بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا (70) يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا)
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، عباد الله إن الله - سبحانه وتعالى - وحد بينكم بالإيمان وألف به بين قلوبكم وأصلح به ذات بينكم، وقد قال - سبحانه وتعالى - في محكم التنزيل: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة) وقال - تعالى -: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم), وقد حذركم الله في كتابه من التفرقة بكل أنواعها وأشكالها فقد جعلها ضربا من ضروب العذاب إذ قال: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض), وجعلها مظهرا من مظاهر الشرك إذ قال: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون), وجعل أصحابها خارجين عن عهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون), وبين أنها سبب للهزيمة فقال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وحذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها الحالقة، وقال: \"لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين\", وبين ارتباط المسلمين بعقيدتهم ودينهم، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا\", وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"ذمة المؤمنين واحدة يقوم بذمتهم أدناهم\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"المؤمنون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم\" إن كثيرا من الناس قد نسوا هذه الوحدة الإسلامية التي مبناها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد بين الله في كتابه أنها السر الذي يجمع بين هذه الأمة، فعندما ذكر التعامل مع المشركين قال: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) فإن تابوا أي من الكفر، والتوبة منه لا تكون إلا بالشهادتين، فمن شهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة فقد صار أخا للمسلمين يحرم عليهم دمه و عرضه وماله، ولذلك قال: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) لكن كثيرا من الناس مع طول العهد وطول الزمن تناسوا هذه الأخوة، فارتبطوا بتجزيئات المستعمر عندما ضعفت هذه الأمة وتملك عليها أعداؤها من الكفرة قسموها أوزاعا وشيعا، وضربوا بين بعضها وبعض حدودا دخلت في كيان بعضها فاعتبرها أصلا أصيلا وركنا ركينا لا يتجزأ، وأصبحوا يفخرون بتلك الانتماءات دون الانتماء لهذه الأمة، وما أنزل الله بها من سلطان ولا عهد إلينا بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولذلك فإن المستعمر عندما ملك أرض المسلمين وأسقط الخلافة التي كانت على آثار الخلافة الراشدة من قبل على رغم ما فيها من الميل والانحراف، لكنها رمز لوحدة المسلمين، عندما أسقطها المستعمر وزع بلاد المسلمين إلى دويلات لا تستطيع واحدة منها أن تقوم بشؤونها، بل ستبقى دائما تابعة للمستعمر الذي استعمرها، وعندما ملكوا أرض المسلمين وانتزعوا ما فيها من الخيرات ونهبوها لم يرحلوا منها فيتركوها على ما كانت عليه بل اختاروا من أبنائها عصرا وأهل وقت فشبعوهم بثقافة المستعمر ولغته وحضارته، وضربوا بينهم وبين ثقافة هذه الأمة ودينها وتراثها وتاريخها سياجا حصينا، فأصبحوا لا ينظرون إلا بعين المستعمر ولا يفكرون إلا بعقله ولا يتكلمون إلا بلغته، حيل بينهم وبين الكتاب والسنة وتاريخ الأمة، وحيل بينهم وبين فقه الدين فتشبعوا بتراث المستعمر وثقافته ولغته، ولم يعد لهم وجه آخر ينظرون به إلى أمتهم إلا من خلال زاوية المستعمر، ومن خلال ما يكتبه المستعمرون عن هذه الأمة فصلتهم بتاريخ هذه الأمة وتراثها وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وأصحابه، هي ما يكتبه المستشرقون من أعداء الله ورسوله المحرفون المبدلون الذين لا يرضى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يكتبون، ثم عندما شبعوا هذه الطائفة بذلك سلموا إليها أزمة الأمور في البلاد الإسلامية ورحلوا فتركوا هؤلاء الخلفاء، خلفاء الاستعمار وراءهم وقد جعلوا بـأيديهم قوانين وضعية سنوها لهم يرتبون بها أمور المسلمين ويسيرون بها أحوالهم لا تمت بصلة لما كان عليه المسلمون قبل مجيء الاستعمار، ولا تمت بصلة بتاريخ هذه الأمة العريق الطويل، الذي لا شك أن كثيرا من المنصفين المستعمرين يقرون بأن هذه الأمة سبقت إلى العدالة وسبقت إلى العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وسبقت إلى العدالة الاجتماعية وسبقت إلى إيصال الحقوق إلى ذويها حتى لو كانوا كفارا مخالفين في أصل الملة، فلا أحد أعدل من الله الملك الديان الحكم العدل، ولا أحد بعد ذلك من المخلوقين أعدل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم، ثم لا أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأمة أعدل من خلفائه الراشدين المهديين الذين اختارهم الله لتولي هذه الأمانة الجسيمة العظيمة فرباهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك فأحسن الله - تعالى -تربيتهم وأكمل خلقهم وجعلهم في قرة عين النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوفي وهو عنهم راض فلا يمكن أبدا أن يكون هدي خيرا من هديهم ولا سياسة خيرا من سياستهم ولا اجتماع خيرا من اجتماعهم، ولا يمكن أن يكون راع أرحم برعيته وأرأف بها منهم، فما كان لديهم هو العدل المحض، وما كان لدى من سواهم فلا خير فيه، فنحن نقول عكس قاعدة المشركين، فالمشركون كانوا يقولون لو كان خيرا ما سبقونا إليه، ونحن نقول لو كان خيرا لسبقونا إليه، فهم السابقون السابقون المقربون، أثنى لله عليهم بذلك في محكم التنزيل ووصفهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أنهم خير القرون من هذه الأمة \"خير القرون القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم\" وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك أنهم الذين تفتح لهم الأمصار، فقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى محمدا فيقولون نعم فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من رأى محمدا فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمدا فيقولون نعم فيفتح لهم\"، إنهم شرفهم الله برؤية محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبته والجهاد معه وتحمل رسالته وملأ الله قلوبهم بالإيمان والنور، وأثنى الله عليهم في كتابه وأثنى عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين بلاءهم في الإسلام ومنزلتهم فيه وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه\" ثم تتالت القرون بعد إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من خلافة الاستعمار بدل خلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصبح الناس يفرحون ويفتخرون بالاستقلال عن الاستعمار وهو في الواقع انسحاب للمستعمر وبقاء لصورته وشكله وراءه، فليس الاستقلال الذي حصل في بلاد الإسلام بعد خروج المستعمرين منها استقلالا حقيقيا لأن الاستقلال إنما هو الاستقلال في القرار بأن تكون الأمة ذات اختيار في نفسها ممسكة بشرع ربها وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - و ملتزمة بهديها وأخلاقها وقيمها لا تتلقى ضغوطا من الخارج ولا تتلقى خوفا ولا طمعا من أحد من أعدائها بل إنما نخاف الله وحده لا شريك له وتطبق أوامره وتجتنب نواهيه وترعى شرعه وتقوم على أساس ما أقامها عليه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، إن هذا هو الاستقلال، وقد قال الله - تعالى -: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) أي أن سر الفرح بهذه الأمة فضل الله وهو القرآن ورحمته وهي السنة (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) أي هو خير من شؤون هذه الدنيا كلها، فهذا الذي ينبغي أن تفرح به الأمة وتتخذه عيدا، فضل الله ورحمته.
إن كثيرا من الناس يظنون أن مجرد انتماء الإنسان إلى وطن من الأوطان يميزه ويجعله ذا مكان مختص، فيغضب إذا نسب إلى دولة غير دولته ويظن أنه قد أنزل عن منزلته واحتقر حين نسب إلى دولة غير دولته من الدول الإسلامية، وهذا كله مخالف للقواعد الشرعية التي بينها من أن هذه الأمة أمة واحدة وأن مسؤولية قاصيها عن دانيها مسؤولية مشتركة، وأنها جميعا عباد لله - سبحانه وتعالى - وكلهم متعبدون بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند الله، فليس هذه الأمة ملة ولا قانون إلا ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه - عز وجل -، وقد بين الله - سبحانه وتعالى - أن ما جاء به محفوظ معصوم (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وقال فيه: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) إن هذا لا يمكن أن يعدل عنه إلى ما سواه إلا من كان مغبونا في صفقته، إن الذي يعدل عما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى آراء المستعمرين وقوانينهم التي يرسمونها مغبون خاسر في صفقته استبدل الأدنى بالذي هو خير، ورضي من الجنة التي هذا سبيلها وهذا طريقها بأسوأ الأمثلة نسأل الله السلامة والعافية ورضي لنفسه بالدرك الأسفل من النار حين حاد الله ورسوله ورغب عما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من عند الله - تعالى -، فلذلك لا بد عباد الله أن تتذكروا من أنتم ومن خلقكم ومن الرسول المرسل إليكم وما الكتاب الذي جاء به من عند ربكم فما ذا عليكم بعد ذلك؟ إن عليكم أن تلتزموا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن تعتنوا به وأن تقدموه على كل ما سواه وأن تتذكروا قول الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
عباد الله إن الذي يطيع المخلوق في معصية الخالق مغبون لا محالة لم يؤمن بالله ولم يعرفه لأنه لم يعرف ما لديه من العقاب وما لديه كذلك من الثواب، حين رغب عن ما عند الله وتعلق بما عند غيره من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم حياة ولا موتا ولا نشورا: (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره) فلذلك من يتذرع بضغوط الكفار في تعطيل حدود الله أو في عدم العدل في أرض الله أو يتشبث بقوانينهم وما لديهم فيجعل ذلك بديلا عما أنزل الله لا شك أنه لم يعرف الله - عز وجل - ولم يؤمن به وقد قال الله - تعالى -: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال - تعالى -: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما), وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"ألا هل يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه\" إن من رغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه فليس منهم ولا يرجو أن يبعث تحت لوائه لواء الحمد يوم القيامة: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) إن الموت آت لا محالة، فلن يدوم الإنسان في ملكه ولن يستقر في سلطانه، بل لا بد أن يموت وينقل على الرقاب إلى الدار الآخرة، ومن علم ذلك وعلم أنه وافد إلى الله - سبحانه وتعالى - ومسئول بين يديه قد فاته سلطانه واحتجب عنه أنصاره وواروه في التراب لا بد أن يدرك على من هو قادم ولا بد أن يعد العدة لذلك، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في جنازة فلما وضع الميت في لحده أشار إليهم بيده أن كفوا ثم نظر إليه فقال: \"أي إخواني أعدوا لمثل هذه الضجعة\" إنها ضجعة عظيمة أول ما يلقى الإنسان فيها ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع وتزول منها الحمائل، ثم بعد ذلك يأتيه منكر ونكير فيجلسانه فيسألانه ما ربك وما دينك وما كنت تقول في هذا الرجل؟، ثم تعرض عليه أعماله كلها لا يفقد منها صغيرة ولا كبيرة، ويشكو حينئذ من كتابه الحافظ الذي لا يفوته شيء (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) إن علينا عباد الله أن نتحرر من الأغيار وأن نفرد العبودية لله وحده لا شريك له وأن نعلم أن من سواه لا يملك لأحد منا حياة ولا موتا ولا نشورا وليس بيده رزق لنا, ولا يمكن أن ينقص شيئا من آجالنا ولا من أرزاقنا, فنحن جميعا عباد لله وحده لا شريك له وقد تعبدنا بما أرسل إلينا به رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وقد اختار لنا خير الرسل وأفضل الشرائع وأفضل الكتب وجعلنا خير أمة أخرجت للناس, فكيف نرغب عن هذا المحل العظيم الذي أحلنا الله ديان السماوات والأرض؟ إن علينا عباد الله أن ندرك هذه المزية العظيمة، وأن نعلم أنها من فضل الله ورحمته وتكريمه و تشريفه، فعلينا أن نشكرها لله - سبحانه وتعالى - وأن نبوء له بهذه النعمة العظيمة، و نقر له بها، وأن لا نتجاوزها، فلا خير فيما وراء ذلك، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقام فيه حدودك يا أرحم الراحمين، اللهم اخلف نبيك محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أمته بخير، اللهم اجمع شمل هذه الأمة على الحق إنك على كل شيء قدير، اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا إلى سواء الصراط، اللهم اجعلنا في قرة عين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - واحشرنا تحت لوائه وابعثنا في زمرته واسقنا من حوضه بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمـأ بعدها أبدا وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وآتنا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا وجوزنا على الصراط كالبرق الخاطف يا أرحم الراحمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد