صناعة الفتوى وفقه الأقليات (11-21 )


بسم الله الرحمن الرحيم 

لقد أمر الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى ولو كانا غير مسلمين، قال - تعالى -: \"وَقَضَى رَبٌّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا\" [الإسراء 23]. وقال - تعالى -: \"وَصَاحِبهُمَا فِي الدٌّنيَا مَعرُوفًا\" [لقمان 15].

كما أمر الإسلام بصلة الرحم وحث على ذلك.

ويتأكد واجب البرّ والصلة في مناسبات الفرح والسرور وفي مناسبات المصائب والكروب ومن أعظمها الموت الذي يجمع الأقارب عند فقدان أحدهم، والإنسان بفطرته يجد حاجة للتعبير عن عاطفته نحو الميت من أقربائه وممن تربطه به صلة. ولذلك فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله، فقال: \"استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت\" رواه مسلم وأحمد وأهل السنن إلا الترمذي.

ويضاف إلى هذا ما دعا إليه الإسلام من احترام الإنسان، مؤمناَ كان أو كافرا، في حياته وبعد مماته، وقد صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم، قوله عن اليهودي الذي قام لجنازته، ردَّاَ على من أخبره أنه يهودي، فقال- صلى الله عليه وسلم -: \" أليست نفساَ\" فكيف إذا كانت نفس والدٍ, أو والدة أو قريب ذي رَحِم.

وبناء على ما سبق ذكره، فإنه يجوز للمسلم أن يحضر تشييع جنازة والديه أو أحد أقربائه غير المسلمين، ولا حرج في حضوره للمراسم الدينية التي تُقام عادة للأموات في الكنائس والمعابد، على أن لا يشارك قي الصلوات والطقوس وغيرها من الأمور الدينية، وكذلك يجوز له حضور الدّفن، ولتكن نيته في ذلك وفاءً بحق البر والصلة، ومشاركة الأسرة في مصابها، وتقوية الصلة بأقربائه وتجنّب ما يؤدّي إلى الجفوة معهم في حال غيابه عن مثل هذه المناسبات.

القرار 5/6

 

دفن المسلم في مقابر غير المسلمين

هناك أحكام شرعية مقررة تتعلق بشأن المسلم إذا مات، مثل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ومن ذلك دفنه في مقابر المسلمين. ذلك: أن للمسلمين طريقة في الدفن واتخاذ المقابر، من حيث البساطة والتوجيه إلى القبلة، والبعد عن مشابهة المشركين والمترفين وأمثالهم.

و من المعروف: أن أهل كل دين، لهم مقابرهم الخاصة بهم، فاليهود لهم مقابرهم، والنصارى لهم مقابرهم، والوثنيون لهم مقابرهم، فلا عجب أن يكون للمسلمين مقابرهم أيضاً، وعلى المسلمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالتضامن فيما بينهم إلى اتخاذ مقابر خاصة بهم، ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، لما في ذلك من تعزيز لوجودهم وحفظ لشخصيتهم.

فإذا لم يستطيعوا الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون لهم رقعة خاصة في طرف من أطراف مقبرة غير المسلمين، ويدفنون فيها موتاهم.

فإذا لم يتيسر هذا ولا ذاك ومات لهم ميت، فيدفن حيث أمكن ولو في غير مقابر المسلمين، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولن يضير المسلم إذا مات في هذه الحالة، أن يدفن في مقابر غير المسلمين، فإن الذي ينفع المسلم في آخرته هو سعيه وعمله الصالح، وليس موضع دفنه \"وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى\" [النجم: 39].

وكما قال سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس المرء عمله.

هذا، وإن القيام بدفن الميت حيث يموت هو الأصل شرعا ً، وهو أيسر من تكلف بعض المسلمين نقل موتاهم إلى بلاد إسلامية، لما في ذلك من المشقة وتبديد الأموال.

و ليس بعد المقبرة الإسلامية عن أهل الميت مسّوغاً لدفنه في مقبرة غير المسلمين. لأن الأصل في زيارة المقابر إنما شرعت أساساً لمصلحة الزائر، للعبرة والاتعاظ، كما ثبت في الحديث: \" كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترقق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة \". رواه أحمد والحاكم عن أنس.

أما الميت فيستطيع المسلم أن يدعو له ويستغفر له، ويصله الثواب بفضل الله - تعالى - في أي مكان كان الداعي والمستغفر له.

 

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

مما لا شك فيه أن القضية قضية مهمة وحساسة، خاصة للمسلمين المقيمين في بلاد الغرب، وقد ورد إلى المجلس أسئلة كثيرة من الإخوة والأخوات، الذين يعيشون في تلك الديار، ويعايشون أهلها من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار في المنزل، والرفقة في العمل، والزمالة في الدراسة، وقد يشعر المسلم بفضل غير المسلم عليه في ظروف معينة، مثل المشرف الذي يساعد الطالب المسلم بإخلاص، والطبيب الذي يعالج المريض المسلم بإخلاص، وغيرهما. وكما قيل: إن الإنسان أسير الإحسان، وقال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ!

ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم؟

إن القرآن الكريم قد وضع دستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم في آيتين من كتاب الله - تعالى -في سورة الممتحنة وقد نزلت في شأن المشركين الوثنيين، فقال - تعالى -: \"لا يَنهَـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَـاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَـارِكُم أَن تَبَرٌّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ إِنَّمَا يَنهَـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَـاتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُم مِّن دِيَـارِكُم وَظَـاهَرُوا عَلَى إِخرَاجِكُم أَن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولَـائِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ\" [الممتحنة: 8-9].

ففرقت الآيتان بين المسالمين للمسلمين والمحاربين لهم:

فالأولون (المسالمون) شرعت الآية الكريمة برهم والإقساط إليهم، والقسط يعني: العدل، والبر يعني: الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، فالعدل: أن تأخذ حقك، والبر: أن تتنازل عن بعض حقك. العدل أو القسط: أن تعطي الشخص حقه لا تنقص منه. والبر: أن تزيده على حقه فضلا وإحسانا.

وأما الآخرون الذين نهت الآية الأخرى عن موالاتهم، فهم الذين عادوا المسلمين وقاتلوهم، وأخرجوهم من أوطانهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، كما فعلت قريش ومشركو مكة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

وقد اختار القرآن للتعامل مع المسالمين كلمة (البر) حين قال: (أن تبروهم) وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله - تعالى -، وهو (بر الوالدين).

وقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي مشركة، وهي راغبة (أي في صلتها والإهداء إليها) أفأصلها؟ قال: \"صلي أمك\".

هذا وهي مشركة، ومعلوم أن موقف الإسلام من أهل الكتاب أخف من موقفه من المشركين الوثنيين.

حتى إن القرآن أجاز مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال - تعالى -في سورة المائدة: \"اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ حِلُّ لَّكُم وَطَعَامُكُم حِلُّ لَّهُم وَالمُحصَنَـاتُ مِنَ المُؤمِنَـاتِ وَالمُحصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم\" [المائدة: 5].

ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: وجود المودة بين الزوجين، كما قال - تعالى -: \"وَمِن ءايَـاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَـاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ\" [الروم: 21].

وكيف لا يود الرجل زوجته وربة بيته وشريكة عمره، وأم أولاده؟ وقد قال - تعالى -في بيان علاقة الأزواج بعضهم ببعض: \"هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَّهُنَّ\" [البقرة: 187].

ومن لوازم هذا الزواج وثمراته: المصاهرة بين الأسرتين، وهي إحدى الرابطتين الطبيعيتين الأساسيتين بين البشر، كما أشار القرآن بقوله: \"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهرًا وَكَانَ رَبٌّكَ قَدِيرًا\" [الفرقان: 54].

ومن لوازم ذلك: وجود الأمومة وما لها من حقوق مؤكدة على ولدها في الإسلام، فهل من البر والمصاحبة بالمعروف أن تمر مناسبة مثل هذا العيد الكبير عندها ولا يهنئها به؟ وما موقفه من أقاربه من جهة أمه، مثل الجد والجدة، والخال والخالة، وأولاد الأخوال والخالات، وهؤلاء لهم حقوق الأرحام وذوي القربى، وقد قال - تعالى -: \"وَأُولُوا الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ, فِي كِتَابِ اللّهِ\" [الأنفال: 75] وقال - تعالى -: \"إِنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاء ذِي القُربَى\" [النحل: 90].

فإذا كان حق الأمومة والقرابة يفرض على المسلم والمسلمة، صلة الأم والأقارب بما يبين حسن خلق السلم، ورحابة صدره، ووفاءه لأرحامه، فإن الحقوق الأخرى توجب على المسلم أن يظهر بمظهر الإنسان ذي الخلق الحسن، وقد أوصى الرسول الكريم أبا ذر بقوله: \"اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن\" هكذا قال: \"خالق الناس\" ولم يقل: خالق المسلمين بخلق حسن.

كما حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على (الرفق) في التعامل مع غير المسلمين، وحذر من (العنف) والخشونة في ذلك.

ولمّا دخل بعض اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولووا ألسنتهم بالتحية، وقالوا: (السام) عليك يا محمد، ومعنى (السام): الهلاك والموت، وسمعتهم عائشة، فقالت: وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله، فلامها النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فقالت: ألم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال: \"سمعت، وقلت: وعليكم\"، (يعني: الموت يجري عليكم كما يجري علي) يا عائشة: \"الله يحب الرفق في الأمر كله\".

وتتأكد مشروعية تهنئة القوم بهذه المناسبة إذا كانوا كما ذكر السائل- يبادرون بتهنئة المسلم بأعياده الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال - تعالى -: \"وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ, فَحَيٌّوا بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدٌّوهَا\" [النساء: 86].

ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر - حظا، والأكمل خلقا، كما جاء في الحديث \"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا\" وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: \"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق\". !

ويتأكد هذا إذا أردنا أن ندعوهم إلى الإسلام ونقربهم إليه، ونحبب إليهم المسلمين، وهذا واجب علينا فهذا لا يتأتى بالتجافي بيننا وبينهم بل بحسن التواصل.

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن الخلق، كريم العشرة، مع المشركين من قريش، طوال العهد المكي، مع إيذائهم له، وتكالبهم عليه، وعلى أصحابه. حتى إنهم لثقتهم به - عليه الصلاة والسلام - كانوا يودعون عنده ودائعهم التي يخافون عليها، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر إلى المدينة، ترك عليا - رضي الله عنه -، وأمره برد الودائع إلى أصحابها.

فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل (الصليب) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها \"وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُم\" [النساء157].

والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.

ولا مانع من قبول الهدايا منهم، ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، بشرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير.

ولا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم قد شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى بعض المسلمين الغافلين يحتفلون بـ(الكريسماس) كما يحتفلون بعيد الفطر، وعيد الأضحى، وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأسا من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية، التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم.

أما الأعياد الوطنية والاجتماعية، مثل عيد الاستقلال، أو الوحدة، أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك، فليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات.

تعليق:

قلت: قد يكون من المناسب أن نضيف هنا أن تهنئة غير المسلمين مختلف فيها بين العلماء وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات بالمنع والكراهة والجواز وهذه الرواية الأخيرة هي اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما في ذلك من المصلحة وهي التي نختارها فتجوز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم نص على هذه الروايات في هذه الحالات كلها المرداوي في الإنصاف وما يذكر عن ابن تيمية في بعض الكتب الأخرى قد لا يتفق مع اختياراته الموثقة. والله ولي التوفيق.

 

صفات الفقير الذي تصرف له الزكاة

السؤال: ما هي صفات الفقير الذي تصرف له زكاة المال؟

الجواب: الفقير الذي جعله الله - سبحانه وتعالى - من الأصناف التي تصرف لها الزكاة في قوله: \"إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلفُقَرَآءِ\" [التوبة: 60] اختلف في وصفه الفقهاء، والصحيح من أقوالهم: أنه الذي لا يملك مالا يكفيه في مطعمه وملبسه ومسكنه وسائر ما لا بد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته، من غير إسراف ولا تقتير، كمن يحتاج إلى عشرة ماركات ألمانية ولا يجد إلا ثلاثة أو اثنين.

على أننا ننبه إلى أن من كان ظاهر حاله الفقر، فلا مانع أن تعطى له الزكاة. وكذلك من ادعى أنه فقير فيصدق في قوله وتعطى له الزكاة. إلا إذا كان ظاهر حاله يدل على خلاف ذلك.

 

السؤال: يقع للقائمين على بعض المؤسسات الإسلامية، كالمراكز أو المساجد أو الجهات الخيرية، أنهم يدعون المسلمين إلى التبرع لصالح مشروع معين، ثم يفضل من المال شيء بعد تنفيذ المشروع، أو يلغى ذلك المشروع أصلاً، فما الحكم في تلك الأموال؟ هل للقائمين على تلك المؤسسة حق التصرف فيها في مصالح عامة أخرى دون إعلام المتبرعين؟ وإذا لزمهم إعلام المتبرعين، فكيف العمل في حال تعذر ذلك؟

الجواب: يُنظر: فما أمكن تعيين كونه مال زكاة مفروضة، فإن المعطي لزكاة ماله لا يملك حق الاشتراط فيها أن تنفق في وجه مخصوص، وإنما محلها حيث مصارفها المبينة في كتاب الله - تعالى - بقوله: \"إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلفُقَرَآءِ وَالمَسَـاكِينِ وَالعَـامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِى الرِّقَابِ وَالغَـارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ\" [التوبة: 60]، فهذا يجعله القائمون على تلك المؤسسات في مصارفه باجتهادهم فيما يحقق مصلحة مجتمعهم.

وما لم يتعين كونه مال زكاة مفروضة، فالمتبرع قصد به ذلك المشروع المحدد الذي دعي إلى التبرع لأجله، فهو بتبرعه بمنزلة الواقف، والأصل التزام شرط الواقف، فلا يصرف ذلك المال إلا حيث أراد، وعليه: فإن عُرِفَ المتبرع بعينه وأمكن استئذانه فالواجب فعل بذلك، وإن تعذر وأمكن استئذان جماعة المتبرعين، شأن الأموال التي تجمع من المصلين في المساجد مثلاً، فيفعل ذلك، فإن تعذر فعل شيء من ذلك، فلا مانع من صرف المال في مشروع مشابه للمشروع الذي جمع لأجله، والأصل في ذلك كله قوله - تعالى -: \"فاتقوا الله ما استطعتم\" [التغابن: 16].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply