تربية النفس


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مِنَ الواجب على المسلم أن يعرفَ عُيوب نَفْسِهِ أولًا ثُمَّ يبذُلُ كُلَّ جَهْدِهِ في تربيتها وتزكيتها. وتزكية النفس تكون بالإيمان بالله تعالى والمحافظة على الأعمال الصالحة.إنَّ تربية المسلم لنفسه على كتاب الله تعالى وسُنَّةِ نبينا محمد تجعله ينال رضا الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة.وسوف نتحدث عن وسائل تربية النفس،فأقول وبالله تعالى التوفيق.

وسائل معرفة عيوب النفس:

اللَّهُ تعالى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ، فَمَنْ كَانَتْ بَصِيرَتُهُ نَافِذَةً لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ عُيُوبُهُ، فَإِذَا عَرَفَ الْعُيُوبَ أَمْكَنَهُ الْعِلَاجُ. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ جَاهِلُونَ بِعُيُوبِ أَنْفُسِهِمْ، يَرَى أَحَدُهُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَلَا يَرَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِ نَفْسِهِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ عُيُوبَ نَفْسِهِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ:

الأول: يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخٍ بَصِيرٍ بِعُيُوبِ النَّفْسِ، مُطَّلِعٍ عَلَى خَفَايَا الْآفَاتِ وَيَتْبَعُ إِشَارَتَهُ فِي مُجَاهَدَتِهِ، وَهَذَا شَأْنُ التِّلْمِيذِ مَعَ أُسْتَاذِهِ، فَيُعَرِّفُهُ أُسْتَاذُهُ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيُعَرِّفُهُ طَرِيقَ عِلَاجِهِ.

الثاني: يَطْلُبُ صَدِيقًا صَدُوقًا بَصِيرًا مُتَدَيِّنًا يُلَاحِظُ أَحْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ، فَمَا كَرِهَ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ وَعُيُوبِهِ يُنَبِّهُهُ عَلَيْهِ، فَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْأَكَابِرُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (رَحِمَ اللَّهُ امْرًَا أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي)، وَكَانَ يَسْأَلُ حذيفة بن اليمان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمُنَافِقِينَ، فَهَلْ تَرَى عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ آثَارِ النِّفَاقِ؟

الثالث: يَسْتَفِيدُ مَعْرِفَةَ عُيُوبِ نَفْسِهِ مِنْ أَلْسِنَةِ أَعْدَائِهِ،فَإِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المساوئ، وَلَعَلَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِعَدُوٍّ مُشَاحِنٍ يَذْكُرُ عُيُوبَهُ أَكْثَرُ مِنِ انْتِفَاعِهِ بِصَدِيقٍ مُدَاهِنٍ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَمْدَحُهُ، وَيُخْفِي عَنْهُ عُيُوبَهُ، إِلَّا أَنَّ الطَّبْعَ مَجْبُولٌ عَلَى تَكْذِيبِ الْعَدُوِّ وَحَمْلِ مَا يَقُولُهُ عَلَى الْحَسَدِ، وَلَكِنَّ الْبَصِيرَ لَا يَخْلُو عَنِ الِانْتِفَاعِ بِقَوْلِ أَعْدَائِهِ، فَإِنَّ مَسَاوِئَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَنْتَشِرَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.

الرابع: يُخَالِطُ النَّاسَ، فَكُلُّ مَا رَآهُ مَذْمُومًا فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ فَلْيُطَالِبْ نَفْسَهُ بِهِ وَيَنْسُبْهَا إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، فَيَرَى مِنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الطِّبَاعَ مُتَقَارِبَةٌ فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمَا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَنْفَكُّ هُوَ عَنْ أَصْلِهِ أَوْ عَنْ أَعْظَمَ مِنْهُ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلْيَتَفَقَّدْ نَفْسَهُ وَيُطَهِّرْهَا عَنْ كُلِّ مَا يَذُمُّهُ مَنْ غَيْرِهِ، وَنَاهِيكَ بِهَذَا تَأْدِيبًا، فَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَا يَكْرَهُونَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَاسْتَغْنَوْا عَنِ الْمُؤَدِّبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ حِيَلِ مَنْ فَقَدَ شَيْخًا مُرَبِّيًا نَاصِحًا فِي الدِّينِ، وَإِلَّا فَمَنْ وَجَدَهُ فَقَدْ وَجَدَ الطَّبِيبَ، فَلْيُلَازِمْهُ؛ فَإِنَّهُ يُخَلِّصُهُ مِنْ مَرَضِهِ.(موعظة المؤمنين ـ جمال الدين القاسمي ـ صـ182:181).

وسائل تربية النفس:

اللهُ تعالى بَيَّنَ في كتابه العزيز أنَّ فَلاحَ المسلم وسعادته مُرْتَبِطٌ بتزكية نَفْسِهِ وتطهيرها مِن جميع صور الأخلاق السيئة، والقيام بما افترضه اللهُ سبحانه عليه مِن أمور العبادات متبعًا في ذلك سُنَّةَ نبينا محمد .

قال سبحانهُ: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{(الأعلى: 15:14).

* قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى{ أَيْ: طهَّر نَفْسَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَتَابَعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: }وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ أَيْ: أَقَامَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِهَا؛ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ وَطَاعَةً لِأَمْرِ اللَّهِ وَامْتِثَالًا لِشَرْعِ اللَّهِ.(تفسير ابن كثير ـ جـ 8 ـ صـ 381).                                                                                         

 نستطيعُ أن نُوجِزَ وسائل تربية النفس وتزكيتها في الأمور التالية:

أولًا: تلاوة القرآن وذكر الله:

تلاوة القرآن الكريم بتدبر، والإكثار من ذِكْر الله تعالى مِن أفضل الوسائل لتربية نفس المسلم.

(1) قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{(الأنفال:2).

* قال الإمامُ ابنُ جرير الطبري (رَحِمَهُ اللهُ): الْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قَلْبُهُ وَانْقَادَ لَأَمْرِهِ وَخَضَعَ لَذِكْرِهِ خَوْفًا مِنْهُ وَفَرَقًا مِنْ عِقَابِهِ، وَإِذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ آيات كِتَابِهِ صَدَّقَ بِهَا وَأَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَازْدَادَ بِتَصْدِيقِهِ بِذَلِكَ إلى تَصْدِيقِهِ بِمَا كَانَ قَدْ بَلَغَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا وَذَلِكَ هُوَ زِيَادَةُ مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ آيات اللَّهِ إِيَّاهُمْ إِيمَانًا. }وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{ يَقُولُ: وَبِاللَّهِ يُوقِنُونَ فِي أَنَّ قَضَاءَهُ فِيهِمْ مَاضٍ فَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَرْهَبُونَ سِوَاهُ . (تفسير الطبري ـ جـ11 ـ صـ 27)

(2) قال جل شأنه: }إِنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا{(الإسراء: 9).

* قال الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَمْدَحُ تعالى كِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقُرْآنُ، بِأَنَّهُ يَهْدِي لِأَقْوَمِ الطُّرُقِ، وَأَوْضَحِ السُّبُلِ. }وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ{ بِهِ }الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ{ عَلَى مُقْتَضَاهُ }أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا{ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَ (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 48).

(3) قال سبحانه: }وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{(الإسراء: 82).

* قال الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ):يَقُولُ تعالى مُخْبِرًا عَنْ كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ، وَهُوَ القرآن الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ،إِنَّهُ: }شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين {أَيْ: يُذْهِبُ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ أَمْرَاضٍ، مِنْ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، وَشِرْكٍ وَزَيْغٍ وَمَيْلٍ، فَالقرآن يَشْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ أَيْضًا رَحْمَةٌ يَحْصُلُ فِيهَا الْإِيمَانُ وَالْحِكْمَةُ وَطَلَبُ الْخَيْرِ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ شِفَاءً فِي حَقِّهِ وَرَحْمَةً. وَأَمَّا الْكَافِرُ الظَّالِمُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، فَلَا يَزِيدُهُ سَمَاعُهُ القرآن إِلَّا بُعْدًا وَتَكْذِيبًا وَكُفْرًا. وَالْآفَةُ مِنَ الْكَافِرِ لَا مِنَ الْقُرْآنِ.(تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ 112).

 (5) قَال اللهُ تعالى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{(الرعد:28).

قَوْلُهُ: }وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ{: أيْ: تَسْكُنُ قُلُوبُهُمْ وَتَسْتَأْنِسُ بِذِكْرِ اللَّهِ.(تفسير الطبري ـ جـ13 ـ صـ 518).

* روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ". (البخاري ـ حديث 7405 / مسلم ـ حديث 2675).

قال الإمام الْقُرْطُبِيُّ(رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" قِيلَ مَعْنَاهُ: ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ وَظَنُّ قَبُولِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ فِعْلِهَا عَلَى شُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِهِ وَجَزِيلِ فَضْلِهِ.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ13صـ 397).

ثانيا:الاقتداء بنبينا :

الاقتداء بنبينا محمد في جميع أقواله وأفعاله خير وسيلة لتربية المسلم لنفسه، لأنَّ النَّبِيَّ لا يأمرنا إلا بكل خير، ولا ينهانا إلا عَن كلِّ شَر.

(1) قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{(الأحزاب:21).

قال الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): هَذِهِ الآية الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ.(تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ 391).                        

 (2) قال جَلَّ شأنه: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{(النور:56).

* قال الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): أَمَرَ تعالى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَهِيَ: الْإِحْسَانُ إلى الْمَخْلُوقِينَ ضُعَفَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ، وَأَنْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ مُطِيعِينَ لِلرَّسُولِ،صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ،أَيْ: سَالِكِينَ وَرَاءَهُ فِيمَا بِهِ أَمْرَهُمْ، وَتَارِكِينَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْحَمُهُمْ بِذَلِكَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سَيَرْحَمُهُمْ. (تفسير ابن كثير ـ جـ6ـ صـ: 81).

(3) قال سُبحانه: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{(النور:63).

* قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا }أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ{ أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ، مِنْ كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، }أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، بِقَتْلٍ، أَوْ حَد، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.(تفسير ابن كثير ـ جـ10ـ صـ:281).

(4) قال جل شأنه: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا{(الأحزاب:36).                                                          

* قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): هَذِهِ الآية عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا حَكَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِشَيْءٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ وَلَا اخْتِيَارَ لِأَحَدٍ هَاهُنَا، وَلَا رَأْيَ وَلَا قَوْلَ.(تفسير ابن كثيرـ جـ13ـ صـ485).

(5) قال تعالى: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{(الحشر: 7).

* قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ، وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنْ شَرٍّ.(تفسير ابن كثير ـ جـ11ـ صـ170).

(6) قَالَ سبحانهُ: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ{(الأنفال:24).

* قال الإمامُ أحمد مصطفى المراغي (رَحِمَهُ اللهُ): الرسولُ دعاكم بأمر ربكم لما فيه حياتكم الروحية: مَنْ عِلْمٍ بسننه في خَلْقِهِ، ومِنْ حِكْمَةٍ وفضيلةٍ ترفعُ نفْسَ الإنسان وترقى بها إلى مراتب الكمال حتى تحظى بالقرب مِنْ ربها وتنال رضوانه في الدار الآخرة، فأجيبوا دعوته بقوة وعزم.(تفسير المراغي ـ جـ9 ـ صـ 187).

ثالثًا: الدعاء

الدُّعَاءُ: هُوَ إِظْهَارُ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارُ إلى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاسْتِكَانَةُ لَهُ.(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ98).

 يعتبرُ الدعاء مِن وسائل تزكية النفس. فيجبُ على المُسْلِمِ أن يَلْجَأَ دائمًا إلى الله تعالى بالدعاء لكي يساعده على حُسْنِ تربية نَفْسَهِ وتزكيتها.

الدعاء وصية رب العالمين للمؤمنين:

(1) قال تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{(البقرة: 186).

 (2) قال سبحانه: }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ{(النمل: 62).

 (3) قال جَلَّ شأنه: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{(غافر: 60) .

حثنا نبينا محمد على الإكثار مِن الدعاء.

(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخر يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" (البخاري ـ حديث 1145 / مسلم ـ حديث 758).

فائدة مهمة:

اللهُ تعالى يَنْزِلُ نُزُلًا يليقُ بجلاله وكبريائه وعَظَمَتِهِ، وبدون تأويلٍ أو تعطيل أو تشبيه أو تكييف، مِصْدَاقًا لقوله تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{(الشورى: 11) وكذلك جميع صفات الله تعالى.(شرح العقيدة الواسطية ـ محمد خليل الهراس ـ صـ19).

 (2) روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتعالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا".(حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 1320).

 (3) روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ". (حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2766)

* قَوْلُهُ: (وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ) أيْ:وَأَنْتُمْ مُعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُكُمْ لِسَعَةِ كَرَمِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ، لِتَحَقُّقِ صِدْقِ الرَّجَاءِ. وَخُلُوصِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ مَا لَمْ يَكُنْ رَجَاؤُهُ وَاثِقًا لَمْ يَكُنْ دُعَاؤُهُ صَادِقًا.(تحفة الأحوذي ـ للمباركفوري ـ جـ9 ـ صـ319).

نبينا يطلب لنفسه التزكية مِن الله تعالى:

كانَ نبينا محمد يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء في طلب التزكية لنفسه الشريفة.

(1) روى مسلمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يَقُولُ: "اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا".(مسلم ـ حديث: 2722).

* قَوْلُهُ: (زَكِّهَا) يَعْنِي: طَهِّرْهَا بِتَأْدِيبِكَ إِيَّاهَا كَمَا يُؤَدِّبُ الْمَوْلَى عَبِيدَهُ.

* قَوْلُهُ: (وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ) أَيْ: لَا يَسْكُنُ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

* قَوْلُهُ: (وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ) بِمَا آتَاهَا اللَّهُ، وَلَا تَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَا تَفْتُرُ عَنْ جَمْعِ الْمَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ.(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ 1706).                                                                                   

(2) روى مسلمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ، قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ".  (مسلم ـ حديث 771)

رابعًا: التوبة الصادقة:

التَّوْبَةُ: هِيَ تَرْكُ المعصية، والنَّدَمُ عَلى فِعْلِها، وَالعَزْمُ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ إليها، والإقبالُ على طاعة الله تعالى بإخلاص.(المفردات ـ للراغب الأصبهاني ـ صـ:76)  (التعريفات ـ عبد القادر الجرجاني ـ صـ:71).

التوبة وصية رب العالمين:

أمَرَنا اللهُ تعالى بالتوبة في كثيرٍ مِنْ آيات القرآن العظيم، وسوف نَذْكُرُ بعضًا منها:

(1) قال اللهُ تعالى:} قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{(الزمر:53).

 (2) قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:} إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{(النحل:119).

(4) قَالَ سُبْحَانَهُ:} وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{(الشورى:25).

* روى الترمذيُّ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".(حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث: 2805).

شروط التوبة الصادقة:

قَالَ الإمَامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ):قَالَ العُلماءُ: التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تعالى لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ، فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط:

أحدها: أَنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ.

والثانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.

والثالث: أَنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَدًا.

 فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ.وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاثَةُ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالًا أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا. ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ، وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي.(رياض الصالحين ـ للنووي ـ صـ 25:24).

خامسًا:استحضار مراقبة الله للمسلم:

تعريف المراقبة:

الْمُرَاقَبَةُ: دَوَامُ عِلْمِ الْعَبْدِ، وَتَيَقُّنِهِ بِاطِّلَاعِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ.(مدارج السالكين ـ لابن القيم ـ جـ2 ـ صـ65).

فيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أنْ يَسْتَحْضِرَ عَظَمَةَ الله تعالى وَاطلاعه عليه عِنْدَ قِيَامِهِ بأيْ عَمَلٍ.

حقيقة الـمراقبة:

الْمُرَاقَبَةُ: هِيَ مُلَاحَظَةُ الرَّقِيبِ وَانْصِرَافُ الْهَمِّ إِلَيْهِ، وَيُعْنَى بِهَا حَالَةٌ لِلْقَلْبِ يُثْمِرُهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَتُثْمِرُ تِلْكَ الْحَالَةُ أَعْمَالًا فِي الْجَوَارِحِ وَفِي الْقَلْبِ. أَمَّا الْحَالَةُ فَهِيَ مُرَاعَاةُ الْقَلْبِ لِلرَّقِيبِ وَمُلَاحَظَتُهُ إِيَّاهُ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى الضَّمَائِرِ، عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ، رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ، قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَأَنَّ سِرَّ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ مَكْشُوفٌ كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ لِلْخَلْقِ مَكْشُوفٌ.(موعظة المؤمنين ـ جمال الدين القاسمي ـ صـ 307).

درجات المراقبة:

الْمُرَاقَبَةُ لَهَا ثَلاثَةُ دَرَجَاتٍ، وَهِيَ:

(1) مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى فِي طَاعَته بِالْعَمَل الَّذِي يُرْضِيه.                              

(2) مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى عِنْدَ وُرُودِ الْمَعْصِيةِ بِتَرْكِهَا.

(3) مُرَاقَبَةُ اللهِ تعالى فِي الْهَمِّ وَالْخَوَاطِرِ وَالسِّرّ وَالإِعْلانِ.(رسالة المسترشدين ـ للحارث المحاسبي ـ صـ 181).

المراقبة وصية رب العالمين:

(1) قَالَ سُبْحَانَهُ: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{(النساء:1).

* قَالَ الإمَامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) أَيْ: هُوَ مُرَاقِبٌ لِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ.(تفسير ابن كثير ـ جـ2 ـ صـ 206).

 (3) قَالَ اللهُ تَعَالَى: }وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ{(القصص:69).

روى مسلمٌ عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنِ الْإِحْسَانِ. فَقَالَ: "الْإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".(مسلم ـ حديث:8).                                                              

* قال الإمَامُ ابن عثيمين (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ) يعني: تُصَلي وكأنك ترى الله عز وجل، وتزكي وكأنك تراه، وتصوم وكأنك تراه، وتحج وكأنك تراه، تتوضأ وكأنك تراه، وهكذا بقية الأعمال. وكون الإنسان يعبد الله كأنه يراه دليل علي الإخلاص لله، عز وجل، وعلى إتقان العمل في متابعة الرسول، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن كل مَنْ عبدَ اللهَ على هذا الوصف فلا بد أن يقع في قلبه من محبة الله وتعظيمه مَا يحمله على إتقان العمل وأحكامه.(شرح رياض الصالحين ـ لابن عثيمين ـ جـ1 ـ صـ480).

فوائد مراقبة الله للمسلم:

نستطيع أن نُوجزَ فوائد استحضار مراقبة الله للمسلم في الأمور التالية:

(1) الْمُرَاقَبَةُ تجعلُ المسلمَ يَصِلُ إلى درجة الإحسان، الذي يُعتبرُ علامة كمال الإيمان.

(2) الْمُرَاقَبَةُ تضمنُ للمسلم رضا الله تعالى عنه في الدنيا، ودخول الجنَّة يوم القيامة.

(3) المراقبة زينة لقلب المسلم:

(4) المراقبة تساعد على غض البصر.                                                                  

(5) المراقبة سبب الفوز بظل عرش الله يوم القيامة.

(6) المراقبة تذكر المسلم بالموت.

 (7) المراقبة تجعل المسلم يتصف بالورع.

 (8) المراقبة تجعل المسلم أمينًا.

 (9) المراقبة تجعل المسلم متسامحًا مع الناس.

سادسًا: محاسبة النفس:

المحاسبة: هِي مُسَاءَلَةُ المسلم لنفسه بصِدْقٍ عن كُلِّ قَوْلٍ أو عَمَلٍ يَصْدُرُ مِنْهُ.(تزكية النفس ـ أحمد فريد ـ صـ72).

قَالَ اللهُ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{(الحشر:18).

* قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أَيْ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَانْظُرُوا مَاذَا ادَّخَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَوْمِ مَعَادِكُمْ وَعَرْضِكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ.

سابعًا: مجاهدة النفس:

المجاهدة: هِيَ مُحَارَبَةُ النفس الأمَّارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع.(التعريفات ـ عبد القادر الجرجاني ـ صـ 204).

يجبُ على المسلم أن يجاهد نَفْسه في ذات الله تعالى لتطيب وتزكو وتطمئن، وتصبح أهلًا لكرامة الله تعالى ورضاه،وليَعْلَمْ المسلمُ أنَّ مجاهدةَ النفس على الطاعات واجتناب المحرمات هو سبيل المؤمنين الصادقين، فيسلكه مقتديًا بهم.

ومِنْ مجاهدة النفس الحرص على تلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل بالصلاة وذِكْرِ الله تعالى.

* قال اللهُ تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{(فاطر:30:29).                                                                   

* روى مسلمٌ عَنْ أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال:َ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ   يَقُولُ: "اقْرَءُوا القرآن فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ".(مسلم ـ حديث 804).

* قَوْلُهُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ) أَيِ: اغْتَنِمُوا قِرَاءَتَهُ وَدَاوِمُوا عَلَى تِلَاوَتِهِ.

* قَوْلُهُ: (لِأَصْحَابِهِ) أَيِ: الْقَائِمِينَ بِآدَابِهِ.(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ 1460).                                                                                    

* روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إلى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ".(حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث:2814).

نبينا القدوة في مجاهدة النفس:

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ".(البخاري ـ حديث: 4837).

* قَوْلُهُ: (تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ) أَيْ:تتشققُ قَدَمَاهُ.

* قَوْلُهُ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)، أَيْ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ بِغُفْرَانِ ذُنُوبِي وَسَائِرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ.(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ 922).  

ثامنًا: مصاحبة الصالحين:

مصاحبةُ الصالحين لها تأثيرٌ كبيرٌ على تربية النفس الإنسانية. فالمسلمُ الصالحُ له أثرٌ طيبٌ على صاحبه، والصَّدِيقُ السوء له أثرٌ سيئٌ على صاحبه، وهذا لا يمكن إنكاره.مِن أجْلِ ذلك حثنا نبينا محمدٍ على اختيار الصَّدِيقِ الصالح.

(1) روى الشيخانِ عن أَبِي مُوسَى الأشعري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ: "إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ (يُعْطِيكَ مَجَّانًا)، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".(البخاري ـ حديث 5534 / مسلم ـ حديث 2628).

* قالَ الإمامُ النووي(رَحِمَهُ اللهُ): مَثَّلَ النَّبِيُّ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ الْمِسْكِ وَالْجَلِيسَ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ. وَفِي هذا الحدِيثِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ.(مسلم بشرح النووي ـ جـ8 ـ صـ427).

(2) روى أحمدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ".(حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ14ـ صـ142ـ حديث 8417).

تاسعًا: معرفة قصص الصالحين:

القصص الهادفة لها تأثيرٌ كبيرٌ في تربية النفس الإنسانية، لأن النفس تميل إلى الأسلوب القصصي ولذلك ذكر اللهُ تعالى في القرآن الكريم كثيرًا من قصص السابقين، مِن أجل تربية النفس.     

(1) قال الله تعالى: }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{(يوسف:111).                                                                

* قال الإمامُ ابنُ كثير(رَحِمَهُ اللهُ): لَقَدْ كَانَ فِي خَبَرِ الْمُرْسَلِينَ مَعَ قَوْمِهِمْ، وَكَيْفَ أَنْجَيْنَا الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلَكْنَا الْكَافِرِينَ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ وَهِيَ الْعُقُولُ.(تفسير ابن كثير ـ جـ4 ـ صـ 427).                                                                           

(2) قَالَ سُبْحَانَهُ: }فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{(الأعراف:176).

معنى الآية: اذكرْ يا محمَّد لقومك المخالفين لك والمكذبين لرسالتك قصص المكذبين السابقين عن عناد واستكبار رجاءَ أَن يتدبروا أَمرهم ويعتبروا بما في القصص مِنْ عِبَرٍ ومواعظ.(التفسير الوسيط للقرآن ـ مجمع البحوث الإسلامية ـ جـ3 ـ صـ 1550).

قصص السابقين التي ذَكَرَهَا اللهُ تعالى في كتابه العزيز، وكذلك القصص التي ذَكَرَها نبينا محمد في السُّنَّة الصحيحة تثبت قلب المسلم وتساعده على تربية نفسه.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            

عاشرًا:حضور مجالس العلم:

حضور مجالس العِلْمِ النافع التي تساعد المسلم على تصحيح عقيدته ومعرفة أمور الشريعة الإسلامية مِنَ الوسائل المهمة التي تساعد المسلم في تربية نفسه، لأنها مجالس مباركة تحفها الملائكة، ويباهي الله تعالى بالحاضرين فيها الملائكة.

(1) روي مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ(تُظِلهم) الْمَلَائِكَةُ بأجنحتها ـ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".(مسلم ـ حديث 2700)

 (2) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ. قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا".(البخاري ـ حديث 6408).

 (3) قال اللهُ،عز وجل: }وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ{(هود:120).

خِتَامًَا: أَسْأَلُ اللَّهَ تعالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ،وأن يجعله ذُخْرًَا لي عنده يوم القيامة.

 }يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ.وَآخر دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply