يولد الأطفال على الفطرة النقية، ويتعلمون الصدق والأمانة شيئاً فشيئاً من البيئة إذا كان المحيطون بهم يراعون الصدق في أقوالهم ووعودهم، ولكن إذا نشأ الطفل في بيئة تتصف بالخداع وعدم المصارحة والتشكك في صدق الآخرين فاغلب الظن أنه سيتعلم نفس الاتجاهات السلوكية في مواجهة الحياة وتحقيق أهدافه، والطفل الذي يعيش في وسط لا يساعد في توجيه اتجاهات الصدق والتدرب عليه، فإنه يسهل عليه الكذب خصوصاً إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية، ولباقة اللسان، وإذا كان أيضاً خصب الخيال فكلا الاستعدادين مع تقليده لمن حوله ممن لا يقولون الصدق، ويلجئون إلى الكذب وانتحال المعاذير الواهية، ويدربانه على الكذب من طفولته، فإن الكذب يصبح مألوفاً عنده، وعلى هذا الأساس فان الكذب صفة أو سلوك مكتسب نتعلمه، وليس صفة فطرية أو سلوك موروث، والكذب عادة عرض ظاهرى لدوافع وقوى نفسية تحدث للفرد سواء أكان طفلاً أو بالغاً، وقد يظهر الكذب بجانب الأعراض الأخرى كالسرقة أو الحساسية والعصبية أو الخوف.
وقد يلجأ بعض الآباء إلى وضع أبنائهم في مواقف يضطرون فيها إلى الكذب، وهذا أمر لا يتفق مع التربية السليمة كأن يطلب الأب من الابن أن يجيب السائل عن أبيه كذباً بأنه غير موجود، فإن الطفل في هذه المواقف يشعر بأنه أرغم فعلاً على الكذب، ودرب على أن الكذب أمر مقبول، كما يشعر بالظلم على عقابه عندما يكذب هو في أمر من أموره، كما يشعر بقسوة الأهل الذين يسمحون لأنفسهم بسلوك لا يسمحون له به.
ولكي نعالج كذب الطفل يجب دراسة كل حالة على حدة، وبحث الباعث الحقيقي إلى الكذب، وهل هو كذب بقصد الظهور بمظهر لائق، وتغطية الشعور بالنقص، أو أن الكذب بسبب خيال الطفل، أو عدم قدرته على تذكر الأحداث، والبيت مسئول عن تعليم أولادهم الأمانة أو الخيانة، وغالباً ما يقلق الوالدين عندما يكذب طفلهم أو ابنهم المراهق.
وهناك أنواع من الكذب منها:
1- الكذب الخيالي:
حيث يلجأ الأطفال الصغار (من سن 4 إلى 5 سنين) إلى اختلاق القصص وسرد حكايات كاذبة، وهذا سلوك طبيعيº لأنهم يستمتعون بالحكايات واختلاق القصص من أجل المتعةº لأن هؤلاء الأطفال يجهلون الفرق بين الحقيقة والخيال.
2- كذب الدفاع عن النفس:
وقد يلجأ الطفل الكبير أو المراهق إلى اختلاق بعض الأكاذيب لحماية نفسه من أجل تجنب فعل شيء معين، أو إنكار مسئوليته عن حدوث أمر ما، وهنا ينبغي أن يرد الآباء على هذه الحالات الفردية للكذب بالتحدث مع صغارهم حول أهمية الصدق والأمانة والثقة.
3-الكذب الاجتماعي:
وقد يكتشف بعض المراهقين أن الكذب من الممكن أن يكون مقبولاً في بعض المواقف مثل عدم الإفصاح للزملاء عن الأسباب الحقيقية لقطع العلاقة بينهمº لأنهم لا يريدون أن يجرحوا شعورهم، وقد يلجأ بعض المراهقين إلى الكذب لحماية أمورهم الخاصة، أو لإشعار أنفسهم بأنهم مستقلون عن والديهم (مثل كتمان أمر هروبهم من المدرسة مع أصدقائهم في أوقات الدراسة).
4-كذب المبالغة:
وقد يلجأ بعض الأطفال ممن يدركون الفرق بين الصراحة والكذب إلى سرد قصص طويلة قد تبدو صادقة، وعادة ما يقول الأطفال أو المراهقون هذه القصص بحماسº لأنهم يتلقون قدراً كبيراً من الانتباه أثناء سردهم تلك الحكايات.
وهناك البعض الآخر من الأطفال أو المراهقين ممن يكونون على قدر من المسئولية والفهمº وبالرغم من ذلك يكونون عرضة للكذب المستمر، فهم يشعرون أن الكذب هو أسهل الطرق للتعامل مع مطالب الآباء والمدرسين والأصدقاء، وهؤلاء عادة لا يحاولون أن يكونوا سيئين أو مؤذيين، لكن النمط المتكرر للكذب يصبح عادة سيئة لديهم.
5-الكذب المرضي:
كما أن هناك أيضاً بعض الأطفال والمراهقين الذين لا يكترثون بالكذب أو استغلال الآخرين، وقد يلجأ البعض منهم إلى الكذب للتعتيم على مشكلة أخرى أكثر خطورة، على سبيل المثال يحاول المراهق الذي يتعاطى المخدرات والكحوليات إلى إخفاء الأماكن التي ذهب إليها، والأشخاص الذين كان معهم، والمخدرات التي تعاطاها، والوجه الذي أنفق فيه نقوده.
6-الكذب الانتقامي:
فقد يكذب الطفل لإسقاط اللوم على شخص ما يكرهه أو يغار منه، وهو من أكثر أنواع الكذب خطراً على الصحة النفسية، وعلى كيان المجتمع ومثله وقيمه ومبادئه، ذلك لأن الكذب الناتج عن الكراهية والحقد هو كذب مع سبق الإصرار، ويحتاج من الطفل إلى تفكير وتدبير مسبق بقصد إلحاق الضرر والأذى بمن يكرهه، ويكون هذا السلوك عادة مصحوباً بالتوتر النفسي والألم.
وقد يحدث هذا النوع من الكذب بين الأخوة في الأسرة بسبب التفرقة في المعاملة بين الأخوة، فالطفل الذي يشعر بان له أخاً مفضلاً عند والديه، وأنه هو منبوذ أو أقل منهº قد يلجأ فيتهمه باتهامات يترتب عليها عقابه أو سوء معاملته، كما يحدث هذا بين التلاميذ في المدارس نتيجة الغيرة لأسباب مختلفة.
ماذا تفعل عندما يكذب الطفل أو المراهق:
يجب على الآباء أن يقوموا بالدور الأكبر في معالجة أطفالهم، فعندما يكذب الطفل أو المراهق ينبغي على والديه أن يكون لديهم الوقت الكافي لمناقشة هذا الموضوع مع أبنائهم، وأجراء حديث صريح معهم لمناقشة:
- الفرق بين الكذب وقول الصدق.
- أهمية الأمانة في المعاملات في البيت والمجتمع.
- بدائل الكذب.
- كذلك من المهم أن نتعرف عما إذا كان الكذب عارضاً أم عادة عند الطفل، وهل هو بسبب الانتقام من الغير أو أنه دافع لا شعوري مرضي عند الطفل، وكذلك فإن عمر الطفل مهم في بحث الحالة حيث أن الكذب قبل سن الرابعة لا يعتبر مرضاً ولكن علينا توجيهه حتى يفرق بين الواقع والخيال، أما إذا كان عمر الطفل بعد الرابعة فيجب أن تحدثه عن أهمية الصدق ولكن بروح من المحبة والعطف دون تأنيب أو قسوة، كما يجب أن تكون على درجة من التسامح والمرونة، ويجب أن تذكر الطفل دائماً بأنه قد أصبح كبيراً ويستطيع التمييز بين الواقع والخيال.
- كما يجب أن يكون الآباء خير مثل يحتذى به الطفل فيقولون الصدق، ويعملون معه بمقتضاه، حتى يصبحوا قدوة صالحة للأبناء، وجدير بنا ألا نكذب على أطفالنا بحجة إسكاتهم من بكاء أو ترغيبهم في أمر من الأمور فإننا بذلك نعودهم على الكذب، وعن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \" من قال لصبى: هاك (أي أقبل وخذ شيئاً) ثم لم يعطه كتبت عليه كذبة\".
- كذلك يجب عدم عقاب الطفل على كل خطأ يرتكبه مثل تأخر عودته من المدرسة، أو زيارة لصديق بدون إذن، أو القيام بعمل بدون علم والديه فإنه سيضطر للكذب هروباً من العقاب، وليكن في كلامنا لأطفالنا التوجيه والنصيحة، ولكن قد نلجأ إلى العقاب أحياناً.
- إثابة الطفل على صدقه في بعض المواقف فذلك سيعطيه دافعاً إلى أن يكون صادقاً دائماً، وإشعاره بثقتنا في كلامه، واحترامنا وتقديرنا له.
- أن نقص لأطفالنا قصصاً تعطى القدوة، وهناك قصصاً عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كثيرة، وأدبنا العربي غني بمثل هذه القصص.
- أن يكون لنا دور في اختيار أصدقاء أطفالنا من خلال معرفتنا بأهلهم، ومعرفة أنهم على خلق كريم، فصديق السوء قد يدفع بصاحبه ليس إلى الكذب فقط إنما إلى تصرفات كثيرة مرفوضة.
- وأخيراً إذا اعتاد الطفل على الكذب كنمط مستمر في سلوكه وأقواله فيجب حينئذ طلب الحصول على مساعدة متخصصة من طبيب نفسي.
إن استشارة الطبيب النفسي المتخصص سوف يساعد الأبناء على فهم أسباب هذا السلوك المرضي، وعلى وضع التوصيات المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة في المستقبل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد