كيف تكون محبوبا .. ؟ ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ومن الأسباب التي يكسب بها العبد محبة الله، ومن ثمّض محبة الناس له:

5- الأخوَّة في الله: وما يتبعها من الجلوس مع الأخ في الله لذكر الله والزيارة في الله، والبذل لأخيه حال الحاجة، وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"قال الله - تعالى -: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ\".

 

6- إصلاح السريرة: إنه التأثير الذي يقذفه الله- تبارك وتعالى -في نفوس الخلق لمحبة ذلك الإنسانº لأن نيته حسنة، وقلبه يقظ، دائم التفكر في عمله، مراقب لقوله وأعماله، في خطواته وخلواته، وخواطره وتفكيراته، إنهم \"رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات، يحفظ الله بهم الأرض، بواطنهم كظواهرهم بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى، وهممهم عند الثريا بل أعلى، إن عرفوا تنكروا، وإن رُئيت لهم كرامة أنكروا، فالناس في غفلاتهم، وهم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم أفلاك السماء\".

 

وصلاح السريرة هو: التوجيه نحو تصفية الأحوال والأعمال الذي نادى به أبو سليمان الداراني إذ قال: \"من صفّى صُفي له، ومن كَدّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره\".

وكان شيخ يدور في المجلس ويقول: \"من سرَّه أن تدوم له العافية فليتق الله - عز وجل -\".

وإنه والله لتفاوت ما في القلوب من صفاء وإخلاص، فالعبد حاملٌ في سريرته أحد طريقين:

\"إن العبد ليخلو بمعصية الله - تعالى -فيُلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر\".

أو \"من أصلح سريرته، فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرئر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر\".

وهي النتيجة التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - للعبد ليلتمس الهدى في مسار الحياةº إذ قال: \"لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائناً ما كان\".

وبعد \"فخذ برأس الأمر يا أخي، ولا تستغرب كثرة التوصية بهذه المعاني التي مرت عليك عند الابتداءº فإنها تلزمك عند التوسط أيضاً وعند الانتهاء\".

 

7- الزهد في الدنيا: قف وتأمل عند هذا الحديث طويلاً، فعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: \"جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس\".

 

والله إن الزاهد لسعيد في دنياه، وسيسعد في أخراه بإذن الله. فلن تغريه شهوه، ولن يخوض في فتنة، ولن يحزن على دنيا، ولن يألم على فوات شيء منها. وقد ضرب لنا سلفنا الصالح أروع الأمثلة في ذلك، فأحبهم جميع الخلق ولم يروهم، ووالله إنه لَبِمَا وقر في قلوبهم من محبة الله، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.

 

ولنتأمل حال هذين الإمامين العظيمين بين عظماء الأئمة في الإسلام الذين لا يحصرون كثرة:

عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - لم يكن ممن خاض في الفتنة التي حصلت بين الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين، بل اعتزلها وتركها، وإنه ليتذكر موعظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل\"، فعُرضت عليه الإمارة، وتولية أمور الدنيا، لكنه تركها وزهد فيها، فصار علماً من أعلام الأمة، وعظيماً من عظمائها، لا يزال التاريخ يشهد له ويثني على فضله.

 

وشخصية أخرى تلمست الخطا، وارتقت إلى العلا، إنه الإمام المبجّل أحمد بن حنبل، فمن عجيب ما روي عنه ما قاله النيسابوري: أن أمير البلاد قال لي: اذهب إلى أحمد بن حنبل، فإذا جاؤوا بإفطاره فَأَرِنِيهِ. قال: فجاؤوا برغيفين من خبز وخيارة، فأريته للأمير. فقال: هذا لا يجيبنا إذا كان هذا يقنعه\".

 

ولم تنقطع المواقف النموذجية بموت أولئك السلف ولم تكن حكراً على جيل دون جيل، بل سار على ركبهم أئمة الخير والدعوة في القرون المتأخرة، الذين ذاع صيتهم وأحبهم الناس شرقاً وغرباً، وإنه والله لزهدهم في الدنيا، وحبهم للآخره.

 

وهاك حال عالمين من هذا الزمان:

الإمام الشهيد حسن البنا - رحمه الله - أحد أعلام الدعوة المعاصرة، نافح عنها كثيراً، وقدَّم الخير الكثير والعمل النبيل لأمته، وأسس جيلاً من القائمين بدين الله، الآخذين به بقوة، فطابت منابتهم ونضجت به ثمرتهم.

لقد كان وقته مقسماً بين طلبات دعوته، ومناجاته لربه، وحاجات أهله، ففي عبادته (كان يكثر من تلاوة القرآن في الصلاة، خصوصاً في الفجر والعشاء، وكان يقوم الليل كلَّ ليلة تقريباً، وكان يصوم في أوسط الشهر).

 

وكان يجلس سويعات في منزله لقضاء حاجات أهله وولده، ومن ثم ينطلق لحركته ودعوته. لقد كان الإمام إماماً في الزهد حقاً إذ \"أنه كان يتصدق كثيراً، ويسعد بتفريج الكربات من ماله، أو من مال الدعوة، ولا نعلم أنه كان له مال تجب فيه الزكاة\". نعم، وقد صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس\".

 

والشخصية الثانية، رجلٌ صاحب قلم سيال، نوَّر الله بصيرته، وفتح عليه من فضله، فخرجت كلماته ينابيع حكمة، ومشاعل نور في كتابه المنير \"الظلال\" إذ كلما قرأه القارئ وجد فيه الحكمة، وحسن الكلمة، حتى انتشرت كلماته شرقاً وغرباً، وتخاطفت الأيادي كتبه شمالاً وجنوباً.

فكما أحسن في حياته، أحسن الله في خاتمته، ونرجو أن يكون كذلك شهيداً عند الله، إنه المفسر الشهيد سيد قطب - رحمه الله -.

 

وإن من دواعي نشر صيت هذا الإمام الفذ زهده في دنياه، وتأمله في أُخراه. ومن عجيب القصص المروية عنه في ذلك \"أن زاره ذات يوم الأديب الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار، فوجد عنده أثاثاً جديداً جميلاً، ثم زاره مرة أخرى فوجد أثاثاً قديماً فاستغرب، وبعد إلحاح منه على سيد قطبº ليعرف حقيقة الأمر، أجاب بأنه باع الأثاث الجديد وقَدّم ثمنه مساعدة لأحد إخوانهº ليتمم مصروفات زواجه\".

 

لقد زهد في الدنيا فقدم روحه لله، وزهد فيما عند الناس فأعطاهم ما يملك من دنياه، فحقق الله محبته في نفوس الناس \"ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس\"، هكذا نحسبه، والله حسيبه.

8- حسن الخلق: وهو من أعظم المسالك وأوقعها في نفوس المحبوبين، والتي هي مجبولة على محبة صاحب الخلق الحسن.

ومن هنا عليك أن تنتبه لهذه الجواهر من الفوائد والنفائس المكنونة في داخل قلبك، وتخرجها من داخلك لتصل إلى درجة المحبة:

1. يقولون: إن أردت أن تأسر قلب محدّثك فاجعله يتحدث وأحسن الاستماع له، \"فإذا أردت أن يحبك الناس، فكن مستمعاً جيداً، وشجّع محدثك على الكلام عن نفسه\".

2. اضبط نفسك أن تلتزم بالمواعيد، فالدقيق في موعده يُحبُ ويُحترم.

3. كن كريماً إذا زارك الضيف وأحسن اللقاء به.

4. تبادل الهدايا مع محبيك، فإنه مغذ قوي للمحبة، وفي الحديث \"تهادوا تحابوا\".

5. بث الحماس والتشجيع للعمل الذي يقدمه محدثكº لأن هذا المدح والثناء والتحميس بالحسنى وبما هو له أهل \"يُختزن في ذاكرة محدثك وتتجاوب أصداؤه في صدره على مرّ السنين نغماً حلواً لا ينسى\".

6. غُضّ الطرف عن الهنات، ولا تتعقب زلات اللسان، وسقطات الكلام.

 

وبعد، فيا أخي: ما هو إلا توفيق الله لك أن يسهل لك تلك المسالك ليكرمك بمحبته، ومن ثم محبة عباده لك، فاسأل ربك أن يرزقك حبه والعمل الذي يقربك لحبه، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"أتاني ربي - عز وجل -يعني في المنام- فقال لي: يا محمد، قل: اللهم إني أسألك حبك وحُبّ من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك\".

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply