بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من أعجب ما وجدته في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي القدرة المدهشة على التفاعل العاطفي الصادق بالرغم مما كانت عليه حياته صلى الله عليه وسلم من زهدٍ ومشقةٍ ومجاهدةٍ مستمرة!
شيءٌ في هذا الأمر يدعوك للدهشة؛ رجل يحمل حملًا تنوء به السماوات والأرض والجبال، يدعو العالمين فردًا وحيدًا قبل أن يمدّه الله بالمؤمنين، يصل الليل بالنهار جهادًا، ويمدّ النهار لليل عبادةً، تجتمع عليه الدنيا لتحاربه، ثم تأتيه صاغرةً تحت عباءته، وهو في هذه صابر وفي تلك زاهد.
رجلٌ يحمل في قلبه وعقله كل هذا الأمر، وفوق هذا تتوالى عليه البلاءات في الأهل والمال والولد، فلا تزيده إلا إيمانًا وعزمًا. وهو مع هذا كله يملك في قلبه متسعًا ليواسي صغيرًا مات عصفوره، ويحتضن جذع شجرة أنّ شوقًا له، ويمشي مع جارية صغيرة تمسك بيده الشريفة وتنطلق به حيث شاءت.. فأي قلبٍ هذا الذي وسع كل هذا ولم يبغِ بعضه على بعض؟!
حاولت -مرارًا- أن أعي ذلك وأصفه فلم أجد وصفًا له أدق من حلاوة الإيمان وصنعته بالقلوب؛ إذ يمنحها المتسع الذي قال عنه ربعي بن عامر لملك الفرس *وجئنا لنخرج الناس من ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة*، وشيء من هذه السعة في سعة القلوب.
وقد تأملك سير الأصحاب الكرام فوجدت فيها مما وجدت في سيرة معلمهم الأكرم صلى الله عليه وسلم، فتجد أحدهم يتأثر بعطفٍ لا تجده في أرق ما كتب الشعراء، غير أنهم كانوا صادقين لا يهيمون كما يهيم الشعر بأهله.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس إيمانًا وأعلمهم بالله، كان قلبه الشريف مدهشًا إلى هذا الحد! وإن الرجل منّا لتضيق عليه مسألة في دنياه فيضيق بها قلبه على الناس، فينهر هذا، ويسب هذا، وما مسألته في هم النبي صلى الله عليه وسلم إلا كقطرة هزيلة في بحر ممدود.
بينما النبي... ومن كالنبي صلى الله عليه وسلم! بينما النبي عليه الصلاة والسلام كان أرفق الناس بالناس، فكان أعذبهم قولًا، وأشدهم حِلمًا، وأوسعهم روحًا، وأكرمهم منحًا، وأحسنهم جزاءً.
فأي شيءٍ يفعلُ هذا في نفسٍ إلا أن يكون صاحبها نبيًا؟ وكيف يقتدي الناس بهذا بشيءٍ غير الإيمان الهادي بقبسِ النبوة؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد