الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
انتشر في بعض بلاد العرب و العجم في القرون المتأخرة عدة ألقاب و مسميات أطلقت على من كان من ذرية الحسن أو الحسين رضي الله تعالى عنهما بصورة أو بأخرى ، و قد تسربت هذه الألقاب إلى كثير من البقاع المعروفة بعروبتها كالعراق و نواحٍ, من الجزيرة العربية فضلاً عن غيرها من البلدان .
و معظم هذه الألفاظ من ترسبات العهد الصفوي و ما بعده من الدول التي حكمت في إيران و العراق و ما حولهما .
و اليوم تحمل بعض الأسر تلك الألقاب ، و يخاطب كثير منها بالسيادة و الشرف استناداً على مجرد تحصيل تلك الألقاب . ما هي تلك الألقاب ؟ و ما مدى دلالتها على الشرف و السيادة ؟؟
تنبيه :
لم أتعرض لأشهر لفظين يدلان على تحصيل الشرف ، و هما لفظي :\" السيد ، و الشريف \" ، و ذلك لأن الكلام حولهما يحتاج إلى إفراد مستقل لكثرة ما يتعلق بهما من مسائل ، و سيأتي الحديث عنهما مفصلاً بحول الله و قوته في موقعنا ، و هذا المقال مخصص للحديث فيما سواهما ، و هو مبحث لم أجد من أفرده بالكتابة أو التصيف ، و الله أعلم .
الإيقاظ الأول : في بيان الألفاظ الشائعة التي تدل على الشرف و السيادة .
من هذه الألفاظ :
1- ( مولاي ) : و هو شائع الاستعمال عند أهل المغرب العربي ، و تسرب منه إلى غيره من البلدان . و هو :\".. لا يطلق عند أهل المغرب إلا على الشريف ، كما أن لفظة السيد لا تطلق إلا على الشريف عند أهل المشرق ، و كل ذلك بحسب الاصطلاح . و قد اختص بها منهم أشراف بلدة تافيلال \" [1] .
2- ( الأمير )[2] : هذا اللفظ يدل على المعهود من اللغة ، فهو يتناول معنى ( الإمارة ) التي لا يخفى معناها . و قد انتشر استعماله في فارس و شمال العراق في القرن العاشر و ما بعده للدلالة على معنى السيادة .
3- ( المير )[3] : المير اختصار من كلمة ( الأمير ) ، و قد ترسبت هذه الكلمة في كثير من الأسر التي تنتسب لأصول عجمية . و كانت كثيرة الاستعمال في فارس و أفغانستان و الهند .
4- ( ميرزا )[4] : ( الميرزا ) : معناها في لغة الأفغان المعاصرة : الكاتب ، ( مثل : الذين يدرسون أصحاب الكتاتيب ) ، و تطلق اليوم في ( باكستان ) ، و نواحٍ, من ( أفغانستان ) على من انتسب إلى نحلة ( القاديانية ) الكافرة ، كما في باكستان ، إذ إنهم يقولون في ( القادياني ) : ( ميرزائي ) .
5- ( آيشان )[5] : تقال لـ\" السيد \" في أفغانستان ، و لا تقال في كل سيد عندهم !
6- ( باتشا ) [6]: تقال في \" السيد \" من منطقة معينة ، و عادة ما يكونون من عوائل ( البشتون ) في أفغانستان ، و منهم طائفة في ولاية ( كونر ) الشهيرة . و من معانيها ( الملك ) ، و ربما أطلقت على غير ( السيد ) .
فائدة : ورد في \" دائرة المعارف الاسلامية \" :\" .. ، و يدعي بعض العشائر ( في أفغانستان ) الانتساب إلى أصل من السادات ( علي بن أبي طالب ) . و هي من عشائر : الشراني ، و الكاكر ، و الكراني ، و الداوائي ، و الترين ، و الميانه ، و البتني . و تدعي كذلك قبائل الكندابور و الأسترانه مثل هذا النسب ، و قد كانت في الأصل من بطون الشرانيين ، و لكنها الآن منفصلة عنها . و تدعي قبائل الـ\" بنكش \" أنها من نسل قريش … ، \" أهـ . ( 2 / 368 ) .
8- ( آغا )[7] : لقب \" الآغا \" في عهد العثمانيين كان يطلق في بغداد ( في العشرينيات من القرن العشرين ) على : المختار ، أو المتميز في القرية ، أو أصحاب الجاه و الثروة ، مثل بيت : عارف آغا ، الملاكين في بغداد ، و بيت حسون آغا في الكرخ ، و بيت محمد آغا القلمجي ، و آغا بابا اليهودي الذي سكن الفلوجة ، و بيت قنبر آغا التجار الصناعيين المعروفين ، و بيت آغا جعفر في بغداد و البصرة و الذين كانوا نواباً في المجلس النيابي \" . انظر : بغداد في العشرينات لعباس بغدادي ( ص 276-277 ) .
9- ( بيبـي ) : و هو يستخدم في النساء بكثرة . و هذا اللفظ أعجمي يشيع استخدامه عند أهل فارس و من تأثر بها كالهند و ما حولها ، و قد تسمت به عدد من المحدثات ، و ورد في حديث في السنن .
الإيقاظ الثاني : ما مدى دلالة تلك الألفاظ على السيادة ؟
من المتقرر أن الأنساب لا تثبت بمجرد الألفاظ أو التواطيء و التشابه في الأسماء ، و إنما تثبت الأنساب بالطرق الشرعية التي دل عليها الشرع ، و مجرد حيازة المرء على لقب أو لفظ لا يكسبه :\" النسب \" شرعاً و فقهاً .
و تلك الألفاظ السالفة هي من ذلك الجنس .
و بالاستقراء نجد أن نشأة الاستخدام لهذه الألفاظ و الألقاب بتلك الصورة لم يكن منتشراً أو متمحضاً لأناس دون آخرين ، فقد يجتمع فيها اناس ينتسبون للشرف والسيادة مع غيرهم ، و لهذا لم يستقر بها عرف ، أو يطرد بها عمل ، كما في مصطلحي \" الشريف \" ، و \" السيد \" على ما فيهما من خلاف و عدم تمحض ، كما هو مشهور عند النسابين و المعاصرين .
و سبب ذلك يعود لأمور :
أولاً : أنَّ هذه الألفاظ - على وجه التلقيب للسادة أو للأشراف - لم يستقر بها عرف ، و لم يجر بها عمل مطرد عندهم . و إنَّ المستقرأ لأحوال بلاد العجم ( إيران ، و أفغانستان ، و الهند و ما حولها ) منذ سقوط الدولة العباسية إلى الآونة الأخيرة ، يدرك أن هذه المجتمعات مجتمعات غير مستقرة - بل هي مضطربة مختلفة - ، لم تهنء بالاستقرار لجيل واحد إلا في القليل النادر ، مصداقاً للأحاديث الواردة في هذا الباب أن الفتن من جهة الشرق .
و إذا كان الحال كذلك ، فلا يمكن للأعراف أو المصطلحات أن تتمحض لأحد دون الآخر . و هذه جملةُ استقرآء تؤخذ من شواهدها التفصيلية ، و لا يمكن التدليل على هذه الجملة بوقائعها الجزئية لكثرة ما يمر من شواهدها في كتب القوم ، و الاستقراء دليل كلي ، و من ارتاب في ذلك ، فالتاريخ حكمٌ ، يُرجع إليه في مثل هذا الأمر .
و مما يستشهد به في هذا الباب ما قاله محمد باقر الخوانساري الرافضي في \" روضات الجنات\" [8]، حيث استشكل نسبة بعض علمائهم إلى الشرف بسبب تحليته بلفظ \" مير \" ، فقال :\" … ، فإن لفظ \" المير \" قد كان في الزمان السالف علامة لمطلق الرئاسة و الإمارة بل في هذه الأزمنة أيضاً في بعض نواحي خراسان كذلك ، بخلاف السيد و الشريف ، فإنهما لم يطلقا من بعد زمن الأئمة على غير معنييهما المعهودين ، فليتأمل \" أهـ .
و قد ورد في \" رجال المماقاني \" : أن العجم يقولون : \" ميرزا \" لمن أمه علوية [9]. و هذا يدل على أن الشرف المتحصل من هذه الألقاب عند القوم إنما هو أثرٌ من آثار مسألة \" الشرف من الأم \" ، و لهذا قيل في \" الشيخ عبدالرحيم \" من أسرة \" آل شهريار \" أنه شريف لأن أمه علوية بنت خادم الروضة الحيدرية [10]. و نُسِبَ : أحمد شريف الأنصاري إلى :\" الحسينية \" بسبب أن أمه حسينية فيما يقولون . قال آغا بزرك الطهراني :\" … ، و ذكر في آخره أن أمه بنت شرف الدين حسن الحسيني ،.. ، فيظهر أن النسبة إلى الحسيني إنما هي من طرف أمه ، و لذا وصفه بـ:\" شريف \" ، و ليس هو من السادة من طرف الأب . \" أهـ [11]. و قيل أيضاً في : محمد شريف بن فلاح الكاظمي النجفي ( مات قبل 1191 ) أنه :\" السيد الشريف \" ، كما في كتاب ( تتميم الأمل ص179 ) . و ردَّ بزرك الطهراني على هذه الدعوى بقوله :\" … ، و ما يرى في\" التتميم \" من توصيفه بالسيد الشريف إنما هو من طرف الأمهات ، أو من باب أنه سيد الشعراء ! مثل السيد إسماعيل الحميري ، … \" أهـ[12] .
بل إن بعض الأسر الغير علوية تتحصل على لقب \" الشريف \" دون نسب لها في الشرف ، و تتحصل عليه بسبب مصاهرة من ينتسب للشرف من الرافضة ، كما في بيت \" الشريف \" الذين صاهروا الخاتون آبادية المنتسبين للأفطس ، و هم بيت صغير لا يعرف منه أحد اليوم في \" النجف \" ، فقد تحصلوا على هذا اللقب ، و أصبحوا يخاطبون به بسبب أن أحد أجدادهم ، وهو \" آغا عبدالرحيم \" كان يطلق عليه \" الشريف الكبير \" ، بسبب أن أمه علوية أفطسية !! و لهذا السبب عقدت لهم ترجمة في \" مشجرة السادة الخاتون آبادية \" التي ألفت سنة 1139 [13] .
ثانياً : و مما يضعف اعتبار هذه الألفاظ دليلاً على السيادة و الشرف ، أنها غدت في مفهومهم العام ألفاظاً تدل على الوجاهة و الرئاسة و الملك و الاحترام ، و نحو ذلك . فهي ألفاظ تبجيل و تعظيم لا غير . و لهذا يطلقها - اليوم- الابن لأبيه و الحفيد لجده ، مع عدم وجود تقدم بالنسبة للسيادة و الشرف ، و إذا أراد المرء منهم - كما في الهند و أفغانستان - تعظيم ابنته الصغيرة ، ناداها بقوله :\" بيبي \" . و إذا نادى الابن أباه - إذا كبر - قال له : آغا ، على وجه التقدير و الاحترام ، فإذا اشتهر به بعد ذلك ، و أعقب أولاداً ، أيكون أولاده من آل البيت بمجرد ذلك التلقيب ؟! .
ثالثاً : بإستقراء كتب تراجم و متأخري الشيعة ، يتبين أن تلك الألفاظ لم تكن تطلق على من كان من ذرية الحسنين بدون إضافة : السيد ، أو :الشريف ، أو : الحسني ، أو : الحسيني ، إليها .
و لهذا لا تكفي هذه الألفاظ للدلالة على ثبوت شرف المتسمي بها ، فلابد من معرفة استقامة عمود النسب [14].
و لو نقل في بعض آحادهم لقب\" الحسني \" أو \" الحسيني \" فيبقى بعد ذلك تصحيح هذه النسبة إلى الحسن و الحسين ! و تصحيح النسبة لا يكون إلا بطرق الإثبات الشرعية ، و هي - في باب النسب - : الفراش ، و الشهادة ، و الاستلحاق ، و القافة على الخلاف المشهور في اعتماد الطريق الأخيرة منها عند العلماء ، و الكلام عن إثبات النسب عندهم عن طريق هذه الطرق الأربعة يطول الحديث فيه ، و ليس هذا محل بحثه أو عرضه .
و لهذا ذهب بعض الباحثين من المتشيعة الرافضة [15]إلى القول بأن :\" أمير \" لا تستخدم للسادة إلا إذا قرن بها كلمة \" سيد \" أو \" شريف \" ، أو \" العلوي \" أو \" الحسني \" أو \" الحسيني \" ، و لهذا شواهد كثيرة في كتب التراجم المتأخرة عندهم .
و كذا القول في كلمة \" مير \" ، فإنها مختصرة من كلمة \" أمير \" و عادة ما تأتي قبل اسم الشخص . مثل : \" السيد مير أبو الفتح … \" ، و \" مير مخدوم الحسيني الجرجاني \" ( مات سنة 976 ) ، و \" السيد مير علي شهاب الحمداني\". و محمد مير زاهد بن محمد أسلم الحسيني الهروي ( مات سنة 1101 ) كان محتسب العسكر بكابل ، و توفي بها [16].
و من هذا نسبة \" الميرغني \" ، فإنها :\" مير غني \" ، أي : أمير غني .
و ذكر بعضهم أن هذه الكلمة - أعني : مير - تستخدم لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة واسعة الانتشار في \" الهند \" .
و على شاكلتهما كلمة \" ميرزا \" ، فإنها مختصرة من \" أمير زاد \" ، و معناها :\" ابن الأمير \" .
و يشابه هذا في الفارسية \" أغا \"[17] ، و\" أغا زاد \" .
و لم يثبت عبر التاريخ استخدام هذه العبارة للسادة و الأشراف على وجه التخصيص و الاصطلاح في أي وقت من الأوقات ، و يستثنى من ذلك بعض الأسماء القليلة المترجم لها ، فإنها حليت بلقب :\" ميرزا \" مع إضافة ما يدل على نسبته لآل البيت ، كـ :\" السيد ميرزا إبراهيم بن محمد الموسوي العاملي \" [18]، من معاصري الحر العاملي المتوفى سنة 1104 ، و \" السيد ميرزا أبو طالب بن أبي القاسم الموسوي الزنجاني ( ت 1329 ) . و \" ميرزا جمال الدين محمد بن غلام رضا الكرماني ، متوفى سنة 1351 \" [19]. و يوجد :\" ميرزا أبو القاسم نجم الدين النراقي ، وهو ليس من السادات \". و الأخيران من مصنفي الشيعة في علم الرجال .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد