بسم الله الرحمن الرحيم
لم تكن أحداث 11 سبتمبر 2001 مجرد حادث غير عادى انتهى بإزالة أنقاض برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع في كل من نيويورك وواشنطن، ولكنها طبقاً لرأى المراقبين تعد منعطفاً تاريخياً مهماً ستكون له تداعياته المستقبلية على المدى القريب والبعيد سواء على المجتمع الأمريكي، أو العالم العربي والإسلاميº فقد كانت تلك التفجيرات ذريعة لحملة واسعة النطاق تقودها أميركا ضد كل ما هو إسلامي بزعم محاربة الإرهاب.
وقد نالت المنظمات والهيئات الخيرية الإسلامية نصيب الأسد من ذلك الهجوم، وقامت الولايات المتحدة بوضع 27 منظمة وجمعية خيرية إسلامية على قائمة المنظمات التي تدعم وتمول الإرهاب، ومارست ضغوطاً شديدة على الدول العربية والإسلامية حتى تضع تلك الجمعيات التي تؤدى دوراً مهماً في محاربة الفقر، ورعاية الأيتامº تحت الرقابة الأمنية الصارمة، وطالبت بتغيير مناهج التربية الإسلامية، وحذف العديد من الآيات والأحاديث ووقائع التاريخ الإسلامي، ورافق ذلك كله حملة إعلامية شرسة على الإسلام والمسلمين.
واللافت أن الحرب المعلنة على العمل الخيري الإسلامي تزامنت مع تردى الأوضاع الاقتصادية داخل الكثير من البلدان العربية والإسلامية، وتجاهلت الإدارة الأمريكية النتائج السلبية الخطيرة التي ستنجم عن تلك الحرب، فقد كشف تقرير ( التنمية الإنسانية لعام 2001 ) الذي أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً أن معدل نمو الدخل للفرد العربي هو الأقل في العالم ما عدا أفريقيا جنوب الصحراء، وتزايد اتساع رقعة الفقر، فمازال هناك واحد من بين كل خمسة من العرب يقل دخله عن دولارين في اليوم، وتزيد البطالة عن 15% من قوة العمل، مع ارتفاع أعداد الأميين الذين يمثلون ما يقرب من 50% من تعداد السكان، مع استمرار تدنى مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.
ولا تختلف الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلدان الإسلامية كثيراً عن مثيلتها في المنطقة العربية، يضاف إليها أن أكثر من ثلثي اللاجئين في العالم هم من المسلمين، وغالبيتهم من النساء والأطفال (إجمالي عدد اللاجئين في العالم 27 مليون لاجيء) طبقاً لإحصائيات المفوضية العليا لشئون اللاجئين، ويهدد الجفاف والتصحر الملايين من المسلمين في العديد من البلدان الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة، كما تحصد النزاعات المسلحة في البعض الآخر أعداداً أخرى مما يجعل حياة تلك الشعوب أكثر قسوة وحرماناً.
التنصير المنظم:
أحد قساوسة التنصير في أفريقيا؟!!
وفى وسط هذه الأجواء القاتمة وجدت المنظمات التنصيرية المدعومة من الكنائس الغربية فرصتها، فتحت ستار تقديم العون الغذائي والدوائي يتم العمل الدؤوب لتنصير المسلمين سواء داخل المنطقة العربية، أو البلدان الإسلامية خاصة في أفريقيا، تطبيقاً لمخططات تم وضعها بعناية، وتم توفير الإمكانيات البشرية والمالية اللازمة من خلال مؤتمرات عقدت لهذا الغرض يأتي في مقدمتها المؤتمر الذي عقد في ولاية كلورادو الأمريكية عام 1978، والذي وضع خطة شاملة لتنصير المسلمين خلال خمسين عاماً.
وهناك مؤتمر آخر عقد في مدينة أمستردام الهولندية ونظمته الطائفة البروتستاتينة في شهر أغسطس عام 2000 واستمر تسعة أيام، وحضره عشرة آلاف مندوب من أنحاء العالم، وتكلف المؤتمر 45 مليون دولار تبرع بها المنصر الشهير بيلى جراهام، كما شهدت مدينة "أنديانا بولس" الأمريكية مؤتمراً آخر شارك فيه 35 آلف مندوب من أنحاء العالم، وأعلن في هذا المؤتمر أن متوسط دخول الناس في النصرانية من خلال الطائفة المنظمة للمؤتمر هو عشرة آلاف شخص يومياً.
ورصد مؤتمر (يونايتد ميثوديستس) الذي عقد في مدينة" كليفلاند" الأمريكية 545 مليون دولار لأنشطة طائفتهم في السنوات الأربع القادمة، وقد أسفرت تلك الجهود عن نتائج مؤسفة، ففي دولة أندونيسيا المسلمة تم تنصير الكثير من المسلمين، فحتى عام 1989 تم تنصير ثلاثة ملايين مسلم، ولم يكتف الغرب بذلك بل نجح في فصل (تيمور الشرقية) عن اندونيسيا بعد سنوات من الجهود المنظمة من جانب المنظمات التبشيرية بالتعاون مع أعوانهم في البلدان الغربية.
وقد حققت المنظمات التنصيرية نجاحات أخرى في باكستان، وبنجلاديش، وجنوب السودان، وفى بلاد عربية مثل المغرب والجزائر، ففي أكتوبر عام 2000 نقلت وسائل الإعلام نبأ إقامة الكنيسة الباكستانية حفلاً تنصيرياً كبيراً في مدينة "لاهور" عاصمة إقليم البنجاب شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخص 60% منهم كانوا في الأصل مسلمين، وتحولوا عن دينهم، وهناك مشروع يطلق عليه اسم ( اليسوع) تقوم بتمويله 71 منظمة تنصيرية غربية، تتولى جمع الأموال لدعم مشاريع التنصير، وبناء الكنائس التي بلغ عددها في دولة مثل بنجلاديش 170 كنيسة خلال ثلاث سنوات، وقامت بالتعاون مع المنظمات الأخرى بمضاعفة عدد الكنائس في أفريقيا خلال العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 24 ألف كنيسة.
وتخطط الكنائس الفرنسية والبريطانية والسويسرية لتكثيف نشاطها في البلاد العربية، وتم اتخاذ العديد من القرارات في هذا المجال، ففي اجتماعات مؤتمر مجلس الكنائس العالمي الذي عقد في فرنسا كان من بين توجيهات تلك الاجتماعات ضرورة أن يعمل المنصرون من أجل فتح المغرب العربي، وأن تمارس حكومات الغرب المزيد من الضغوط لتوفير الحرية للبعثات التنصيرية العاملة في تلك البلاد.
وكشفت التقارير التي تصدرها المنظمات التنصيرية أن حوالي 150 ألف مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي المسمي (A.W.M) دروساً في المسيحية، ولدى هذا المركز منصرين يعملون وسط المليوني مسلم القادمين من دول المغرب العربي والمقيمين في فرنسا، وتملك هذه المنظمات إلى جانب ذلك برامج اذاعية وتليفزيونية دولية لنشر الإنجيل، إضافة إلى 635 موقع تنصيري على الانترنت.
بروز العمل الإسلامي:
مركز إسلامي أقامته منظمات الإغاثة.
في وسط هذه الظروف غير المواتية برز العمل الخيري الإسلامي تحت مظلة هيئة شعبية برئاسة شيخ الأزهر أطلق عليها المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، اتخذ من القاهرة مقراً له، وانضوى تحت لواءه عدد محدود من المنظمات الإغاثية والدعوية، وما لبث هذا العدد أن تضاعف حتى وصل حالياً إلى 72 منظمة أخذت على عاتقها تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب الفقيرة، ومنكوبي الصراعات المسلحة والكوارث، وهى تقدم تلك المساعدات للمسلمين وغير المسلمين وفقاً للنظام الأساسي الذي أقيم عليه المجلس.
وحقق العمل الإغاثي الإسلامي منذ إنشاءه حتى الآن إنجازات كبيرة، وأصبح نشاطه ملموساً في مناطق النزاعات المسلحة في العالم، وقدمت عشرات الملايين من الدولارات للشعوب المنكوبة في الصومال، والبوسنة، وكوسوفا، وفلسطين، والشعوب الأخرى التي يفترسها الفقر في أفريقيا وآسيا، واكتسبت تلك المنظمات خبرة وكفاءة عالية، وتبنت فلسفة تنموية متكاملة في مناطق تواجدها تقوم على محاربة الفقر من خلال المشروعات الإنتاجية التي تناسب سكان وظروف المنطقة التي تعمل فيها، وأعطت اهتماماً ملحوظاً بمشاريع التعليم، وأنشئت عدداً كبيراً من المدارس الإسلامية ومكاتب تحفيظ القرآن في دول آسيا الوسطي، والبوسنة، وكوسوفا، وألبانيا، وأفريقيا حيث النشاط التنصيري المكثف والمدعوم من الغرب.
وشاركت منظمات المجلس في أكثر من 188 مؤتمراً دولياًº منها 30 مؤتمر هذا العام فقط، وحصل الكثير منها على عضوية المنظمات العاملة بالأمم المتحدة، وأسهمت لجنة المرأة والطفل التابعة للمجلس في التصدي للكثير من البنود الإباحية في المواثيق الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والطفل والشباب، وتمكنت من حذف الكثير من هذه البنود أثناء مناقشتها داخل لجان الصياغة، وأصبح الصوت الإسلامي مسموعاً سواء داخل المنظمة الدولية أو خارجها من خلال لجان المجلس خاصة لجنة فلسطين، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة التعليم والدعوة، ولجنة الحوار بين الحضارات.
هذا النمو المضطرد للمنظمات الاغاثية الإسلامية، والفاعلية والتواجد القوي في قلب الأحداث الدولية، والدعم الملموس للأقليات المسلمة والفئات المهمشة في المناطق الفقيرة داخل العالم الإسلامي أزعج الهيئات التنصيرية التي وجدت البساط ينسحب من تحت أقدامها، وخسرت ورقة الغذاء والدواء والعمل الإنساني التي كانت تتخذها تلك المنظمات مبرراً وغطاءا للأعمال التنصيرية، فبدأت أعمال الدس والتشويه من جانب الإعلام الغربي قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر بسنوات طويلة.
الفقر أحد مداخل التنصير لأفريقيا:
وكان الهدف هو إحداث وقيعة بين الحكومات العربية والإسلامية وبين تلك المنظمات، ولكن التزام القائمين على العمل الإغاثي الإسلامي بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة عربية أو إسلامية افشل ذلك المخطط، إلى جانب أن تلك الحكومات أدركت قيمة وأهمية العمل الإغاثي الإسلامي في التقليل من حجم الفقر الذي تعاني منه الكثير من شعوبنا.
وبعد إحداث 11 سبتمبر تزايدت الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية بغرض فرض رقابة أمنية صارمة على المنظمات الاغاثية الإسلامية، والمطالبة بإغلاق بعضها وضغطت الحكومة الأمريكية على أوروبا لنفس الهدف، فتم إغلاق العديد من مكاتب تلك المنظمات في البوسنة، ومقدونيا، وألبانيا، والباكستان، وأمريكا، وبريطانيا، وايطاليا، وزادت الإجراءات الرقابية الأمنية على ما تبقى من تلك المنظمات داخل أمريكا وأوروبا بعد أن أصبحت في دائرة الاتهام.
الإدارة الأمريكية لم تكتف بتوجيه سهامها نحو العمل الخيري الإسلامي بل بدأت بعد انتهاء حملتها العسكرية على أفغانستان، وفرض حكومة عميلة لها برئاسة حامد قرضاى الاستعداد لغزو العراق لإزاحة صدام حسين، وتشكيل حكومة موالية للولايات المتحدة الأمريكية تمهيداً لفرض الهيمنة على حقول النفط العراقية لصالح الشركات الأمريكية.
ويري المراقبون أن المتغيرات الجديدة جعلت كل من الحكومات العربية والإسلامية والمنظمات الاغاثية الإسلامية يقفان في خندق واحد أمام المخططات الأمريكية التي ستهدف الجميع، إلى جانب محاولة رسم خريطة جديدة للمنطقة تكون فيها إسرائيل هي صاحبة اليد الطولي تحقيقاً للنبؤة التوراتية التي يؤمن بها الرئيس الأمريكي بوش بأن إبادة المسلمين على يد إسرائيل والغرب في معركة" هرمجدون"خطوة ضرورية لنزول المسيح المخلص، فهل ستتمكن المنظمات الإغاثية الإسلامية من العمل وسط هذه الظروف الجديدة، وتنجح في مواجهة الحصار الغربي، وبالتالي الحد من خطر التنصير الذي يهدد الشعوب الإسلامية؟ الأيام القادمة وحدها قد تحمل لنا الإجابة علي هذا التساؤل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد