بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي القدير السميع البصير الذي أحاط بكل شيء علما وهو اللطيف الخبير علم ما كان وما يكون وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة في يوم النشور، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على طريقتهم يسير وسلم تسليما.
أما بعد: ((ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ)) [آل عمران: 102 ((يَـأَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مّن نَّفسٍ, واحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً))النساء: 1. ((يأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً يُصلِح لَكُم أَعمَـالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) الأحزاب: 70-71
وبعد عباد الله
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم وأحمد: (الظٌّلمُ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ)، ذلك لأن محكمة الحقوق في الآخرة يقام فيها العدل على أكمل وجه، فيقتص للمظلومين جنا وإنسا وعجماوات من ظالميهم سادة كانوا أو عامة.
وإذا كان عدوان الشاة على الشاة يستدعي القصاص يومئذكما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (لَتُؤَدٌّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهلِهَا يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرنَاءِ)- مسلم وأحمد والترمذي-،
ومنع امرأة هرتها الماء والطعام يدخلها النار (عُذِّبَتِ امرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ, سَجَنَتهَا حَتَّى مَاتَت فَدَخَلَت فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطعَمَتهَا وَلَا سَقَتهَا إِذ حَبَسَتهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتهَا تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرضِ)- البخاري ومسلم-، وقطع شجرة نافعة لغير مصلحة يستوجب تصويب رأس القاطع في النار(قاطِعُ السِّدرِ يُصَوِّبُ اللهُ رَأسَهُ في النار) - رواه البيهقي في الكبرى وحسنه الألباني
عبد الله : فما بالك بمن يظلم أخاه الإنسان، مؤمنا كان أو غير مؤمن، من أي ملة أو دين أو مذهب؟ بل ما بالك بمن يظلم أولياء الله - تعالى -من الدعاة والصالحين والآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر؟
إن ميزان الآخرة منضبط على معيار واحد يميز العدل من الظلم (اليَومَ تُجزَى كُلٌّ نَفسٍ, بِمَا كَسَبَت لا ظُلمَ اليَومَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ) غافر 17، عدل ينجى وظلم يركس في الجحيم. لذلك ورد الأمر بالعدل والتحذير من الظلم قرآنا وسنة في سياقات كثيرة، وبأشد الصيغ دقة ووضوحا، يقول - تعالى -: - (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ, أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ) -الأنعام 82 (احشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزوَاجَهُم وَمَا كَانُوا يَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهدُوهُم إِلَى صِرَاطِ الجَحِيمِ) - الصافات 22، 23-. (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ) - النحل -90.
- ويقول فيما يرويه عنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمتُ الظٌّلمَ عَلَى نَفسِي وَجَعَلتُهُ بَينَكُم مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)- مسلم وأحمد والترمذي-.
إن التحريم الصارم للظلم مبعثه العدل الإلهي المطلق والرحمة الربانية الشاملة، لأن الظلم مصدر كل رذيلة ومنبع كل شر، وما الفساد إلا بعض نتائجه(وَاللَّهُ لا يُحِبٌّ الفَسَادَ) -البقرة 205-، وقد استعمل لفظ \" الظلم\" في الشريعة لثلاثة أصناف تدور كلها بين الكفر والكبائر هي:
1. ظلم بين المرء وبين الله - تعالى -وأعظمه الكفر والشرك والنفاق(يَا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ) - لقمان13-، (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِين) - البقرة258-.
2. ظلم بين المرء وبين الناس(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاسَ وَيَبغُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)- الشورى42
3. ظلم بين المرء وبين نفسه(فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّهِ)- فاطر32
والأصل في هذه الأصناف كلها ظلم النفس، إذ كل ظالم في حقيقة الأمر ظالم لنفسه وكل محسن محسن إلى نفسه قال - تعالى -(مَن عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبٌّكَ بِظَلَّامٍ, لِلعَبِيدِ) -فصلت46-، وقال - جل وعلا - (وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ) - النحل118-.
عباد الله
متى يظلم الانسان إنه يظلم عندما يشعر بالنقص أو الضعف فيدفعه ذلك للتعالي والتجبر والعدوان والظلم، وحبه الشهوات متعا رخيصة وغرائز مخزية يصرفه عن الحق ويميل به عن الرفق والعدل، وحب الرئاسة وصولا إليها أو تمسكا بها يورطه في الجرأة على الدماء والأموال والأعراض، والخوف من السلطان يحمله على متابعته وارتكاب ما يرضيه، والطمع في عطائه يؤدي به إلى الخضوع المطلق والركون وخذلان الحق وأهله. وأساس كل هذا الشرك ظاهرا وخفيا،
وعلاج كل ذلك التوحيد الخالص، لأنه يحرر صاحبه من قيود المادة والهوى والخوف والرهبة والطمع، ويلزمه العدل في التصرفات والحق في المعاملات، لأن مراقبة الله - تعالى -والثقة به واليقين بمعيته ولقائه يملأ القلب قوةً على تجنب الظلم وعزماً على مواجهة أهله، ومناعةً ضد غرائز التسلط والبغي والعدوان والتعلق بالجاه والمال،
إن تحمل الظلم والرضوخ له يعد حالة أخرى تجعل المظلوم في وضع الظالم بتنازله عن كل ما يراه ضارا به من أمر عقيدته وعبادته، فيزداد الظالمون بهذا الخنوع استكبارا في الأرض واستعبادا للخلق وإفسادا للدين. وتكثيرا للأتباع والأعوان، وتنشأ بذلك طبقة مستغلة فاسدة ظالمة، مما يؤدي إلى التقاتل والتصارع والفتنة. لذلك كان لمتحملي الظلم نصيبٌ من المسؤولية ومحاسبةٌ بين يدي الله - تعالى -، ولن ينجيهم جوابهم بأنهم كانوا مستضعفين في الأرض إلا أن تشملهم من الله رحمة (قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ فِي الأَرضِ قَالُوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيراً) النساء 97.
أخواني إن الانظلام - وهو حال المظلومين القادرين على المواجهة ودفع الظلم عنهم أو الهجرة يكون في الدين والنفس والمال والكرامة والعرض والرأي، وكل ذلك مذموم يأباه اللبيب الكريم ممارسةً فيه أو ممارسةً في غيره، لأنه غبن وهوان ومذلة، والمؤمن ينبغي أن تتوفر فيه قوة الانتصار للحق غير ذليل ولا مهين ولا عاجز(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرُونَ) الشورى 39،
لذلك كان من الظلم حقيقة لا مجازا أن تسكت عنه أو ترضى به أو تتحمله ولو كرها إن استطعت الهجرة عنه.
إن الظلم سلوك خاطئ منحرف، ومرآة تكشف عمق الفساد في نفسية صاحبه وسوء مخبره، لذلك اشتد غضب الله - تعالى -عليه وتوعده بالعقاب الأليم فقال:
(إِنَّا أَعتَدنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِم سُرَادِقُهَا وَإِن يَستَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ, كَالمُهلِ يَشوِي الوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءَت مُرتَفَقاً) الكهف29.
(أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجهِهِ سُوءَ العَذَابِ يَومَ القِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُم تَكسِبُونَ) الزمر24.
ولعل معترضا يقول: هذا عقاب الظالم فما بال الجندي وهو مأمور والساكت المستضعف وهو مغمور؟ والجواب أن ميزان العدل لا يفرق بين السيد والمسود والتابع والمتبوع والفاعل والمعين على الفعل، فكلهم شركاء يجمعهم المصير الواحد(كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَت أُخرَاهُم لِأُولاهُم رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلٌّونَا فَآتِهِم عَذَاباً ضِعفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ, ضِعفٌ وَلَكِن لا تَعلَمُونَ) الأعراف38. لأن الظالم لابد له من قوة تعينه على الظلم وجند يحمونه عند ممارسته، وهتافين يشجعونه عليه، وراضين رغبا ورهبا أو استخذاء واستضعافاº
إن دولة الظلم لابد لها من أركان، وأركانها الظالم وحاشيته وأعوانه والراضون بحكمه والمستخذون بين يديهº فإن فقدت هذه الأركان لم تقم للظلم دولة ولا للظالمين صولة.
إن أكبر دوائر الظلم هي الشرك بالله - تعالى -(إن الشرك لظلم عظيم) لقمان 13º لأنه كذب شنيع وافتراء عظيم على الله - عز وجل -، ذلك أن في الإشراك قلبا للحقائق ووضعا للأشياء في غير موضعها، وهذا أصل الظلم وحقيقته، فمن أشرك بالله أو عدل به غيره أو اتخذ له - سبحانه - ندا فقد ارتكب الظلم الأعظم وخلع ربقة الإسلام من عنقه. وإذا كان أعظم ظلم للنفس هو الإشراك بالله - تعالى -، فإن له علاجا ناجعا هو التعجيل بالتوبة وتصحيح العقيدة والاستغفار(إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السٌّوءَ بِجَهَالَةٍ, ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ, فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء17
إلا أن هناك ظلما أقل درجة من الشرك الذي يتخلص منه المرء بمجرد التوبة النصوح والتوحيد الخالصº هذا الظلم هو ظلم العباد. وهو وإن كان أقل درجة من الشرك، فإن التوبة منه معلقة برد المظالم لأهلها، مما يجعل أمر التحلل منه أشد عسرا، قال - عليه الصلاة والسلام - ((مَن كَانَت لَهُ مَظلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِن عِرضِهِ أَو شَيءٍ, فَليَتَحَلَّلهُ مِنهُ اليَومَ قَبلَ أَن لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرهَمٌ إِن كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنهُ بِقَدرِ مَظلَمَتِهِ وَإِن لَم تَكُن لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ)) البخاري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفَى، وصلاةً وسلاماً على عبادِه الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صاحب النّهج السوي والخلق الأسنى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه
وبعد
عبد الله
أنّ الظلم يتمثل في صور شتى ويتشخص في أصناف من الناس كثيرة، منهم من أخذهم الله بعذاب الدنيا والآخرة ممن ذكرهم الوحي قرآنا وسنة، ومنهم من يعاصرنا ومنهم من يأتي بعدنا:
• منهم الحكام المتألهون، والأغنياء المستكبرون والتجار المطففون والفساق السابقون والمعاصرون من قوم عاد ولوط وصالح.
• ومنهم ظالم أبويه بإهمالهم أو الإساءة إليهم، وظالم أرحامه بالتقصير في حقوقهم أو التخلي عنهم أو الإضرار بهم.
• ومنهم ظالم زوجته في عرضها بالنظر إلى غيرها بما لا يجوز، وظالمة زوجها في عرضه بالنظر إلى غيره بما لا يحل.
• ومنهم الظالم لقومه أو قبيلته أو عرقه بالتعصب لهم وإعانتهم علي الباطل كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ سئل ما العصبية؟: (أن تعين قومك على الظلم)- المعجم الكبير-.
• ومنهم من يظلم المسلمين عامة بعدم النصح لهم، أو عدم نصرتهم أو بخيانتهم والتنكر لهم.
• ومنهم من يظلم الإنسانية عامة بالتقصير في واجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• ومنهم الدول المسلمة الظالمة التي لا تقيم العدل فيسلط الله - تعالى -عليها عدوها ولو كان مشركا، كما هو حال أمة موسى - عليه السلام - التي سلط عليها بختنصر الوثني، والمسيحيين إذ ظلموا فسلط عليهم جبابرة عبدة أصنام أذلوهم وغيروا دينهم، وحال دول المسلمين الظالمة حاليا وقد هزمت أمام مجوس الهند في باكستان، وصهاينة بني إسرائيل في فلسطين، وعباد الوثن في السودان وعباد الصليب في العراق..، قال - تعالى -: (وَكَم قَصَمنَا مِن قَريَةٍ, كَانَت ظَالِمَةً وَأَنشَأنَا بَعدَهَا قَوماً آخَرِينَ) الأنبياء11،
• كما أن منهم الذين يخذلون الدعاة إلى الله - تعالى -والمجاهدين في سبيله والمعتقلين والمهاجرين والشهداء، بالتخلي عنهم وإهمال أسرهم وذرياتهم وعدم الدفاع عنهمº فإن بلغ الأمر إلى أكل لحومهم والشماتة بما أصابهم أو أصاب ذرياتهم، أو القيام بالتجسس عليهم وقذفهم، أو السعي لإطالة محنتهم، كان ذلك أقرب إلى أعظم الظلم الذي هو محاربة الله ورسوله بمحاربة أوليائه ودعاة دينه، وهذا ما عبر عنه الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ في الحديث القدسي الذي رواه عن رب العزة قال((مَن عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ))- البخاري -.
عباد الله
ونظرا لخطورة الظلم وشدة غضب الله - تعالى -منه، وما ينتظر صاحبه من العذاب، قص القرآن علينا من أخبار الظالمين وعاقبة أمرهم في الدنيا والآخرة ما هو كفيل بإيقاظ الهمم وتطهير النفوس فقال - عز وجل -: (إِنَّ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين) القصص8، (فَأَخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم فِي اليَمِّ فَانظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) القصص40، (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحُوا فِي دِيَارِهِم جَاثِمِينَ) هود67.
كما أن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحذر المؤمنين من الظلم ويحضهم على اتقائه، ويقول: (اتَّقِ دَعوَةَ المَظلُومِ فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَهُ وَبَينَ اللَّهِ حِجَابٌ) البخاري - وقال - صلى الله عليه وسلم -، (ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدٌّ دَعوَتُهُمُ الإِمَامُ العَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفطِرُ وَدَعوَةُ المَظلُومِ يَرفَعُهَا فَوقَ الغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبٌّ - عز وجل - وَعِزَّتِي لَأَنصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ,)- الترمذي-. وقال (دَعوَةُ المَظلُومِ مُستَجَابَةٌ وَإِن كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفسِهِ) أحمد-.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يستعيذ بالله من دعوة المظلوم جهرا أمام المسلمين تعليما لهم بقوله عند الخروج للسفر والعودة منه: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن وَعثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ المُنقَلَبِ وَالحَورِ بَعدَ الكَورِ وَدَعوَةِ المَظلُومِ وَسُوءِ المَنظَرِ فِي الأَهلِ وَالمَالِ) النسائي-.
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى من نفسه القدوة، فأبرأ ذمته من حقوق الخلق، في مرض موته فيما رواه البخاري، إذ خرج متكئا على الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب ـ - رضي الله عنهم - ـ، حتى جلس على المنبر، وكان مما خطب: (أما بعد أيها الناس، إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم، ولن تروني في هذا المقام فيكم … فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخش الشحناء من قبلي، فإنها ليست من شأني …).
على أن من رحمة الله - تعالى -ولطفه بعباده، أن جعل في الآخرة أيضا - وهي دار جزاء ولا عمل - مجالا لتصالح المؤمنين وتسامحهم، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله- تبارك وتعالى -للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال: يا رب فليحمل من أوزاري، قال وفاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء ثم قال: إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله - تعالى -للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله - عز وجل -: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله - تعالى -يصلح بين المسلمين- المستدرك على الصحيحين-.
هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال ((إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيماً))الأحزاب56
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد