أيهما أولى لمن جاء ووجد الإمام في الجلوس الأخير : الدخول معه ؟ أم ينتظر جماعة أخرى ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

لأهل العلم في ذلك قولان:

1. يدخل مع الإمام في أي حال وجده عليها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"ما أدركتم فصلوا\" الحديث.

2. ينتظر ولا يحرم معه إن كان حارياً لجماعة أخرى وإلا دخل معه.

 

وسبب هذا الخلاف اختلافهم فيما يدرك به المصلي فضل الجماعة، فمن قال إن فضل الجماعة يدرك بالدخول مع الإمام قبل السلام وهذا هو الراجح أمره أن يدخل معه، ومن قال إن فضل الجماعة لا يدرك إلا بإدراك ركعة استحب له أن لا يدخل معه وينتظر جماعة أخرى إن كان حارياً لها.

قال الإمام النووي - رحمه الله -: (إذا أدركه في التشهد الأخير كبَّر للإحرام قائماً وقعد وتشهد معه، ولا يكبر للقعود على الصحيح ... وتحصل له فضيلة الجماعة لكن دون فضيلة من أدركها من أولها، هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور من أصحابنا العراقيين والخرسانيين، وجزم الغزالي بأنه لا يكون مدركاً للجماعة إلا إذا أدرك ركوع الركعة الأخيرة، والمشهور الأول، لأنه لا خلاف أن صلاته تنعقد ولو لم تحصل له الجماعة.. فإن قيل: لم يدرك قدراً يحسب له قلنا: هذا غلط، بل تكبيرة الإحرام أدركها معه وهي محسوبة له والله أعلم).

 

وقال البلباني في \"أخصر المختصرات\": (ومن كبَّر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة).

قال الجبرين في شرحه لهذا المختصر: (هذا من المباحث التي يقال فيها: بأي شيء تدرك الجماعة؟ فيه قولان:

القول الأول: أنها تدرك بإدراك تحريمة قبل السلام، فإذا أتيت والإمام في التشهد الأخير وقلت: الله أكبر قبل أن يسلم، أدركت فضل الجماعة، وإن كان فاتتك تكبيرة الإحرام، وفاتتك فضيلة متابعة الإمام، ولكن تعد مدركاً للجماعة، فهذا قول.

 

والقول الثاني: ولعله الأرجح أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، ومن أتى وهم قد صلوا أربع ركعات في الرباعية وما بقي عليهم إلا التشهد في آخر ركعة فإنه قد فاتته الجماعة).

 

الأدلة على أن الأولى الدخول مع الإمام على أي حال:

الأدلة على رجحان القول الأول وهو الدخول مع الإمام على أي حال وعدم انتظار جماعة أخرى ما يأتي:

1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعتدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة\".

 

2. وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة\".

 

3. وعن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا أتى أحدُكم إلى الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام\".

 

قال الشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار معلقاً وشارحاً لتلك الأحاديث: (الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال: صحيح، والحديث الثاني عزاه المصنف إلى الشيخين، وقد طول الحافظ الكلام عليه في \"التلخيص\" فليراجع. والحديث الثالث قال في التلخيص: فيه ضعف وانقطاع.

قوله: \"فاسجدوا\" فيه مشروعية السجود مع الإمام لمن أدركه ساجداً.

 

إلى أن قال: قوله: \"فليصنع كما يصنع الإمام\"، فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود، لظاهر قوله: \"والإمام على حال\" والحديث، وإن كان فيه ضعف كما قال الحافظ لكنه يشهد له ما عند أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ فقال: لا أجده على حال أبداً إلا كنتُ عليها ثم قضيتُ ما سبقنيº قال: فجاء وقد سبقه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى صلاته قام يقضي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"قد سنَّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا\"، وابن أبي ليلى وإن لم يسمع من معاذ فقد رواه أبو داود من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث..

ويشهد له أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعاً: \"من وجدني راكعاً، أو قائماً، أو ساجداً، فليكن معي على حالتي التي أنا عليها\"، وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة، والظاهر أنه يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبراً معتداً بذلك التكبير، وإن لم يعتد بما أدركه من الركعة).

وقال الحافظ العراقي - رحمه الله - في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا\": (استدل به على إدراك الجمعة بجزء من الصلاة وإن قلَّ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال: \"فما أدركتم فصلوا\"، ولم يفصل بين القليل والكثير، وبهذا قال الجمهور من أصحابنا الشافعية - وغيرهم، وقال ابن حزم: وهذا زائد على الخبر الذي فيه من أدرك من الصلاة مع الإمام ركعة فقد أدرك الصلاة، قال: وروينا عن ابن مسعود أنه أدرك قوماً جلوساً في آخر صلاتهم فقال: أدركتهم إن شاء اللهº وعن شقيق بن سلمة: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاةº وعن الحسن قال: إذا أدركهم سجوداً سجد معهم.

 

إلى أن قال: استدل به أي الحديث السابق ابن حزم الظاهري على أنه إذا وجد الإمام جالساً في آخر الصلاة قبل أن يسلم وجب عليه أن يدخل معه سواء طمع بإدراك الصلاة من أولها في مسجد آخر أم لا، فحمل الأمر في قوله \"فما أدركتم فصلوا\" على الوجوب على عادته، ثم ذكر آثاراً عن السلف بالأمر بصلاة ما أدركه يمكن حملها على الاستحباب كما حمل الجمهور هذا الحديث على ذلك).

 

من دخل مع الإمام وهو في التشهد الأخير أتمها:

من دخل مع الإمام وهو في التشهد الأخير أتم فرضه، ولا يجوز له أن يخرج منها أو ينتقل منها إلى نافلة، وبعد انقضاء صلاته فله أن يعيدها إن وجد جماعة أخرى إذا كانت الصلاة مما تعاد.

 

قال الونشريسي المالكي: (وأما مسألة الداخل في صلاة الإمام وهو في التشهد الأخير، فمن الواجب عليه إتمام فرضه الذي أحرم به، ثم إن أدرك جماعة أعاد معهم إن شاء الله وكانت الصلاة مما تعاد، هذا هو المنصوص في المسألة في \"العتبية\" وغيرها، ولم يذكروا في ذلك خلافاً، لا بقطع ولا بانتقال إلى نفل، وهو حكم ظاهر لأنه شرع في فرض فلا يبطله لصلاة الجماعة وهي سنة).

 

وقال الزين العراقي: (وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إن سمع الإقامة والأذان وهو يصلي المكتوبة، أيقطع صلاته ويأتي الجماعة؟ قال: إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئاً فنعمº وذهب الغزالي من أصحابنا إلى أن الجماعة لا تدرك بأقل من ركعة).

 والله الموفق لكل خير والصلاة والسلام على نبينا وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply