بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله بعد:
فهذه مقالة قديمة لي أحببت إعادة نشرها لتعم الفائدة.. وكانت عبارة عن سؤال تقدم بها أحد الإخوة من أمريكا يستفسر فيها عن آية الحجاب وما يتعلق بها من أحكام.. فكان الجواب كالتالي والله الموفق..
الراجح و الله أعلم أن نزول آيات الحجاب في سورة الأحزاب{يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لِأَزوَاجِكَ.. الآية} [الأحزاب/59] كان قبل نزول آيات سورة النور{وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ.. الآية} [النور/31]، حيث ابتدأ تشريعه بسورة الأحزاب، وانتهى بسورة النور، ولا خلاف في أن سورة الأحزاب نزلت عند غزوة الأحزاب، فإن كانت غزوة الأحزاب قبل غزوة بني المصطلق، فمعناه أن أحكام الحجاب في الإسلام بدأت بالتعليمات التي وردت في سورة الأحزاب وتممت بالأحكام التي وردت في سورة النور.
إشكال والجواب عنه..
يقول ابن سعد إن غزوة بني المصطلق وقعت في شعبان في سنة خمس، ووقعت بعدها غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق في ذي القعدة من السنة نفسها. الطبقات (2/63- 65).
و أكبر شهادة تؤيد ابن سعد في هذا البيان أن الطرق المروية عن عائشة بشأن قصة الإفك قد جاء في بعضها ذكر المجادلة بين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ.
ويقول ابن إسحاق في الجانب الآخر: إن غزوة الأحزاب وقعت في شوال من سنة خمس، و غزوة بني المصطلق في شعبان من سنة ست. سيرة ابن هشام (3/ 165).
ويؤيد ابن إسحاق في هذا البيان ما ورد عن عائشة وغيرها من الروايات المعتمد بها وهي أكثر قوة وكثرة، وتدل هذه الروايات على أن أحكام الحجاب كانت قد نزلت قبل قصة الإفك، أي في سورة الأحزاب، وتوضح الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد تزوج بزينب بنت جحش -رضي الله عنها- قبل ذلك في ذي القعدة من سنة خمس، وجاء ذكره في سورة الأحزاب، كما تفيد هذه الروايات أن حمنة أخت زينب بنت جحش قد شاركت في رمي عائشة -رضي الله عنها-، لأنها ضرة أختها، والظاهر أنه لابد من أن تمضي مدة من الزمن ولو يسيرة على صلة الضرارة بين امرأتين حتى تنشأ في القلوب مثل هذه النزاعات، فهذه الأمور كلها مما يؤيد رواية ابن إسحاق و يقويها.
وما هناك شيء يمنعنا قبول رواية ابن إسحاق إلا مجيء ذكر سعد بن معاذ في زمن الإفك، وكان سعد بن معاذ كما تفيد جميع الروايات المعتمد بها ممن قتل في غزوة بني قريظة التي تلت غزوة الأحزاب، فمن المستحيل أن يكون سعد بن معاذ حياً سنة ست.
إلا أن هذه المشكلة تزول بأن الروايات المروية عن عائشة جاء في بعضها ذكر سعد بن معاذ، وفي بعضها الآخر ذكر أسيد بن حضير مكان سعد، والرواية الأخيرة تتفق تمام الاتفاق مع الحوادث المروية عن عائشة في شأن قصة الإفك، وإلا فلو سلمنا أن تكون غزوة بني المصطلق وقصة الإفك وقعتا قبل غزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة لمجرد أن نجعلهما تتفقان مع حياة سعد بن معاذ في زمن الإفك، لاستحال علينا أن نجد حلاً لمشكلة عظيمة أخرى: وهي أنه من اللازم إذن أن تكون آية الحجاب و نكاح زينب قد وقعتا قبل غزوة بني المصطلق وقصة الإفك، مع أن القرآن والروايات الصحيحة تشهد بأن نكاح زينب والآية التي فيها حكم الحجاب من الحوادث الواقعة بعد غزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة، فبناءً على ذلك قطع ابن حزم في جوامع السيرة (ص 147) و ابن القيم في زاد المعاد (3 /269)، وغيرهما من العلماء المحققين بصحة رواية ابن إسحاق، ورجحوها على رواية ابن سعد، وما ذهب إليه هؤلاء الأعلام من أن نزول آيات الحجاب في سورة الأحزاب كان قبل قصة الإفك وقبل آيات الحجاب في سورة النور، وهو الأظهر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد