بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
أما بعد: عباد الله، إن إخوانكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام، وقصدوا بيت الله الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والإعظام، مستجيبين في ذلك لنداء رب العالمين، نداء الرحمن الرحيم، على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذلك لما انتهى إبراهيم وولده إسماعيل من بناء بيت الله الحرام، أمر الله خليله إبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج قال -تعالى-: (وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالحَجّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ, يَأتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ)[الحج: 27]، فقال إبراهيم: يا رب، كيف أُبلغ الناس وصوتي لا ينفذ إليهم؟! فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوتُ أرجاء الأرض، وأجابه كلُ شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك.
فأجاب هذا النداء المسلمون القادرون، المؤمنون الموحدون، المخلصون الراغبون فيما عند الله، مقبلين إلى بيته الحرام، من كل فج عميق، مشاةً وراكبين، من كل الجهات والأقطار، قاطعين الفيافي والقفار، والأمصار والبحار، مفارقين الأوطان والديار، وتاركين الشهوات والأوطار، ومنفقين الدرهم والدينار، رجاء المغفرة والعتق من النار، شعارهم وكلامهم وتردادهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
وإن دخول موسم الحج ـ يا عباد الله ـ يحرك الساكن ويهيج المشاعر، وكلما هب نسيم الرحيل إلى بيت الله الحرام، وبدأت الوفود بالسفر والرحيل، وارتفعت أصوات الملبين، حنت القلوب، واقشعرت الجلود، وذرفت العيون شوقا إلى بيت الله الحرام، لقد ساروا وقعدنا، وقرُبوا وبعُدنا، فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا.
يا سائرين إلى بيت العتيق لقد *** سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا *** ومن أقام على عذر كمن راحـا
إن الحج ـ معشر المسلمين ـ شعيرة من شعائر الله العظيمة، شرعها الله لإبراهيم، ثم أقرها وبين مناسكها رسولنا الأمين، وإن بيت الله الحرام هو منبع الإسلام و منارة التوحيد، بناه إمام الموحدين خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
في بناء البيت قصة عجيبة وعظيمة، أوردها البخاري في صحيحه، وذلك لما جاء إبراهيم -عليه السلام- بهاجر وابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت العتيق، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك ووضع عندهما ماء وتمرًا، ثم انطلق إبراهيم، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! قالت ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا. ثم انطلق إبراهيم -عليه السلام- حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات: (رَّبَّنَا إِنَّى أَسكَنتُ مِن ذريتي بِوَادٍ, غَيرِ ذي زَرعٍ, عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصلاة فَاجعَل أَفئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهوِى إِلَيهِم وَارزُقهُم مّنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرُونَ)[إبراهيم: 37]، وجعلت أم إسماعيل ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نَفِد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فقامت على الصفا ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدًا، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صه، ثم تسمعت فسمعت أيضًا، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه بيدها، فشربت وأرضعت، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن هذا البيت يبنيه هذا الغلام وأبوه.
وإن في قول إبراهيم عند دعائه: (فَاجعَل أَفئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهوِى إِلَيهِم) لفائدة جليلة، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيره: "لو قال أفئدة الناس لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال: مّنَ النَّاسِ فاختص به المسلمون".
فنحن المسلمون على إرث عظيم من إرث إبراهيم، وفي ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في جاء في رواية الترمذي وأبي داود وغيرهما بسند صحيح: ((كونوا على مشاعركم، فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم)). فهذا من فضائل وخصائص هذه الأمة.
وإن الله -تعالى-جعل في الحج منافع عظيمة وحكما بديعة، وذلك لما جمع الله فيه من شرف المكان والزمان.
قال -تعالى-: (لّيَشهَدُوا مَنَـافِعَ لَهُم) [الحج: 28]، فهذه المنافع والخيرات التي ينالها الحاج ويصيبها في الحج هي منافع الدنيا والآخرة، وأجلّها وأعظمها مغفرة الله - تعالى -ورضاه، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: (منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله -جل وعلا-، وأما منافعُ الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات).
وعلى هذا يجوز لمن قصد الحج أن يَأخُذَ بضاعة معه ليبيعها في الحج، ما دامت النية للحج هي الأصل وهي الدافع ابتداءً، وليست نية التجارة.
وكما لا ينكر على من يجلب بضاعة من الحج لينتفع بها أو ليبيعها في بلده، وأن هذا من المنافع التي كتبها الله للحاج كما دلت عليه الآية، ولقوله - تعالى -أيضا: (لَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَبتَغُوا فَضلاً مّن رَّبّكُم)[البقرة: 198]، نزلت في شأن التجارة في موسم الحج.
وإن في تشريع الحج حِكما كثيرة ودروسا بليغة، منها:
تحقيقُ التوحيد لله -عز وجل-، فهذه التلبية التي يرددها الحجاج أثناء مناسكهم تتضمن معنى التوحيد الذي هو أساس الدين وقوامه، كما تتضمن البراءة من الشرك بكل صوره وشتى أنواعه و أشكاله.
فالواجبُ على المسلمين جميعا أن يستحضِروا ما دلّت عليه هذه الكلمة من معنى، وأن يعرفوا ما تضمّنته من دلالة عظيمة، فالمسلم الموحد لا يسأل ولا يدعوإلا اللهَ، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يتوكَّل إلا على الله، لا يذبح ولا ينذر إلا لله، مستيقنًا أنَّ الخير كلّه بيد الله، وأزمَّة الأمور بيده، ومرجعها إليه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد اشتملت كلماتُ التلبية على قواعدَ عظيمة وفوائد جليلة...منها: أن التلبيةَ تتضمّن التزامَ دوامِ العبودية، ومنها: أنها تتضمّن الخضوعَ والذل، ومنها: أنها تتضمَّن الإخلاصَ لله -جل وعلا-".
ومن حكم الحج ذكر الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالحَجّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ, يَأتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ, لّيَشهَدُوا مَنَـافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ, مَّعلُومَـاتٍ, عَلَى مَا رَزَقَهُم مّن بَهِيمَةِ الأنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) [الحج: 27، 28]، فذكر الله هو أول المقاصد التي أرادها الله من هذه العبادة، حيث أراد أن ترتبط القلوب به خلال أيام الحج.
ومن دروس الحج وحِكمه الاستسلام والامتثال لأمر الله، وهو ما يتربى عليه الحاج في عدد من شعائر الحج، وذلك نراه في امتثال الحجاج وقيامهم بالكثير من العبادات التي قد لا نرى وجه الحكمة فيها، كالطواف والسعي وكونهما سبعًا، والابتداء بالطواف من الحجر الأسود بعد تقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه، وبداية السعي من الصفا، ورمي الجمرات بسبع حصيات. كل ذلك يصنعه الحاج عبودية لله -تعالى- وامتثالاً لأمره واستسلامًا لشرعه.
عباد الله، وإن من حكم الحج و دروسه كذلك ما جاء في قول نبينا عند كل منسك من مناسك الحج، مخاطبا الصحابة وأمته: ((خذوا عني مناسككم)). وهذا ليعلم المسلمون وليتذكروا وليستيقنوا أنه لا سعادة ولا نجاح ولا توفيقَ ولا سدادَ في هذه الحياة الدنيا ولا في الآخرة إلا باتباع النبي، والسير على طريقته ومنهاجه، والأخذ بهديه وسنته في الاعتقاد والأعمال، وفي الحكم والتَّحاكم، وفي الأخلاق والسلوك.
ومن دروس الحج أيضًا تذكر يوم الحشر الأكبر، فأنت لما ترى ذلك الحشد الكبير من الناس على اختلاف حالهم وأصلهم، فقيرهم وغنيهم، قويهم وضعيفهم، حاكمهم ومحكومهم، عربيهم وأعجميهم، أبيضهم وأسودهم، كلهم بلباس واحد، ويرددون كلامًا واحدًا، فهذا المشهد العظيم يذكر بيوم يحشر فيه الناس إلى ساحة المحشر.
ومن حكم الحج ودروسه كذلك إغاظة المشركين، فثمة أمور صنعها النبي أول ما صنعها إغاظة للمشركين.
ومن ذلك الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل في الطواف وفي السعي إظهارا لقوة المسلمين، ونحن نصنعها تأسيًا بنبينا.
ولا شك أن اجتماع المسلمين في الحج رمز لإظهار الوحدة والقوة، قال أحد المستشرقين من دعاة التنصير: "سيظلّ الإسلام صخرةً عاتية تتحطّم عليها سفن التبشير ما دام للإسلام هذه الدعائم: القرآن، واجتماعُ الجمعة، ومؤتمر الحج".
والحق ما شهدت به الأعداء، فإن موسم الحج أو مؤتمر الحج كما سموه يبعث ويغرس في المسلمين روح الوحدة والترابط، والاجتماع والائتلاف، وكيف لا يجتمعون ولا يتوحدون وربهم واحد، و دينهم واحد، ونبيهم واحد، وهم على قبلة واحدة، مناسكهم واحدة، لباسهم واحد، وشعارهم واحد. لهذا كان موسم الحج رمزا للقوة وعبرة للوحدة، ويا ليت المسلمين استفادوه منه، ولكن هيهات هيهات.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، إن الله -تعالى- قد وعد بالفضل العظيم والثواب الجسيم لمن لبى نداءه وحج بيته الحرام.
فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))، وعن ابن مسعود رض الله عنه قال: قال رسول الله: ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)) رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط فقبضت يدي، فقال: ((ما لك يا عمرو؟))، قلت: أشترط، قال: ((تشترط ماذا؟!)) قلت: أن يغفر لي، قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)).
فالحاج الذي لم يرفث ولم يفسق يخرج طاهرا نقيا من الذنوب صغيرها وكبيرها كيوم ولدته أمه.
فيا لله على هذا الثواب العظيم، ويا لله على هذا الثواب الجسيم.
وزيادة على هذا فإن للحاج دعوة مستجابة، فقد روى ابن ماجة بسند حسن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي قال: ((الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)).
والحاج في حفظ الله -تعالى-، فقد صحح الألباني من رواية الحميدي أن النبي قال: ((ثلاثة في ضمان الله -عز وجل-: رجل خرج إلى المسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله، ورجل خرج حاجًا)).
ومما جاء في فضل الحج وأنه منفاة للذنوب ما أخرجه الطبراني وحسنه الألباني من حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: ((أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله بها لك حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني؟! فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك)).
إن في هذه الأحاديث دعوة ونداءً للمبادرة إلى الحج، فالغنيمة الغنيمة، والمبادرة المبادرة، والعجل العجل قبل حلول الأجل، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، فمن استطاع أن يلبي فيها نداء ربه فليفعل و لا يؤخر و لا يتماطل، فإن العبد لا يعلم متى موعد رحيله من هذه الدنيا، والحج أيام معدودات، و من لم يجب نداء الحج مع استطاعته تهاونًا وتكاسلاً فقد أتى ذنبًا عظيما، وأصاب جرمًا كبيرًا وكان من المحرومين.
والحج هو قصد مكة للتعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله.
والحج واجب على المسلم الحر المكلف القادر مرة في عمره على الفور، والقادر والمستطيع هو القادر في ماله وبدنه، وهذا بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية، أي: بعد قضاء الديون والكفارات والنذور والنفقات الواجبة والشرعية مما يكفيه وعائلته إلى أن يرجع من الحج، والحوائج الأصلية يعني: لا بد أن يكون ما عنده من المال زائدًا على الحوائج الأصلية وهي التي يحتاج إليها الإنسان كثيرًا.
ومن كان عنده مال وأعجزه كبره أو أعجزه مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه، ويجزي عنه.
والمعذور الذي لا يقدر فنيته في قلبه، وعذره عند ربه، وربما سبق بعض من سار بقلبه وهمّته وعزمه بعض السائرين ببدنه لأن المتخلف لعذر شريك للسائر، كما قال النبي لما رجع من غزوة تبوك: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، حبسهم العذر))، أي: معكم في الأجر.
وبهذا الصدد نود أن ننبه على بعض المفاهيم والأفكار الخاطئة والشائعة عند بعض الناس.
فكون الحج واجبا على من استطاع فقد يقع في نفوس بعض الناس التخفيف من شأنه وأمره، فيؤول بهم الأمر إلى التكاسل والتهاون أو أن يفهموا ذلك بمفهوم التخيير.
ومن المفاهيم الخاطئة كذلك فهمُ وجوب الحج على الاستطاعة بمفهوم التأخير دون الفورية والمبادرة إليه، فيؤخر الواحدُ حجَه بحجة أنه لم بلغ الأربعين أو الستين، أو يقول: ما زلت صغيرًا، وإلى غير ذلك من الأعذار غير المقبولة.
اعلم ـ أخي المسلم ـ أن لو كان عمرك في سن التكليف وهو ما حدده العلماء بسن الخامسة عشر، وكان عندك القدرة المالية والبدنية لوجب عليك الحج، وإن تركته وأنت في سن التكليف ظنًا منك صغر سنك لأثمت عند الله، ولم تكن من المعذورين.
ومن المفاهيم والأفكار المنحرفة عن صراط الله أن بعض الناس يمتنعون عن الحج مع قدرتهم عليه ماليًا وبدنيًا، بسبب أنهم يكرهون الدولة الفلانية وحكومتها، وقد سمعت أحدهم يتبجح و يقول: أنا لا أحج لأني لا أريد أن أمكّن أو أعطي مالي لهؤلاء الناس ليستفيدوا منه، ويقول: لو أن الحاج تصدق بقيمة تكلفة الحج على الفقراء لكان أفضل من أن يأخذه هؤلاء. وفي الحقيقة مثل هذه الأفكار أو الآراء السفيهة ناتجة عن خلفية سياسية عقيمة تغذيها أفكار حاقدة على الإسلام والمسلمين، والمسلم العاقل يدرك بفطرته بطلانها، وأنها دليل على خفة الدين ونقص الإيمان. والله المستعان.
ومن الأخطاء الشائعة ترك فريضة الحج مع القدرة أو تسويفه من أجل المشاريع، أو الصفقات التجارية الزائدة عن الحاجة.
ومن الأخطاء كذلك ترك فريضة الحج مع الاستطاعة بسبب البخل والشح، أو خشية الفقر، وهذا في الحقيقة من تخويف إبليس كما قال -تعالى-: ( الشَّيطَـانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ [البقرة: 268]، والرسول يقول: ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب))، فبين أن الحج ينفي الفقر عن المسلم.
ومن الأخطاء كذلك ترك فريضة الحج عمن توفي وكان له مال، فيذهب الورثة إلى اقتسام التركة أو الفريضة دون التفكير في الحج عن المتوفى، سواء كان المتوفى من الوالدين أو من الأرحام، فمن الجهل والغفلة أو من اللؤم والخسة أن يقتسم الأبناء إرث والديهم أو أحدهما دون التفكير في الحج عنه، أو يدفعان مؤنة وتكاليف ذلك لمن يحج بدلهما، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
ومن منكرات السفر ـ عباد الله ـ إلى بيت الله الحرام سفر المرأة لوحدها دون محرم، وهذا مما نهى عنه الشارع الحكيمº لما قد يترتب جراء ذلك من المفاسد، ففي الصحيحين قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها))، وقال أيضا: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقال له رجل: يارسول الله، إنّ امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ قال: ((انطلق فحجّ مع امرأتك)).
ومن المنكرات كذلك ما يفعله بعض الناس في بعض مناطق البلاد قبل سفرهم أو ذهابهم إلى الحج، فيقومون بالطواف على القبور أو المعالم التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا من الجهل بدين الله، وهو من البدع الشركية المنكرة، فإن الطواف خصه الله -تعالى- بالكعبة فقط، وهو شعيرة من شعائر الحج والعمرة، فلا يجوز لمسلم موحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يطوف بغير الكعبة.
ومما يجب على الحاج اجتنابه وبه يتم بِرُ حجه أن لا يقصد بحجه رياء ولا سمعة، ولا مباهاة ولا فخرا ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجه ويخشع لربه.
وعلى المسلم أن يحج بالطيب من الكسب، من المال الحلال فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
إذا حججتَ بمال أصله سحتُ *** فما حججتَ ولكن حجّت العيرُ
لا يقبـل اللهُ إلاّ كلَّ طيّـبـة مـا *** كلُ من حج بيتَ الله مبرورُ
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفق الحجاج لأداء مناسك الحج، اللهم اجعل حجهم حجا مبرورا، وسعيهم سعيا مشكورا، واجعل ذنبهم مغفورا، اللهم من لم يستطع منهم الحج فافتح له أبواب فضلك وإحسانك، ووفقه لتلبية ندائك يا أكرم الأكرمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد