بسم الله الرحمن الرحيم
- الآداب الظاهرة
يبالغ الصوفية في أهمية لزوم المريد الأدب مع شيخ التربية والإرشاد، وقد ذكروا في ذلك آداباً كثيرة منها ما هو موافق للمنهج الصحيح للتزكية ويخرج بالعلاقة بين المريد والشيخ عن دائرة التربية إلى هوة التقديس والطاعة المطلقة المخالفة لأصول الشرع المطهر التي تقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الطاعة المطلقة إنما هي لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم-، وفي هذه الآية أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من المسلمين، وهم الأمراء والعلماء كما قرر ذلك طائفة من العلماء منهم الجصاص، وابن العربي وابن كثير وابن تيمية وابن القيم وابن سعدي.
ومع ذلك فإن طاعة ولاة الأمر ليست مطلقة كطاعة الله ورسوله، بل إنها مقيدة بقيود وضوابط تحقق المقصود منها وتمنع من مجاوزة الحد الشرعي فيها، وقد دل على هذا التقييد أدلة منها:
1- قوله تعالى: -يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم- فالله سبحانه أعاد فعل -أطيعوا- في قوله: -وأطيعوا الرسول- إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته.
2- عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: -على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة-.
3- وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوا وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوا: -لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة-، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: -لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف-.
قال النووي: تجب طاعة ولاة الأمر فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت المعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به - أي في هذا الحديث ونظائره -.
وقال ابن تيمية: إنهم - أي أهل السنة والجماعة - لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة...-.
-
قارن - أخي القارئ - بين هذا الأصل العظيم من أصول منهج أهل السنة والجماعة وبين ما سيأتي ذكره من بعض الآداب التي ذكرها الصوفية لمن أراد سلوك سبيل التصوف، كما قال عبدالقادر عيسى في حقائق عن التصوف ص 120 : -فهذه جملة من الآداب التي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها، فإن الطريق كلها آداب- وقد فرق بين المريد الحقيقي والمريد المجازي!! وبيّن أن هذه الآداب ليست للعامة وإنما هي لطائفة مخصوصة من الناس فقال: -وهذه الآداب كلها إنما تطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول إلى الحضرة الإلهية!!، وأما المريد المجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم والانتظام في سلك عقدهم، وهذا لا يلزم بشروط الصحبة ولا بآدابها، ومثل هذا له أن ينتقل إلى طريق أخرى ولا حرج عليه-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد