بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا (70) يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا)
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.
عباد الله إن الله - سبحانه وتعالى - يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، ويثبت من أراد ثباته على ذلك الصراط، ويمتحن الناس ويبتليهم عليه، ومن أراد الله ثباته فإنه سيثبت وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بالأخذ بالأسباب في كل الأمور ومن ذلك أسباب الهداية والاستقامة، فمن أسباب الهداية تعلم ما أمر الله به والعمل بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال والأعمال والاعتقادات والنيات، ومن أسباب الهداية كذلك الضراعة إلى الله - سبحانه وتعالى - بسؤال الهداية ومن أسباب الهداية التدبر والتذكر، ثم بعد ذلك أسباب الثبات على دين الله وهي أعظم وأولى باشتغال المسلم بها، فمن أعظمها أن يتذكر المسلم أنه في هذه الحياة في سنة التدافع وفي جدلية لا بد فيها من الحسم، وهذه الجدلية هي الاستقامة على طريق الهداية إلى الموت أو الرجوع والإنقلاب على عقبيه، فالناس قسمان: إما أن يكون الإنسان من الأتقياء وإما أن يكون من الأشقياء، فالأتقياء هم السعداء الذين يثبتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وإذا عرف الإنسان هذه الجدلية وعرف انقسام الناس إلى القسمين، وعرف أن ذلك لا يكون بنسب ولا حسب وإنما يكون بأخذ الأسباب وباختيار الملك الديان - سبحانه وتعالى - حرص على أن لا يكون من الأشقياء وعلى أن يكون من أهل الهداية وأن يلزم ذلك طيلة حياته، ثم من أسباب الاستقامة و الثبات كذلك أن يعلم الإنسان طول هذا الطريق وما عليه من المشاق، فإن كثيرا من الناس يرجعون عند أول نكبة ويتراجعون عن طريق الاستقامة والهداية ولا يصمدون عليه ولا يثبتون لأنهم يجهلون ما عليه من النكبات والعقبات وأنتم عباد الله على صراط دنيوي هو تمثيل للصراط الأخروي وتعرفون أن الصراط الأخروي عليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فكذلك هذا الصراط الدنيوي المحجة البيضاء عليه كلاليب تمسك بالناس، فمن لم يثبت عليه فإنه سينصرف على عقبيه، وقد قال الله - تعالى -: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) كذلك من وسائل الثبات على هذا الدين عدم الاستعجال في أن ينال الإنسان الثواب في هذه الحياة، فثواب الله - سبحانه وتعالى-هو ما أعده لأوليائه في دار النعيم المقيم، إن ذلك الثواب هو تقريب الله - عز وجل - لأوليائه واصطفاؤه لهم، إذا بيض الله وجوههم وآتاهم كتبهم بأيمانهم وجعلهم في الزمرة الأولى وقربهم في الفردوس الأعلى من الجنة وأظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فإنه قد اختارهم لذلك فلذلك لا بد أن يحرص الإنسان على الثواب الأخروي، وأن يعلم أن ما يعجل له في هذه الحياة إنما هو نقص من أجره، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"ما من سرية تخرج في سبيل الله فتغنم إلا عجل لها ثلثا أجرها وما من سرية تخرج في سبيل الله فتخفق إلا نالت أجرها كاملا\" فلذلك لا بد أن نحرص عباد الله على أن تكون الآخرة جل اهتمامنا وأن نحرص على الثواب الأخروي وأن لا نحرص على تعجل شيء من ثوابنا في هذه الحياة، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن الذين يعجل لهم شيء في هذه الحياة حتى لو كانوا من خيرة أولياء الله فإنهم دائما يبقون على حذر وخوف، ولذلك أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أنه كان صائما فوضعت المائدة بين يديه فإذا فيها ألوانا من الطعام فبكى بكاء شديدا حتى أبكى من حوله، فقالوا يا أبا المنذر وما يبكيك قال إنا كنا أهل جاهلية وشر فأرسل الله إلينا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فآمنا وصدقنا واتبعنا فمنا من مات ولم يتعجل شيئا من أجره، منهم أخي مصعب بن عمير قتل يوم أحد وليس له إلا سيفه وبردة عليه إن نحن غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإن نحن غطينا رجليه بدا رأسه فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر فمات ولم يتعجل شيئا من أجره وبقينا وراءهم ففتحت علينا الدنيا أبوابها فنحن نهدبها فخشينا أن يقال لنا يوم القيامة: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون), وقد صح نظير هذا عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من بيته لا يخرجه إلا الجوع فلقي أبا بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما؟ قالا: الجوع أخرجنا، قال وأنا ما أخرجني إلا الجوع، فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان فضيفهما فلما أخذ مديته يريد أن يذبح شاة نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذوات الدر أي الحلوب فلما وضع بين أيديهما عذقا من التمر ولحما وماء باردا نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك وقال: إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) إن علينا عباد الله أن نحذر أن نكون من الذين تعجل لهم أجورهم في هذه الحياة فيجنونها في أمور منقطعة لا فائدة فيها، وإن أولئك لا يساوون عند الله شيئا فقيمتهم هي ما يعجله الله لهم من أمور هذه الدنيا الفانية، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن من وسائل الاستقامة والثبات على الدين أن نتذكر أن الاستعجال كذلك في تحصيل أمور هذه الدنيا عيب وضرر فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متوسدا بردة له في ظل الكعبة قال خباب فأتيته فقلت: يا رسول الله! ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا، فقال: إنه قد كان فيمن قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على مفرقه فيفرق به فرقتين ثم يؤتى بأمشاط الحديد فيمشط بها ما دون عظمه من جلد ولحم لا يصده ذلك عن دينه و والذي نفس محمد بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون\" فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - تحذيرا بليغا من هذا الاستعجال وبين ضرره وخطره وبين أن المستقبل لهذا الدين لا محالة وأن الله سينصره ويعزه بعز عزيز أو بذل ذليل، لكن من فاته ذلك الفتح فهو خير له فالنبي - صلى الله عليه وسلم - آتاه الله كنوز كسرى وقيصر ولكنه توفاه الله قبل أن ينال شيئا من ذلك، فتحت على أصحابه من بعده فأنفقوها في سبيل الله، وهذا دليل على أن من فاته الفتح فهو خير له، والذين ماتوا قبل الفتح هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثمانية أيام وقف على شهداء أحد فقال: \"إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه\" وأنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفاه الله ولم يشبع ثلاثة أيام متواليات ويمضي ثلاثة أشهر ما يرى في بيوته نار، وقد كان ينام على الحصير فيؤثر في جنبه بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن من وسائل الثبات على هذا الطريق الشاق أن يتذكر الإنسان قصص السالفين السابقين الذين سلكوا الطريق من قبله وما لقوه من الأذى في سبيل الله فلنتذكر إخواني ما كان الناس يسخرون به من نوح - عليه السلام -، ولنتذكر تمالُؤ الأقربين على إبراهيم حين رموه في النار ولنتذكر إخراجهم له من مدينتهم ولنتذكر كذلك ما لقي لوط من قومه ولنتذكر ما لقي النبيون من بعد ذلك إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأذى في سبيل الله وما لقيه أصحابه من الأذى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ساجدا لربه عند الركن اليماني فجاء عقبة بن أبي معيط فوضع رجله على قذال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي مؤخرة رأسه وكان عقبة ثقيلا سمينا فما زال يدعه برجله حتى أمر من أتاه بسلا ناقة ولدت فوضعه بين كتفيه وهو ساجد لربه، وكذلك فإن نوفلا قرن أبا بكر وطلحة بن عبيد الله بنسع وضربهما على خديهما ضربا شديدا حتى أدما خديهما، وكذلك فإن عددا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوذوا أذى شديدا بالإضافة إلى ما لقوا من الضغوط الأخرى، فهذا سعد بن أبي وقاص عندما أسلم وأشهر إسلامه أضربت أمه عن الطعام، فأقسمت أن لا تأكل وأن لا تشرب حتى يرجع عن دينه، فلما خشي عليها الموت همس في أذنها فقال يا أماه لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا تلو أخرى على أن أرجع عن ديني ما رجعت عنه، فاحيي أو فموتي...فلذلك لا بد أن نعلم أننا ممتحنون بهذا الدين وأننا محتاجون إلى الثبات عليه، محتاجون إلى أن نعلم أن من لم يثبت على دينه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله ودينه شيئا وأن هذا الدين مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ثم اعلموا رحمني الله وإياكم كذلك أن الذي يتذكر قصص الماضين وما هم عليه فإنه سيتوقع دائما أن ينال بعض ما نالهم بحسب درجته في الإيمان والتقوى، فأنتم تسلكون طريقا سلكه أولئك الرائدون السابقون ولستم أكرم على الله منهم فما لقوه لا بد أن تنالوا حظكم منه يقول الله - تعالى -: بسم الله الرحمن الرحيم (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
عباد الله إن من وسائل الثبات على دين الله أن يقرأ الإنسان قصص الأنبياء في القرآن فقد صح عن عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه - أنه قال: قصص الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده، ومصداق ذلك من القرآن قول الله - تعالى -: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) فعلينا عباد الله أن نتذكر ما كانوا فيه وما أوذوا به في سبيل الله وأن نعلم أن الطريق طويل وأن أمامنا أكثر مما لقينا وأن الطريق قد بقي منه أكثر مما مضى، فلذلك اعلموا رحمني الله وإياكم أن عليكم أن تتوقعوا المزيد من الابتلاء على دين الله سواء كان ذلك بالضراء أو بالسراء، وأن تعلموا أنه ليس لدى أحد منكم ضمان بالثبات على دين الله إلا من ثبته الله - عز وجل -، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم كذلك أن من وسائل الثبات على دين الله لزوم الجماعة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار\" وقال: \"يد الله على الجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية\" وقال: \"من فارق الجماعة شبرا مات ميتة جاهلية\" وقال: \"من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه\" وقال لحذيفة: \"تلزم جماعة المسلمين وإمامهم\" وقال: \"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث \"الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة\" وذلك أن المؤمن إذا كان مع إخوانه فإنه سيستحي من كثير من الأمور، وسيكون وجوده بين ظهرانيهم تثبيتا له على الحق، وسيكون كذلك عرضة للمناصحة إذا بدرت منه بادرة، والنصيحة هي من الذكرى والذكرى تنفع المؤمنين، والذي ينقطع عن النصيحة ولا يجد من يوجهه في حال ضعفه ولا من يساعده على شيطانه ونفسه في حال الضعف عرضة للانقلاب على عقبيه .
ثم اعلموا رحمني الله وإياكم كذلك أن من أسباب الثبات على هذا الدين أن يتذكر الإنسان مسؤوليته، فنحن الآن في وقت نمسك فيه بلواء الإسلام قد تراجع الناس عنه وتركوه في أيديكم والله - سبحانه وتعالى - غني عنكم فأروا الله من أنفسكم خيرا واعلموا أنكم نلتم هذا التشريف العظيم بتوفيق الله واختياره لا من تلقاء أنفسكم فلذلك لا بد أن تصمدوا عليه وتصبروا.
ثم اعلموا رحمني الله وإياكم كذلك أن من وسائل الثبات و الاستقامة على هذا الطريق أن يتذكر الإنسان من وراءه من الذين ينظرون إلى تصرفاته فإن استقام استقاموا وإن اعوج اعوجوا، إنهم يعلقون عليكم الآمال وإنهم ينظرون إلى صبركم على الطريق فأنتم أساتذتهم والمقتدى بكم على طريق الاستقامة، فإذا صبرتم صبر الناس من ورائكم وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لقد حزنت على فراق العباس بن عبد المطلب فما ثبتني إلا أعرابي قال:
اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الرأس
خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس
ثم إنه من وسائل الثبات كذلك والاستقامة على هذا الطريق أن يتذكر الإنسان ما أعده الله للثابتين عليه من التمكين في الحياة الدنيا ومن التقريب في الآخرة فالذين ثبتوا على هذا الطريق ولو قتلوا عليه هم الذين يمكن الله لهم ويمكن لهم بالمحبة في قلوب عباد الله، ألا ترون أن الذين قتلوا يوم أحد قد جعل الله لهم القبول في نفوس المؤمنين جميعا، ولا يزالون يتعلقون بهم ويقتدون بهم ويحبونهم غاية المحبة، وهذا هو التمكين، فإن التمكين إنما يكون في قلوب أهل الإيمان وأهل الله - عز وجل -، أما ما سوى ذلك فهو كله زائل منقطع والذين قتلوا يوم أحد والذين نجوا وعاشوا قد اداركوا جميعا، فالمنافقون الذين رجعوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنصف الجيش حين واجهوا المشركين يوم أحد لم يعمروا إلى زماننا هذا ولم ينالوا إلا أرزاقهم التي كتبت لهم ولم تزدد أعمارهم بشيء، ولم يكن لهم أية مكانة، فلم يكتب الله لهم الخير لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذين صمدوا وصبروا ومنهم عبد الله بن عمرو بن حرام حين رجع المنافقون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف عليهم فقال: أي قومي لا تخذلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف فعسى أن لا يتكرر أن تدعوا إلى الدفع وأنتم قادرون عليه، فقالوا: لو كنا نعلم قتالا لاتبعناكم، فرجع وقال: أخزاكم الله وأغنى عنكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فنزل فقاتل حتى قتل فدخل الجنة، وعرض الله عليه أن يتمنى عليه ما شاء فتمنى أن يرده للحياة حتى يقاتل فيقتل في سبيل الله مرة أخرى، وقد أخرج من قبره بعد ست و أربعين سنة قال جابر، بينا أنا في المسجد إذ جاءني مناد فقال: إن أباك قد أخرج من قبره فخرجت أشتد عدوا إلى الشهداء فإذا ستة عشر من الأنصار قد أخرجوا من قبورهم وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -، فإذا جراحهم تنزف بالدم، قال فرفعت يد أحدهم عن خاصرته فخرج الدم، فعادت يده فسكن الدم، إنهم الذين أنزل الله فيهم: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعدما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) .
كذلك من وسائل الثبات على دين الله أن يحرص الإنسان على الاستقامة على هذا الطريق في خلواته، إذا خلى بنفسه أن يكون من الذاكرين الله كثيرا أن يحرص في خلواته على أن يري الله من نفسه خيرا، فالله - سبحانه وتعالى - لعباده بالمرصاد، وما تخطر في قلب إنسان خطرة ولا تنظر عينه نظرة إلا وهي مسجلة مكتوبة عند الله - عز وجل -، فلذلك لا بد أن يستشعر المؤمن السالك لهذا الطريق مراقبة الله - سبحانه وتعالى - له وأنه أقرب إليه من حبل الوريد وأن أعماله جميعا معروضة عليه يقرأها عندما ينادى على رؤوس الأشهاد (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) كذلك فإن من وسائل الثبات على دين الله أن يجتهد الإنسان في الدعاء أن يثبته الله على طريق الاستقامة وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: \"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك\" \"اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك\" إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو معصوم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يحرص على الإكثار من هذا الدعاء، أفليس جديرا بالمؤمن الذي سلك طريقه أن يحرص على الإكثار من هذا الدعاء وأن يتزود منه وهو يعلم أنه في كل وقت عرضة لأن يقلبه الله - عز وجل - نسأل الله الثبات والاستقامة على طريقه. يقول الله - عز وجل - (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء).
عباد الله إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم اخلف محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أمته بخير، اللهم ارزقنا التمسك بسنته عند فساد أمته، واحشرنا تحت لوائه وابعثنا في زمرته، واسقنا من حوضه بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وآتنا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا وجوزنا على الصراط كالبرق الخاطف يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك بوجهك الكريم الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم إنا نسألك بوجهك الكريم الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل دائرة السوء عليه وأنزل به المثلات وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين وأرنا فيه عجائب قدرتك عاجلا غير رائث إنك على كل شيء قدير.
عباد الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد