التغليب في اللغة العربية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

شاعَ في كتابَة الإعلانات وفي مُخاطَبَة عُموم الناس أو الموظفين أو الطلاب... تخصيصُ المُذَكَّرينَ بصيغَة التّذكيرِ والمُؤنَّثاتِ بصيغَة التأنيثِ. والحقيقةُ أنّ الذين يَفعلون ذلك جُهَلاءُ باللغة العربيّةِ وهم يظنّونَ أنهم يَحترمون المرأةَ بتخصيصِ صيغةٍ مستقلَّةٍ لَها، وهذا ضربٌ من العَمايَةِ والجَهالَةِ والتّقليدِ الفاحشِ للكتاباتِ الأجنبيّةِ، بل يَنطوي هذا الأسلوب في الخطاب على خوف الكاتبِ أن يُنعَتَ بالذّكوريّة وظُلمِ المرأةِ.

 والحقيقةُ التي يَنبغي أن يَهتديَ إليْها الجَهَلَةُ الذين يتوهَّمون أنهم على صَوابٍ في ما يَفعَلونَ، أنّ صيغَة جَمع المذكّرِ تدلُّ على الجنسَيْن بالتّغليبِ ولا غَضاضةَ في ذلك ولا خَفضَ من منزلةَ المرأةِ لأنّ تلك عادةٌ لغويّةٌ خالصةٌ لا شِيَةَ فيها من ذُكورةٍ ولا أنوثةٍ، فإذا كُتب الإعلانُ مُخاطبًا الجميعَ فليكنْ بصيغةٍ واحدةٍ: تُعلنُ إدارة المدرسَة أو الجامعَة أو لعُموم الطلاب أو التلاميذ... وهي صيغة عربيّة لا يُستثنى فيها إناثٌ من ذكورٍ. ولا يَعترضُ على ذلك إلاّ جاهلٌ؛ لأن منزلة المرأة ليسَت حَبيسةَ صيغةٍ لغويّةٍ.

فالمقصود واضحٌ جدًا. فالقرآن الكَريمَ ذكرَ المؤمنين وعَنى بهم الجنسَيْن مَعًا ولم يُخصص: }يا أيها الذين آمنوا{، وذكَر الكافرين وعمّت الدلالةُ الجنسين }إن الذين كَفروا{؛ لماذا؟ لأنّ الأصلَ في الخطاب القرآني وهو خطاب لغوي عربي فصيح خالص، أن يدل بالجمع المذكّر على الجنسين بالتغليب.

أما ما تفضلتَ بذكره حضرة الأستاذ محمد الفران، فهو تخصيص يفرضه السياق والعناية والاهتمام في مقام التشريف وهذا باب من أبواب البلاغة، أما الآية التي جئتَ ببعض ألفاظها من سورة الأحزاب:35، }إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{، فالسياقُ فيها سياقُ تَشريف لنساء النبي صلى الله عليه وسلم }يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ{ في نفس السورة، لذلك خصَّهنّ بصيغة للتأنيث تكريما وتشريفا لأنهن أمهات المؤمنين.

أما عمومُ الخطاب في اللغة العربية فهو إطلاق صيغة المذكر في مُخاطبة الجَميع إلاّ إذا منع مانع فوَجَب تخصيص كل جنسه بلَفظه، وعليْه فالأصلُ في العربية التغليب، ولا علاقة للتغليب بالتفضيل الوجودي أو الجنسي كما يفهمه الناسُ اليومَ فيظنون أن العربيةَ تنقص من النساء.

لأن الذين يَعترضون فمصدر اعتراضهم أسلوب الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية، التي تخصص، وخطاب العُموم في العربية لا تخصيصَ فيه، فإذا قلنا: إن الطلاب الحاصلين على نقطة كذا فما فَوق، مَدعوون لاجتياز امتحان الاستدراك... فلا يُفهم منها أن الطالبات غَير معنيات، بالعكس إنهن مَشمولات بالخطاب، وهذه من عادات العربية وأساليبها ولا اعتراضَ عليْها إلاّ إذا بدَّلْنا اللغة فإننا نلتزم بعادات اللغة الأخرى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply