إن الذين آمنوا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

}إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{(62).

توسطت هاته الآية بين آيات ذكر بني إسرائيل بما أنعم الله عليهم وبما قابلوا به تلك النعم من الكفران وقلة الاكتراث، فجاءت معترضة بينها لمناسبة يدركها كل بليغ، وهي أن ما تقدم من حكاية سوء مقابلتهم لنعم الله تعالى قد جَرَّتْ عليهم ضرب الذلة والمسكنة ورجوعهم بغضب من الله تعالى عليهم، ولما كان الْإِنْحَاءُ عليهم بذلك من شأنه أن يفزعهم إلى طلب الخلاص من غضب الله تعالى، لم يترك الله تعالى عادته مع خلقه من الرحمة بهم وإرادته صلاح حالهم، فبين لهم في هاته الآية أن باب الله مفتوح لهم، وأن اللجأ إليه أمر هين عليهم وذلك بأن يؤمنوا ويعملوا الصالحات.

ومن بديع البلاغة أن قرن معهم في ذلك ذكر بقية من الأمم ليكون ذلك تأنيسا لوحشة اليهود من القوارع السابقة في الآيات الماضية وإنصافا للصالحين منهم، واعترافا بفضلهم، وتبشيرا لصالحي الأمم من اليهود وغيرهم الذين مضوا مثل الذين كانوا قبل عيسى وامتثلوا لأنبيائهم، ومثل الحواريين، والموجودين في زمن نزول الآية مثل عبد الله بن سلام وصهيب، فقد وفت الآية حق الفريقين من الترغيب والبشارة، وراعت المناسبتين للآيات المتقدمة مناسبة اقتران الترغيب بالترهيب، ومناسبة ذكر الضد بعد الكلام على ضده.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} وابتدئ بذكر المؤمنين للاهتمام بشأنهم ليكونوا في مقدمة ذكر الفاضلين فلا يذكر أهل الخير إلا ويذكرون معهم، ومن مراعاة هذا المقصد قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ} أي الذين هادوا {وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}[النساء:162]، ولأنهم القدوة لغيرهم كما قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} فالمراد من الذين آمنوا في هذه الآية هم المسلمون الذين صدقوا بالنبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا لقب للأمة الإسلامية في عرف القرآن.

{وَالَّذِينَ هَادُواْ} هم بنو إسرائيل، ومعناه صاروا يهودا، نسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه السلام، فقلبت العرب الذال دالا، لأن الأعجمية إذا عربت غيرت عن لفظها.

ويهوذا علم أحد أسباط إسرائيل، وهذا الاسم أطلق على بني إسرائيل بعد موت سليمان عليه السلام سنة 975 قبل المسيح، فإن مملكة إسرائيل انقسمت بعد موته إلى مملكتين مملكة «رَحْبَعَامَ بْنِ سُلَيْمَانَ» ولم يتبعه إلا سبط يهوذا وسبط بنيامين وتلقب بمملكة يهوذا لأن معظم أتباعه من سبط يهوذا وجعل مقر مملكته هو مقر أبيه (أورشليم)، ومملكة ملكها «يُورْبَعَامُ بْنُ بِنَاطَ» غلام سليمان وكان شجاعا نجيبا، فملكته بقية الأسباط العشرة عليهم، وجعل مقر مملكته (السَّامِرَةَ) وتلقب بِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ، إلا أنه وقومه أفسدوا الديانة الموسوية وعبدوا الأوثان فلأجل ذلك انفصلوا عن الجامعة الإسرائيلية ولم يدم ملكهم في السامرة إلا مائتين ونيفا وخمسين سنة ثم انقرض على يد ملوك الآشوريين فاستأصلوا الإسرائيليين الذين بالسامرة وخربوها ونقلوا بني إسرائيل إلى بلاد آشور عبيدا لهم وأسكنوا بلاد السامرة فريقا من الآشوريين فمن يومئذ لم يبق لبني إسرائيل ملك إلا ملك يهوذا بأورشليم يتداوله أبناء سليمان عليه السلام فمنذ ذلك غلب على بني إسرائيل اسم يهود أي يهوذا ودام ملكهم هذا إلى حد سنة 120 قبل المسيح في زمن الأمبراطور أَدْرَيَانَ الروماني الذي أجلى اليهود الجلاء الأخير فتفرقوا في الأقطار باسم اليهود هم ومن التحق بهم من فلول بقية الأسباط.

ولعل هذا وجه اختيار لفظ {وَالَّذِينَ هَادُوا} في الآية دون (اليهود) للإشارة إلى أنهم الذين انتسبوا إلى اليهود ولو لم يكونوا من سبط يهوذا. ثم صار اسم اليهود مطلقا على المتدينين بدين التوراة، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ}[البقرة:113] ويقال تهود إذا اتبع شريعة التوراة. ويقال هاد إذا دان باليهودية، قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}[الأنعام:146].

وقيل: سموا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل.. هاد: تاب. والهائد: التائب، قال الشاعر: إني امرؤ من حبه هائد.. أي تائب. وفي التنزيل: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}[الأعراف:156] أي تبنا. وهاد القوم يهودون هودا وهيادة إذا تابوا. وقال ابن عرفة: {هدنا إليك} أي سكنا إلى أمرك. والهوادة السكون والموادعة.

{وَالنَّصَارَى} اسم جمع نَصْري أو نَاصِرِيٍّ نسبة إلى النَّاصِرَةِ، وهي قرية نشأت منها مريم أم المسيح عليهما السلام، وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة بيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم، ولذلك كان بنو إسرائيل يدعونه يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ أَوِ النَّصْرِيَّ فهذا وجه تسمية أتباعه بالنصارى.

{وَالصَّابِئِينَ} جمع صابئ، وقيل: صاب، ولذلك اختلفوا في همزه، فهمزه الجمهور إلا نافعا. فمن همزه جعله من صبأت النجوم إذا طلعت، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت. ومن لم يهمز {وَالصَّابِينَ} جعله من صبا يصبو إذا مال، لأن أهل هذا الدين مالوا عن كل دين إلى دين عبادة النجوم، والأصل توافق القراءات في المعنى.

فالصابئ في اللغة: من خرج ومال من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم «قد صبأ». فالصابئون قد خرجوا من دين أهل الكتاب.

والصابئة طائفة تعتبر أن نبي الله يحيى عليه السلام نبيا لها، ولذلك النصارى يسمونهم «يوحناسية» نسبة إلى يوحنا وهو يحيى، وهي طائفة يهودية نصرانية ظهرت قديما في العراق في بلاد الكلدان وهي باقية إلى اليوم ويطلق عليها: «الصابئة المندائية».

يقدس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ومن طقوسهم التعميد كالنصارى إلا أنه تعميد في المياه الجارية. لأنهم يؤمنون بخالق العالم وأنه واحد حكيم مقدس عن سمات الحوادث، غير أنهم قالوا إن البشر عاجزون عن الوصول إلى جلال الخالق فلزم التقرب إليه بواسطة مخلوقات مقربين لديه وهي الأرواح المجردات الطاهرة المقدسة، وزعموا أن هذه الأرواح ساكنة في الكواكب، وأنها تنزل إلى النفوس الإنسانية وتتصل بها بمقدار ما تقترب نفوس البشر من طبيعة الروحانيات، فعبدوا الكواكب بقصد الاتجاه إلى روحانياتها.

ولأجل نزول تلك الروحانيات على النفوس البشرية يتعين تزكية النفس بتطهيرها من آثار القوى الشهوانية والغضبية بقدر الإمكان والإقبال على العبادة بالتضرع إلى الأرواح وبتطهير الجسم والصيام والصدقة والطيب، وألزموا أنفسهم فضائل النفس الأربع الأصلية وهي: العفة، والعدالة، والحكمة، والشجاعة.

** تأسيسها:

تدعي طائفه الصابئة المندائية بأن دينها يعود إلى عهد آدم عليه السلام، وينسبون أنفسهم إلى سام بن نوح عليه السلام.. فهم ساميون.

ويزعم أصحابها أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم، وكانوا يسكنون في القدس، وطردوا بعد الميلاد من فلسطين، فهاجروا منها إلى حران، وقد أثروا هناك بمن حولهم وتأثروا بعبدة النجوم والكواكب من الصابئة الحرانيين.

ثم هاجروا من حران إلى الموطن الحالي في جنوب العراق وإيران، ومازالوا هناك، حيث يعرفون «بصابئة البطائح».

** زعماء طائفتهم:

«الكنزبرا» الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيما في بغداد سنة 1969م وهو الرئيس الروحي لهم، سكن في دار واقعة بجانب السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد عام 1954م.

** كتبهم وإعتقاداتهم:

لديهم عدد من الكتب المقدسة باللغة السامية القريبة من السريانية وهي:

1- الكنزاربا: وهو الكتاب العظيم، ويعتقدون أنه مصحف آدم عليه السلام، وفيه مواضيع كثيرة عن النظام وتكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص.

2- دراشة إديهيا: وهو ما يدعون أنه تعاليم *يحيى* ومنه تعاليم وحياة النبي يحيى.

3- الفلستا: أي عقد الزواج، ويتعلق بالإحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.

4- سدرة إدنشماثا: وتدور محتوياته حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض، ومن ثم إلى عالم الأنوار.

5- كتاب الديونان: وفيه قصص وسير بعض الروحانيين.

6- كتاب أسفر ملواشة: أي سفر البروج لمصرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم التنجيم والفلك.

7- كتاب النياني: وهو كتاب الأناشيد والأذكار الدينية.

8- كتاب قماها ذهيفل: وهو مؤلف من 200 سطر، عبارة عن حجاب، ومن يحمله لا يؤثر فيه سلاح ولا نار بزعمهم!!

9- تفسير بغره: يختص بعلم التشريح لجسم الإنسان والأطعمة المناسبة لكل طقس وهناك كتب أخرى مثل كتاب ترسسر ألف شياله، ديوان طقوس التطهير، وكتاب كدا واكد فيانا.

** رجال الدين وطبقاتهم:

يشترط برجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجا منجبا، غير مختون، وكلمته نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، وتكون مرتبة رجال الدين على النحو التالي:

1- الحلالي (الشماس) يسير في الجنائز، ويقيم سنن الذبح للعامة ولا يتزوج إلا بكرا!! وإذا خالف هذه التعاليم سقطت مرتبته ومنع من وظيفته، إلا إذا تعمد هو وزوجته 360 مرة في ماء نهر جاري.

2- الترميدة: إذا تمكن الحلالي من الكتابين المقدسين: سدرة إنشماثا والنياني فإنه يتعمد بالإرتماس [أي الانغماس] في الماء الموجود عند *المندي* ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظا لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ثم يترقى بعدها إلى ترميدة وينحصر عمله في العقد على البنات الأبكار.

3- الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى *أبيسق* ولا يحق له الإنتقال من مرتبته هذه.

4- الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات من النساء مطلقا، ويمكنه أن ينتقل إلى الكنزبرا إذا حفظ كتاب الكنزبرا فيصبح عندئذ مفسرا له ويجوز له مالا يجوز لغيره.

5- الريشر أمة: أي رئيس الأمة وصاحب الكلمة النافذة، ولا يوجد بين الطائفة اليوم من بلغ هذه الدرجة.

6- الرباني: وهو الذي لم يصل إلى هذه الدرجة إلا *يحيى بن زكريا* عليهما السلام ولا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الرتبة في وقت واحد.

** اعتقادهم بالخالق:

مبدئيا يعتقدون بوجود الإله الخالق الواحد الأزلي، الذي لا تصله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق، لكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصا خلقوا ليفعلوا أفعال الإله!

هؤلاء ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار... وهم ليسوا مخلوقين مثل بقية الكائنات الحية، لكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة، فتحمل امرأته فورا وتلد واحدا منهم!!.

** معابدهم:

*المندي* وهو المعبد للصابئة، وتوجد فيه كتبهم، ويجري فيه تعميد رجال الدين، ويقام على ضفاف الجهة اليمنى من النهر الجاري، ولهذا المعبد باب واحد ويقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه من جهة نجم القطب الشمالي، ولابد من وجود قناة فيه متصلة بالنهر، وهذا المعبد لا تدخله النساء مطلقا.

** الصلاة عندهم:

تؤدى الصلاة عندهم ثلاث مرات يوميا، قبيل الشروق، عند الزوال، قبيل الغروب.
وتستحب أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، وفيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وتستغرق ساعة وربعا تقريبا، ويتوجه المصلي خلالها إلى (الجدي) بلباسه الطاهر، صاف القدمين، ويتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب.

** الصوم:

الصابئة تحرم الصوم اليوم لأنه من باب تحريم ما أحل الله. ولكنهم يمتنعون عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة 36 يوما متفرقة على طول أيام السنة.

** الطهارة:

الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء، وتكون الطهارة في الماء الجاري غير المنقطع عن مجراه الطبيعي، والجنابة عندهم تحتاج إلى طهارة، وذلك بالأرتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة، لأن القراءة لا تجوز على جنابة، ويعقب الأرتماس الوضوء وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب ويكون الوضوء على هيئة وضوء المسلمين مصحوبا بأدعية خاصة.

** أنواع التعميد:

يعتبر التعميد من أبرز مظاهر هذه الديانة، ولا يكون إلا في الماء الحي الجاري، ولا تتم طقوس إلا بالإرتماس في الماء سواء أكان صيفا أو شتاء، وقد أجاز لهم رجال الدين عندهم مؤخرا الاغتسال بالحمامات كما أجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة.

يجب أن يتم التعميد على أيدي رجال الدين، ويكون العماد في حالات الولادة والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد، ويكون كما يلي:

1- عمادة الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوما ليصبح طاهرا من دنس الولادة، حيث يدخل الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الاتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من نبت الآس.

2- عمادت الزواج: يتم يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا، ويتم بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب *ألفلستا* وبلباس خاص، ثم يشربان من زجاجة ملئت بماء من النهر يسمى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة) ويدهن جنبيهما بدهن السمسم.

3- عماد الجماعة: يشمل أبناء الطائفة كافة رجالا ونساء وكبارا وصغارا، وذلك بالإرتماس في الماء الجاري قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمس.

4- عماد الأعياد: وهذه الأعياد هي العيد الكبير، العيد الصغير، عيد البنجة، عيد يحيى كما أنهم يعمدون المحتضر ودفنه، ومن مات بدون عمادة فإنه يموت نجسا ويحرم لمسه، ومن مات يغسل ويكفن ويدفن حيث يموت ولا يجوز نقله من بلد إلى آخر مطلقا..

أما من يموت غيلة وفجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا الواجب العماد عنه.

** طريقة الدفن:

تكون بوضع الميت مستلقيا على ظهره ووجهه ورجلاه متجهان نحو برج الجدي. يحرم على أهل الميت البكاء والعويل والندب، والموت عندهم مدعاة للسرور ويكون يوم المأتم أكثر الأيام فرحا حسب *وصية يحيى لزوجته*.

تعتقد طائفة الصابئة بعدم الخلود في النار، بل عندما يموت الإنسان، إما ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة، ثم تنتقل روحه إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.

قبل الزواج تقوم والدة الكنزبرا أو امرأته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها، ولا يعترف الصابئة بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية، وتم التفريق بين الزوج والزوجة عن طريق الكنزبرا.

** السنة المندائية

السنة المندائية هي 360 يوما في 12 شهرا، وفي كل شهر ثلاثون يوما مع خمسة أيام كبيس يقام فيها عيد البنجة.

والصابئة يعتقدون بصحة التاريخ الهجري، ويستعملونه بسبب اختلاطهم بالمسلمين، وقد تأثروا باليهودية والمسيحية والمجوسية، ويعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه، ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق.

من غرائبهم أنهم لا يلبسون اللون الأزرق النيلي مطلقا، ويتنبأون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم، ويستعملون بعض الحسابات الفلكية لذلك.

من اعتقداتهم أن الشخص المتوفى دون إنجاب أولاد، فإنه يمر بالمطهر بعد إقامته في العالم الآخر، وللرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء حسب ما تسمح له ظروفه.

يرفضون شرب الدواء، ولا اعتراض على دهن الجسم والحقن الجلدية.

لا تؤكل الذبائح إلا أن تذبح بيدي رجال الدين الصابئة وبحضور الشهود ولهم طريقة في الذبح... أما الميراث فيكون محصورا في الابن الأكبر، وقد جاوروا المسلمين وأخذوا بقانون الميراث الإسلامي.

تأثر الصابئة بكثير من الديانات، وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم مقترنا باليهود والنصارى والمجوس والمشركين في سورة البقرة والمائدة والحج.

** انتشارهم

تنتشر طائفة الصابئة على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات ويسكنون منطقة الأهوار وشط العرب والبصرة وقلعة صالح والحلفاية، والزكيه وسوق الشيوخ والقرنه، وبعدد من الألوية مثل لواء بغداد والحلة والكوت والديوانية وكركوك والموصل، وفي مواضع أخرى في العراق، كما ينتشرون في إيران، ويقدر عددهم بحوالي عشرة آلاف شخص معظمهم في العراق.

رحل بعضهم إلى بيروت ودمشق والإسكندرية، ومنهم في طرابلس لبنان، ولهم جاليات في إيطاليا وفرنسا وأميركا، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى وليس لهم طموح سياسي.

ودين الصابئة كان معروفا للعرب في الجاهلية، بسبب جوار بلاد الصابئة في العراق والشام لمنازل بعض قبائل العرب مثل ديار بكر وبلاد الأنباط المجاورة لبلاد تغلب وقضاعة.

ألا ترى أنه لما بعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفه المشركون بالصابئ، وربما دعوه بـ «ابن أبي كبشة» الذي هو أحد أجداد آمنة الزهرية أم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان أظهر عبادة الكواكب في قومه فزعموا أن النبي ورث ذلك منه وكذبوا.

وفي حديث عمران ابن حصين أنهم كانوا في سفر مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونفد ماؤهم فابتغوا الماء فلقوا امرأة بين مزادتين على بعير فقالوا لها انطلقي إلى رسول الله فقالت الذي يقال له الصابئ قالوا هو الذي تعنين. وساق حديث تكثير الماء.

وقد اختلف علماء الإسلام في إجراء الأحكام على الصابئة، فعن مجاهد والحسن أنهم طائفة بين اليهود والمجوس، وقال البيضاوي: هم قوم بين النصارى والمجوس فمن العلماء من ألحقهم بأهل الكتاب، ومن العلماء من ألحقهم بالمجوس، وسبب هذا الاضطراب هو اشتباه أحوالهم وتكتمهم في دينهم، وما دخل عليه من التخليط بسبب قهر الأمم التي تغلبت على بلادهم. فالقسم الذي تغلب عليهم الفرس اختلط دينهم بالمجوسية، والذين غلب عليهم الروم اختلط دينهم بالنصرانية.

قال ابن شاس في كتاب الجواهر الثمينة: قال الشيخ أبو الطاهر -يعني ابن بشير التنوخي القيرواني-: *منعوا ذبائح الصابئة لأنهم بين النصرانية والمجوسية*. ولا شك أنه يعني صابئة العراق، الذين كانوا قبل ظهور الإسلام على بلادهم على دين المجوسية.

وفي التوضيح على مختصر ابن الحاجب الفرعي في «باب الذبائح» قال الطرطوشي: لا تؤكل ذبيحة الصابيء وليست بحرام كذبيحة المجوسي، وفيه في «باب الصيد» قال مالك: لا يؤكل صيد الصابئ ولا ذبيحته.

وفي شرح عبد الباقي علي خليل: إن أخذ الصابئ بالنصرانية ليس بقوي كما ذكره أبو إسحاق التونسي، وعن مالك لا يتزوج المسلم المرأة الصائبة.

ويجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة باليهود والنصارى.

ووجه الاقتصار في الآية، على ذكر هذه الأديان الثلاثة مع الإسلام دون غيرها من نحو المجوسية والدهريين والزنادقة أن هذا مقام دعوتهم للدخول في الإسلام والمتاب عن أديانهم التي أبطلت لأنهم أرجي لقبول الإسلام من المجوس والدهريين لأنهم يثبتون الإله المتفرد بخلق العالم ويتبعون الفضائل على تفاوت بينهم في ذلك، فلذلك اقتصر عليهم تقريبا لهم من الدخول في الإسلام. ألا ترى أنه ذكر المجوس معهم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الحج:17] لأن ذلك مقام تثبيت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين.

{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الإيمان الكامل، وهو الإيمان برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقرينة المقام.

{وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} أي ثوابهم؛ وسمى الله تعالى *الثواب* أجرًا؛ لأنه سبحانه وتعالى التزم على نفسه أن يجزي به كالتزام المستأجر بدفع الأجرة للأجير.

{عِندَ رَبِّهِمْ} أطلق الأجر على الثواب مجازا لأنه في مقابلة العمل الصالح والمراد به نعيم الآخرة، وليس أجرا دنيويا بقرينة المقام.

وإضافة {عند} لاسم الرب تعالى مما يزيد الأجر تحققا لأن المضاف إليه أكرم الكرماء فلا يفوت الأجر الكائن عنده.

{وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} *الخوف*: هو الهمّ مما يستقبل؛ و *الحزن*: هو الغم على ما فات من محبوب، أو ما حصل من مكروه.

ولما كان الخوف والحزن متلازمين كانت خصوصية كل منهما سارية في الآخر.

فالمقصود من الآية فتح باب الإنابة، وتذكيرا لليهود بأنهم لا مزية لهم على غيرهم من الأمم حتى لا يتكلوا على الأوهام أنهم أحباء الله وأن ذنوبهم مغفورة.

وفي ذلك أيضا إشارة إلى أن المؤمنين الخالصين من اليهود وغيرهم ممن سلف مثل النقباء الذين كانوا في المناجاة مع موسى ومثل يوشع بن نون وكالب بن يفنة [لأنهما اتبعا الرب تماما] لهم هذا الحكم، وهو أن لهم أجرا عند ربهم.

وقد استشكل ذكر {الَّذِينَ آمَنُوا} في عداد هؤلاء، وإجراء قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} عليهم مع أنهم مؤمنون فذكرهم تحصيل الحاصل، فقيل: أريد به خصوص «المؤمنين بألسنتهم فقط، وهم المنافقون».

وقيل أراد به الجميع وأراد بمن آمن من دام بالنسبة للمخلصين ومن أخلص بالنسبة للمنافقين.

وقيل: المخلصون وإن كان إيمانهم حاصلا فقد بقي عليهم العمل الصالح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply