صناعة الفتوى وفقه الأقليات ( 8 )


بسم الله الرحمن الرحيم

رابعاً: قاعدة العرف:

هو ما يتعارف عليه الناس كالمعروف والعارفة وحجية العرف مستفادة من الكتاب والسنّة قال - تعالى -: \"وللمطلقات متاع بالمعروف\" \"ومتّعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره\" وقال - تعالى -: \"من أوسط ما تطعمون أهليكم\" وفي الحديث: \"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف\".

ومن ما يستدل به لحجية العرف السنّة التقريرية كتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس على صنائعهم وتجاراتهم. وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين. متفق عليه.

وقد أقرَّ - صلى الله عليه وسلم - القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية. رواه مسلم.

قال القرافي: وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرّحون بذلك فيها\"شرح تنقيح الفصول ص 488، ويُراجع كتاب(العرف للدكتور عادل عبد القادر قوتة ص 129)

ولهذا اعتبرته المذاهب الفقهية فقد ورد عن الأحناف - رحمهم الله - تعالى -حمل بعضهم قوله - عليه الصلاة والسلام -: \"الطعام بالطعام\". على البُر لأنه كان طعامهم. ذكر ذلك إمام الحرمين في البرهان (1 /446).

وعن مالك أنه خصص قوله - تعالى -: \"والوالدات يرضعن أولادهن\" بالعرف قائلاً: إن المرأة الشريفة لا ترضع بناءً على العرف وهو يوجب الرضاع على غيرها (القرطبي 3/161).

أما الشافعي فالذي رآه أن عرف المخاطبين لا يوجب تخصيص لفظ الشارع. (البرهان 1/446)

ولكن الشافعي قد يأخذ بالعرف في ترتيب الأحكام على كلام الناس.

قال الرافعي: الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل، وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد. وقال ابن عبد السلام: قاعدة الأيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة. (السيوطي في الأشباه والنظائر ص67)

أما الإمام أحمد فإنه يقول في الجائحة: إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ثمرة ولا أدري ما الثلث ولكن إذا كانت جائحة تعرف الثلث أو الربع أو الخمس توضع) وقال ابن قدامة إنه ظاهر المذاهب. (المغني6/179).

ما نُقل يدل على أن العرف قد يكون أساساً لاستنباط الحكم فيخصص العام في دليل الاستحسان، إلاّ أن العرف قد يكون أساساً لتغير الفتوى لهذا فإن العلماء فيما يتعلق بالعرف لم يفرقوا بين مجتهد ولا مقلّد.

قال في مراقي السعود في تعريف الاستحسان:

أَو هو تَخصِيصُ بعُرفٍ, مَا يَعُمّ *** ورعيَ الاستِصلاحِ بعضَهُم يَؤمّ

ومن الواضح أنهم يرون أن المقلد يتصرف طبقاً للعرف فيمكن أن يراجع مذهب إمامه على ضوئه، بل إنه يخالف ظاهر النص بسبب اختلاف العرف الذي كان قائماً عليه على خلاف في هذه المسألة لأنه من باب تحقيق المناط وبهذا الصدد نذكر اختلافهم في تغير العرف بالنسبة لضمان ما أتلفته الماشية كما في حديث ناقة البراء، فإن على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنهار وعلى أهل الماشية حفظ ماشيتهم بالليل، وفي حال تغير العرف بأن كان أهل الحوائط يحفظونها ليلاً وأهل الماشية يحفظونها نهاراً.

قال السيوطي: كما لو جرت عادة قوم بحفظ زرعهم ليلاً ومواشيهم نهاراً فهل ينزل ذلك منزلة العرف العام في العكس وجهان والأصح نعم. (الأشباه والنظائر ص 67) و (العرف د. عادل قوته، ص215).

كذلك نجد أن أبا يوسف يرى جواز معيار العد فيما معياره الوزن عند تغير العادة مع ورود النص.

قال في الدر المختار: وما نصّ الشارع على كونه كيليّاً كبُر وشعير وتمر وملح أو وزنياًّ كذهب وفضة فهو كذلك لا يتغير أبداً..إلى قوله..لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى بالأدنى وما لم ينص عليه حمل على العرف وعن الثاني اعتبار العرف مطلقاً ورجحه الكمال.

قوله: ورجحه الكمال حيث قال عقب ما ذكرناه ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف لأن قصاراه أنه كنصه على ذلك وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناءً على أن تغير العادة يستلزم تغيّر النص حتى لو كان - عليه الصلاة والسلام - حياً نصَّ عليه.

وأطال ابن عابدين حيث أوضح: أن النص معلول بالعرف فيكون هو المعتبر في أي زمان كان. (حاشية ابن عابدين 4/112)

وقال أيضاً في رسالته \" نشر العرف في بناء بعض الأحكام على

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply