بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتَّقوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ الصَائِمينَ-، واعلَمُوا أنَّ بُلُوْغَ هَذَا الشهرِ نِعْمَةٌ كُبْرَى، وَمِنَّةٌ عُظْمَى، فَهْوَ شَهْرُ الخَيرَاتِ والبركَاتِ، فيِهِ تُكفَّرُ السيئاتُ، وتُرفعُ الدرجاتُ، ومَحْرُوْمٌ مَنْ أدْرَكُهُ رَمَضَانُ فلمْ يُغفرْ لَهُ، وكُلُنا ذَاكَ المُخْطِئُ الذِي يَرْجُو مَغْفِرَةَ رَبِهِ وتَكفِيرَ سَيئَاتِهِ، ورَمَضَانُ فُرصَةٌ لذلكَ، ويَجِدُ المَرْءُ فيِهِ مِنَ العَوْنِ مَالا يَجِدُهُ فِي غَيرِهِ، فأبْوَابُ الجَنَّةِ تُفَتحُ، وأبُوابُ النَّارِ تُغْلَقُ، وَمَرَدَةُ الشياطِينِ تُصَفَّدُ، وهذِهِ وَتلكَ تُعِينُ عَلى التوبَةِ، وتدْفَعُ إلى عَملِ الصَالِحَاتِ التي تُكفِرُ السَيئَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[ هود:144].
وَإذَا كَانَ الرَبُ الغَفُوُرُ التَوُّابُ يَدْعُو عِبادَهُ إلى التوبةِ في كُلِ زَمَانٍ، فيقولُ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 31]؛ فإنَّ طَلبَ المَغْفِرَةِ والتوْبةِ في رَمَضَانَ أحْرَى وأولَى.
رَمَضَانُ شَهْرُ الرحْمَةِ والمَغْفِرةِ، جَمَعَ اللهُ فيِهِ مِنَ القُرُبَاتِ مَا تُغفَرُ بِهِ الذُنُوبُ وتُسْترُ العُيوبُ، وتُمْحَى السيئاتُ، وتُرفعُ الدَرَجَاتُ، ففي صِيامِهِ مَغْفِرةٌ، وفي قِيَامِهِ مَغفرَةٌ.
رَمَضَانُ شَهْرٌ تُسْقَى فِيهِ القُلُوبُ مِنْ غَيثِ الرحمةِ والمغفرةِ، فَاجْعَلُوا قُلُوبَكم أرضًا طَيْبَةً تَسْتَقْبِلُ النَّفحاتِ فتثمرُ جَمِيلَ الطاعَاتِ.
وَالصَّوْمُ مِنْ أسْبَابِ المَغْفِرَةِ؛ كمَا قَالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، مُتفقٌ عَليِهِ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنبَتِ الكَبَائِرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَبُكم -جلَّ جَلالُهُ- يقولُ: ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
الصَّوْمُ حِصْنٌ مِنَ الشَهَوَاتِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَليهِ بالصَّوْمِ؛ فإنَّه لَهُ وِجَاءٌ". مُتفقٌ عليِهِ.
الصَّوْمُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُ بِهَا العَبدُ مِنَ النّارِ، صَحَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
ومِنْ أسْبَابِ المَغْفِرَةِ قِيَامُ رَمَضَانَ؛ ففي الصحيحينِ أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ ليلةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وقَالَ عليه الصلاةُ والسلام: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ". رَوَاهُ أهْلُ السُنَنِ.
وقيامُ ليلةِ القَدْرِ مِنْ أَسْبَابِ المَغْفِرَةِ صَحَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَامَ ليلةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ليلةُ مُبَاركةٌ يَنْزِلُ فيهَا جِبْريلُ والمَلائِكَةُ المُكَرمِينَ، فهيَ ليلةُ خَيرٍ ومغفرةٍ وسلامٍ، ولا يُحْرَمُ خيْرَهَا إلا مَحْرُوْمٌ.
والقُرآنُ العَظِيمُ مِنْ أسْبَابِ الهِدَايةِ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة: 185].
وللقرآنِ في رَمضانَ مزيةٌ خاصةٌ، ففيهِ أُنزِلَ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾] القدر: 1]، "وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ". رواه البخاري
فِي رَمَضَانَ تزدَانُ المَسَاجِدُ بالقُرْآنِ تِلاوَةً، وَصَلاةَ، وخُشُوعًا، وتسمو الروحُ إذَا اجْتَمَعَ الصِيامُ مَعَ القرآن.
وفي رَمَضَانَ يَعظُمُ الرجَاءُ، وتُتَحرّى إجَابَةُ الدُعَاءِ في مَوَاطنَ شريفةٍ في نَهَارِ رَمَضَانَ حَتَى يُفْطِرَ الصَائِمُ، وَفِي ثُلُثِ الليلِ الآخِرِ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "ينزلُ رَبُّنا تباركَ وَتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدُنيَا، حينَ يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخرُ يقولُ: مَنْ يَدْعُوني، فأستجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأعْطيَه؟ مَنْ يستغفرني فأغفرَ لَهُ؟". متفقٌ عليِهِ.
وحتَى يَصِلَ الصَائِمُ لدرجَاتِ المَغفِرةِ فلابُدَ مِنْ صِدقِ الإيمانِ والاحْتِسَابِ، وَتَحْقِيقِ التقوَى؛ فهِيَ مَقْصُودُ الصِيامِ الأعْظَمِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾] البقرة: 183].
وَالتقوَى فِي صَوْنِ الصَوْمِ عَنْ كُلِ مَا يُجرحُهُ، وحِفْظِ الجَوَارِحِ قالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزورِ والعملَ بِهِ والجهلَ فليسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ". رواهُ البُخَارِيُّ، قالَ بَعْضُ السَّلفِ: أهْونُ الصِيامِ: تَرْكُ الطَعَامِ والشرابِ.
رَمَضَانُ جَاءَ ومَعَهُ مفاتيحُ الغُفْرَانِ، فمَنْ تسلَمهَا أقبلَ على رَبٍ غَفورٍ، ومَنْ أعرَضَ عنهَا فهوَ مَغْبُوُنٌ مَخفورٌ، ومُفّرطٌ في حقِ نفسِهِ مَنْ حُرِمَهَا مِنْ نفحاتِ العَفْوِ في شَهْرِ المَغْفِرَةِ؛ فلقدْ أعْذَرَ اللهُ لعبدٍ أشهدَهُ رَمَضَانَ، ثُمَ خَرَجَ مِنهُ دونَ أنْ يَتوبَ، فلمْ يبقَ للعاصي عُذْرٌ، فأيُّ عُذرٍ لتارِكِ الطاعةِ في شَهْرِ الطَاعَةِ.
فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: ﴿وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾] ال عمران: 133].
الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُغْفَرُ لَهُمْ فِي هَذَا الشَهْرِ، وَاجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، لَكَ أَوَّابِينَ مُنِيبِينَ، وَأَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَتَقَبَّلْهُ مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
الخُطبةُ الثَّانية
اتقوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التقوى، وتَمَسَّكُوْا بلا إلهَ إلا اللهُ فإنَّهَا العُروةُ الوُثْقَى، واستَبِقُوا الخِيراتِ، فربُكم -عَزَّ وَجَلَّ- وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، يَقْبَلُ التوبةَ، ويُقيلُ العَثْرَةَ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، وَمهْمَا عَظُمَتِ الذنوبُ وكثرتْ فرحْمُتهُ أعَظمُ.
الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا ممنْ صَامَ الشهرَ، وَاستكملَ الأجرَ، وفازَ بليلةِ القدرِ يَا ذَا الجلالِ والإكرامِ.
الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ والمُسلمينَ، واجْعلْ هَذَا البلدَ آمنًا مُطمَئنًّا وسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.
الَّلهُمَّ وفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشريفينِ، وَولِيَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد