خواطر حول الإعجاز التربوي في القرآن الكريم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





تلاوة القرآن:

• لله في كتابه نفحات.. ألا فتعرضوا لها.

• تأثير تربوي عجيب لحرف واحد هو اللام يربي المسلم على أداء النصيحة!

• ليكن شعارك عند كل ابتلاء: \"الحمد لله الذي رزقني قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا\".

آيات القرآن الكريم كلها نور تضيء جوانب النفس البشرية، لا سيما من الوجهة التربوية، فكم من نعمٍ, أنعم الله بها علينا قلَّ له بها شكرنا فلم يحرمنا.. وكم من بليةٍ, ابتلانا بها قلَّ له عندنا صبرنا فلم يخذلنا.. وفي السطور التالية لمحات من جوانب الإعجاز التربوي في كتاب الله - عز وجل -.



تأثير حرف اللام:

اللمحة الأولى التي تشعر بها وتستطيع أن تتعامل بعدها مع القرآن الكريم ببعض ما يليق به من الإجلال والانتفاع هي أن الحرف في القرآن له معنى عظيم، بل وله دور خطير في أثره على النفس البشرية، لكن المشكلة في جهاز الاستقبال الذي هو قلبك قبل عقلك. جاء في الأثر: \"العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم\".



فمثلاً لو عندك جهاز تلفاز وبه (إريال) داخلي كان استقباله على قدر إمكاناته وقدراته، فلما زاد هذا الداخلي قوةً بتركيب (إريال) خارجي زادت حساسيته لاستقبال الإرسال المحيط به في الهواء، فلما زاد ذلك بقدرة أكبر من خلال ما عرفناه بـ\"الدش\" الطبق الهوائي المستقبل وجدنا جهازنا يلتقط ما هو موجود من زمن طويل في السماء، والفضاء من إرسال لا يعني عدم مشاهدتنا له لقصور فينا.



هكذا كلما عشت مع القرآن بوجدانك كنت على موجة استقبال تستطيع أن تتعرض بفضل الله لها لأن لله - تعالى - \"في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها\".. وله كذلك في قرآنه نفحات فلنتعرض لها. قال - تعالى -: \"وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مٌّدَّكِرٍ,\" (القمر: 17).



مثال آخر:

هل تصورت أن حرفًا واحدًا في كتاب الله يربي المسلم على أداء النصيحة؟

لقد طالعت كل آيات القرآن فما وجدت مرة ذُكرت فيها النصيحة من غير هذا اللام \"أَنصَحُ لَكُم? ولم تأت: \"نصحكم\".. فارق تربوي كبير بين وجود اللام وغيابها، فالنصيحة هنا تكون لحساب المنصوح.. وفي \"أنصحكم\" تكون لحساب الناصح لما تضمنه من شبهة الاستعلاء والإطلاع على عيب يوجب النصح، أما أنصح لكم، أو أنا لكم ناصح، أو كما ورد في الحديث النبوي الشريف \"فانصح له\" أي كأنك تعمل لحسابه هو ولمصلحته هو، وهذا لبّ النصيحة الأمينة التي تؤتي ثمارها بإذن الله، بل انظر إلى التشكيل فوق الحرف، كذلك.. أَصغ سمعك للآية والأمر الإلهي: \"فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ\" (الأعراف: 204) يعني أنه من الممكن أن تسمع وأنت غير منصتº لذلك لن تستفيد وأنت على هذه الحال من الانشغال.

كذلك أعط انتباهك لقول الله - عز وجل - فيما يحكيه عن امرأة العزيز وهي تتوعد يوسف - عليه السلام - مهددة: \"لَيُسجَنَنَّ وَلَيَكُونًا\" (يوسف: 32) (ليكون) ليست مشددة ?مِّنَ الصَّاغِرِينَ? (يوسف: 32) والزيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى والعكس صحيح، وهذا اعتراف منها وهي صاحبة السلطان والتجبر بضمان سجن يوسف وفي الوقت نفسه عدم ضمان ذله \"وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ\" (يوسف: 32) ولم تقل: (وليكونن من الصاغرين)، فعزة المؤمن في قلبه، وذل المسلم من نفسه، فهو الذي يعطي الذلة من نفسه، وهو الذي إذا اعتصم بالله استعصى على من يعاديه أن يذله، فعقيدته في قلبه كما يقول العالم الجليل الشيخ القرضاوي في نونيته:

ضع في يديّ القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعة *** أو نزع إيماني ونور يقيني

فعقيدتي في قلبي وقلبي في *** يدي ربي، وربي حافظي ومعيني



علاج ناجح لأمراض شتى:

أخي، أعطني قلبك قبل أذنيك لينزل هذا العلاج على قلبك.. تذكر حالات السعادة التي مرت عليك قبل أن تشقى.. تذكر حالة الحرية التي كنت فيها قبل أن تحبس.. تذكر حالة الفرج وأنت في ضيق، بل تذكر حالة الضعف وأنت في قوة، وحالات زوال الملك والسلطان وأنت في القمة، وحالات الفقر وأنت في غنى، بل انظر حولك في تدبر تجد حالات تخالف حالاتك، أصحابها في رضا وقناعة أو في صبر وضراعة كما قال الرجل المبتلى بفقد بصره وقدميه ويديه وهو يقول: \"الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه\"، فقال له المسيح - عليه السلام -: \"ما الذي عندك وعافاك الله به؟، قال الرجل: إن الله رزقني قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا\".

إليك- أخي- قول ربك - عز وجل -.. اسمع صوت الوحي الندي من جبريل - عليه السلام - حاملاً هذه الآية لينطق بها الصادق المصدوق: \"وَذَكِّرهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ, لِّكُلِّ صَبَّارٍ, شَكُورٍ,\" (إبراهيم: 5).. صبار كثير الصبر بمزيد أكثر من الشكر لأن مقابلها شكور وأختها صبور.



يقول - صلى الله عليه وسلم -: \"من نظر في دينه إلى من هو أعلى منه، وفي دنياه إلى من هو أدنى منه كتبه الله صابرًا شاكرًا، ومن نظر في دينه إلى من هو أدنى منه، وفي دنياه إلى من هو أعلى منه لم يكتبه الله لا صابرًا ولا شاكرًا\".



ودعاء الحبيب الذي به القلب يطيب وتذوب النفس خشوعًا وفقرًا وذلاُ لخالقها: \"اللهم اجعلني لك صبارًا لك شكارًا لك ذكارًا واجعلني إليك أواهًا منيبًا\". وقال في رحلة الشرح: \"أَلَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ\" (الشرح: 1) بلى يا رب \"وَوَضَعنَا عَنكَ وِزرَكَ\" (الشرح: 2) نعم يا رب \"الَّذِي أَنقَضَ ظَهرَكَ\" (الشرح: 3) نعم يا رب \"وَرَفَعنَا لَكَ ذِكرَكَ\" (الشرح: 4) نعم يا رب \"فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا\" (الشرح: 5) ما مناسبتها هنا؟ أليست تُقال في ضيق بعد فرج ويسر بعد يسر.. إذ لا يبشر ربنا بيسر واحد بعدها.. بل بيسرين سيهزمان بقدرة الله هذا العسر الذي أنت فيه.

فيا كل من نقص رصيده من النعم والعافية ومن الستر.. إلى أي درجة كانت تعترف بما أبقاه لك المنعم المتفضل في دعائه المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"اللهم إني أصبحت (أمسيت) منك في نعمة وعافية وستر، فأتمَّ عليّ عافيتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة\".. بل هذا يتضمن أنك لديك دائمًا بعض النعمة والعافية والستر مهما سلب منك.. امتحانًا واختبارًا أو تطهيرًا وغفرانًا، وأنك تحتاج لمزيد فضل الله إلى أن تدخل الجنة، وهنا فقط تتم النعمة والعافية والستر في الآخرة.



فليكن هذا منهاج حياة لك.. أن تحمد الله - عز وجل - على الموجود، ثم بعد ذلك تطلب المفقود.. فماذا أفعل يا رب وقد مسني الشيطان بنصب وعذاب؟



الأمر بسيط وسهل ويسير على من يسره الله - تعالى - عليه: انتقل من هذه الحالة النفسية، اقتحم العقبة، احذر الفراغ القاتل، احذر أن تتبع الشيطان بخطواته الخبيثة الناعمة وأمانيه الكاذبة فيتنصل منك يقول: \"وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُم مِّن سُلطَانٍ, إِلاَّ أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لِي\" (إبراهيم: 22) فلتتنصل منه أنت الآن وقلها قبل أن يقولها واهزمه قبل أن يهزمك.. كيف السبيل إلى ذلك؟



\"فَإِذَا فَرَغتَ فَانصَب\" (الشرح: 7).. اشغل نفسك بالخير دائمًا وجدد النية: \"وَإِلَى رَبِّكَ فَارغَب\" (الشرح: 8)، \"قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذرهم\" (الأنعام: 91) \"وَذَرنِي وَالمُكَذِّبِينَ\" (المزمل: 11)، \"ذَرنِي وَمَن خَلَقتُ وَحِيدًا\" (المدثر: 11) اتركهم لعقاب الله واشغل نفسك بمعية ربك ومراد ربك منك، ولا تشغل نفسك بما ضمن لك عما طلب منك، وقل هذه الكلمات الدرر الغالية في مناجاة ربك حيث لا يسمعك إلا هو.. \" فكم من نعمة يا رب- أنعمت بها عليّ قلّ لك بها شكري، وكم من بليةٍ, ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري، فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قلّ عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يعاقبني، أسألك أن تصلي على محمد - صلى الله عليه وسلم -\".



ختام الآيات هو آخر أثر تتركه الآية في النفس، وغالبية الآيات إذا ختمت بصفة من صفات الله أو أسماء الله - عز وجل - الحسنى، ختمت باثنين لكل منهما أثره وكماله وجلاله كما في سورة يوسف \"الوَاحِدُ القَهَّارُ\" هما الاسمان الجليلان المناسبان للموقف، ولانتفاع صاحبي السجن وحالتيهما وفي موقف الأحداث \"اللَّطِيفُ الخَبِيرُ\" وقِس على هذا الكثير.



والغريب إظهار جهل الكافرين لأنهم يكفرون بالرحمن، ولا يكفرون بالمنتقم أو الجبار أو القهار. قال - تعالى -: \"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجُدُوا لِلرَّحمَنِ قَالُو وَمَا الرَّحمَنُ أَنَسجُدُ لِمَا تَأمُرُنَا وَزَادَهُم نُفُورًا\" (الفرقان: 60)، وقال: \"وَهُم يَكفُرُونَ بِالرَّحمَنِ\" (الرعد: 30)!



إن الآية: \"فَكَيفَ إِذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ, بِشَهِيد وَجِئنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا\" (النساء: 41) أبكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º لأنه عاش المشهد الواقعي، والآية: \"أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبٌّكَ بِأَصحَابِ الفِيلِ\" (الفيل: 1) وهو لم يحضر ولم ير لكنه سمع فقط، لكنه إيحاء لقارئ آيات الله أن ينظر بعيون القرآن إن صحَّ التعبير.



أخي المسلم:

ابحث عن نفسك في القرآن.. أين أنت؟ وضمن من ذُكرت؟ فقد قال - تعالى -: \"وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ\" (الزمر: 33)، ابحث عن موقف من المواقف المحمودة التي ذكرها القرآن وحاول أن تقلدها فإن التشبه بالصالحين فلاح.

إذا سمعت\"وَاللهُ يُحِبٌّ\" فاجعل هذه الصفة تتحقق فيك لتكون ممن يحبهم الله.. وإذا سمعت \"وَاللهُ لا يُحِبٌّ\" احذر أن تكون فيك رائحة منها كما قال العادل عمر لحذيفة \"أناشدك الله يا حذيفة.. اشممني.. أتجد فيّ رائحة المنافقين\"!



فضل الفاتحة:

أناشدك الله- أخي المسلم- أن تتدبر ما أمرك رسول الله بتكراره في اليوم والليله 17، مرة فكم فيها من أسرارٍ, تضمنها اسمها.. أم الكتاب وفاتحة الكتاب.. والفاتحة لكل خير ولكل المغاليق، وسمَّاها ربنا - عز وجل - في الحديث القدسي.



الصلاة وآثارها التربوية على النفس البشرية تدريب على التخاطب المباشر مع الله - عز وجل -، وهي قمة الخلوة مع الله أن تكلمه - سبحانه - بجلاله وكماله ويكلمك إذا قال العبد- قال الله- فاسمع قول أبي بكر وعمر \"إنا لنسمع رد ربنا علينا في الفاتحة\".



تدرب أخي على مكالمة ومحادثة ومخاطبة لا تعدلها الدنيا كلها، وتأدب مع ربك وانتظر سماع رده عليك.. وجاهد نفسك حتى كأنك تسمع مباهاة ربك بك في الملأ الأعلى \"حمدني عبدي- أثنى عليّ عبدي- مجدني عبدي- هذا بيني وبين عبدي- هذا لعبدي ولعبدي ما سأل\" وأستأذنك أخي في طواف مع عناوين الدروس القرآنية التربوية.



فمثلاً سورة البقرة ودرسها التربوي هو الدرس الأول للمسلم عن تلقيه لأوامر الله.. وأن تحذر أن تتحايل علي أوامر الله، فإن فعلت شدد الله عليك واتعبت نفسك وبدنك وزادت التكلفة، ونفذت أمر الله برغم أنفك ولا حسنة لك بل الإثم.. قال - تعالى -: \"وَلَو أَنَّا كَتَبنَا عَلَيهِم أَنِ اقتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا* وَإِذًا لأتَينَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا*وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مٌّستَقِيمًا\" (النساء: 66إلى68).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply