الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المقدمة: اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على حمدنا إياك.
هذا هو الجزء الثاني من كتاب لأنك الله، الصادر قبل ستة أعوام، وحاولت أن يكون على نفس النظام والنسق، حتى يتوافق الجزآن في الشكل والمضمون، وها هو بين يديك الجزء الثاني، أسأل الله أن يكون نافعًا للقلوب، وموقظًا للهمم السائرة إلى الله.. والكتاب ليس علميًا يتجه للتعاريف والتقاسيم والأقاويل ورد الأباطيل، إنما هو قلم أديب إن صح لي أن أكون أديبًا، والله أهلٌ لأن يُحب وأن يعبد فأحببت أن أدون شيئًا من حبي لربي في هذه الوريقات، فإن كان فيها خير فمنه وحده، وإن كان فيها غير ذلك فأستغيث به أن يعذب قلبًا أحبّه! وأطلبه العفو والمغفرة والمسامحة..
· الرحمن:
أحمد الله كثيرًا أن كان رحمانًا رحيمًا.. كيف ستكون الحياة لو لم يكن ربنا رحيمًا بنا؟ بل أحمد الله كثيرًا أن جعل من حق هذا الاسم أن يظهر ظهورًا مكثفًا في حياة المسلم، فقد شرع لنا أن نسمي باسم الله الرحمن الرحيم في شؤوننا! استجلابًا للرحمة والبركة والتوفيق.
وفي بداية كل ركعة يأتي اسم الرحمن والرحيم ليكون خير افتتاح لخير عمل. وقبل كل سوؤة قرآنية تأتي الرحمة لتكون مطلعًا مباركًا لها..
سورة الكهف:
تقول قصة أصحاب الكهف: إن فتية آمنوا بربهم، هربوا من قومهم الذين يشركون بالله، ولجؤوا إلى كهف ضيق!
كهف مظلم، بارد، موحش، كيف ستكون الحياة في ذلك الكهف، كيف تمر عليهم الليالي في ذلك المكان؟ لا شك أنها ستكون حياة موحشة تمر لياليها ببطء موحش بارد!
ولكنك إذا قرأت الآية التي تتحدث عن ذلك الكهف ستعلم كيف كان كهفهم مضيئًا، وأن عناقيد الأنوار قد علقتها رحمة الله في جدران ذلك الكهف، ونوعًا من الأثاث الفاخر اختص الله به ذلك الكهف، إنه أثاث الرحمة! يقول سبحانه: }وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ{.
رحمة الله جعلتهم لا يحتاجون الطعام ثلاثمئة سنة، جعلت الحزن لا يطل عليهم والتوجس لا يطرق قلوبهم، فإن الله إذا اختصك برحمة منه، فقد كفاك كل هموم الدنيا وغمومها,
الأشواق: يعلم سبحانه وتعالى مافي نار جهنم من عذابات للجسد والروح، ويخبرنا في عدد كبير من نصوص الوحيين أنه غفور حتى نكف ونرجع إليه، وأنه يفرح بتوبتنا إذا تبنا.
يرحم عباده، ويريد أن يدخلوا الجنة، فيذكرها لهم بخضرة أشجارها، وبعذب مائها، وبجميل قصورها، ثم يذكرها مرات عديدة، ويكرر الآيات حتى تستنهض الأشواق لدار الخلود، حتى إذا ما مرت بهم آية وهم ساهون، تأتي الثانية وهم متيقظون، فإذا أتت الثانية، فلن تفوت الثالثة، وهكذا.
يذكر أعمال الشر فيبغّضها لعباده في حالها ومآلها، لينجوا من مغبتها، وما تفضي إليه من غضبه ونقمته. ويذكر أعمال الخير فتأتي مكللة بجمال الوصف وحسن العبارة، فتتوق النفس السوية للإتيان منها بما فتح الله به. فتعظم بذلك منازلهم، وتعلو رتبهم، فسبحان الرحمن الرحيم.
الشعور الفياض: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ"(صحيح مسلم 2108\4).
من رحمته أنه ينزل في قلوب الوالدين من الرحمة اتجاه أبنائهم ما لا يمكن أن يقوم به عيشهم لو لم تكن تلك الرحمة، فلو دفع لأم أموال الدنيا على أن تلقي صغيرها من شاهق لما فعلت، ما هي المشاعر التي تقاوم مثل هذه الإغراءات، وتصمد في وجه هذه العروض؟
كيف استطاعت فكرة الإلحاد تجاوز هذه المشاعر التي لا يمكن لملحد أن ينكر وجودها في أعماق أعماقه! فقط اسأل الملحد عن سر تحول القطة إلى وحش مفترس لحظة اقترابه من صغيرها؟ وكيف يمكن للداروينية تفسير هذا الشعور؟ وإذا كان غريزة فمن الذي غرزها؟
إنها الرحمة التي أنزلها الله من رحماته المئة لعباده، حتى يتراحموا فيما بينهم.
فاسأل به خبيرًا: ومن جلال هذه الصفة، وهذين الاسمين أنه اختارهما ليكونا في البسملة التي يُبتدأ بها قراءة القرآن، ويكررها المسلم في أعمال يومه وليلته، كأن رحمته سبحانه هي السبب في كل خير تناله، والسبب في صرف كل شر نخافه، لذلك كان تكرارها مهمًا حتى تصنع كثرة تكرارها وتردادتها في نفس المؤمن شعورًا برحمة ربه، وعمقًا في هذا الشعور.
ثم لتتأمل في الآية المذكورة }الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا{يأمرك الله سبحانه أن تسأل عنه، وتزيد علمك به، وهذا من عظيم رحمته، أن لم يجعل هذه المعرفة الشريفة مقصورة على ما فطره في نفوس عباده، بل أمرهم بالمعرفة أمرًا، حتى يحصل لهم بها ما يحصل من الزكاء والهداية.
عذاب من الرحمن: كنت أتساءل وأبحث عن حكمة إتيان اسم الله الرحمن في مواطن العذاب، وأسأل نفسي لماذا لم يقل عذاب من الجبار بدلًا من عذاب من الرحمن؟
ثم ظهر لي أنه رحيم رحمن حتى في عذابه لأعدائه، فيمس أعداءه بالعذاب مسًا في بداية أمرهم حتى يثوبوا عن عنادهم، يعذب الظالم فيكون في ذلك زجر لغيره عن السير في طريق الظلم، ثم إن عذاب الخلق إن عذبوا بعضهم هو محض ظلم، فجيء باسم الرحمن في هذا السياق حتى يلفت نظر المؤمن أن عذاب الله ليس ظلمًأ لعباده، فهو سبحانه منزه عن الظلم، كل هذا من رحمته سبحانه، ولله حكم أخرى لا نعلمها، ولكن الذي أريد قوله: إن هذه رحمته سبحانه بعبده الكافر عند عذابه وانتقامه منه، فكيف ستكون رحمته مع المؤمن المنكسر المعترف عند إرادة ثوابه وعطائه؟
دار العجزة: هل دار بخلدك أن الموت هو موت من تجليات صفة الرحمة لدى الرب سبحانه؟ وأن الحياة لولا الموت ستغدو شيئًا لا يطاق؟
تخيل أنك تعود من العمل لتجد في بيتك خمسين طاعنًا في السن هم أجدادك وجداتك الأحياء منذ ألف سنة! والذين يجب عليك أن تعولهم؟ ستصبح أنت المسؤول عن دار عجزة مكتظ بأجدادك الذين يجب عليك وجوبًا عينيًا أن تبرهم، وتخفف عنهم أتعاب مئات السنين وأتعاب السنوات العجاف!
سيغدو العالم فظيعًا لو لم يكن هناك شيء اسمه الموت! فسبحان من رحمته فيما نكره قد تكون أعظم وأظهر من رحمته فيما نحب!
انظر: إن لرحمة الله آثارًا تظهر في أمور كثيرة، تتجلى بشكل واضح في اخضرار الأرض بعد موتها. إن نظرك إلى آثار الرحمة من آثار الرحمة! فلولا رحمته بك ما نظرت ولا سمعت ولما عقلت شيئًا!
بل إن صوت قارئ جميل الصوت، يرتل آيات القرآن من أعظم الرحمات! محمد رفعت وعبدالباسط والمنشاوي والحصري في صباحاتك الرائقة من جليل رحمته، كيف كانت ستبدو حياتك لولا هذه التلاوات العظيمة التي تمر بأسماعنا، فافتح نافذة عقلك، وامتثل من خلالها لأمره لك سبحانه بأن تنظر أحيِ قلبك بتلك الآثار، وزد حب ربك في قلبك حبًا وإجلالًا وتعظيمًا.
· الجميل:
هل هنالك نفس سوية لا تحب الجمال وتهفو إليه، وتتعلق به، وتتحدث عنه، وتجد فيها روحها وأنسها وسلواها؟
ربنا سبحانه يقول عنه أعلم الناس به صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال"(صحيح مسلم:1\93). فهو جميل في ذاته ويحب الجمال في غيره، لذلك خلق الخلق على نظام الجمال، وشرع الشرائع وفق قواعد الجمال!
يقول ابن القيم: (من أسمائه الحسنى الجميل... وجماله سبحانه على أربع مراتب: جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء) (الفوائد لابن القيم:182).
سبحان الله: يروى أن سليمان بن داود خرج يسير وهو جالس على كرسيه وأصحابه جلوس معه على الكرسي عن يمينه وعن شماله، والريح تدف بهم والطير تظلهم، فأشرك وهم كذلك على امرأتين من بني إسرائيل، قال: فعجبتا مما رأتا من ذلك فقالتا: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكًا عظيمًا. فسمع قولهما سليمان، فلما حاذى بهما قال للريح: قفي، فتوقفت. فقال لهما: ما قلتما آنفًا حين طلعت عليكما؟ قالتا: ما قلنا إلا خيرًا يا نبي الله، قلنا سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكًا عظيمًا. فقال لهما سليمان: فقولكما سبحان الله أفضل من جميع ما أوتي آل داوود. (تاريخ دمشق لابن عساكر:275\22).
فهو يخلق الشيء الجميل لأنه جميل، نحني غير متصورين أن سبحانه قد يخلق خلقًا عظيمًا فقط حتى يقول أحد عبيده في دهر من الدهور: سبحان الله.
السلة العجيبة: المخلوق العجيب الفاكهة، اشتريت من كل نوع تقريبًا كمية قليلة، جلست أنا وأبنائي نتأملها ثمرة ثمرة ونسبح الله.
ولعل كثرة التسبيح في القرآن والأمر به في السنة هو لأن خالق الكون قد بنى هذا الكون على دعائم من الإبهار والإدهاش الذي يستنطق التسبيح فطرة، ودون الحاجة إلى تعمق في التفكير والاستدلال.
برتقالة ورمانة: وجودها يستحق أن تقول سبحان الله، فوجود الشيء دون أن تدعو الله أن يخلقه، بل دون أن تعلم أنك تحتاج إليه، مع احتوائه على فوائد جمة كافٍ لتسبح الله.
وقد طفا على سطح خيالي سؤال تردد مع كل فاكهة أسرح فيها نظري، لماذا أراد الله أن تكون هذه الفاكهة جميلة؟ ألا يكفي ما تحتويه من ألياف وفيتامينات وفوائد صحية؟ كان يهجم عليّ هذا السؤال ولا أجد له جوابًا أستطيع أن أعبّر عنه، وإنما أستطيع أن أشعر به.
الفراشة: يرى الملاحدة جمال الفراشة، وبديع خلق الله لجناحها ذي النقوش العجيبة، والألوان رائعة الجمال، فلا يقولون سبحان الله، بل يبحثون عن مخرج من ورطتهم فيقولون أن تلك النقوش والألوان مما أسدته الطبيعة العمياء لهذا النوع من الحشرات، بغرض لفت نظر الطرف الآخر ليحصل التزاوج وبقاء النوع!
إذًا بماذا يجيبون عن سر جمال الفراولة؟ هل الانتخاب الطبيعي هو السبب الذي جعل لونها بهذه الكيفية؟ وماذا عن الأناناس والكرز والتفاح؟ ما النظرية التي ستخرجهم من أزمة الرمان؟ وما هي الغريزة التي تحتويها النخلة وتضطرها لتبدو بهذا المنظر الشامخ الجميل؟
وإذا كانت للطبيعة قدرة على تغيير الألوان بحسب مزاج ذكر الفراش؛ فلماذا لا يتغير مزاج ذكور الفراش ذاته بحيث تصبح الفراشة جاذبة بحد ذاتها، بغض النظر عن لونها؟!
سألت ابني وأنا أكتب هذه الكلمات أن يذكر لي شيئًا جميلًا رآه، فاستغربت من إجابته وهو ما زال في الثامنة من عمره، فقال لي: الحياة كلها جميلة!
وصدق حفظه الله وحفظ أبناء المسلمين، وهل هناك زاوية في هذا الكون ينقصها الجمال، أو يعوزها عنصر الإبهار؟
نغمة الصباح: جاء رجل إلى الإمام مالك وقد علاه الهم، فقد قال قولًا ظنه ألجأه إلى أن يفارق زوجته، فقال له: يا إمام قلت لزوجتي: إن لم تكوني أجمل من القمر فأنت طالق! فقال الإمام: زوجتك لم تطلق فقال الرجل: كيف والقمر أجمل منها؟ قال الإمام مالك: بل هي أجمل! ألم تقرأ قول الله تعالى في كتابه: }لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم{(التين:4).
الصباح مسرح من مسارح الجمال، كل شيء فيه موضوع بجمال، تستيقظ على أذان الفجر البهي، وعلى نور أزرق ساحر، ثم تأتي أشعة الشمس لترسم بدايات اليوم بريشتها الفتية ثم تبدأ نغمات الطيور..
هل قلت: الطيور؟
وهل هناك جمال يمكن أن نتحدث عنه بمعزل عن الطيور والعصافير بأنواعها، عن غناء الكناري يوشقشقة البلابل، وحداء طيور الحب.
الحاجة إلى الغباء: الرافض لوجود الله يحتاج إلى أن يسلم عقله إلى أمور مغيبة لا يدرك كنهها أكثر بكثير من المؤمن بوجود الله!
بل يحتاج الرافض بوجود الله أن يكون غبيًا بقدر كبير حتى يغض طرفه عن هذا القدر العظيم من الأدلة والإشارات التي تشير إلى الله في كل لحظة تمر به في حياته.
· الوهاب:
من أسمائه سبحانه الوهاب، وهو اسم كرم وجود وغنى! وصيغة فعّال تعني المبالغة، فليس سبحانه واهبًا بل وهّابًا: كثير ما يهب ويعطي ويجود، لذلك سمى نفسه بالوهاب.
فيعطي من لا يسأله ومن لا يسأله! ويعطي من يحتاج ومن لا يحتاج! ويعطي من يعبده ومن لا يعبده!
ويهب عظيمًا: فكرماء بني آدم يهبون -في العادة- المال، أما الله فإن المال أقل ما يهبك إياه! فهو يهب الحياة ذاتها، ويهب العقلَ، ويهب الذريّة، ويهب الكرامات التي تحير العقول وتدهش الألباب.
أعطى نوحًا النصرة، فأنزل مطرًا أغرق به كل كافر على وجه الأرض استجابة لدعاءه.
شق لموسى البحر، ورفع عيسى إلى السماء وأسرى بمحمد إلى سدرة المنتهى.
ويهب أعداءه: فلا كريم من كرماء البشر يجد في نفسه ما يدعوه إلى أن يكرم أعداءه ويتفضل على خصومه، أما الوهاب سبحانه، فحتى أعداءه والمجاهرون بسبه -تعالى وتقدس- لهم من فيء مواهبه قسم، وفي ديوان عطاءاته اسم، ولهذا كله، ولغير هذا كان اسمه الوهاب.
قارون يشتري بصرك: افترض أن شخصًا لديه ملك قارون، ولكنه أعمى، وأرادك أن تعطيه بصرك، فكم ستطلبه؟ دعني أختصر لك: لن تتنازل عن بصرك بأموال قارون كلها!! هذه إحدى النعم التي نادرًا ما تشعر بها، فكيفك لو حاولت إحصاء بقية النعم؟ لقد أعطاك في جسدك المليارات من النعم، بل أكثر من ذلك، لماذا؟ لأنه الوهاب، يهب دون أن يُطلب، والسؤال: ما دامت هذه عطاءاته قبل السؤال، فكيف ستكون عطاءاته بعد السؤال؟
الإخفاق المبارك: يريد سليمان عليه السلام ملكًا خاصًا به، فيعطيه الوهاب ملكًا من أعجب الأملاك: سخر له الريح تجري بأمره، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، فصار يتنقل من مشارق الأرض إلى مغاربها بالريح هو وحاشيته، والشياطين تغوص أعماق البحار تجلب له أغلى الكنوز، وتشيد له أضخم القصور.
أتظن أن الله أورد هذه العجائب حتى نتعلق بسليمان وقد مات منذ مئات السنين، أم لنتعلق بالحي الذي لا يموت ونطلبه بيقين؟
أتظن أن الله ذكر هذه العطاءات لتكون نظمًا قرآنيًا فريدًا نقرؤه مفرغًا من معناه؟ أم لنحوله إلى أدعية وأذكار وابتهالات نعطر بها مواضع سجودنا في ظلام الليالي الحالكة؟
ملأ حياتك بالاحتياجات ثم قال لك: أنا الوهاب! ثم أنت تصر على عدم معرفتك للعنصر الثالث من هذه المعادلة: }ادعوني استجب لكم{.. أفهمت الآن؟
اطلب واجعل سقف دعواتك أعلى ما يمكن.. وسأحكي لك قصة الدعوات التي بلا سقف!
دعاء بلا سقف: مما لفت نظري وأنا أقرأ في دعاء الأنبياء في القرآن أن هناك شبه توافق بينها! فكثير منها جاء ذكر استجابتها في القرآن كانت تتسم بسمة غريبة، وهذه السمة اختصرها بقولي: (غرابة الدعاء)!
لم يكن الأنبياء في كثير من دعواتهم يدعون بالقريب وإنما بالغريب!
سليمان عليه السلام دعا الله بدعاء في ذروة الغرابة: }اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب{، وهو لا يطلب من الله الملك، ولا الملك العظيم، إنما يطلب ملكًا لا ينبغي لأحد أن يحصل عليه، فكيف كانت الإجابة؟ جاءت عقب الدعاء مباشرة: }فسخرنا له الريح تجري بأمره..{.
ونوح عليه السلام عندما آذاه كفار قومه، كان المتوقع والقريب أن يدعو على قومه بالهلاك، ولكنه لم يفعل ذلك، عمم دعوته فقال: }رب لا تذر على الكافرين ديارًا{، فكان أن دعا على كل كافر على ظهر الأرض، وبقدر غرابته جاءت مسرعة إجابته: }ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر..{.
الهبات: من كرمه سبحانه أنه يعطي المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة ولا يستكثر ذلك، بل يهبه بكرم وجود، هذه امرأة عمران نذرت لله ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، وظنته ذكرًا فكانت أنثى! وليس الذكر كالأنثى، ولكن الله تقبل ذلك النذر، فكان ماذا؟
وهبها الله سبحانه المرأة الصالحة القانتة الخاشعة مريم عليها السلام، فكانت من أعبد أهل الأرض، ومن النساء القليلات اللاتي كمُلن! وزاد في كرمه فجعل تلك المرأة أمًا لعظيم من عظماء البشر، وأحد أهم خمسة في هذا العالم، فهل كان يدور في خلد امرأة عمران أن نذرها سيُتقبل بهذا السخاء؟
ومن مظاهر كرمه أن يجازي القليل بالكثير، ويثيب على العمل اليسير إذا كان خالصًا صوابًا بالعطاء الجزيل. يهب بلا حساب!
· الحق:
من أسمائه سبحانه الحق المبين، فهو الحق ليس بعده إلا الباطل، وفي كل شيء له آية، وفي كل خلق له برهان، لا تفنى آياته، ولا تنقضي براهينه.
انظروا: ليس هناك ما هو واضح في هذا الوجود وضوح ربه الذي أوجده، إنك تكاد ترى في كل شيء حول ما يدلك عليه ويشير إليه!
ودائمًا ما تبهرني آية في سورة يونس، وأتوقف عندها طويلًا، يقول فيها الرب مجيبًا طلب المشركين للآيات والعلامات الدالة عليه: }قل انظروا ماذا في السموات والأرض{.
هناك حشد هائل من الآيات تمور حولنا، لا تحتاج منا إلا إلى النظر العابر، حتى نتفاجأ بها! والآيات أنواع وأشكال ومستويات، ليتأمل كل إنسان الآيات التي حوله، والتي يمكن لعقله فهمها ورؤية عظمة الله فيها.. يقول الطاهر ابن عاشور: (وقد عمم ما في السماوات والأرض لتتوجه كل نفس إلى ما هو أقرب إليها، وأيسر استدلال عليه لديها).
يقول عالم الفيزياء الملحد ستيفن هوكنج في أحد كتبه التي يُنظّر فيها للكفر بالله: (حينها سنعرف كيف يفكر الله) تعالى الله عن هذا التعبير القميء! ولكن انظر كيف أن الحق المبين ظهر من مثل هذا الكتاب الذي ينفي وجوده أصلًا، لتعلم أنهم ينفون ما تنبض به قلوبهم رغمًا عنهم!
إن وجود آثار الإله في كل زاوية من زوايا الحياة ملاحظة يعرفها جيدًا أولئك الذين ينكرون وجوده! وهو أكثر ظهورًا من الوجود ذاته!
وعندما ظهر اسم الله كثيرًا في كتابات عالم الرياضيات الأشهر أينشتاين وهو من أئمة الإلحاد في هذا العصر، حاول تلاميذه أن يصلوا لفكرة تجعل مثل هذا الأمر مقبولًا في الأروقة الإلحادية، فسمّوا هذا الفعل بالدين الأينشتاني.
إنهم يضيقون ذرعًا بكثرة الأدلة الدالة عليه، لذلك فإن كتبهم التي ينكرون فيها وجوده تتكاثر وتتزايد.
يقول صاحب كتاب اللا منتمي: الساعة الآن الثالثة ليلًا، وقد انتهيت من كتابة مقالة أنكر فيها وجود الله، وحين ذهبت لأنام لم أستطع إطفاء النور، خوفًا مما سيفعله الله بي.
هو أعظم من أن تنكره، وأظهر من أن يغمُض عليك، وفي الوقت الذي تنشئ فيه ردودًا -تظنها منطقية- على أدلة وجوده، تظهر لك أدلة أكثر إلحاحًا، وأعمق إصرارًا!
لقد علمت: قال موسى لفرعون: }قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) {الإسراء: 102(.
لقد علمت ذلك جيدًا، إن نفسك تفضحك، ودعوى أنك الرب الأعلى تنفيها أمور أنت تعلمها جيدًا في قرارة نفسك!
قال أينشتاين في لحظة تجلّ: إن خلف ما نعرفه ونحس به يوجد شيء لا يمكننا إدراكه، وهذا الشيء يمسنا بجماله وسموه بطريقة غير مباشرة.
تُرى ما هو ذلك الشيء الذي يشعر به أينشتاين في أعماقه ثم لا يمكنه التعبير عنه؟
}وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ{النمل: 14.
وفي الليل: يقول أحدهم: إن أعتى الملاحدة يتحول في الليل إلى نصف مؤمن!
هو أعظم من أن تنكره، وأظهر من أن يغمض عليك، وفي الوقت الذي تنشئ فيه ردودًا -تظنها منطقية- على أدلة وجوده، تظهر لك أدلة أكثر إلحاحًا، وأعمق إصرارًا.
طبيعة طبيعة: سمعت قديمًا رجلًا يدعي أنه ينكر وجود الله، واستعجبت من أنه كلما أراد أن يثبت شيئًا حلف بالله! حتى إنه يكاد يقول: والله إن الله غير موجود!
· الحكيم:
الحكمة هي وضع الأمر في موضعه، وهو الذي يفعل ذلك، والحكمة من صفاته سبحاته وتعالى، فهو ذو حكمة بالغة، ويختص سبحانه عباده المتفكرين بغوامض حكمته فيزيد يقينهم به، وحبهم وإجلالهم له، وهذه سياحة إيمانية في اسم الله الحكيم، ومحاولة لاستجلاء آثار هذا الاسم العظيم في مخلوقاته، وأوامره وإرادته سبحانه وتعالى.
وفي أنفسكم: جمعني مجلس مع أحدهم قبل أكثر من ثلاثين سنة، وما زلت أذكر لفتةً إيمانية فريدة قالها نقلًا عن داعية، فقد تحدث عن شيء من حكم الله في خلقه انطلاقًا من توجيه الحق سبحانه لعباده في قوله: }وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{ الذاريات:21. وذكر شيئًا من عجيب خلق الله في يد الإنسان، فنوعية الجلد الذي يكسو أعلى اليد يميل إلى النعومة والجلد الذي يغطي باطن الكف يميل إلى الشدة والغلظة، وحدثنا عن حكمة ذلك فقال: لو انعكس لكان من الصعب علينا الإمساك بالأشياء!
فهذه لفتة بسيطة في شيء نراه مئات المرات في اليوم، ولا نكاد نلحظ حكمة الله فيه، فسبحان الخلاق العليم.
المرآة: يقول سبحانه وتعالى: }أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ{الأعراف:54. فالحكمة البالغة تتجلى في هذين الركنين: الخلق والأمر.
فالنظر إلى مخلوقاته وتأمل أوامره وتشريعاته.. ستقف مذهولًا أمام حكمته وعظمته وكبريائه.
عزيزي القارئ سآتي بما تراه وأنت واقف أمام المرأة كل يوم، حدثني عن أذنيك، لماذا هي بارزة ولم يجعلها الله ثقبين في جانبي الرأس؟
إن الذين يخلقك حكيم، ولن تجد مفصلًا ولا عضوًا ولا تكوينًا في جسدك ليس له فائدة، وإن جهلت شيئًا فإن العلم في الغد سيخبرك بحكمته، يقول تعالى: }سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{فصلت:53.
والأنف نتوء مكون من جزءين، أعلاهما قاس وأسفلهما مرن، تخيل لو أن أنفك كان مرنًا من أعلى كيف كنت ستختنق من التصاق جوانبه في بعض الحالات! ولو كان قاسيًا من الأسفل كنت ستجد صعوبة في الاستنشاق والاستنشار!
تأمل في حاجبيك وانظر كم يحجبان عن عينيك من الماء الهاطل والسخام المنتشر؟ لقد اقتضت حكمته أن يحيط هذا الجهاز الحساس بثلاثة حراس يحافظون على نقائه وسلامته!
عليك حتى تدرك حكمته أن تتأمل، فقط تأمل مثارات الحكمة في جسدك الذي هو قارة من عجائب الخلق، ومبتدعات التصوير!
والأمر: وكلما تجلت حكمته جل وعلا في خلقه، فكذلك تتجلى وتتضح في أمره، فلم يأمر سبحانه إلا بما يطابق مقتضى العبوية، ويتضمن مصالح العباد، ويستلزم سعادة الدنيا والآخرة.
فإذا نظرت في عدد الصلوات فهي خمس، فلم تكن أكثر من ذلك فيصعب أداؤها، ولا أقل من ذلك فيبهت معنى العبودية في قلب العبد، وهي المقصد الأوحد لخلقهم!
وإذا تأملت في كيفية الصلاة، ومدى روحانية حركاتها، وإيمانية أذكارها، سترى الجمال وقد غمر الحكمة، والحكمة قد توشحت بالجمال والجلال والعظمة!
وانتقل من الصلاة إلى الصوم لتذهلك الحكم، فهذا جوع يذكرك بالفقير ومسكنته، وخواء يصرفك عن الدنيا وبهرجها، وامتثال دقيق يوقظ في نفسك معنى العبودية!
ثم تأمل مناسك الحج، لترى خطوات تسير وفق مرادات الله، فتذكر الناس بأنهم مربوبون لإله عظيم حكيم خبير.
فحكمته التي في خلقه توازيها حكمته التي في أمره وتشريعه، فلا شيء في الكون إلا وفيه شيء من حكمة خالقه وموجده ومشرعه.
حظ الأنثيين: اعترض معترض على مسألة قسمة التركات، وهي أنه إذا اجتمع في الورثة أبناء وبنات، أو أخوة وأخوات، فتكون القسمة بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) النساء:11. فظن المعترض أن في مثل هذا التشريع العظيم بخسًا لحق الأنثى!
فرد عليه أهل العلم بما أسكته وبهته!
فالذكر وإن أخذ الضعف هنا، فإنه يؤمر بالنفقة هناك! أما الأنثى فتأخذ النصف ثم لا تؤمر بنفقة! فمالها لها، وماله له ولغيره، فهنا وجه من أوجه الحكمة البالغة!
ومن حكمته شيئًا من العَوَص والغموض في بعض تشريعاته، وهو نوع من الاختبار للعباد، فيظهر المؤمن من المنافق، حتى يتفاوت بها العباد وتختلف رتبهم ما بين الإسلام والإيمان والإحسان.. بل ما بين الكفر والفسوق والعصيان.. ولله الحكمة الباهرة في كل ما يخلق ويأمر!
ومن أسرار هذا الخفاء في بعض التشريعات أن يكون ذلك ابتلاء لأهل العلم، حتى يجتهدوا ويبحثوا وينقبوا عن شيء من حكمته، فيكون ذلك جهادًا لهم، يزكو به علمهم، ويثبتون به القلوب الضعيفة، وينالون الرتب الشريفة.
حكمة الباري: وكبرت كلمة تخرج من أحد الشعراء إذ قال معترضًا على حكم قطع يد السارق:
يد بألف مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت عنه وأن نعوذ بمولانا من النار...
وهنا يتخايل الشيطان وهو ينسج شبهاته ويلقي بها في أفواه أتباعه وحزبه!
فرد عليه عالم جهبذ فقال:
عندما كانت أمينة، كانت ثمينة! فلما خانت، هانت!
الله لا يلعب: من عبارات أينشتاين الشهيرة بعد أن تأمل الكون سنوات عديدة، فأذهله إحكام خلقه، وعجيب صنعه، فقال في خضوع لرب هذا الكون: (الله لا يلعب النرد)! وهو من أشهر الملحدين، إلا أن نواميس الكون المحكمة، وقوانينه البالغة الدقة، والتي يعرف أينشتاين الكثير عنها جعلته يقول تلك العبارة.
وقد جاء القرآن بمعنى مقارب حينما قال سبحانه: }وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ{ الأنبياء:16. القضية ليست لعبًا ولهوًا، لم يخلق الله الإنسان وخلايا الدم والبراكين ليلعب سبحانه! بل خلق كل ذلك وغيره وفق حكمة بالغة، ولأجل مقصد عظيم.
أخبرني: مما يتجلى فيه اسم الحكيم، تباعد ما بين دعاء العبد وإجابة الرب، فهو القدير على أن يسرع بالإجابة، لكن حكمته اقتضت ألا يحدث ذلك في كثير من الدعوات.
تريد أن أحدثك عن شيء من حكمة ذلك الأمر؟ تعالى إلى العبد الفقير الذي يرفع يديه عقب كل صلاة بأن يوسع الله رزقه، تعال لنحاول استكناه الحكمة في ذلك:
إذا علمت أن الله تعالى أحب منه تلك الدعوات، فقد خلق الخلق لعبادته، ثم علمت أن الدعاء من أهم العبادات التي ينبغي ألا تخلو منها حياة العبد، ستعلم أن وجود حالة تقتضي دعاء والتجاء أمر محبوب إلى الله.
ثم أخبرني عن فقير يطلب الغنى، وقد علم الله أن الغنى له مهلكة، ولا يصلحه اليوم إلا الفقر وأن جائحة ما ستكون بانتظار ذلك الغنى السريع.
تقديرًا: من حكمته أن قدّر شؤون خلقه تقديرًا، وحد حدودًا لا يمكن لمخلوقاته تجاوزها، فسبحان }الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا{الفرقان:2.
للسمع كما هو معروف عتبتان دنيا وعليا، الدنيا تضمن لك عدم سماع الأصوات المنخفضة جدًا، والعليا تضمن لك عدم سماع الأصوات المرتفعة جدًا.
تخيل لو وجدت لديك القدرة على سماع هذين النوعين، بمعنى لو زادت قليلًا عتبتا السمع، صدقني لن تغدو حياتك أجمل! كحياة أولئك الرجال الذين يعملون في المصانع الكبيرة، تزعجهم المكائن بأزيزها، والحدائد بصريرها، لن تستطيع النوم بهدوء، بل حتى دبيب النمل، ورفرفة أجنحة البعوضة في الغرفة المجاورة ستجعل لحظات الهدوء لا وجود لها في حياتك.
فاستجبنا له: لقيت أحد الزملاء بعد انقطاع أكثر من عشر سنوات وقد زاد وزنه كثيرًا، سألته عن السبب فقال إن الحبوب التي يتناولها هي السبب، استغربت فقال لي بصوتٍ بئيس: أنا مصاب بانفصام في الشخصية!
إن العقل البشري حساس للغاية، ضمورًا بسيطًا أو اختلالًا يصيبه يجعله يصنع خيالات خاصة بالعالم، فيتعاطى مع العالم والناس باعتبار ما يتصوره، فيرى السيارة جملًا ويضحك إن رأى شيئًا يدعو للبكاء!
مسكين: ومما يصيب هذا العقل البشري ما يسمى بالرهاب، بعضهم يختنق اختناقًا حقيقيًا في الظلام، والبعض الآخر إن أجبرته الظروف أن يتحدث في حضور آخرين يصيبه الدوار ويتعرق. ما هذا العقل الضعيف؟ الذي يتصور أشياء غير موجودة، ويشعر بمشاعر ليس لها سبب.
أما الوسواس فحدث عنه ولا حرج، ألف الإمام ابن الجوزي سِفرًا كبيرًا سماه: تلبيس إبليس، فأتى بالعجائب! هناك من يستغرق الساعات في الاغتسال، والبعض يعيد صلاته عدة مرات.
والشك حالة تصيب العقل البشري، تجعله يجعل من تصرفات مبعثرة، مقدمات منطقية لنتيجة حتمية. وإن توقفنا لحظة إزاء أرقى صور الإدراك البشري، وهو اليقين، فما هو؟ إنه شكل بدائي للمعرفة الحقة، فأين هو حق اليقين؟ وأين حق اليقين من عين اليقين؟
عقولنا هذه لا تصلح أن تتساءل عن الحكمة في تشريع ما، أو في خلق ما.. فهي أقل من أن تدرك الأمور التي تجري حولها إدراكًا موضوعيًا مجردًا، حتى تنتقل إلى مسألة الحكمة والغاية من تلك الأمور. ونعلم أن حكمته أعظم من تساؤلاتنا، وأنه لا يقدّر إلا الأصلح ولا يشرّع إلا الأحسن، ولا يقضي إلا بما هو خير.
· العليم:
علمه سبحانه وتعالى ورد في كتابه مئات المرات. مطمئن جدًا الحديث عن علم الله تعالى، ومخيف في ذات الوقت، ومحفز للعمل أيضًا! ولا قوام لحياة القلب إلا باستظلاله بمعاني وهدايات هذا الاسم العظيم.
لقد سمع: كانت عائشة رضي الله عنها في طرف البيت إذ جاءت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، فكان الكلام يخفى على عائشة، تسمع شيئًا ويخفى عليها شيء!
ما هو إلا زمن يسير حتى أنزل الله: }قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{ المجادلة:1.
فكانت عائشة تقول: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات!
ذعر ما أصيبت به عائشة! إذ كيف لصوت بينها وبينه أمتار لم تسمعه، ثم يسمعه الله من فوق سبع سماوات!
إلا يعلمها: إذا حل عليك فصل الخريف، فسِر بقدميك أو بخيالك في أحدى الغابات ذات الأشجار المتلاحمة، وملايين الأوراق الصفراء، ورتل قوله سبحانه: }وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا{الأنعام:59.
قال ابن المسيب: بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح فوقع في نفس الرجل: أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق؟ فنودي من جانب الغيضة بصوتٍ عظيم: }أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ الملك:14.
السلف: كان علم الله هو أكبر ما يسيطر على خيالات السلف الصالح، ويشجعهم على العمل للآخرة، والخوف الذي يقترب من الهلع من الله تعالى!
إنك تعبد ربًا يعلم ما في القلوب، ولا بد والحالة هذه أن تحذره، وتضاعف فكرة مراقبته في نفسك، لأن ربًا يحيط بخفايا نفسك لا تصلح معه الأعمال التي نشوبها بحظوظ أنفسنا وبنظرتنا القاصرة لهذه الدنيا الفانية!
قال فضيل بن عياض لرجل: لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها: والله لئن علم الله منك إخراج الآدميين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره، لم تسأله شيئًا إلا أعطاك.
هناك طمأنينة: نعم هناك طمأنينة تعم كيان المؤمن، حين يتيقن بأن ربه }بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ الحديد:3.
مريح جدًا ومطمئن جدًا إيمانك بعلم ربك..
إنك لن تحتاج في دعائك له أن تسرد كل التفاصيل، يكفيك أن تقول: يا رب ارفع عني ما أصابني، لأنه لا أحد أعلم منه بما أصابك، ولا بكيف يرتفع عنك هذا المصاب.
مؤنس جدًا أن تركن إلى رب يسمع دعواتك في الليل، ويرى خطواتك بالنهار، ولا تخفى عليه منك خافية، ولا مما يحيط بك، ولا مما يدبر لك، ولا مما يراد بك!
وهناك ذعر: وإذا علمت أنه سبحانه يعلم كل شيء، ومن هذه الأشياء التي يعلمها أفعالك القاتمة، ومغامراتك الصبيانية، وخيالاتك النزقة!
فتأتي آيات الكتاب الكريم لتنزع ذلك الرعب وتخبرك أنه بقدر علمه يكون حلمه: }وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا{ الأحزاب:51.
كم من ذنبٍ ندّ عنا، ثم نحن نلتفت ونترقب العقوبة، فإذا بالرحمة تدهمنا، وتغير مسار حياتنا!
إن الأقل من أعمالنا وتجاوزاتنا هو ما يهذبه الله بالعقوبة، أما الأكثر والأوفر فيطفئه برحمته وحلمه وعفوه.. لأنه العليم الحليم! والغفور الرحيم.
الإنسان ذلك المكشوف: بكبريائه وغروره يصدمه القرآن بأن كل شيء فيه مكشوف، وأنه لا وجود للخفايا والزوايا في حياته! هو يعلم سبحانه الآفاق التي تبدو لك من بعيد، والعالم الذي خلفته وراء ظهرك، ويعلم ما خلفك، وذكرياتك وطفولتك وصباك وكل مكان وشخص وفكرة وخاطرة باتت من الماضي، وأودعتها في صندوق ذكرياتك!
يتمنى أصحاب الجحيم العودة إلى الدنيا لتغيير مسارهم، والأوبة عن كفرهم وفجورهم، فيقول الحق تعالى: }وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا{الأنعام:28.
فهو يعلم كيف سيكون حالهم لو أنه قدر لهم أن يردوا إلى الدنيا، سيعودون إلى سابق عهدهم من الكفر والفجور!
أفصح أو لا تفصح! فليس ما تفصحه إلا جزءًا يسيرًا مما تنطوي عليه نفسك، إن نفسك لتقف بكليتها أمام علمه مكشوفة مفضوحة: }وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى{ طه:7.
السر نعلمه ولكن ما هو الأخفى من السر؟ إنه كما يقول المفسرون: الوساوس! تلك التي لم تبلغ حد الفكرة! ومضات خافتة لا تكاد تظهر!
· الفتاح:
الفتاح العليم سبحانه يفتح مغاليق الأمور، ويذلل صعاب الحياة، ويجعل المستحيل ممكنًا، فبيده سبحانه مفاتيح الفرج.
يقول تعالى: }مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا{ فاطر:2. إذن فالرحمات تُفتح لتتدفق علينا، وتملأنا بالحياة! إذا أردت رحمة خالدة دائمة لا تنقطع فاطلبها منه سبحانه وتذكر: }فَلَا مُمْسِكَ لَهَا{.
فقط الذي عليك فعله حيالها أن تُكللها بشكره، فشكره شرط من شروط بقاء هذه الرحمات والنعم: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ{إبراهيم:7. إن الشكر لا يضمن بقاء الرحمة فحسب، بل ويتكفل بزيادتها!
ومن أنواع الفتوح التي يمن بها الفتاح على بعض عباده فتوح العلم، فيفتح سبحانه من العلم وفي العلم وللعلم!
فقد كان ابن تيمية تُعوص عليه بعض المعاني القرآنية، فيقرأ في بعضها مئة تفسير، فلا يهتدي للصواب، فيخرج للبرية ويرخ وجهه في التراب ويبتهل: يا معلم داوود علمني، ويا مفهم سليمان فهمني... فتنهال عليه فتوح العارفين، ويهتدي للقول الحق، لذلك فإن أثر تلك العطايا الإلهية بادية فيما يكتبه هذا الجهبذ عليه رحمات الله تترى.
أما الربيع المرادي رحمه الله فقد قيل: إنه كان ضعيف التصور للمسائل، وإن الإمام الشافعي كان يعيد له المسألة كثيرًا حتى يفهمها، وقد قال له مرة: يا ربيع لو قدرت أن أطعمك العلم لأطعمتك إياه.
وما تصرمت السنوات حتى فتح الله عليه في الفقه فبات أشهر فقهاء المذهب الشافعي، بل يُعد المقدم فيه بشهادة الإمام الشافعي نفسه!
وأما الفتح للعلم، فقد كان إمام الدنيا محمد بن إدريس الشافعي منشغلًا بالشعر، ففتح الله عليه بكلمة قالتها له عجوز، فهداه الله بها لعلم الشريعة، وأنعم عليه من نعم. قالت له إن الشعر يزين به فتى ويقبح به كهلًا، فقال: وما الذي يزين بي فتى وكهلًا، فقالت الفقه. فانصرف إلى الفقه فصار عالم الدنيا، بل ابتكر علم أصول الفقه.
ومن غرائب الفتوح أن يفتح عليك في ذكره وحمده ودعائه! وهو صورتان:
أن يفتح لك في باب الخشوع والإخبات، فتغشاك وأنت تذكر وتدعو مشاعر خاصة، وتود أن تُختصر ساعات عمرك وسنوات حياتك في تلك المشاعر الخاصة، التي تحيلك إلى واقف بين يدي الجبار سبحانه.
فإذا ما ذقت هذا الذوق واستشعرت هذا الشعور في لحظة فريدة من لحظات عمرك، فانصرف إليها بكليتك، فهي العبادة المحضة والقرب الخالص منه سبحانه، فأنت لحظتها في أهم ما يمكن تصوره، وأعظم ما يمكن تخيله.
أما الصورة الثانية: أن يفتح عليك من محامده في الدعاء والثناء عليه ما لم تكن تعلمه من قبل، وما لا يمكن للغتك أن تصنعه.
أما في صوره الجزئية فالرب كريم، فقد يفتح على عبد في دعاء بجمل وكلمات ودعوات لو حاولها بقريحته لم تتيسر له، ولكنها اندفعت من لسانه، وفاض بها جنانه فتحًا ووهبًا وعطاء.
ولا حاجة لاستدعاء أمثلة بعيدة، فإنه يمكنك أن تدخل على أي مسجد بعيد صلاة العصر أو المغرب، ثم تنظر إلى فتيان في عمر الزهور قد عكفوا على حفظ كتاب الله، ثم اخرج وانظر إلى من في أعمارهم أو أكبر أو أصغر منتثرين في الشوارع يلعبون، لتعلم أن الله يصطفي لكتابه من أراد من عباده، ويفتح لمن شاء ما شاء من أمور الخير والعلم.
ومن الفتوحات الربانية أن يعطيك الله العطاء بكيفية، لا يعطى ذلك العطاء في العادة بتلك الكيفية!
فمن ذلك أن تعطى عطاء في مدة وجيزة لم ينله غيرك إلا في مدد متطاولة. فالزمخشري صاحب الكشاف في التفسير جاور في مكة، وشرح في كتابة تفسيره وهو ما بين الستين والسبعين، فكتب في ثلاث سنوات ما يكتب مثله في ثلاثين سنة.
ومن ذلك أن تعطى عطاء تامًا في ظروف غير تامة، وقصة تأليف الإمام ابن القيم لسِفره العظيم، الذي لم يؤلَف في سيرة النبي مثله، وأعني زاد المعاد، وهو خير مثال على هذا النوع من الفتوحات!
ومن ذلك أيضًا أن ترجو عطاء، فيعطيك الله ما هو أعظم منه! إن الحافظ ابن حجر أراد عند ذهابه للعمرة أن يعمل بالحديث الشريف: ماء زمزم لما شرب له. فشرب ماء زمزم ليكون مثل الإمام الذهبي في الحديث، فكان مثله وزاد عليه!
أراد الاصطلاء فنال الاصطفاء! فأين جذوة النار من هذه العطايا، وهذه المرايا وهذه الهدايا، ولقد صدق المولى حين قال: }مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا{.
أسأل سبحانه أن يفتح على من يقرأ هذه الكلمات من فتوح العارفين، وأن يجعلهم ممن تهب عليهم نسمات رحمته وفضله، وأن تظهر عليهم مواهبه اللدنية، إنه جواد بالأعطيات كريم، وفتاح للرحمات عليم.
· القدير:
}فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{، هكذا قال الله تعالى عن نفسه، فكل ما يريده إرادة كونية سيكون لأنه يفعل كل ما يريد، لا راد لمشيئته، ولا معقب لحكمه.
عقيدة تجعل رأس المؤمن بها شامخًا، فليس بينه وبين أن تتحقق أمامه المعجزات سوى أن يريد الله أن تكون، فيطرق باب هذه الإرادة بالدعاء، وينتقل من عبادة الدعاء إلى عبادة انتظار الفرج، أما سحابة القنوط فيستحيل أن تمر بسماء فكره، لأن ربه قدير.
وليس سوى القدرة التي جعلتك تتكلم وترى وتسمع، وإلا فقد خلق الله مخلوقات لا ترى، وأوجد كائنات لا تسمع، وقدّر على بعضها ألا تتكلم!
ولكن من عادة الإنسان ألا يبصر القريب، ولا يُبهر بالمعتاد، وإلا فكيف لا تُذهله تلك الكواكب السيارة وتلك النجوم المضيئة.
إن شفاء المريض أو معافاة المبتلى، أو كشف كربة المحزون... من أهون ما قد تمسه قدرة الله سبحانه، وأيسر ما يمكن لقدرة الملك سبحانه أن ترفعه وتجعله كأن لم يكن!
أتعجب من شخص يمد عينيه إلى السماوات، ويضرب برجليه على الأرض، ثم يستبعد أن يشفي الله مريضه، أو أن يرفع بلاءه، أو يحقق مراده!
قال تعالى: }لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ غافر:57.
تأمل: }خَلْقِ النَّاسِ{ وليس شفاء الناس الذين خلقهم! ولا رفع بلاء ولا تحقيق رجاء! فبما أنه قد خلق الأكبر والأعظم فكيف تتردد في أن تسأله الأصغر والأهون؟
يقدر سبحانه على كل شيء، ليس هناك ما لا يمكن أن يفعله الله عجزًا!
وأتساءل ما الذي يجعل العبد لا يمتلئ قلبه يقينًا بقدرة من أوجده من عدم، وأغدق عليه بالنعم؟ أبَعدَ أن قدر على إيجاده وإيجاد هاد الكم الهائل من المخلوقات... يكون رفع اليدين إليه بالدعاء على وجه التشكك والتردد، وبطريقة المختبر لا المستيقن!
إن الله عزيز، لا يعطي أولئك الذين لا يثقون بقدرته، وبأنه الله!
يتركهم حتى تشبع منهم الأوجاع أو يشبعوا منها، وفي اللحظة التي يدركون فيها أنه هو الحق المبين، وأنه وحده القادر على أن ينزعهم من مستنقع البلاء... لحظتها يفتح عليهم أبواب عطاياه بماء منهمر! أما وما زال القلب متشبعًا في وديان الظنون والتهيؤات! فهيهات.
مسكين أنت أيها الإنسان إذا ما تحديت قدرة الملك سبحانه، ستغدو هباءة ينفخك طفل مؤمن بالله يلهو وقت الأصيل.
إن القرآن يستكشف أقصى غاية في عقول أولئك المعاندين، فتكون الإجابة وفق ما هو أبعد من تلك الغاية! مما يضمن أن تشرب تلك الأرواح المعاندة جرعة الصغار كاملة!
إنها قدرة الحق المبين، التي تغدو متواضعة جدًا أمنياتنا وأحلامنا، إذا ما قارناها بها، وبما يفعله سبحانه بكلمة *كن* العجيبة!
إن رفع الجبل أمر لا يدور في العقول خيالًا، فضلًا عن أن تتصوره العقول محالًا، فتخرجه قدرة الحي الذي لا يموت من خانة عدم التخيل، ليكون حقيقة يراها بنو إسرائيل بأعينهم، وتهديدًا يرعب قلوبهم!
ومن عجائب قدرته أنه سبحانه لا يمنعه عن أن ينزل العقوبة على العصاة إلا أنه حليم ودود، فإذا ما استنزل العبد الغضب بأن فعل المعصية على وجه المكابرة والمعاندة، فعند ذلك تندفع العقوبة لا يردها راد، والله على كل شيء قدير!
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: *أسرع المعاصي عقوبة ما خلا عن لذة تنسي النهي، فتكون تلك الخطيئة كالمعاندة والمبارزة؛ فإن كانت توجب اعتراضًا على الخالق، أو منازعة له في عظمته: فتلك التي لا تتلافى، خصوصًا إن وقعت من عارف بالله، فإنه يندر إهماله*.
كم أنت هيّن على الله إذا حاولت أن تستغضبه!
· الولي: إنها المعركة الأكثر رهبة في تاريخ الحروب، عندما يكون الله بعظمته وكبريائه وجلاله وجبروته في الجهة المقابلة لك! يحاربك بقدرته التي ليس لها حد، وعلمه الذي يملأ الدنيا والآخرة، وبغضبه الشديد! ستتدمر ولا شك، وستهزم، ستنتهي نهاية مأساوية!
ويعني اسم الولي معنيين: أنه ولي يُعبد ويطاع، ومعنى أنه ولي يدبر ويعين.
والولاية العامة تعم جميع الخلق، فهو المدبر لمعاشهم، والمعين لهم على ضوائق الحياة واحتياجاتها. والولاية الخاصة تخص عباده المؤمنين، فهو وليهم بنصره، وبهدايته، وبفضله وألطافه.
كيف سنعيش نحن الضعفاء في عالم تحاصرنا فيه متطلبات فوق قدرتنا، وواجبات أضخم مما نستطيع أن نعمل، وتحديات تتجاوز استطاعتنا في مواجهتها؟
ولما علم الله ضعفنا وقلة حيلتنا شرع لنا أن نستعين به، بل إن أعظم مراقي العبودية تتمظهر عند أدنى درجات الحاجة إلى عونه!
الله الذي على عرشه استوى، يعلنها حربًا طاحنة، يطحن بها سعادة وهناءة أولئك الذين يتعرضون لأوليائه بالأذى! إنه وليهم، ولا يترك الولي وليه، بل يحوطه بحبه وعنايته، ويصنعه على عينه، ويصطنعه لنفسه!
عندما تدهمك طبقات الظلام والعماية، ولا تستطيع أن تنفذ من سُدف القتامة، ولا تدرك الحق من الباطل ولا الصواب من الخطأ... وتأخد بك الحيرة أخذتها، يضيء لك الولي بنوره تلك الظلمات، فتتبدد، وتعرف الحق من الباطل، وتنتقل من الظلمة إلى النور، دائمًا اسم الولي يظهر في حياتك ويضفي عليها الأمن والسلام والسعادة والاطمئنان.
وينهاك عن أمر، ثم يعينك بأن يجعل تطلبه عسيرًا عليك، ويوصد لك الأبواب المفضية إليه، ويغمرك بكآبة وجيف قلب إذا ما اقتربت منه، ويعينك بأن يتوعدك بالعقوبة إذا ما عملته، ويعينك بأن تشعر بأنك في عناد مع حياة ترضخ بأكملها لعبودية رب عظيم.
فهو الولي الحميد، وهذه الإعانة التي تحيط حياتك هي مظهر من مظاهر الولاية.
ليس هنالك كائن إلا وقد خلق الله فيه ما يضمن له الحماية، ويشكل له الدرع الواقي من الأخطار! إعانة منه وحفظًا.
ومن مظاهر ولايته، يجعل الأم تحنو على صغيرها، ليعينه بذلك الحنان أن يعيش في حياة لن يستطيع أن يعيش فيها يومًا واحدًا معتمدًا على نفسه!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد