نبينا محمد القدوة في الأدب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو القدوة في الأدب لكل مسلم.فأقول وبالله تعالى التوفيق.

قال اللهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نبينا r: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4).

قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ (رَحِمَهُ اللهً): أيْ: إِنَّكَ لَعَلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ. (تفسير ابن كثير ج4 ص 188).

* قال سُبْحَانَهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128).

* قَوْلُهُ: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}: يَشُقُّ عَلَيْهِ الأمْر الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْكُمْ. (تفسير السعدي ص 356).

* قَوْلُهُ:{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}: حَرِيصٌ عَلَى هِدَايَتِكُمْ وَوُصُولِ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ إِلَيْكُمْ. (تفسير ابن كثير ج4 ص 241).

* قَوْلُهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}: شديد الرأفة والرحمة بِالْمُؤْمِنِينَ، أرحم بهم من والديهم. (تفسير السعدي ص 356).

* قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ(رَحِمَهُ اللهً): لَمْ يَجْمَعِ اللَّهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (تفسير القرطبي ج 8 ص 302).

(1) روى مسلمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: "قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الْقُرْآنَ".(مسلم حديث:747)

* قَوْلُهَا: "فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ كَانَ الْقُرْآنَ"أَيْ: كَانَ خُلُقُهُ جَمِيعَ مَا فُصِّلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَحَلِّيًا بِهِ.(مرقاة المفاتيح علي الهروي ج3 ص941).

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ". (البخاري حديث: 6102 / مسلم حديث: 2320).

* قَوْلُهُ: "أَشَدَّ حَيَاءً"

قال الإمَامُ النووي (رَحِمَهُ اللهً): قَالَ العلماءُ: حَقِيقَةُ الحَيَاءِ: خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ.(رياض الصالحين للنووي ص176).

* قَوْلُهُ: "الْعَذْرَاء": هِيَ الفتاةُ الْبِكْرُ، التي لم تتزَّوجْ، لِأَنَّ عُذْرَتَهَا بَاقِيَةٌ، وَهِيَ جِلْدَةُ البَكَارَة.

* قَوْلُهُ: "فِي خِدْرِهَا": الخِدْرُ: سِتْرُ يكون للفتاة الْبِكْرِ في الْبَيْتِ.

* قَوْلُهُ: "عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ": لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ لِحَيَائِهِ، بَلْ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَنَفْهَمُ نَحْنُ كَرَاهَتَهُ. وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْحَيَاءِ وَهُوَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ.(صحيح مسلم بشرح النووي ج15 ص 78).

(2) روى الشيخانِ عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ". (البخاري حديث: 24 / مسلم حديث: 36).

* قَوْلُهُ: "الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ" معناه: الحياء مِن أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء يمنع مِنَ الفواحش، ويَحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه مِن الفجور، ويقيده عن المعاصي ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له في ذلك. (شرح صحيح البخاري لابن بطال ج9 ص 298).

(3) روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ". (حديث صحيح)(السلسلة الصحيحة للألباني ج1 ص112 حديث: 45).

هناك مكارم أخلاق جاء بها الأنبياء السابقون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِم وَسَلَّمَ، ونبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء لكي يتمم ما جاء به من قبله مِنَ الأنبياء.

تعريف الأخلاق:

قَالَ الإمَامُ الْقُرْطُبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): الْأَخْلَاقُ: جمع خُلُق، وهِيَ أَوْصَافُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُعَامَلُ بِهَا غَيْرُهُ، ويخالطه، وهي منقسمة إلى مَحْمُودَةٍ وَمَذْمُومَةٍ. فَالْمَحْمُودَةُ منها: صفات الأنبياء، والأولياء، والفضلاء، كالصبر عند المكاره، والحِلْم عند الجفاء، وتحمل الأذى، والإحسان للنَّاس، والتودُّد لهم، والمسارعة في حوائجهم، والرحمة، والشفقة، واللطف في المجادلة، والتثبت في الأمور، ومجانبة المفاسد والشرور. وعلى الجملة: فاعتدالها أَنْ تَكُونَ مَعَ غَيْرِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَتُنْصِفُ مِنْهَا، وَلَا تُنْصِفُ لَهَا، فتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وَالْمَذْمُومُ مِنْهَا: نقيض ذَلِكَ كله. (المفهِم لما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم للقرطبي ج6 ص 116).

(4) روى مسلمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقَولُ في دُعَائِهِ: "اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ". (مسلم حديث: 771)

* قَوْلُهُ: "وَاهْدِنِي": دُلَّنِي وَوَفِّقْنِي وَثَبِّتْنِي وَأَوْصِلْنِي.

* قَوْلُهُ: "لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ": فِي عِبَادَتِكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

* قَوْلُهُ: "لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ": فَإِنَّكَ أَنْتَ الْهَادِي الْمُطْلَقُ وَعَجْزُ الْخَلْقِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ.

* قَوْلُهُ: "وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا": أَبْعِدْنِي وَاحْفَظْنِي مِنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ.

* قَوْلُهُ: "لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ": إِنَّ غَيْرَكَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ. (مرقاة المفاتيح علي الهروي ج2 ص673).

أدب نبينا مع أعدائه:

روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ، أَوِ الفُحْشَ. قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ".

 (البخاري حديث: 6401 /مسلم حديث:2165).

* قَوْلُهَا: "السَّامُ عَلَيْكَ": أَي: الْمَوْتُ الْعَاجِلُ عَلَيْكَ. (تحفة الأحوذي المباركفورى ج5 ص 189).

* قَوْلُهُ: "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ" هَذَا مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَمَالِ حِلْمِهِ، وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ وَالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَمُلَاطَفَةِ النَّاسِ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَى الْمُخَاشَنَةِ. (صحيح مسلم بشرح النووي ج14 ص145).

خِتَامًَا: أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَيَجْعَلهُ سُبْحَانَهُ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِي يَوْمَ القِيَامَة.

كما أسألهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعَ بهذا العمل طلاب العِلْمِ الكِرَامِ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply