الخطاب الدعوي في ألمانيا بين الحس الأمني والحفاظ على الثوابت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

منذ اندلاع عمليَّة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، والحكومة الألمانية تُشدِّدُ رقابتها على خطب الجمعة والعيدين والدروس والمحاضرات في المساجد والمراكز الإسلامية تحت ذريعة الحفاظ على أمن المجتمع الألماني، وضرورة تجنب المشاكل وتداعيات الحرب في غزة على الجاليتين اليهودية والفلسطينية والعربية اللتين تعيشان في ألمانيا منذ عقود طويلة.

من هنا أصبح مطلوبًا من الدُّعاة والخطباء والمشتغلين في العمل الدعوي اليوم إيجاد صيغة مبتكرة، أو لغة حوار يستطيع المسلم فيها أن يحافظ فيها على ثوابته دون تمييع أو تلاعب بالثوابت، وفي الوقت نفسه يتجنب المشاكل والانتقادات التي قد تؤدي إلى إغلاق المساجد والمراكز الإسلامية حين يكون الخطاب منفلتًا وغير منضبط.

وبناء على ما تقدّم أعددتُ خطبة عيد الفطر لهذا العام مراعيا فيها ما تقدم ذكره، وقد لاقت بفضل الله تعالى قبولًا لدى المشتغلين في مجال الدعوة، وترسخت مضامينها في ذاكرة المتلقي الألماني المسلم مع طولها نوعًا ما؛ لأنها حديث الساعة وفرض الوقت، فضلا عن التزامها بالثوابت، وتركيزها على النصوص الشرعية، الأمر الذي حدا ببعضهم إلى ترجمتها إلى اللغة الألمانية لتعم الفائدة منها.

ولعل السبب في انتشارها وذيوعها السريع في المجتمع المحلي في ألمانيا هو ابتعادها عن أسلوب السبِّ والشتم واللعن، وعدم تحريضها على الكراهية، وإنما إبرازها للحقيقة وتجليتها للناظرين.

كان عنوان الخطبة: (مكانة فلسطين في الكتاب والسنة).

حاولت فيها الخروج من نمطية المعالجة الفكرية التي دأب الكثير على قولبة فكر المتلقي من خلالها؛ فأوضحت ما يجب على المسلم أن يعرفه عن فلسطين، وبخاصة أبناء الجيل الأول ممَّن ولدوا في ألمانيا، حيث تم التركيز مكانة فلسطين في الكتاب والسنة، وايضاح معاناة إخوتنا هناك مع شرح يسير للنُّصوص الشرعية ومحاولة اسقاطها بدقة على واقعنا الإسلامي المعاصر، وفيما يأتي نص الخطبة:

الله أكبر، الله، أكبر، الله أكبر

الله أكبر كلمَّا نزح إنسان في غزَّة، ولم يجد من يؤويه!

الله أكبر كلمّا جاع إنسان في غزَّة، ولم يجد مَن يطعمه!

الله أكبر كلمَّا جُرِح إنسان في غزَّة، ولم يجد مَن يعالجه!

الله أكبر كلمَّا نام إنسان في غزَّة، وأصبح شهيدًا تحت ركام داره!

الله أكبر كلمَّا استشهد إنسان في غزَّة، ولم يجد مَن يدفنهّ!

الله أكبر كلمَّا مات طفل في غزَّة من الجوع، ولم يطعمه مليارا مسلم يعيشون على الأرض.

أدعوك يا ربِّ مِن روحي ووجداني.. أدعوك من قلب آلامي وأشجاني

أدعوك يا ذا المنِّ والشأن مستعجلًا كشفَ ضُرٍّ مسَّ إخواني في غزَّة..

أيها الأحبة: نتحدث اليوم عن مكانة فلسطين في الدين، نتحدث عن فضل المكان وفضل المكين.

ماذا يقول القرآن عن فلسطين؟

فالقران الكريم لا يتحدث عن فلسطين إلا بالتكريم والتفخيم والتعظيم:

فلسطين في القرآن هي الأرض المقدسة... يقول الله سبحانه على لسان سيدنا موسى عليه السلام:}يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم...){المائدة 21.(

والأرض المقدسة هنا هي بيت المقدس، ومعنى كونها مقدسة: أي مطهرة التي أبى الله تعالى أن يعمر فيها ظالم.

فلسطين أيها الأخوة في القرآن هي الارض المباركة... فقد ذكر ذلك في خمس مواضع من القرآن.. يقول الحقُّ تبارك وتعالى في سورة الاعراف 137}وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها...{، فمشارق فلسطين ومغاربها كلها أرض مباركة.

فلسطين هي الأرض التي أمر الله الأنبياء أن يهاجروا إليها... يقول سبحانه عن هجرة سيدنا إبراهيم إلى فلسطين... الانبياء 71}ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين{ ومعنى باركنا فيها للعالمين أنَّ البركة من فلسطين وسعت الأرض كلها؛ فمنها خرجت جموع الأنبياء والرُّسل قبل سيدنا رسول الله من بلاد الشام، ومنها انتشروا في الأرض، ومنها خرجت الشرائع السماوية وانتشرت في الأرض من هناك، ونزلت الكتب والصحف قبل القرآن هناك، وانتشرت في الأرض؛ فبسبب بركة الوحي والنبوة انتشرتا من هناك في الأرض كلها.

فلسطين هي مهد السيد المسيح... وفيها ظهرت كل معجزاته، وفوقها رفع إلى السماء وفي آخر الزمان ينزل حاكمًا في القدس يقول سبحانه: }وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ{.

والربوة هي الرملة كما قال سيدنا أبو هريرة في تفسيرها والرملة: مدينة معروفة وضع اساسها سليمان ابن عبد الملك في زمنه.

فلسطين هي القرية المباركة...  التي أمر الله بني إسرائيل بالأكل منها، وغفر الله ذنوبهم بدخولها والمذكورة في سورة البقرة... قال الحق تبارك وتعالى:} وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا....{ القرية هي بيت المقدس }وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة{ هذا الباب المذكور هو باب حطة أحد أبواب بيت المقدس موجود إلى اليوم دخلوا منه، وطلبوا من الله تعالى أن يحطَّ خطاياهم.

أقسم الله بفلسطين... بأرضها، فقال تعالى: }والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الامين{ أي أقسم بارض التين والزيتون مهد المسيحية، وأقسم بطور سينين بالأرض التي كلَّمَ فيها موسى عليه السلام مهد اليهودية، وأقسم بأرضِ مكّة المشرفة التي ولد فيها سيّدُنا محمد صلَّى الله عليه وسلم مهد الإسلام.

حين ندرسُ سيرة الأنبياء والمرسلين نجد فلسطين مسرح الأحداث... فهنا كان داوود، وهنا سليمان، وهنا زكريا، ويحيى، وهنا لوط، وإبراهيم، وهنا قبر يوسف، وهنا إسحاق، وقبر موسى، وهنا مريم العذراء، ويوشع بن نون عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام.

 يقول سيدنا عبد الله ابن عباس: (بيت المقدس بناه الأنبياء، وسكنه الأنبياء، ليس فيه موضعُ شبر إلا وصلَّى فوقه نبيٌّ، أو ملك، أو رسول).

ولذلك أبى الله أن يُحرِّرَ هذه الأرض الطاهرة إلا الأطهار والأبرار... وعبر التاريخ لم يحرر فلسطين إلا الأتقياء، يقول سبحانه: }ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغًا لقوم عابدين{ أي كتب الله في كلِّ الكتب السماوية أنَّ الأرض، وهي بيت المقدس لا يحررها إلا عباد الله الصالحون العابدون؛ فلا يحررها فاسق أو فاجر، أو عاصٍ.

وبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الله اختار أناسًا يبقون في فلسطين لا يتركونها يعيشون، ويموتون عليها مهما كانت الظروف، وهؤلاء هم خيار الناس؛ لأنَّ الله اختارهم لحماية الأرض المقدسة، روى أبو داود والإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستكون هجرة بعد هجرة؛ فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم..." هذا الحديث علامةٌ من علامات النبوة يخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ النَّاس في آخر الزَّمان سيضطرون لترك أرض الشام وأرض فلسطين عدة مرات، وأنَّهُ سوف يبقى أناسٌ هناك لا يتركونها مهما حصل يعيشون، ويموتون هناك، أختارهم الله على ثغرٍ من ثغورٍ الإسلام عظيم هم خيار أهل الأرض.

وبيَّنَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم أنَّ أهمَّ الملاحم الكبرى، وأهمَّ أشراط الساعة وأهمَّ الفتن قبل قيامها تحصل في الشام وفي فلسطين...

فيأجوج ومأجوج حينما يخرجون أول شيء يفعلونه هو أنَّهم يشربون بحيرة طبرية كاملة، وهي شمال شرق فلسطين، ثم يتجهون إلى بيت المقدس حيث يهلكهم الله جميعًا عن بكرة أبيهم هناك، وحينما يخرج المسيح الدجال يذهب مباشرة إلى بيت المقدس، ويهلكه الله في قرية باب لُدٍّ، وهي العاصمة القديمة لفلسطين حينما افتتحها سيدنا عمرو بن العاص أيَّام سيِّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وعندما ينزل سيّدنا عيسى بن مريم عليه السلام آخر الزَّمان يذهب إلى القدس؛ ينتظره المُصلّون هناك في المسجد الأقصى، وهناك سوف يكون حاكمًا في آخر الزَّمان.

وفلسطينُ هي أرض المحشر والمنشر... بمعنى أن الأموات يوم القيامة ينشرون من قبورهم، ويحشرون في بلاد الشام للحساب، وبخاصة في بيت المقدس يقول الله سبحانه: }واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب{ ق41.

يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (ينادى على البشرية من صخرة بيت المقدس؛ لأنها أقرب الأرض إلى السماء).

وروى البيهقي والطبراني عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشام أرض المحشر والمنشر". وفي رواية تحديد بيت المقدس حيث روي عن السيدة ميمونة رضي الله تعالى عنها: يا رسول الله افتنا في بيت المقدس؟ قال: هي أرض المحشر والمنشر... وأمر بالحرص على الصلاة فيها، أو إرسال زيتا إليه حرصًا على الحفاظ على هويته الإسلامية.

وفلسطين هي أرض الرباط... ومعنى ذلك أنَّ الذي يعيش هناك له أجر المرابط وهو الذي يحمي ثغور المسلمين؛ فالناس هناك يؤدون فريضة حماية أرض الأنبياء يؤدون واجبًا نيابة عن كل المسلمين روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم بالجهاد، وإن افضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان".

  يعد هذا الحديث علامة من علامات النبوة، وهو فتوى العصر يصف واقعنا الاسلامي بدقة. يبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن نظام الحكم في بلاد المسلمين مرَّ بثلاث مراحل مرتبطة بالرحمة ثم جاء نظامٌ سياسيٌّ مجرد من الرحمة يتقاتل الحكام فيما بينهم بدون رحمة، ثم نصح بالرباط، وذكر بالاسم أن أفضل الرِّباط في أرض عسقلان!

وهذا عجيبٌ فعسقلان مدينة ساحلية في فلسطين معروفة في التاريخ باسم (عسقلان غزة) لارتباطهما تاريخيا، وكأن النبيَّ يشير إلى أحداث غزَّة اليوم. وغزة وعسقلان كانتا منذ الفتح إلى يومنا هذا أرض رباط. منذ أن افتتحها سيدنا معاوية بن أبي سفيان مرورًا بالقائد صلاح الدين الأيوبي إلى يومنا هذا.

أمَّا أجر الرِّباط؛ فهو عظيمٌ جدًّا بينه النبي صلَّى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وصيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله في الدنيا، واجري عليه رزقه، وأمن الفتَّان". يعني صيام شهر مني ومنك في ألمانيا يعادل أجر يوم من أيَّام هؤلاء المرابطين! أمَّا أجر الليل هناك؛ فكل ليلة هناك تعادل أجر ليلة القدر. هل سمعت بليلة أفضل من ليلة القدر؟

روى النسائي والحاكم بسندٍ صحيحٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر؟ حارس يحرس في أرض خوف يخاف ألا يعود إلى أهله" إذ كل ليلة من لياليهم أفضل من ليلة القدر.

وهذا الأجر ليس فقط للمجاهدين؛ بل لكلِّ إنسانٍ مرابط في فلسطين، يقول سيدنا أبو الدرداء -وهو صحابيٌّ عاش ومات في بلاد الشام- رضي الله تعالى عنه: (أهلُ الشام وأزواجهم وذريَّاتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة كلهم مرابطون في سبيل الله إن نزلوا مدينة من المدن؛ فهم في رباط، وإن نزلوا ثغرًا من الثغور فهم في جهاد).

هذا أجر حياتهم؛ أمَّا موتهم؛ فهم شهداء كلّهم سواءً ماتوا بالقصف، أو ماتوا بشكل آخر، كلُّهم شهداءُ اجتمع فيهم أنواع الشهادة العشرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: "من جاهد في سبيل الله؛ فهو شهيد، من مات في سبيل الله فهو شهيد، المطعون شهيد، المبطون شهيد، الغريق شهيد، الحريق شهيد، المرآة تموت بطلقها شهيدة، من مات تحت الهدم فهو شهيد، من قتل دون مظلمته فهو شهيد، من قتل دون ماله فهو شهيد"..

هؤلاء أناسٌ اختارهمُ الله تعالى، واصطفاهم لمرتبة الشهادة، يقول سبحانه:}ويتخذ منكم شهداء{. وصدق من قال في وصف أهل غزة (إن سألوك عن غزة فقل: بها شهيد، يسعفه شهيد، يصوره شهيد، يودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد).

أمَّا صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفلسطين؛ فهي ثلاثة محاور: إنها القبلة الأولى للمسلمين، إنها أرض الإسراء، إنّها أرض المعراج. وهذه الثلاث يجب ان نفهم اليوم معانيها ودلالاتها على واقعنا المعاصر.

الرَّعيل الأول كان يصلي في البداية صلاة إبراهيمية في مكة، وبعد الهجرة إلى المدينة (17) شهرًا يتجه إلى بيت المقدس في كل صلاة، وهذا معناه ربط الجيل الأول الذي حمل الإسلام روحيًّا بالمسجد الأقصى وعندما حصلت حادثة الإسراء نزلت سورة كاملة باسمها؛ لأهميَّتها البالغة مطلعها:} سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{.

أُسري بالرسول ليلًا على دابّة البراق مع سيّدنا جبريل عليه السلام من القبلة الثانية إلى القبلة الأولى، من مكة إلى فلسطين، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، من أشرف بقعة إلى أشرف بقعة في الأرض... سمي بالحرام لحرمة الدماء والقتال فيه إلى يوم الدين، وسمي بالأقصى؛ لأنه أبعد عن المسجد الحرام، ولأن فيه أقصى الخير والبركة والنور إلى يوم الدين. وكلاهما بناهما أنبياء: بنى الحرام سيدنا إبراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام، وبنى المسجد الاقصى: وضع أساسه سيدنا ادم عليه السلام، وبناه أو جدد بناءه كل نبي كان في بيت المقدس.

ما دلالة الاسراء؟ لماذا ذهب النبي إلى القدس؟ لماذا لم يرتق مباشرة إلى السماء من المسجد الحرام؟ معنى هذا أن هذه البقعة من الأرض هذه المنطقة هي أرض ملك للمسلمين، ولا يجوز أن يحكمها سوى المسلمين معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سار في ملكه في أرضه وأرض اتباعه إلى يوم الدين.

ثم بعد ذلك صلَّى في بيت المقدس بجميع الأنبياء والمرسلين إمامًا، يقول ابن القيم رحمه الله: (120) ألف نبي و(313) رسولا، وأقام جبريل الصلاة، وصلَّى بهم رسولُ الله.

لماذا لم يصلِّ بهم نبيٌّ آخر؟

لماذا رسول الله تحديدًا؟

ولماذا لم يصل بهم في المسجد الحرام؟

لماذا في المسجد الأقصى ما معنى هذا؟

معنى ذلك أن كل الأنبياء والرسل سلمَّوا مفاتيح القدس لرسول الله، سلموا أمانة بيت المقدس لرسول الله واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على الاهتمام البالغ ببيت المقدس فبين أن أشرف، وأحبّ البقاع الثلاثة إلى الله تعالى هي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وأن أفضل الاعتكاف في هذه الثلاثة، وأن هذه الثلاثة تضع الملائكة أجنحتها عليها إلى يوم الدين تحرسها، وأن المسيح الدجال لا يدخلها أبدًا، وأن صلاة العيد داخل هذه الثلاثة أفضل من الصلاة في العراء، لشرف المكان، ولكن بين أن للمسجد الأقصى فضائل خاصة من بينهما أن من سافر إلى القدس، وصلى مرة في المسجد الأقصى غفرت ذنوبه كلها روى ابن ماجة والنسائي واحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن سليمان بن داوود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس دعى الله أن لا ياتِ المسجد الأقصى أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه" وأمن الرسول على هذا الدعاء، ولذلك كان أجدادنا كلما حجّوا إلى مكة المكرمة، مروّا إلى بيت المقدس بعدها، وصلّوا هناك لنيل هذا الثواب والأجر العظيم. وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن النظر إلى بيت المقدس عبادة، وأن هذا النظر سوف يصبح حسرة على المسلمين في آخر الزمان.

روى الطبراني بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى، ولنعم المصلى، ولياتين على الناس زمانٌ لقيد سوط الرجل حيث يرى بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا وما فيها".

ومعنى ذلك في آخر الزمان سوف يصبح النظر إلى بيت المقدس والوصول اليه صعب على المسلمين، ولو رؤوا شيئا يسيرًا فرحوا بذلك فرحًا عظيمًا، وهذا إشارة إلى وجود سياج، أو جدار حول بيت المقدس، أو بناء مستوطنات حوله تصعب رؤيته والوصول اليه.

بقي أمرٌ أخيرٌ، وهو فضل أهلها... بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هناك ما يسمى بالطائفة المنصورة على الحقَّ في أمته، وأن هذه الطائفة سوف تُخذل، وتخالف من قبل الآخرين، وبيَّن أنهم في فلسطين روى الطبراني والإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن الإمام أحمد قال: قرأت بخطِّ والدي يروي بسنده عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق ظاهرين على الدين، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالو: أين هم يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس". وهذا معناه أنَّ كل القرى والأرياف المحيطة ببيت المقدس تدخل في هذا الحديث معناه تدخل غزة فيه وعسقلان وحيفا والخليل ورام الله وكل ما يحيط بالقدس الشريف.

إذن يتبين لنا من هذا (خلاصة الخطبة) أن فلسطين: هي الأرض المقدسة، هي الأرض المباركة، وهي مهاجر الأنبياء، وهي مهد الرسالات، وهي مهد السيد المسيح، هي أرض الفتن والملاحم قبل قيام الساعة، وهي أرض المحشر والمنشر، وهي أرض الرباط، هي أرض القبلة الأولى، هي أرض الإسراء، هي أرض المعراج، هي أرض الطائفة المنصورة إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.

أسال الله أن يفرج عن إخواننا هناك، وأن يرزقنا ثواب الصلاة في المسجد الأقصى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

وكتبه بتاريخ شوال 1445/10/3 الموافق ابريل نيسان 12/04/2024.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply