بسم الله الرحمن الرحيم
المؤلف: الإمام الحافظ الفقيه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، أبو عبد الله الجعفي - مولاهم - البخاري، صاحب الجامع الصحيح.
مولده: ولد عام 194ه، ببخارى.
ذكر محمد بن أبي حاتم قال: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتاب، فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكُتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، يقول: فلما طعنت في ستة عشر سنة، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء - يعني به أصحاب الرأي- ثم خرجت مع أمي وأخي إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها - يعني أمه - وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب التاريخ - يعني به الكبير.
أخذ العلم عن كثيرين، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وروى عنه خلق من أشهرهم: الإمام مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وأبو عيسى الترمذي صاحب السنن، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام المشهور، قال عنه حاتم بن مالك الوراق: سمعت علماء مكة يقولون: محمد بن إسماعيل إمامنا وفقهينا وفقيه خراسان، وقال الحسين بن حريث: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يُخلق إلا للحديث.
وفاته: توفي سنة 256ه بسمرقند.
موضوع الكتاب:
الرد على أهل التعطيل ومقالاتهم من الجهمية والمعتزلة الذين عطلوا صفات الباري وقالوا: إن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وأن الجنة والنار تفنيان، وأن أفعال العباد غير مخلوقة... وغيرها من المقالات الفاسدة.
أهمية الكتاب:
يذكُر مقالات الجهمية والمعتزلة ويرد عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
فهو من الكتب المسندة التي أقرت عقيدة السلف في إثبات الصفات وأن القرآن كلام الله لفظًا ومعنى وأن الله يُرى في الآخرة وأن الله فوق عرشه استوى وغيرها من العقائد التي نقلها الإمام البخاري عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين بالأسانيد الصحيحة والمقبولة.
منهج المؤلف:
قسم البخاري الكتاب إلى جزأين، الجزء الأول منه في خلق أفعال العباد، والجزء الثاني في الرد على الجهمية وأصحاب التعطيل.
يُورد النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين بأسانيدها تحت عناوين دالة على المعنى المراد من إيراد ذلك النص.
أهم ما جاء في الكتاب:
بدأ المؤلف ب \"باب ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يُبدلوا كلام الله - عز وجل -\".
نقل الإمام البخاري في هذا الباب قول السلف في أن القرآن كلام الله، وأنه غير مخلوق، والقول بأن الله فوق عرشه بائن من خلقه، والقول برؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، والأدلة على بقاء الجنة والنار وأنهما لا تفنيان، وذكر مقالات الجهمية وقولهم إن القرآن مخلوق، ونفيهم لعلو الله - سبحانه وتعالى-، وقولهم إن الله في كل مكان بذاته، وهذا قول الجهمية الأوائل والمتأخرين منهم غلوا وتناقضوا فقالوا إن الله لا داخل ولا خارج العالم ولا منفصل عنه ولا متصل به.
وقولهم بفناء الجنة والنار، واعتقادهم أن الجنة والنار غير مخلوقة الآن، وإذا خلقتا تفنيان، وذكر شيئا من أحوال جهم بن صفوان مؤسس هذه الفرقة الضالة والتي تنسب إليه، وعمن أخذ هذه المقالات، ولمن ورّثهَا ورد السلف على هذه المقالات والتحذير منها، ونقل الإمام البخاري - رحمه الله - عن السلف تكفير الجهمية وتكفير من قال بأقوالهم.
فنقل الإمام البخاري عن سفيان بن عيينة قوله: أدركت مشائخنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله وليس بمخلوق، وعن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري بواسط في يوم الأضحى قال: ارجعوا فضحوا فإن مُضَحٍّ, بالجعد بن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليمًا!! - تعالى - الله علوا كبيرًا عما يقول الجعد بن درهم، ثم نزل فذبحه.
قال أبو عبد الله: قال قتيبة: بلغني أن جهمًا كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم.
وقال الثوري: مَن قال القرآن مخلوق فهو كافر.
وحذر يزيد بن هارون من الجهمية فقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي وقال وكيع: لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق فإنه من شر قولهم وإنما يذهبون إلى التعطيل.
وعن يحيى بن أيوب قال: قال ابن المبارك: كل قوم يعرفون ما يعبدون إلا الجهمية.
وذكر البخاري حديث جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنكم راؤون ربكم فقال يزيد: من كذب بهذا فهو بريء من الله ورسوله.
ثم ذكر الإمام البخاري أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت فيها أن القرآن كلام الله منها حديث جابر رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه بالموقف فقال: \"ألا رجل يحملني إلى قومه...؟ فإن قريش قد منعوني أن أبلغ كلام ربي\".
وقال بعض أهل العلم: إن الجهمية هم المشبهة لأنهم شبهوا ربهم بالصنم، والأصم، والأبكم الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يخلق.
وفي باب \"أفعال العباد\" ذكر الإمام البخاري آثار وأحاديث عن الصحابة والتابعين وأقوال العلماء في أن أفعال العباد مخلوقة وأن للإنسان فعل قائم به يثاب أو يعاقب عليه وأنها غير أفعال الله وليس كما تزعم الجهمية الذين قالوا إن الأفاعيل كلها من الله وأنه ليس للإنسان فعلٌ أصلا وأنه مجبور على أفعاله، أو القدرية النفاة الذين أنكروا علم الله وقالوا: إن الإنسان هو خالق أفعال نفسه.
وذكر حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله يصنع كل صانع وصنعته\" وتلا بعضهم عند ذلك قوله - تعالى - والله خلقكم وما تعملون {الصافات: 96} فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة.
وعن طاووس اليماني قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقولون: كل شيء بقدر، وسمعت عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يقول: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
وعن يحيى بن سعيد قال: مازلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة، قال أبو عبد الله: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعي في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق، قال الله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم.
وفي باب الرد على الجهمية وأصحاب التعطيل قال الإمام البخاري: ولقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بمخلوق وأن العرب لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل، فمن كان له فعل فهو حي ومن لم يكن له فعل فهو ميت، وأن أفعال العباد مخلوقة.
وفي باب قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة بالجهر: أراد الإمام البخاري من هذا الباب إثبات أن قراءة القارئ وتلاوته غير المقروء والمتلو.
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"بينا أنا في الجنة سمعت صوت رجل بالقرآن\" فبين أن الصوت غير القرآن.
فلا يشك عاقل بأن الله هو المعبود وقوله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم هو قرآن، وكذلك جميع القرآن هو قوله، والقول صفة القائل موصوف به فالقرآن قول الله - عز وجل -، والقراءة والكتابة والحفظ للقرآن هو فعل الخلق لقوله: فاقرءوا ما تيسر منه {المزمل: 20}، وقال: إن الذين يتلون كتاب الله {فاطر: 29}.
ثم ختم كتابه بباب قوله - تعالى -: فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين.
يثبت الإمام البخاري أن التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء وأتى بآثار وأحاديث الباب.
(قلت): قبل زمن البخاري لم يتكلم أحد بتفصيل في قول القائل \"لفظي بالقرآن مخلوق\" حتى قال الإمام البخاري بالتفصيل فقال عندما سئل عن قول القائل \"لفظي بالقرآن مخلوق\"، قال: القرآن كلام الله وأفعالنا مخلوقة وامتُحِن في ذلك وحدث بينه وبين الذهلي مناظرة كبيرة وعظيمة في اللفظ، وأصبح قول البخاري في مسألة اللفظ هو القول الصحيح الذي استقر عليه أهل السنة والجماعة.
قال الإمام ابن القيم في النونية:
وتلاوة القرآن في تعريفها *** باللام قد يعني بها شيئان
يعني به المتلو فهو كلامه *** هو غير مخلوق كذي الأكوان
ويراد أفعال العباد كصوتهم *** وأدائهم وكلاهما خلقان
هذا الذي نصت عليه أئمة الإس *** لام أهل العلم والعرفان
وهو الذي قصد البخاري الرضى *** لكن تقاصر قاصر الأذهان
والحمد لله رب العالمين .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد