ذكرت في مقالي السابق نظرية تغيير حالة القناة التناسلية، وتوقيت وقت الجماع، وأثر ذلك على تهيئة الأسباب لترجيح جنس المولود.
والنظرية الثالثة تقوم على طريقة النظام الغذائي: ففي عام 1935م كان العالم الألماني هريست يجري دراسات عن تأثير البوتاسيوم في العضويات الحية، وقد استخدم دودة صغيرة واستخدم أحواضاً مملوءة بماء اصطناعي بحري، وغيّر تركيز البوتاسيوم بهدف معرفة كيفية امتصاص الدودة للبوتاسيوم من المحيط الخارجي، وقد شـد انتباهه أنه كلما زاد مقدار البوتاسـيوم في الماء الموجود في الأحواض زادت معه ولادة الديدان الذكور، وفي حالة النقص يحدث العكس تماماً.
وقد أجريت سنة 1969م دراسة على 52 مزرعة كانت تستخدم الطعام الغني بالكالسيوم والماغنسيوم، فكانت النتيجة ولادة 340 أنثى مقابل 280 ذكراً. ثم جاءت دراسات كثيرة بعدها في الأحياء الأخرى ولوحظت نفس النتيجة، وقد أكد هذه النظرية طبيبان كنديان من إحصائية قاما بها حيث وجدا أن من بين 50 امرأة أنجبن ذكوراً كان 40 منهن يتناولن حمية غنية بالملح مع حمية فقيرة في محتوى الكالسيوم والماغنسيوم، ووجدوا من خلال 50 امرأة أنجبن إناثا فقط أنهن كن يتناولن حمية فقيرة بالصوديوم وغنية بالكالسيوم والماغنسيوم.
كما أن هناك دراسات تشير إلى أن المرأة التي تعتمد على النباتات وتنصرف عن أكل اللحوم فإن فرصة إنجابها للبنات أكثر.
فبناء على هذه الطريقة: على المرأة اتباع حمية غذائية لا تقل عن ستة أسابيع تدعم بها المخزون الغذائي الذي يشجع الجنس المرغوب فيه، وفي حالة الشعور بالضعف والإنهاك يمكن تناول أغذية متعادلة تحتوي على نسبة من الكالسيوم والمغنسيوم مع نسبة متقاربة من الصوديوم والبوتاسيوم مثل الأسماك والمأكولات البحرية.
فعلى المرأة إذا رغبت في إنجاب مولود ذكر: الإكثار من المواد المحتوية على البوتاسيوم والصوديوم كعصير الفواكه والعسل واللحوم والقهوة والشاي وملح الطعام والخضراوات والامتناع عن المأكولات المحتوية على الماغنسيوم كالحليب ومشتقاته والمياه المعدنية المحتوية على نسبة عالية من الكالسيوم والماغنسيوم والمكسرات والبيض والكاكاو. وهناك جدول (ستولكوفسكي) توسع في بيان الحمية الغذائية، ذكرتها بالتفصيل في كتابي: اختيار جنس الجنين (طبع ونشر مكتبة الأسدي بمكة) مع بيان الحكم الشرعي، وقد فسرت هذه النظرية على أن الحمية الغذائية يمكن أن تتسبب في تغيرات فسيولوجية قد تؤثر على غشاء البييضة الحقيقي أو بالتحديد على مواضع الاستقبال في الغشاء، فتقبل نوعاً واحداً فقط من النطف، سواء الذكرية أو الأنثوية، حيث إن للتوازن الأيوني للصوديوم والبوتاسيوم مقابل الكالسيوم والمغنيسيوم تأثيرا حيويا على هذه المستقبلاتº مما يؤدي إلى حدوث تغييرات على مركبات الجدار الذي بدوره يؤثر على انجذاب الحيوانات المنوية الذكرية أو الأنثوية. أما عن تأثير هذه الأيونات بصورة مبسطة فإن زيادة نسبة الصوديوم والبوتاسيوم في الغذاء وانخفاض نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم يحدث تغييرات على جدار البويضة لجذب الخلية المنوية الذكرية (Y) واستبعاد الخلية المنوية الأنثوية (X) وبالتالي نتيجة التلقيح تكون ذكرا.
والعكس صحيحº فان زيادة نسبة الكالسيوم والمغنيسيوم في الدم وانخفاض الصوديوم والبوتاسيوم يجذب الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الأنثوي(X) ويستبعد الحيوان المنوي الحامل للكروموسوم الذكري(Y) وبالتالي تكون نتيجة التلقيح والحمل أنثى بإذن الله.
وذهب آخرون إلى أن هذه الأغذية تؤثر على درجة حامضية الإفرازات المهبلية التي تلعب دوراً كبيراً في وصول أو عدم وصول الخلية المنوية للبييضة.
أما الحكم الشرعي:
فذهب جمهور العلماء المعاصرين إلى جواز استخدام الوسائل المعينة على اختيار جنس الجنينº من باب بذل السبب، والأمر لا يخرج عن مشيئة الله.
ومن هؤلاء العلماء ممن قال بهذا الرأي:
1 عبد الله البسام، عضو المجمع الفقهي بمكة وعضو هيئة كبار العلماء بالسعودية.
2 صالح بن حميد، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية وإمام المسجد الحرام.
3 - مصطفى الزرقا، عضو مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة.
4 - يوسف القرضاوي، عضو مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة.
5 - نصر فريد واصل، مفتي جمهورية مصر سابقاً.
6 وهبة الزحيلي، عضو مجمع الفقه الإسلامي بمكة وأستاذ بكلية الشريعة بجامعة دمشق.
7 إبراهيم الدسوقي، وزير الأوقاف السابق بمصر.
8 - محمد عثمان شبير، أستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية سابقاً.
9 محمد سليمان الأشقر، أستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية سابقاً.
10 عمر يوسف جمعة، مؤسسة الوقف الإسلامي بالأردن.
11 محمد تقي الدين العثماني، عضو المجمع الفقهي بمكة المكرمة.
12 محمد سالم عبد الودود، عضو المجمع الفقهي بمكة المكرمة.
وهو رأي لجنة الإفتاء بوزارة الأوقـاف بالكويت، ودار الإفتـاء بجـامعة دار العلوم بكراتشي.
ومن القائلين بالجواز من اشترط شروطا، منها:
1- أن يكون في أضيق الحدود وعند وجود الحاجة الماسة أو الضرورة، وعلى نطاق فردي ولا يكون ذلك سياسة عامة.
2- أن يعتقد أن الهبة من الله وحده، وأنه يقوم ببذل الأسباب فقط.
ومن الأدلة للقائلين بالجواز بما يلي:
1 قوله - تعالى -: (فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرسِلِ السَّمَاء عَلَيكُم مِّدرَارًا * وَيُمدِدكُم بِأَموَالٍ, وَبَنِينَ وَيَجعَل لَّكُم جَنَّاتٍ, وَيَجعَل لَّكُم أَنهَارًا).
وجه الدلالة:
أن الاستغفار سبب لمجيء الأبناء، فاتخاذ الأسباب المؤدية إلى إنجاب البنين لا حرج فيهº لأن نوح - عليه السلام - لا يدعو إلا بما كان مشروعاً.
2 قوله - تعالى - حكاية عن زكريا - عليه السلام -: (وَإِنِّي خِفتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امرَأَتِي عَاقِرًا فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ وَاجعَلهُ رَبِّ رَضِيًّا).
وجه الدلالة:
الدعاء بطلب جنس معين جائزº لأنه من المقرر أن ما جاز طلبه جاز فعله بالوسائل المشروعة، وأن من شروط الدعاء أن لا يسأل محرماً.
3 عن أم سليم أنها سألت رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: \"إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل\"، قالت أم سليم ـ واستحييت من ذلك ـ قالت: وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله - عليه الصلاة والسلام -: \"فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه\".
4 وفي حديث ثوبان: جئت أسألك عن الولد، قال: \"ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله\".
وجه الدلالة:
أن النصوص دلت على سبب اختلاف الجنسين، فالأخذ بالأسباب المؤدية لاختيار أحد الجنسين ليس فيه حرج في ذاته، كما هو الشأن بالأخذ بأسباب الشفاء من المرض كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"شفاء عرق النسا إلية شاة أعرابية …\" فهذا سبب للشفاء لا يمنع الأخذ به، والأمر تحت مشــيئة الله، فكذا اختيار الجنس إذا عرفنا سببه وأخذنا بالأسباب المؤدية إليه فلا حرجº لأن الأمر أولاً وآخراً هو لله - عز وجل -. لذلك جاء التقييد في الحـديث بإذن الله للدلالة على السـببية وكونها لا تؤثر إلا بإذن الله.
5 الدليل المركب من قوله - تعالى -: (المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدٌّنيَا)، مع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - قال: قال رسـول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده\".
وجه الدلالة:
أن وجود الذرية، لاسيما البنين، نعمة من الله، والإنسان ما دام قادراً على إظهار هذه النعمة فالأولى الأخذ بها، وقد تيسرت السبل لإنجاب البنين فلا مانع منها، كما هو الشأن فيمن جعله الله عقيماً: الأولى أن يعالج نفسـه، ما دام في إمكانه الإتيان بذرية.
6 القياس على العزل:
العزل جائز، وهو محاولة لضبط ميقات الإنجاب، فكذلك محاولة ضبط جنس الموهوب له حكمه.
7 قاعدة: \"الأصل في الأشياء النافعة الإباحة\".
وجه الدلالة:
قاعدة الشريعة أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل مانع، وليس هنا مانع لأصل الاختيارº لأن النصوص التي أخبرت عن هذا الأمر الغيبي لم يقترن بها ما يدل على منعها أو حظرها، فيبقى الأصل على حاله حتى يأتي دليل ينهي عنه.
8 قوله - تعالى -: (وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ,).
وجه الدلالة:
أن الحرج والضرر مرفوع في شريعتنا السمحة، والمرأة التي ترزق بسبع بنات أو عشر ويطلقها زوجها لأجل ذلك، أو ترزق بعشر من البنين وتتشوف لبنت تحمل عنها بعض أعمالها وتقوم بخدمتها ورعايتها في أمور خاصة، لا يستطيع الذكور القيام بها، لاسيما عند كبر سنها، وكذا الرجل يحتاج إلى حفظ نسبه ورفع النقص الحاصل له، والأخوات بحاجة إلى أخ يقوم على خدمتهم كوجود المحرم عند السفر وغير ذلك، فالحاجة ماسة، ومن أنكر ذلك فقد كابر الحس والواقع، فإذا تقدم العلم وأمكن مساعدته في رفع الضر الواقع به فقواعد الشرع لا تأبى ذلك.
وقد ذكرت جريدة \"المسلمون\" في 21 شـعبان 1410هـ أن رجلا طلق 8 زوجات بحثا عن المولود الذكر.
قال ابن القيم: \"فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل …\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد