الحمد لله وبعد:
أشكر أخي عبد القدوس على ما بينه من ضعف الحديث وليسمح لي في نقل ما سطره في هذا البحث جزاه الله خيرا:
1 - نـــص الـــحـــديـــث:
- من آذى ذميا (وليس فيه معاهدا! ) فأنا خصمه، ومَن كنتُ خصمه خصمتُه يوم القيامة.
قال الأخ عبد القدوس عند تخريجه للحديث:
قال الخطيب في التاريخ (8/ 370) بعد ذكر حديث بإسناد من طريق العباس بن أحمد الواعظ، قال: \" و بإسناده عن الأعمش عن شقيق - قلت هو أبو وائل - عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من آذى ذميا..... الحديث باللفظ السابق، قال الخطيب: هذان الحديثان منكران بهذا الإسناد..... \".
وقال الحافظ في اللسان (3/ 236) في ترجمتة العباس المذكور: قال الخطيب: ليس بثقة. ومن بلاياه... وذكر هذا الحديث.
قال ابن القيم في المنار المنيف (صـ 97 - 98): ومن الأحاديث الباطلة حديث \" من بشرني بخروج نيسان ضمنت له على الله الجنة \" و حديث \" من آذى ذميا فقد آذاني \" أ. هـ.
وأضفت إلى ما ذكره الأخ عبد القدوس - جزاه الله عني خيرا -:
قال المناوي في فيض القدير:
(خط) في ترجمة داود بن علي بن خلف عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن ثقيف.
(عن ابن مسعود) ظاهر صنيع المصنف أن مخرجه الخطيب خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل أعله وقدح فيه وقال: حديث منكر بهذا الإسناد.
وحكم ابن الجوزي بوضعه، وقال: قال أحمد: لا أصل له، وداود الظاهري قال: قال الأزدي: تركوه، وفي الميزان عباس بن أحمد الواعظ عن داود قال الخطيب: غير ثقة ومن بلاياه أتى بخبر من آذى ذمياً أنا خصمه بإسناد مسلم والبخاري قال الخطيب: الحمل فيه على عباس. ا. هـ
قال في اللسان: له راو غير ابن التلاج وابن التلاج متهم بالاختلاق.
وقال العجلوني في \" كشف الخفاء \":
417 - أعطوا السائل ولو جاء على فرس.
رواه مالك في الموطأ مرسلا عن زيد بن أسلم، قال ابن حجر في خطبة اللآلئ المنثورة وهو أحد الأحاديث الخمسة التي قال فيها علي بن المديني:
خمسة أحاديث يروونها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصل لها عنه:
حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده، وحديث لا وجع إلا وجع العين ولا غم إلا غم الدين، وحديث أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال أنا أكرم على الله من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم أنهما كانا يغتابان، وهو أيضا أحد الأحاديث الأربعة التي تدور على الألسنة في الأسواق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس لها أصل على ما نقل ابن صلاح عن الإمام أحمد، وهي حديث من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة، وحديث من آذى ذميا فأنا خصمه، وحديث يوم نحركم يوم صومكم، وحديث للسائل حق وإن جاء على فرس. ا. هـ
وقال أيضا: وقال النجم: من آذى ذميا فأنا خصمه.
قلت: أخرجه الخطيب عن ابن مسعود به، وزاد فيه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة.
وأقول: لكن قال الإمام أحمد لا أصل له إلا أن يحمل على أنه لا أصل له بلفظه المشهور على الألسنة وهو من آذى ذميا كنت خصمه يوم القيامة فتدبر. ا. هـ
2 - أحــــــاديث لها تــعــلــق بالــبــحــث:
قال الإمام البخاري في كتاب الديات. باب إثم من قتل ذميا بغير جرم.
عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍ,و عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَن قَتَلَ نَفسًا مُعَاهَدًا لَم يَرِح رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أَربَعِينَ عَامًا.
وقال الإمام الترمذي في كتاب الديات. باب ما جاء فيمن يقتل نفسا معاهدة:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَلَا مَن قَتَلَ نَفسًا مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَد أَخفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يُرَح رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ سَبعِينَ خَرِيفًا.
قال الإمام الترمذي: حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال أبو داود في كتاب الجهاد. باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته:
عَن أَبِي بَكرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : مَن قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيرِ كُنهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ.
وقال العظيم آبادي في عون المعبود:
(في غير كنهه) : قال في النهاية: كنه الأمر حقيقته وقيل وقته وقدره وقيل غايته يعني من قتله في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله.
(حرم الله عليه الجنة): أي لا يدخلها مع أول من يدخلها من المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
قوله (من قتل نفسا معاهدا)
كذا ترجم بالذمي وأورد الخبر في المعاهد وترجم في الجزية بلفظ \" من قتل معاهدا \" كما هو ظاهر الخبر والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم.
الجمع بين اختلاف الروايات: وقال الحافظ أيضا: قوله (أربعين عاما)
كذا وقع للجميع وخالفهم عمرو بن عبد الغفار عن الحسن بن عمرو عند الإسماعيلي فقال \" سبعين عاما \" ومثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عنه ولفظه \" وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا \" ومثله في رواية صفوان بن سليم المشار إليها، ونحوه لأحمد من طريق هلال بن يساف عن رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - \" سيكون قوم لهم عهد فمن قتل منهم رجلا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما \" وعند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ \" من مسيرة مائة عام \" وفي الطبراني عن أبي بكرة \" خمسمائة عام \" ووقع في الموطأ في حديث آخر \" إن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام \" وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير من حديث أبي هريرة، وفي حديث لجابر ذكره صاحب الفردوس \" إن ريح الجنة يدرك من مسيرة ألف عام \" وهذا اختلاف شديد.
وقد تكلم ابن بطال على ذلك فقال: الأربعون هي الأشد فمن بلغها زاد عمله ويقينه وندمه، فكأنه وجد ريح الجنة التي تبعثه على الطاعة، قال: والسبعون آخر المعترك ويعرض عندها الندم وخشية هجوم الأجل فتزداد الطاعة بتوفيق الله فيجد ريحها من المدة المذكورة، وذكر في الخمسمائة كلاما متكلفا حاصله أنها مدة الفترة التي بين كل نبي ونبي فمن جاء في آخرها وآمن بالنبيين يكون أفضل في غيره فيجد ريح الجنة
وقال الكرماني:
يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودا بل المقصود المبالغة في التكثير، ولهذا خص الأربعين والسبعين لأن الأربعين يشتمل على جميع أنواع العدد لأن فيه الآحاد وآحاده عشرة والمائة عشرات والألف مئات والسبع عدد فوق العدد الكامل وهو ستة إذ أجزاؤه بقدره وهي النصف والثلث والسدس بغير زيادة ولا نقصان، وأما الخمسمائة فهي ما بين السماء والأرض.
قلت: والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة من في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة، والخمسمائة ثم الألف أكثر من ذلك، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال، فمن أدركه من المسافة البعدى أفضل ممن أدركه من المسافة القربى وبين ذلك، وقد أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي فقال: الجمع بين هذه الروايات أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم. ثم رأيت نحوه في كلام ابن العربي فقال: ريح الجنة لا يدرك بطبيعة ولا عادة وإنما يدرك بما يخلق الله من إدراكه فتارة يدركه من شاء الله من مسيرة سبعين وتارة من مسيرة خمسمائة. ونقل ابن بطال أن المهلب احتج بهذا الحديث على أن المسلم إذا قتل الذمي أو المعاهد لا يقتل به للاقتصار في أمره على الوعيد الأخروي دون الدنيوي. ا. هـ
وجاء حديث في سنن أبي داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء. باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات.
حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بنُ دَاوُدَ المَهرِيٌّ أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ, حَدَّثَنِي أَبُو صَخرٍ, المَدِينِيٌّ أَنَّ صَفوَانَ بنَ سُلَيمٍ, أَخبَرَهُ عَن عِدَّةٍ, مِن أَبنَاءِ أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَن آبَائِهِم دِنيَةً عَن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أَلَا مَن ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَو انتَقَصَهُ أَو كَلَّفَهُ فَوقَ طَاقَتِهِ أَو أَخَذَ مِنهُ شَيئًا بِغَيرِ طِيبِ نَفسٍ, فَأَنَا حَجِيجُهُ يَومَ القِيَامَةِ.
وهذا الحديث رأى السخاوي أنه لا بأس به.
قال في المقاصد الحسنة عن الحديث:
1044 - حديث: من آذى ذمياً فأنا خصمه.
أبو داود من حديث ابن وهب عن أبي صخر المدني عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنيَة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة، وسنده لا بأس به، ولا يضره جهالة من لم يسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم، ولذا سكت عليه أبو داود، وهو عند البيهقي في سننه من هذا الوجه، وقال: عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنية، وذكره بلفظ: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة، وأشار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه إلى صدره: ألا ومن قتل معاهداً له ذمة اللَّه وذمة رسوله حرم اللَّه عليه ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً. ا. هـ
وقد أفرد الحافظ السخاوي لهذا الحديث جزءاً فقال:
وله شواهد بينتها في جزء أفردته لهذا الحديث أيضاً، ومنها عن عمر بن سعد رفعه: أنا خصم يوم القيامة لليتيم والمعاهد ومن أخاصمه أخصمه. ا. هـ
والله اعلم .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد