كنت أراجع كتابي (التهذيب الموضوعي لتاريخ بغداد) فوقفت على أثر لابن المبارك - رحمه الله - جعلني أتأمل فيه قليلا..جاء في الكتاب ما يلي: عن عبد الله بن المبارك أنه كان يتجر في البز، وكان يقول: لولا خمسة ما اتجرت، فقيل لـه يا أبا محمد: من الخمسة؟ فقال: سفيان الثوري, وسفيان بن عيينة, والفضيل بن عياض, ومحمد بن السماك, وابن علية، قال: وكان يخرج فيتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج، والباقي يصل به إخوانه الخمسة.
فرحم الله ابن المبارك.. كم كان يعلم أهمية تفريغ العلماء لتدريس العلم وتعليمه للناس وسد حاجتهم كي لا ينشغلوا بطلب الرزق عن مواصلة التعليم والتدريس.
وكم هو خطير للغاية أن ينشغل العلماء بالضرب بالأسواق عن التفرغ للتدريس فانشغال العلماء بهذا يقلل من انتشار العلم بسبب تزاحم الأوقات والهموم لديه، ورحم الله الشافعي حينما قال: لو كلفوني أهلي شراء بصلة ما حفظت مسألة!! فكيف بمن يفكر في صبحه ومساءه بأمر معاشه وتدبير أمره؟!!
نعم كان من دوافع ابن المبارك للقيام بالتجارة هي قضاء حوائج إخوانه من العلماء كي تحفظ للعالم كرامته، وتصان مهابته، ولا تستغل حاجته، ويتفرغ لنشر العلم وإحياء سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الناس، ويخرج للأمة طلابا نجباء، قد تتلمذوا على يديه، وتربوا على موائد القرآن ومواعظه.
إن ابن المبارك يوجه رسالة لأهل الرأي والحصافة في أن يفرغ العلماء للتدريس وأن تكون هناك أوقاف تصرف عليهم، ويتولى أناس إعانتهم في تنظيم أمورهم وترتيب أعمالهم، وتنسيق مواعيدهم كي يعم نفعهم، ويكثر نتاجهم، وينتشر علمهم بين الناس.
إن من الغبن أن نرى من أهل الكتاب اهتماماً بإنشاء الأوقاف للعناية بقساوستهم وفي المقابل لا نرى أي اهتمام للعناية بخدمة العلماء وإنشاء المكاتب التي تتولى العناية بهم!!
فهل نرى من فضلاءنا من يبادر إلى مثل هذا العمل كي يفوز بأجر من سنة سنة حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفعل الخير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد