عرفته شاباً خاشعاً مخبتا، كثّ اللحية، نقيّ السريرة، حريصاً على إتباع السنّة، محباً للعلماء والدعاة والصالحين، إلا أنّ ما يميّزه عن غيره: سعة الاطلاع، والنهم في قراءة الكتب، والمتابعة لما يكتب في الصحف والمجلات، لكنّه لم يتتلمذ على أحد من أهل العلم الكبار!!!...كان هذا هو عهدي به، إلى أن رأيته بعد سنوات، وكان أول ما أنكرت منه لحيته الكثة التي لم يبق منها سوى شعيرات مقصوصة على خده وذقنه، فلما رأى علامات الاستغراب بادية على وجهي بادرني قائلاً: ألم تسمع بفتوى بعض طلبة العلم(!) أن الأخذ من اللحية جائز.. قلت: لكنّ هدي نبينا ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ خير مما ذكرت.
ثمّ رأيته بعد أيّام وقد أسبل ثوبه يجرّه تحت قدميه، فلمّا رأى الكراهة في وجهي بادرني قائلاً: أما سمعت بفتوى الشيخ الفلاني أنّ الإسبال إذا لم يكن للخيلاء فليس بحرام!!! فقلت له: وما يدري الناس عنك هل أسبلته خيلاء أم لأمر آخر، ثم إنّ ظاهر النصوص لا يدلّ على ما ذكرت!!.
وبعد أيّام رأيته ممتطياً سيارته، فدعاني إلى الركوب معه، فلمّا ركبت معه أدار مؤشّر المذياع على أغنية سمجة، فلمّا أنكرت عليه ذلك بادرني قائلاً: ألم تسمع بفتوى الشيخ الفلاني أنّ الغناء غير الصاخب جائز، وهو قول الإمام ابن حزم الظاهري! فقلت له: ولكنّ هذا القول شاذّ، والنص الذي في الصحيح صريح في تحريم المعازف، ثم تأمّل في كلمات هذه الأغنية فهي تنضح بالعبارات الساقطة.. فقال لي: إنك إنسان بليد المشاعر، متوحّش الطباع.. فقلت: وأين هذه المشاعر عند تلاوة القرآن وذكر الله - عز وجل - .
ثم توقف بي عند بنك ربوي واستأذنني لدقائق ثم عاد!.. فقلت له: وما الذي حملك على التعامل مع هذا البنك الذي يجاهر بالربا..
فقال لي: ألم تسمع بفتوى الشيخ فلان الفلاني بإجازة اليسير من الربا؟.. فقلت له: ولكنّها فتوى شاذّة لم يوافقه عليها أحد من أهل العلم المعتبرين!!!
وبعد أسابيع تزوّج صاحبي، فرأيته مع زوجته وهي كاشفة وجهها، وقد بدت كالقمر!! فقلت له: كيف تبيح لمن هبّ ودبّ أن ينظر إلى وجه امرأتك، أما في قلبك غيرة؟ ثمّ إنّ النصوص الشرعية تدلّ على وجوب تغطية المرأة وجهها، ومنها قول عائشة - رضي الله عنها - في الصحيح، في حادثة الإفك لمّا رأت صفوان - رضي الله عنه - : \" فخمّرت وجهي، وكان يعرفني قبل نزول الحجاب \"، ففسّرت الحجاب بغطاء الوجه.. فقال لي: ألم تسمع بفتوى الشيخ الفلاني بجواز كشف الوجه؟.. فقلت له: وماذا أهديت لزوجتك عند الزواج؟.. فقال: أهديت لها طقماً من ذهبº عقداً وأساور وخاتماً. فقلت له: ألا تعلم أنّ الشيخ الذي تذكر أنّه أباح كشف الوجه، قد حرّم على المرأة لبس الذهب المحلّق كالأسورة والخاتم ونحوهما؟! فابتسم وقال: ولكنّ الشيخ ابن فلان يفتي بالإباحة. فقلت له: فلمَ أخذت فتوى ذلك الشيخ في الحجاب، ولم تأخذ فتواه في الذهب المحلّق؟!! إنّ هذا تلاعب بالدين، وتتبّع لرخص العلماء وزلاتهم، فإذا فعلت ذلكº اجتمع فيك الشرّ كلّه، كالذي يعمد إلى حَب مختلط، فيلتقط منه كل مسوّس، ويدع الجيّد، فماذا يصفو له؟.. فنظر إليّ شذراً وقال لي: انصرف، إنّك امرؤ متزمّت... !!!!
فنظرت إليه فإذا هو مرابٍ,، مسبل، شبه حليق، مستمع للغناء، ضعيف الغيرة، وما خفي كان أعظم، فقلت في نفسي: ما هذه واللهِ بأوصاف المؤمن التقي الصادق..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد