بسم الله الرحمن الرحيم
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -:
إذا كان عند رجل بضاعة وطلب منه بعض الناس شراءها بأكثر من سعرها الحاضر إلى أجل معلوم فما الحكم الشرعي في ذلك؟
فأجاب: يجوز ذلك عند أكثر العلماء لقول الله - سبحانه -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ, إِلَى أَجَلٍ, مٌّسَمًّى فَاكتُبُوهُ} الآية، ولم يشترط - سبحانه - أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قدم المدينة وأهلها يسلمون في الثمار السنة والسنتين: ”من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم“ متفق على صحته ولم يشترط - عليه الصلاة والسلام - أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر، وخرج الحاكم والبيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، والأدلة في هذا المعنى كثيرة ولأن أمر التجارة في المداينة لا يستقيم إلا على ذلك لأن التاجر لا يمكنه غالباً أن يبيع السلع إلى أجل بسعر الوقت الحاضر لأن ذلك يكلفه خسائر كثيرة ولأن البائع ينتفع بالربح والمشتري ينتفع بالإمهال والتيسير، إذ ليس كل أحد يستطيع أن يشتري حاجته بالثمن الحال، فلو منعت الزيادة في المداينة لنتج عن ذلك ضرر المجتمع، والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا أعلم في هذه المسألة خلافاً يعول عليه بل المعروف في كلام العلماء هو الجواز والإباحة..وهذا فيما إذا كان الشراء لحاجة الاستعمال والانتفاع، أما إذا كان المشتري اشترى السلعة إلى أجل ليبيعها بنقد بسبب حاجته إلى النقد..في قضاء الدين أو لتعمير مسكن أو للتزويج ونحو ذلك فهذه المعاملة إذا كانت من المشتري بهذا القصد ففي جوازها خلاف بين العلماء. وتسمى عند الفقهاء مسألة التورق ويسميها بعض العامة (الوعدة) والأرجح فيها الجواز وهو الذي نفتي به لعموم الأدلة السابقة ولأن الأصل في المعاملات الجواز والإباحة إلا ما خصه الدليل بالمنع ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك كثيراً لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه.
ولكن إذا أمكن المسلم الاستغناء عنها والاقتصاد في كل ما يحتاج إليه إلى أن يأتي الله بالفرج من عنده فهو أحسن وأحوط.
ومما ينبغي التنبيه عليه أنه ليس للبائع أن يبيع السلع التي ليست في حوزته بل لا تزال في حوزة التجار حتى ينقلها إلى بيته أو إلى السوق ونحو ذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ”كنا نشتري الطعام جزافاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبعث إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم - من يأمرنا ألا نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا“ خرجه البخاري.
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ”نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم“ خرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم. وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله يأتيني الرجل يريد السلعة ليست عندي أفأبيعها عليه ثم أذهب فأشتريها فقال - صلى الله عليه وسلم -: ”لا تبع ما ليس عندك“ خرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح.
كما سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله -:
بعض شركات التقسيط تطلب من العميل اختيار البضاعة أو السيارة التي يريد شراءها، ثم تقوم الشركة بشرائها بعد الاتفاق مع العميل على السعر، وبعد أن تتسلم شركة التقسيط البضاعة أو السيارة، تقوم بتسليمها للعميل الذي سبق وأن تسلمت منه الدفعة الأولى من ثمن هذه البضاعةº فهل يدخل هذا البيع في حكم بيع ما لا يملكه البائع؟ وإن كان كذلكº فهل هو ربا، أم طريقة بيع غير شرعية ولكنها لا تدخل في الربا؟ وهل يختلف الحكم لو كانت شركة التقسيط قد اتفقت من قبل مع صاحب البضاعة الأصلية على أنها مستعدة لشراء أي بضاعة من بضائعه إذا طلبها أحد العملاء بالتقسيط؟ جزاكم الله خيراً، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب: لابد في بيع التقسيط أن تكون السلعة في ملك البائع قبل العقدº فلا يجوز للشركة أن تتفق مع المشتريº إلا أن تكون السلعة في ملكها.
فما ذكر في السؤال من أن الشركة تتفق مع المشتري وتستلم منه القسط الأول، ثم تمضي وتشتري السلعة المتفق عليها وتسلمها لهº هذا عمل غير صحيح، وعقد باطلº لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام: ”لا تبع ما ليس عندك“.
وهذه العملية المذكورة هي من بيع ما لا تملكه الشركةº فهي عملية باطلةº لأنها من بيع المدين بالدين الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولا يقال إن هذا بيع موصوف في الذمة ينضبط بالوصفº لأنه يشترط في صحة ذلك تسليم كل الثمن في مجلس العقد، وهنا الثمن مؤجل، لم يسلم منه إلا بعضهº فهو بيع دين بدينº لأن ما لم يسلم في مجلس العقد من الموصوف في الذمة يعتبر ديناً، ولو كان حالاً.
ولا يختلف الحكم في ذلك إذا كانت الشركة قد اتفقت مع أصحاب البضائع أن تشتري منهم إذا تقدم لها مستدينº فإن هذا الاتفاق لا يجعل البضائع ملكاً للدائن يبيح له بيعها، وإنما هي ملك لأصحابهاº فلابد أن يشتريها منهم بالفعل، ويقبضها قبضاً تاماً، ثم بعد ذلك يبيعها على المستدينين بالتقسيط.
فالذي نوصي به هؤلاء: أن يتقوا الله، وأن يتقيدوا بالضوابط الشرعية، فإذا أرادوا أن يبيعوا على المحتاجين بالتقسيطº فلتكن السلع موجودة لديهم في محلاتهم قبل العقد. والله الموفق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد