*.
الوقفة الأخيرة: تنبيهات مهمة حول الصيد، والذكاة الشرعية.
يجب الإحسان في الذبح، وعدم تعذيب الطيور عند ذبحها.
ففي صحيح مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
مَن وَجَدَ صيدَهُ غريقًا بماء، فلا يَحِلُّ له الأكلُ منه إجماعًا، ولو كان به أثرُ جِراح؛ لاحتمال موته غرقًا.
ففي الحديث الصحيح: "وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ".
وكذلك إذا سقطت من فوق الشجرة العالية؛ فيحترز لئلا تكون ماتت متردية.
مَن وجد صيدَهُ حيًّا حياةً مُستقرة، وذلك بأن يتمكن من إحضار آلة الذبح، ولم يَفعل حتى زهقت روحُ الصيد؛ فصيدُهُ ميتَةٌ لا يَحِلُّ له الأكلُ منه.
إذا وجد صيدَهُ بعدها بأيام، فله أكله؛ إذا تأكد منه.
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ، مَا لَمْ يُنْتِنْ".
الدم المسفوح الذي يسيل عند التذكية أو الصيد نجس.
لقوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} والرجس نجس، وقد أجمع العلماء على نجاسة الدم المسفوح، فيجب غسله من الملابس عند الصلاة.
حكم ذكاة المرأة:
يَحِلُّ أكلُ ذَبيحةِ المرأةِ المُسلِمةِ، إذا كانت تحسن الذبح؛ وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ.
لعموم قَوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} ؛ فهو خِطابٌ لكُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمةٍ.
وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أُنْهِرَ الدَّمُ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ".
وفي صحيح البخاري عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا."
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: *فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أقرَّ ذبح المرأة، فدلَّ على أنها لا بأس أن تذبح، إذا ذبحت ذبحًا شرعيًّا تُؤكل ذبيحتُها؛ فالمرأة كما أنها تطبخ وتعمل ما يحتاجه الرجال، كذلك تذبح، لا بأس أن تذبح، إذا ذبحت الذبح الشرعي فذبيحتُها حلال كالرجل*.
قال العلماء: حتى ولو كانت حائضًا، وكذلك ذبيحة الجُنُبِ؛ لعموم الأدلة السابقة.
نسأل الله العظيم أن يرزقنا العلم النافع، والفقه في الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ملحوظة:
1- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.
2- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:
- إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).
- وإما بنشرها وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد