بسم الله الرحمن الرحيم
صاح رجلان بصوت عال: أيها الأجنبي القذر..أيها التركي القذر..وهما ينهالان يوم السبت على جيازيتين سايان وهو نائب في البرلمان المحلي لولاية برلين وينتمي لحزب اليسار. سرعان ما انتشر النبأ في محطات الإذاعة والتلفزيون كما تناقلته وكالات الأنباء العالمية خاصة وأن هذا الاعتداء العنصري يأتي في وقت تشهد فيه ألمانيا مناقشات صاخبة حول خطر النازيين الجدد بعد أن فجر أوفه كارستن هايه الناطق الرسمي الأسبق للحكومة الألمانية وصاحب مبادرة(أكشف عن وجهك) التي ترمي إلى دعوة الألمان لمناهضة الاعتداءات العنصرية، هذا الموضوع الحساس قبل وقت قصير على توافد زوار ألمانيا الذين يعتزمون حضور مباريات كأس العالم لكرة القدم. وأدان كلاوس فوفرايت عمدة برلين الحاكم الاعتداء على النائب التركي الكردي كما فعل ذلك جمع من السياسيين المحليين. فيما تجنب فوفرايت الإشارة بوضوح إلى أن هذا الاعتداء قد يكون له صفة عنصرية على ضوء المناقشات الدائرة حول تحذير المواطنين الأجانب خاصة من بشرتهم داكنة التجول في مناطق ألمانيا الشرقية السابقة خشية تعرضهم لاعتداءات عنصرية من قبل مؤيدي اليمين المتطرف فإن بيترا باو نائبة رئيس البرلمان الألماني(بوندستاج) لم تكتف بإدانة الاعتداء على زميلها في الحزب فحسب بل وجدت هذا الاعتداء العنصري دليلا على صحة التحذير الذي أعلنه الناطق الرسمي السابق للحكومة الألمانية الذي حذر بوضوح من خطر عنف اليمين المتطرف في ألمانيا. وتدور مناقشات منذ أن دعا أوفه كارستن هايه في مقابلة إذاعية في بحر الأسبوع المنصرم الأشخاص الملونين إلى تجنب الاقتراب من مناطق وأحياء في برلين الشرقية ومدن في ألمانيا الشرقية السابقة خشية تعرضهم لاعتداءات عنصرية. من بين المناطق التي صنفها (اتحاد إفريقيا) الذي هدد حكومات الولايات والحكومة الاتحادية بالكشف عن قائمة سوداء تضم أسماء مدن ومناطق وأحياء ينبغي على الأجانب عدم الاقتراب منها، حي برلين ليشتينبيرج في الشطر الشرقي من العاصمة الألمانية الذي وقع فيه الاعتداء على السياسي التركي الكردي شايان. ويشغل سايان منصب المتحدث باسم حزب اليسار لشئون الهجرة ويعيش منذ 30 سنة في ألمانيا.
أدت تصريحات أوفه كارستن هايه لإشعال نار موضوع حساس جدا في ألمانيا. وقد حصل على تأييد من أطراف عديدة بينها الفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية(أمنيستي إنترناشيونال) وأعضاء ألمان في البرلمان الأوروبي منهم تجيم أوزدمير من حزب الخضر وهو من أصل تركي. في نفس الوقت تعرض هاي لانتقادات من سياسيين ينحدرون من ألمانيا الشرقية السابقة الذين منهم من أشار في تصريحاته إلى أن الحقد الأعمى ضد المواطنين الأجانب ليس منتشراً بصورة كبيرة فقط في الشطر الشرقي من البلاد بل واستنادا إلى بيانات مكتب حماية الدستور(البوليس السري الألماني) فإن عدد الاعتداءات العنصرية في ولاية شمال الراين وستفاليا وعاصمتها مدينة(دوسلدورف) وهذه أكبر ولاية ألمانيا عدد سكانها 18 مليون نسمة يقطن فيها أكبر عدد من الأجانب خاصة من العرب، مرتفع أيضا وهي الحجة التي رددها سياسيون من الشطر الشرقي في معرض ردهم على هايه الذي اتهموه بمحاولة صب الزيت على النار. كما قام عدد من المحامين الألمان الشرقيين برفع دعوى عاجلة ضد الناطق الرسمي الأسبق بتهمة التحريض ونشر الكراهية بين فئات الشعب والمواطنين الأجانب.
اتفق المعلقون على أن هايه فجر قضية تشغل فئات واسعة من المواطنين الأجانب الذين يراقبون بأسى منذ عقد التسعينيات كيف يتنامى نفوذ اليمين المتطرف في ألمانيا وتقع اعتداءات عنصرية بعضها يتسبب في زهق الأرواح لمجرد اختلاف لون البشرة، دون أن تصدر عن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات سياسات ناجعة. وأشار هايه في تحذيره إلى ما أثار غضب السياسيين الألمان الشرقيين حين تحدث عن وجود مناطق ليست محررة من الأجانب حسب تعبير النازيين الجدد بل يلحق خطر كبير بالأجانب إذا اقتربوا منها. الجدير بالذكر أن مبادرة(أكشف عن وجهك) واحدة من المبادرات التي أقرتها حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر ويترأسها هايه إلى اليوم، نشأت بعد وقوع موجة من الاعتداءات العنصرية أسفرت عن مقتل مواطنين أجانب بينهم شاب مغربي تعرض لهجوم من قبل مجموعة من النازيين الجدد في مدينة غوبن وتركوه ينزف حتى الموت. وانفجرت اعتداءات عنصرية بعد وقت قصير على استعادة ألمانيا وحدتها في عام 1990 أولها مقتل شاب إفريقي تعرض داخل حافلة في برلين الشرقية لضرب مبرح ثم قذفه النازيون الجدد منها. وتأخذ الجالية الإفريقية في برلين بالذات مخاطر النازيين الجدد على محمل الجد وقررت على ضوء الاعتداء الذي وقع قبل أسبوعين على مهندس ألماني من أصل أثيوبي أن تكشف عن قائمة تتضمن أسماء الأحياء والمناطق الخطرة في الشطر الشرقي وغيرها في الشطر الغربي التي تحذر الجالية الإفريقية الأشخاص الملونين الاقتراب منها. وطالب هايه من السياسيين الألمان التوقف عن المناقشات الأكاديمية وخاصة تحميل الضحايا الذنب كما حصل في قضية المهندس الأثيوبي الأصل في مدينة بوتسدام حيث تلا نبأ الاعتداء عليه تصريحات أدلى بها وزير الداخلية الاتحادي فولفجانج شويبلي ووزير الداخلية في ولاية براندنبورج يورج شونبوم حيث اعتبرت دفاعا عن النازيين الجدد والاستخفاف بخطرهم.
هذا بأي حال نقاش غير مرغوب به قبل وقت قصير على بدء مباريات بطولة العالم لكرة القدم التي سوف تستحوذ على اهتمام العالم وكانت ألمانيا تأمل من خلال هذه الفعالية الرياضية الأكبر من نوعها في العالم تقديم صورة إيجابية عن ألمانيا غير أن الناطق الرسمي الأسبق و(اتحاد إفريقيا) سلطا الأضواء على مشكلة تخص المجتمع الألماني برمته تستر السياسيون عليها طويلا ولم يتصدوا لها كما ينبغي. من الأصوات التي ساندت هايه رئيس مجلس الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا، فولفجانج هوبر، الذي طالب بالتركيز على مناقشة هذه المسألة لهدف وضع حلول ناجعة لها وقال أن هايه على حق بإثارة هذا الموضوع. وقال هوبر أن عنف اليمين المتطرف والاعتداءات العنصرية يثيران القلق.
ونشرت الصحف الشعبية صورة للمهندس الأثيوبي الأصل وهو جالس على مقعد متحرك في حديقة أحد مستشفيات مدينة بوتسدام بعد أن أمضى أكثر من أسبوع فاقد الوعي في غرفة العناية المركزة. وأشار بيان لمبادرة(أكشف عن وجهك) إلى أن النازيين الجدد يحرضون على العنف ضد الأجانب عبر الإنترنت ويقرون بوجود مناطق محررة من الأجانب في الشطر الشرقي وهذه المناطق تحمل منذ أسبوع اسم No Go Areas يجري تحذير المواطنين الأجانب خاصة الملونين من الاقتراب منها. ونقل عن هايه قوله ان 17 شخصا أجنبيا قتلوا في ألمانيا على يد اليمين المتطرف منذ أن استعادت ألمانيا وحدتها بينما عدد الذين أصيبوا بعاهات دائمة وجراح بليغة أكبر من هذا الرقم الأسود بكثير.
في رسالة بعث بها إلى منبر القراء على موقع(شبيغل أونلاين) كتب منتج أفلام ألماني معروف اسمه ألكسندر راكوج عن تجربته الشخصية حين قرر العيش في مدينة بوتسدام عاصمة ولاية براندنبورج التي انتقل إليها في عام 1999 من مدينة هامبورج وقال: حذرني الجميع قبل اكتشافي أنني ارتكبت أكبر خطأ في حياتي. كانت بوتسدام عبارة عن جهنم بالنسبة لنا. في أحد الأيام جاءني ابني البالغ تسع سنوات من العمر والذي تبنيته في فيتنام سائلا إذا بالوسع أن أحضره بنفسي من المدرسة. وفي إحدى المرات جاء والدماء تغطي وجهه وقال انه وقع من الحافلة لكني شكي كان في محله إذا تبين لاحقا أنه تعرض إلى ضرب مبرح بسبب لون بشرته. وقال راكوج ان ثلاثة مهندسي كمبيوتر هنود عملوا في شركته نصف عام وكانوا يقضون أوقات الفراغ داخل شقتهم خشية الخروج إلى الشارع بعد أن تعرضوا لتهديدات. وقد غادر هؤلاء بوتسدام في الغضون. وشكت مواطنة ألمانية على هذا المنبر من أنها قررت الانتقال من مسكنها في ولاية براندنبورج بعد أن تعرض ابنها في المدرسة إلى تهديدات لأن والده ينحدر من إفريقيا.
من جهة أخرى ناشدت نقابة الشرطة الألمانية المحاكم المحلية عدم السماح بتنظيم مسيرات خلال بطولة العالم لكرة القدم خاصة بالقرب من الملاعب التي ستجري على أرضها مباريات البطولة العالمية. وأشار كونراد فرايبيرج رئيس نقابة الشرطة أن الشرطة الألمانية لن تكون قادرة خلال البطولة على تأمين قوى أمن كافية لحفظ أمن المسيرات. وذكرت صحيفة(بيلد أم زونتاغ) الصادرة يوم الأحد أن النازيين الجدد يخططون لمسيرة يرفعون فيها شعارات تؤيد تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي يشكك فيها بالهولوكوست. وذكرت الصحيفة أن النازيين الجدد في الشطر الشرقي يعتزمون القيام بهذه المسيرة خارج ستاد مدينة لايبسيغ بتاريخ 21 يونيو حين تجري على أرضه المباراة المقررة بين إيران وأنجولا كما من المخطط له تنظيم مسيرة بتاريخ العاشر من حزيران في مدينة جيلزن كيرشين.
وكشفت صحيفة(بيلد أم زونتاغ) معلومات حصلت عليها من التقرير السنوي لحماية الدستور قبل صدوره بيوم واحد جاء فيه أن عدد النازيين الجدد الذين هم على استعداد للقيام بأعمال عنف زاد خلال العام الماضي مقابل العام الذي سبقه. وقالت الصحيفة أن عددهم زاد من 3800 في عام 2004 إلى 4100 في عام 2005 والحبل على الجرار.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد