علمتني الدعوة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تعلّمت في السنين الماضية أن أتريّث في شأن الفتن التي تبدو في ظاهرها سخيفة.. فإنّ الشرّ قد يأتي من مستصغر الشرر.

لمّا سمعت الحديث عن خرافة الطاقة، لم أتصوّر أن يكون لها أتباع... لم أعارض من وقف لصدّ هذه الفتنة، لكنّني خشيت أن يكون موقف هؤلاء الدعاة مبالغًا في توجسه... ثم تبيّن لي أنّها فتنة حقيقية، لها أتباع كثر…

ولمّا سمعت حديث المهندس شحرور، وجدت الرجل زنديقًا ظاهر الزندقة، معدوم الكاريزما، فقير الأدوات العلمية، رصيده الإثارة وشتم *التراثيين*.. وعجبت من وجود من يهتم بالردّ عليه؛ فما ظننتُ أن يوجد من له حصاة من عقل يُعجب بكلام شحرور.. لم أعارض من اهتموا بالرد عليه، وانتظرت.. وتبيّن لي لاحقًا أنّ فتنة الرجل كانت عظيمة، خاصة بعد أن فُتحت له الفضائيات.. وقد انتقل كثير من أتباعه إلى مذهب النكرانيين (المسمون بالقرآنيين) الكفري أو الإلحاد.

والأمر بالمثل في شأن الكيّالي الذي أثبت د. محمد باسل الطائي في كتابه: *الكيالي بين تزييف العلم ومقاصد القرآن* (نشر مركز رواسخ)، أنّه لا يعرف من الفيزياء الكونية شيئًا، وأنّه يفسّر الاصطلاحات العلمية بمعان لم يقلها أحد من الإنس.. فهذا الرجل مخرّف -بالمعنى الحرفي للكلمة- وقد ظننت أنّه من المحال أن يرضى هذره عاقل... وبتتبع الأمر، وجدت أنّ الرجل يتابعه الملايين، خاصة بعد أن انتقل من تحريف العلم إلى الكذب على الله ورسوله بفجاجة.. 

-إذا استربت في خطر مجرم من المجرمين، وظننت أنّ ضرره على الناس ضعيف، ورأيتُ في الآن نفسه من العقلاء من يعارض رأيك، ويرى أنّ فتنة هؤلاء عظيمة؛ بسبب كثرة متابعيهم؛ فتريّث ولا تتعجّل، فربّما كان الصواب في قول غيرك، خاصة إذا كان مغموسًا في العمل الفكري والدعوي، ومتفرّعًا لهؤلاء.

ملحوظة: قد تقول: الواجب ترك الانشغال بهؤلاء، فهم أعراض للمرض.. والمرض هو المنظومة السياسية التي تمكّن للفاسدين والهراطقة المحرّفين.. وجوابي هو أنّ إصلاح الواقع السياسي له مرتبة متقدمة، لأنّه أصل الداء؛ وإنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. ولكنّ ذلك لا يعني ترك مواجهة هذه الأعراض؛ لأسباب، منها أنّ *المشكلة السياسية*، عميقة، وتمددها السرطاني أعظم من أن يُستأصل في السنوات القليلة القادمة، وترك المحرّفين يهدمون من الدين أصولًا، مع فتنة الانتشار الواسع في وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدير هؤلاء على القنوات، ليس من الحكمة.. الواجب العمل عل كل ساحات الإصلاح، بدرجات مختلفة من التركيز؛ فهناك عمل للتربية والتعليم لإنشاء الكتلة الواسعة الصالحة المصلحة القادرة على هدم الباطل بالقوة (وهو الأصل)، وهناك عمل آخر في السياسة، وغير ذلك من أبواب الجهد الخيّر.. 

ومن المهم التذكير أنّ العبرة في مواجهة الشبهات، بمبلغ انتشارها، وإن قالها مخرّف، لا مبلغ براعة مروّجها وحظه من المعرفة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply