بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
صدر هذا الكتاب: تأملات في آيات.. مدخل لفهم القرآن الكريم العام الماضي ١٤٤٤، وهو تدبرٌ من قارئٍ أمضى مع كتاب الله وقتا طويلًا متأملًا متفكرًا، محرِّكًا لقلبه به، مقيِّمًا لما حوله من خلاله، وهو أستاذٌ جامعيٌّ متخصص في علم النفس فكانت له وقفات بديعة يبين فيها إشارات قرآنية لعلاج بعض الأدواء النفسية.
وكنت أريد أن أكتب عنه وأن أنشر بعض فوائده وفرائده ثم شُغلت عن ذلك، حتى سمعت هذه الأيام نبأ وفاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، أسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويجعله في الفردوس الأعلى من الجنة.
وسأنشر بعض فوائده تباعًا. وإن زدت شيئًا وضعته بين معكوفين.
الدكتور ياسر المطيري.
1- (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم):
هبط آدم من الجنة تائبا، وقَبِل الله توبته، فلا وجود لما يسمى عند النصارى بالخطيئة الأصلية.
2- (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون):
تكررت في القرآن ١٢ مرة، ولعلها تشير إلى أن أقوى مشاعر الإنسان هو شعور الخوف من المستقبل والحزن على ما فاته في الماضي، وهذان الشعوران عامان في جميع أحوال الإنسان: الاستقامة وضدها والغنى والفقر والصحة والمرض والإيمان والكفر والشباب والشيخوخة، فما من أحد إلا ويقلق على مستقبله ويتحسر على ما فاته.
ينبغي النظر في القرآن كيف عالج هذا الشعور.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن المنجي من هذا الشعور الغلاب هو اتباع الهدى؛ المؤمن يعلم أن المستقبل بيد الله وأن الماضي بقدر الله.
3- (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين):
الخشوع في العبادة أصلٌ عظيم للقيام بها والصبر عليها.. وهو سر أداء العبادات، وهو عاجل ثواب المؤمن، وهو لذة العبادة.
4- (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون):
مما يقوي الخشوع في القلب اليقين بلقاء الله سبحانه. والظن هنا اليقين.
[قلت: كل ظن في القرآن تبعته أنَّ المشددة فهو بمعنى اليقين وهذا غالب لا مطرد].
5- (واتقوا يومًا لا تجزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون):
فيه إشارة إلى أن المسؤولية فردية وأنه لا يغني أحدٌ عن أحد، ولعل في هذا إشارة إلى بطلان التعصب للقبيلة أو العشيرة.
6- (وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون):
يبدو أن الأسئلة والاعتراضات من بني إسرائيل على موسى في ذبح البقرة بقصد تعطيل حكم الله والتكتم على القاتل.
7- (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب..)، (ود كثير من أهل الكتاب..):
وردت (أهل الكتاب) في سورة البقرة مرتين، وفيما سواهما كان التعبير ببني إسرائيل ست مرات، ويبدو والله أعلم أنه حينما يتحدث عن قضايا تاريخية وعن جماعة محددة فإنه يستخدم بني إسرائيل، وحينما يتحدث عن توجه ديني يستخدم أهل الكتاب.
8- (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم...) ثم قال: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس..):
تغير القبلة له علاقة بتميز الأمة ووسطيتها.
9- (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام):
هذا صنفٌ من الناس مراوغٌ يجيد الجدل والإقناع بصدق قوله وإرادته الخير ويقسم على ذلك، وإلا فهو مفسد في الأرض ومن ألد المخاصمين.
10- (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب):
اللهم لطفك، أي نوع من الباساء والضراء أصابت خير خلق الله فجعلتهم يستبطؤون نصر الله؟ حقًّا إنها بأساء قاسية وكلمة (زلزلوا) تشرح طبيعتها.
11- (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات..):
هذه الآية تضع للعقل البشري والعلم البشري حدودًا.
12- (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين..):
الشهوات تحتاج إلى ضبط كي تؤدي وظيفتها في بقاء الحياة، وليس السبيل إلى ضبطها إلغاؤها ولا معاندتها.
13- (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني..):
المحبة والاتباع لا يغني أحدهما عن الآخر؛ فقد توجد المحبة ويضعف الاتباع جهلًا، وقد يوجد الاتباع وتضعف المحبة، ودليل هذا حديث عمر الذي فيه: (الآن يا عمر).
14- (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع..):
الجدل بعد قيام الأدلة ووضوح الحجة إضاعة للوقت، وربما يحتاج الداعية إلى المباهلة.
15- (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون):
إدراك التتابع الزماني والسياق التاريخي من العقل.
16- (لن يضروكم إلا أذى..):
تفيد الآية أن أهل الكتاب لو قاتلوا المسلمين [وانتصروا] فلن [يكون] نصرهم نهائيًا حاسمًا.
17- (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله..):
الألم في الدنيا يصيب المؤمن والكافر ولكن يتفاوتون في الصورة الذهنية للألم عند كل منهما، فالمؤمن يرجو ثواب الله فيصبر، والكافر لا يرجوه فيجزع: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
18- (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم..):
الفشل: إرداة الدنيا والطمع في متاعها، والتنازع: نزاعهم فيمن يبقى في الجبل وفي أمر الغنائم، والعصيان: لعله مفارقة مواقعهم. وبهذا ظهر أن أصل المصيبة الذي نتج عنه النزاع ومعصية الرسول هو إرادة الدنيا.
19- (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم..):
في أحد وقع الخطأ وظهرت آثاره على الصف المسلم، ولكن ينبغي ألا تمتد إلى النفوس فيفسد ما فيها من الحب ويتهدم المجتمع المسلم.. فالخطأ إذن دُفِن في أُحد ولا ينبغي أن يدخل المدينة مع الصحابة وإنما يدخل معهم العفو الرباني.
20- (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا..):
ينهى الله المؤمنين عن التلاوم بعد وقوع القدر.
21- (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم. إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم):
سبحان الله! هذه الآية تتحدث عن حالة أناسٍ عرفوا الإيمان وصحته، ولكنهم آثروا الكفر.. وهم بهذا يتوهمون أنهم يضرون الدين.
22- (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) إلى قوله: (واسألوا الله من فضله):
هذه الآية تراعي البعد النفسي وحاجة الفرد، والبعد الاجتماعي في علاقة الفرد بالآخرين، فعليه أن يحذر من الحسد، وأن يسأل الله من فضله.
23- (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى..) إلى قوله: (إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا):
تأمل الربط بين عبادة الله وبر الوالدين وصلة الرحم وحسن الجوار، فالعبادة الصحيحة تهدي إلى سلم اجتماعي وعلاقات حسنة بالآخرين، ومن كان عابدا سيء العلاقة بوالديه أو جيرانه فما ذلك إلا [لنقص] قي عبادته.
والسؤال عن هذه القضايا يكشف عن نمط حياة الشخص هل هو متسم بالرحمة وعمل الصالحات إلى الآخرين أم أنه مشغول بنفسه فقط يختال على غيره.
24- (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا. الذين يبخلون.. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون..):
[إنهم يبحثون عن الاختيال والفخر، فإذا كان طريقها النفقة فسينفقون].
25- (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون):
كل عبادة بل كل عمل يعتوره عاملان: قدرة البدن وانشراح القلب ورغبته، فالبدن يتألم وهذا مشترك مع جميع العاملين فكلهم يتعب من العقبات ومن طول الطريق؛ ويخفف من ذلك بل يمنع تأثيره عمل القلب.
ما المشاعر التي ازدحم بها القلب عند العمل؟ هل أحبه؟ هل يرجو ثوابه؟ هل فرح به؟ كل هذه أعمالٌ للقلب تجعله لا يبالي بتعب الجسد.
26- (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة..):
في الآية إشارة إلى أن أكثر نجوى الناس ليست من المعروف والخير الذي يقبله عرفهم، ولهذا يستسرون بها.
27- (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا):
هذا تهديد شديد لمن عرف الحق ثم استمر مشاقا للرسول مخالفا للدليل مجادلا بالباطل، متبعا غير سبيل المؤمنين، فإن الله سبحانه يتركه يهلك ويستمر في ضلاله والطريق الذي اختاره.
28- (ويتبع غير سبيل المؤمنين):
ذو الباطل ليس له سلف من المؤمنين.
29- (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل):
الغاية من بعثة الرسل بيان التوحيد.. فليس هناك حجة يمكن أن يحتج بها الكفار إلا بين الله بطلانها، ولاحجة نافعة في بيان التوحيد إلا وقد تضمنتها رسالة الأنبياء وبينوها للناس.
30- (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون):
الداعية يحتاج إلى عبارات التأييد والتطمين من إخوانه فلا ينبغي لهم البخل بها.
31- (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون):
أحد مقاصد حوادث الدهر وفواجعه أن يعود العباد إلى الله فيتضرعوا إليه تائبين منيبين.
32- (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون):
لهلاك الأمم صور، منها: أن تضطرب بيئتهم المادية فيصيبهم الخسف أو الغرق، ومنها: أن تضطرب بيئتهم الاجتماعية فتفسد علاقاتهم وتنقطع أواصرهم فينقطع الأمن في مجتمعاتهم وينتشر بينهم الغش والفساد والخيانة.
وإدراك مؤشرات العقوبة سواء كانت مادية أو اجتماعية هو من الفقه الذي ندبنا الله إليه.
33- (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى..):
الآيات من سورة الأنعام (١١٠- ١١٦) تناولت ٨ من أهم المؤثرات في صناعة الرأي أو الإقناع. تنظر ص (١٠٣).
34- (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون):
تأمل المقابلة بين المؤمنين الذين لهم نور يميزون به العمل الحسن من السيء، والكافرين الذين زين لهم سوء عملهم.
وقد تكرر في القرآن تزيين العمل السيء للكافرين والمجرمين والمسرفين في اثني عشر موضعا، فهناك علاقة بين الضلال وتزيين العمل السيء، وهذاةيوجب على المسلم الحذر ومراجعة عمله.
35- (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما):
أحد مقاصد الشيطان في إضلال بني آدم نشر العري بينهم، حينما يقرأ المسلم هذه الآية يفهم سمة عامة في الحضارات الوثنية وفي الحضارة الغربية المعاصرة وهي العري.
36- (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين):
هنا دليل على أن الشذوذ الجنسي ليس له أصول بيولوجية، وإنما هو انحراف متعلَّم كأي انحراف يقع من الإنسان.
37- (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله):
سقاية الحاج وعمارة المسجد عمل صالح نفعه متعد، ولكنه لا يوازن بالإيمان بالله واليوم الآخر، وفي هذا رد على أولئك الذي يقومون بالموازنات بين عوام المؤمنين وبعض مشهوري الكفار ممن اخترع اختراعًا نفع الله به البشرية على يديه، يقول الله عز وجل: إنهم لا يستوون عند الله فالإيمان بالله شأنه عظيم والكفر بالله جريمة عظيمة محبطة لكل عمل وهذا في الجزاء الأخروي، أما في الدنيا فينال جزاءه على عمله الحسن وفقا لقوانين الحياة الدنيا: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار..).
38- (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله):
راعت الآية الحالة النفسية المترتبة على التشريع الجديد وهي خوف الفقر (أوالعيلة).. فطمأنهم الله تعالى وأخبرهم أن الرزق منه وليس من غيره.
39- من أصناف المنافقين المذكورين في سورة التوبة:
١- (الأخلاقيون) أو مدعو الأخلاق وهم في الحقيقة لا يقصدونها وإنما يريدون إحراج المؤمنين والتهرب من المسؤولية: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني).
٢- (المصلحيون): أصحاب مصالح ولا تعنيهم المبادئ: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون).
٣- (العيابون اللمازون): وهم متكبرون يريدون إسقاط الشخصيات المؤمنة فهو أيسر عليهم من دحض أفكارهم: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن..).
40- (ليس على الضعفاء ولا على المرضى..):
الرسول صلى الله عليه وسلم قبل اعتذار المعتذرين في غزوة تبوك ووكل سرائرهم إلى الله، ولم يأذن لأحد أن يحاكمهم أو يثرب عليهم، وانتهى هذا الحدث عند هذا الحد، فلم يؤثر على النسيج الاجتماعي أو وحدة المجتمع.
41- (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..):
من أعظم ما يزكي النفوس ويطهرها من آثامها ويباعدها من النفاق: الصدقة في سبيل الله.
42- (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة..):
هذه الآية توجه للتخصص في أعمال الخير.
43- (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا..):
خلق الله السماوات والأرض وهيأها للمخلوقات قبل خلقهم.. خلافا لنظرية النشوء والارتقاء التي تذكر أن الأحياء هم الذي تكيفوا مع الطبيعة.
44- وكذلك قوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون): فيه رد على الطبائعيين الذين يقولون: الخالق الطبيعة، ورد على نظرية النشوء والارتقاء.
45- (وقالوا أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون خلقًا جديدًا):
استدلوا على إنكار البعث بتحول الإنسان إلى رفات وعظام، واستنتجوا من هذه الظاهرة الحسية استحالة البعث.
ويستفاد من ذلك: عجز المنهج الحسي عن تفسير ما يقع خارج نطاقه.
46- (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببًا):
عالم الشهادة محكوم بقانون السببية، فهو يتغير بتغير الأسباب، ومن لا يملك الأسباب فلن يستطيع التغيير فيه.. ولذلك مكّن اللهُ تعالى لذي القرنين من الأسباب التي يتوصل بها إلى مراده:
١- قوة الملك أو السلطان.
٢- القوة المادية.
٣- وقوة العلم.
47- (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر..):
هذه الآية تهدم مبدأ الليبرالية أو الحرية الفردية، وتقرر أنه يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الشعائر الظاهرة بإقامة الصلاة في المساجد.
48- (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن..):
هذه الآية تهدم الفلسفة الوضعية، فالحق ليس ما تواضع عليه الناس، فهم قد يتواضعون على الباطل، فهذه أهواء، والحق يكون حقا لأنه في ذاته حق لا لأن الناس ارتضوه، والباطل في ذاته باطلٌ لا لأن الناس ردوه.
49- (قالوا ربنا غلبت علينا شِقوتنا وكنا قوما ضالين):
هذا إما احتجاج بالبيئة الاجتماعية، أو احتجاج بالطبيعة، أو القَدَر.
50-(يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين):
حادثة الإفك كانت سببا لتحصين المجتمع المسلم من الشائعات، والتحصين تجاوز احترام المبادئ الأخلاقية إلى العقوبات العملية لمن يقذف مسلمًا.
51- (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها..):
هذا توجيه عملي لمحاصرة سوء الظن وتجفيف بيئة الشائعات، فمن المعلوم أن أقوى أسبابها اختلاط الرجال بالنساء والخلوة بينهم ودخول البيت من غير استئذان، ولهذا جاءت الشريعة بمنع ذلك والتشديد في الاستئناس والسلام. والاستئناس: الاستئذان.
52- (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم..):
في هذه الآية والتي تليها إرشاد إلى تجفيف البيئات التي يمكن أن تنشأ فيها جريمة الزنا، وهي مجتمع الأيامى من الرجال والنساء ممن تأخر زواجهم، والمهمشون من الرقيق والإماء، فوجهت الآيات إلى تزويجهم ومكافحة العنوسة في المجتمع.
53- (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا):
تربية المشاعر واستقرار الموعظة في القلب ربما تحتاج تكرا النظر والملاحظة أو تكرار الفكر.
54- (لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين):
من أكثر ما يؤلم الداعية إعراض الناس عن دعوته، والآية تنهى عن الحزن لهذا السبب [وبيّن تعالى في الآيات الثلاث بعدها أسباب النهي].
55- (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم):
ورد في خمسة مواطن من كتاب الله التحذير من أن العلم قد يكون سببا في الضلال [والتفرّق]، وهذه المواطن جميعًا فيها تنبيه إلى أن العلم انحرف عند هؤلاء، فلم يعد سبيلًا للهداية، بل أصبح طريقًا للظهور والغلبة وتأييد الأهواء.
56- (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج..):
في هذه الآية رد على فرضية أصل الأنواع لداروين أو (نظرية التطور).. حيث ذكر أنه خلق البشر ثم خلق الأنعام.. فالأنعام خلق مستقل عن خلق الإنسان، والدراسات الحديثة أثبتت أن المخلوقات ظهرت في وقت واحد، فلا يوجد ما يسمى بتطور بعضها عن بعض. [ودل على إبطال هذه النظرية أيضًا قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين)].
57- (قال هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون. قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون):
هذا دليل التجربة والخبرة على بطلان عبادة الأصنام.
58- (أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل):
هنا إشارة إلى دليل من أدلة إظهار الحق وهو شهادة أهل الاختصاص.
59- (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة..):
دراسة السنن الاجتماعية وأحوال الأمم الأخرى من ضرورات التأهيل القيادي.
60- (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في (أمها) رسولا..):
يبعثه في أم القرى حيث يجتمع الناس ليُعلم أمره وتَنتشر رسالته، ولا يبعثه في المناطق النائية والقرى البعيدة عن سبل الناس.
61- (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن):
مقصد عظيم ينبغي مراعاته في علاقة الرجال بالنساء، فكل ما يكدِّر طهارة القلب من حركة أو مظهر أو كلام ينبغي تجنبه.
62- (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين):
هذه طبقية اجتماعية أو اقتصادية، وهي باطلة، ولكنها مؤثرة في تفكير المشركين وسبب من أسباب معارضة الحق وردِّه.
63- (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون):
المترفون هم من يتولى كبر معارضة دعوة الأنبياء، ثم يأتي بعدهم الأتباع.
64- (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم):
سبب أكثر الخلافات بين الناس سوء التواصل بينهم، إما كلمة خاطئة قيلت، أو قول فُهِم على غير وجهه، أو سوء تعبير عن مقصد لعله حسن.
65- (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى):
هذه الآية تبين أن للعادات الاجتماعية سطوة على المجتمع ربما دفعتهم لرد الحق، كما تبين أيضا أن من مصادر العادات الظن وأهواء النفوس، والأديان الباطلة جزء مما اعتاده الناس وتواضعوا عليه، إما لمصلحة عاجلة أو لظن أو توهم.
66- (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها):
النصارى دفعتهم عاطفة التدين إلى الزيادة عما أمرهم الله به، رغبة في رضوان الله، ولكنهم لم يستطيعوا الاستمرار بما ألزموا أنفسهم به، وصارت هذه الزيادة سببا في فساد عريض في المؤسسة الكنسية، ومصدر انحراف في الدين المسيحي.
67- موضوع سورة المزمل:
ماذا ينبغي للداعية أن يعمل في مواجهة المكذبين المعاندين؟
١- قيام الليل وتلاوة القرآن: (قم الليل إلا قليلًا)، (إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلًا).
٢- الاجتهاد في الدعوة: (إن لك في النهار سبحا طويلًا).
٣- الصبر: (واصبر على ما يقولون).
٤- عدم الرد عليهم والاستمرار في الدعوة: (واهجرهم هجرًا جميلًا).
أما من يكذب بالدعوة ويعاند الدعاة ويؤذيهم فالله هو من يقتص منه: (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلًا. إن لدينا أنكالًا وجحيمًا. وطعامًا ذا غصةٍ وعذابًا أليمًا).
68- (وما لأحد عنده من نعمة تجزى..):
ليس لأحد منة أو يد على أبي بكر، بل هو المحسن دائما، وهو صاحب اليد العليا أبدا، وهذا لعمر الله لا يكاد يطيقه بشر، ولكنها نعمة اختص الله بها أبا بكر [فتمحضت صدقاته خالصة لوجه الله لا جزاءً لمِنَّة أحدٍ من الخلق].
وهذه آخر الفوائد من كتاب الدكتور عبدالله الصبيح رحمه الله وغفر له وجعلها في ميزان حسناته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد