بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب: يهود مصر.. من الازدهار إلى الشتات.
المؤلف: محمد أبو الغار.
دار الهلال - مصر.
قليلة هي الكتب والمراجع التي تحدثت بالتفصيل عن حال اليهود العرب وخاصة اليهود في مصر، لكن هذا الكتاب يروي بأسلوب أقرب إلى الحكاية قصة اليهود المصريين في القرن العشرين، ويشرح أصولهم ومذاهبهم المختلفة، ونشاطهم الاقتصادي بجوانبه المختلفة، ونشاطهم السياسي الذي تركز في الانتماء إلى التيارات الشيوعية أو الصهيونية.
ولم يغفل الكتاب الذي يقع في 246 صفحة من القطع المتوسط دور يهود مصر الثقافي، وعلاقتهم بالفن والصحافة الصاعدة آنذاك في مصر، على أنه يلقي الضوء أيضاً على علاقة يهود مصر بالحركة الصهيونية منذ نشأتها، وكذلك علاقة بقية الشعب المصري مسلميه ومسيحييه بيهود مصر، والتطور المثير في تلك العلاقة من الشراكة في المواطنة إلى العداء.
وإمعاناً في إظهار مكونات يهود مصر يصور الكتاب الحياة الاجتماعية لهذه الأقلية المتغلغلة في النسيج الاجتماعي عبر المدارس والمستشفيات، والمعابد والمتاجر الكبرى، ووظائف الدولة المرموقة، معرجاً على التطور الهائل الذي حدث في الشخصية اليهودية المصرية، وكيف أدى التطور في القضية الفلسطينية إلى إحداث شرخ في علاقة يهود مصر بباقي المصريين.
يحكي الكتاب ما حدث لليهود في مصر خلال عهد ازدهارهم، ويشرح أسباب هجرتهم ووجهتهم، لكنه في كل مفاصله تقريباً يشدد على لعب اليهود المصريين دوراً غاية في الانسلاخ من الأمة المصرية بمجرد تشكل بداية دولة لليهود في فلسطين، كما نراه يركز على حقيقة أن يهود مصر كانوا وجهاء ومثقفين وأغنياء خلافاً للشعب المصري الفقير آنذاك، الأمر الذي فاقم من عزلتهم في كانتونات وأحياء خاصة كما هو حالهم دائماً.
وفي التفاصيل يحاول الكتاب استعراض حال اليهود المصريين من مذاهب وأصول عرقية، ليقول لنا إنهم مختلفون ومتفرقون ما بين سكان حارة اليهود في القاهرة، ويهود الإسكندرية، وما بين السفارديم والاشكناز، وطائفتي اليهود القرائين، واليهود الربانيين اللتين اختصت بهما مصر دون غيرها من الدول العربية باعتبارهما أكثر الطوائف اليهودية قرباً من المصريين، لغة وواقعاً اجتماعياً.
لكنه يخلص في النهاية إلى أن ثمة صراعات داخلية بين طوائف يهود مصر.
وبكثير من التفصيل أيضاً يجيب الكاتب عن سؤال الجنسية المصرية واليهود في مصر باعتبارهم مصريين أولاً وأخيراً، ولا ينسى الكاتب أن يضمن كتابه تلك المرحلة التاريخية التي جمعت وجودهم على أرض مصر وصعود \"مصر الفتاة\" و\"الإخوان المسلمين\"، وكنوع من التاريخ يقسم الكاتب تاريخ يهود مصر إلى فترتين: الأولى قبل الخمسينيات، والثانية من عام 1957 إلى نهاية الستينيات، حيث انتهى الوجود اليهودي في مصر تماماً.
ويتضمن الكتاب سرداً لأسماء أهم الشخصيات اليهودية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ مصر من أبي حصيرة، و\"موسي قطاوي\" باشا، و\"يعقوب صنوع\"، و\"فكتور نحمياس\" كرموز اقتصادية وسياسية، مروراً برموز الفن كـ\"ليلى مراد\"، و\"توجو مزراحي\"، وانتهاء بعشرات العائلات المصرية اليهودية الشهيرة مثل: \"شملا\"، و\"حاييم\"، و\"نجار\"، و\"سموحة\" وغيرها.
وحول مشاركة اليهود في الحياة السياسية في مصر يقول الكاتب: إن يهود مصر لعبوا أدواراً معلنة وأخرى مستترة في السياسة المصرية منذ القرن التاسع عشر، ومن ضمن الأدوار المعلنة تأييد ثورة عرابي، ومن ثم ثورة سعد زغلول، والمثير أن اليهود كانوا على علاقة بالحكم في مصر منذ عهد محمد علي حتى الملك فاروق، وحتى بعد ذلك بكثير.
أما الصحافة اليهودية فقد كان لها صولات وجولات في مصر، حيث أنشأ اليهود خلال ستة عقود أكثر من 50 صحيفة بلغات متعددة خاصة الفرنسية منها، حيث كانت لغة التخاطب والدراسة لأغنياء يهود مصر، ومن هذه الصحف صحيفة \" إسرائيل\" التي صدرت عام 1920 بثلاث لغات: العربية والعبرية والفرنسية لصاحبها اليهودي المصري ألبرت موصيري.
والأكثر غرابة من إنشاء صحف يهودية في مصر في وقت مبكر هو تعاطف صحف مصرية غير يهودية مع \"الصهيونية\" ومع اليهود آنذاك، لكن الجزء الأهم من الكتاب القيم باعتقادي هو ذلك الذي يتحدث عن يهود مصر، ودورهم ومواقفهم داخل الكيان المصطنع والدولة العبرية وصولاً إلى حقيقة تاريخية تقول: إن أكثر اليهود عداءً للعرب هم اليهود العرب!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد